المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لسان العالِم......وسوط السلطان مقال للاستاذ صلاح جاسم الحميري



الدكتور عادل رضا
03-24-2005, 08:20 PM
لسان العالِم .... وسوط السلطان

صلاح جاسم الحميري

بسم الله الرحمن الرحيم

عاملان كفيلان بالسيطرة على مقدرات المجتمع في أي مكان وزمان بعد السيطرة عليهما . هذا ما عرفه الغرب قديماً ... وبما إن المشروع الغربي القديم هو احتلال الشعوب والسيطرة عليها مع استمرار هذا المشروع إلى يوم ظهور دولة العدل العالمية لذا فإن بسط النفوذ والسيطرة على العالم يحتاج إلى قواعد عسكرية لتمركز القوات أولاً ونفقات مادية طائلة ثانياً.

لذا أصبح من أولى استراتيجيات الثالوث المشئوم بسط السيطرة على العراق ليكون نقطة الانطلاق للسيطرة على باقي الدول... وتم ترشيح العراق لسببين:

السبب الأول :

لما يتمتع به العراق من موقع جغرافي مهم بالنسبة للعالم عامة والعالم الإسلامي خاصة.

السبب الثاني :

وفرة المعادن وامتلاكه ثاني أكبر احتياطي في العالم ليكونا كفيلين بسد نفقات الجيوش التي تغزو العالم.

ولكن مشروع احتلال العراق ليس وليد اليوم...؟ بل هو مشروع قديم... حيث بدء منذ خروج القوات البريطانية من العراق... فأصبحت بريطانيا هي المخطط الرئيسي لهذا المشروع وأمريكا هي الجهة المنفذة (وإسرائيل هي الجهة المقيمة).

وكان فحوى التخطيط البريطاني هو السيطرة على سلطتين رئيسيتين وهما:

· السلطة التنفيذية المتمثلة بالسلطان.

· السلطة التشريعية المتمثلة بالعالِم (رجل الدين).
وكان التخطيط البريطاني للسيطرة على السلطتين أعلاه من خلال عدة أمور:

الأمر الأول :

دعم الحركات التبشيرية في العراق... ومن بعدها تكوين وإيجاد الحزب العفلقي وإعلان ولادة حزب البعث الكافر.

الأمر الثاني :

استقطاب الشخصيات المناسبة من وجهة نضرهم والمعدومة في الوسط العراقي ومن أفراد حزب البعث الكافر وتربية هذه الشخصيات على المبادئ والقيم العفلقية ... وتمخض هذا الأمر عن اختيار صدام حسين حيث معلمه ذلك النصراني (ميشيل عفلق)؟ ليكون هذا الشخص هو السكين القاتل لأي زعيم ديني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

الأمر الثالث :

وهذا الأمر أهم من الأمرين السابقين حيث يقضي بزج العملاء في المؤسسة الدينية الشيعية (الحوزة العلمية) دون غيرها؟ وحصولهم على درجة الاجتهاد ربما!!
وهذا الأمر جاء نتيجة سببين مهمين:-

السبب الأول :

إن المؤسسة الدينية هي المؤثرة في الساحة العراقية من خلال إصدار الفتاوى ضد المحتل وكما حصل أبان ثورة العشرين... فإن هذه المؤسسة هي التي قادت المعركة ضد البريطانيين.

السبب الثاني :

إن المجتمع الشيعي لا يأخذ أوامره من حكومة وضعية ولا يعتبر السلاطين هم ولاة الأمور ! على عكس المجتمع السني والذي يعتبر السلاطين هم ولاة الأمور.حيث إن مذهب الشيعة الإمامية يعتبرون الولاية العامة هي للأئمة المعصومين عليهم السلام ... ومن بعدهم العلماء العاملين وبالخصوص أصحاب الولاية العامة وحسب ما جاء عن الإمام القائد المنتظر (ع) في توقيعه ( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) وهذا التوقيع وبلسان السيد الشهيد الصدر الأول حيث يقول ( هذا التوقيع دلالة على ولاية الفقيه بقرينة الحوادث الواقعة) ... لذا فإن التزام الإمامية بولاية الفقيه فقهياً يمثل تطوراً نوعياً في النظرية السياسية لدى قادتهم ...

وهذه الأسباب الثلاثة أعلاه هي التي جعلت بريطانيا أن تتخذ موقفاً حتمياًً بدخول وتفكيك هذه المؤسسة العظيمة !! وبالتالي السيطرة عليها من خلال تخرج أعداد يعتد بها من طلبة الدين المزعومين؟

وهنا بات الأمر واضحاً... حيث استطاعت بريطانيا من السيطرة على السلطتين :

السلطة التنفيذية( المتمثلة بصدام )..!!

والسلطة التشريعية (المتمثلة بالعلماء العملاء)..!!

وهنا تمكنت بريطانيا وشريكها الشيطان الأكبر من تحقيق أمرين مهمين :-

الأمر الأول :

نسف أي مشروع إسلامي يهدف إلى تغيير وإصلاح هاتين السلطتين

الأمر الثاني :

قطع أي رابطة أو علاقة ما بين المصلحين الربانيين والقاعدة الجماهيرية مما أدى إلى عزلهم وجعلهم في وادٍ ضيق غير الوادي الذي تقطنه الجماهير المتعطشة لفكر هؤلاء...

وإن السلطتان السابقتا الذكر كانتا عاملان مشتركان لتحقيق الأمرين أعلاه وكان أفضل تجسيد لشراكة السلطتين في تحقيق الأمرين السابقين هو:

1.الانقضاض الشرس على المصلح الرباني الأول السيد محمد باقر الصدر (رض) في نهاية السبعينيات ..وتدمير مشروعه الإصلاحي الكبير والذي دعا فيه إلى نقطتين جوهريتين:

النقطة الأولى : إصلاح المؤسسة الدينية من خلال تصفيتها من العملاء ومن خلال تغيير مناهجها الدراسية وكذلك تغيير طريقة التدريس.

النقطة الثانية : تغيير نظام الحكم في العراق من نظام فردي دكتاتوري استبدادي تعسفي ضال إلى نظام إسلامي يضمن حقوق الأقليات والقوميات وبناءاً على نظرية( ولاية الفقيه) فكان رد الفعل هو تطاول يد الكفر والإلحاد المتمثلة بحزب البعث،

وأُضمرت أداة النطق للمؤسسة الدينية وانتهى الأمر باستشهاد المصلح الأول السيد محمد باقر الصدر بتاريخ 9/4/ 1980.

2. الانقضاض الشرس على المصلح الرباني الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر (رض) في التسعينيات والذي أخّر الغزو الأمريكي على العراق في بادئ الأمر.. وتم تدمير مشروعه الإصلاحي الكبير والذي كان مطابقاً لمشروع الصدر الأول تماماً فكانت النتيجة نفس نتيجة الصدر الأول وهي استشهاد المصلح الثاني (رض) مع نجليه على أيادي البعث الغربي المجرم بمشاركة الصمت المطبق في المؤسسة الدينية ...؟؟ فما معنى هذا السكوت... ولصالح من يعملون... ألا يقرؤا قول الإمام علي (ع) في نهج البلاغة ( ... وما أخذ الله على العلماء، أن لا يُقارّوا على كِضّة ظالم ولا سَغب مظلوم) ‍سبحان الله .....!!

وبعد المعركة ضد المصلحين الصدرين الكبيرين والتي أدت إلى تصفيتهما حصل ما يلي:

1. حدوث فراغ كبير داخل المؤسسة الدينية... ومن ثم ملئ هذا الفراغ بالعلماء العاملين لصالح الطاغوت من حيث يشعرون أو لا يشعرون ... والله العالم ؟‍‍‍‍‍‍‍...وهنا تمت السيطرة على فُتيا هذه المؤسسة نوعاً ما ؟؟

2. جعِل السلطة التنفيذية المتمثلة (بصدام ) أن تظهر بمظهر القوي الذي لا مضاد له والعياذ بالله(فالله أكبر على كل جبارٍ متكبر)..

3. جعل القاعدة الجماهيرية تبتعد كل البعد عن المؤسسة الدينية لعدم وجود من يسمعهم ويعيش همومهم ويأكل مأكلهم ويلبس ملبسهم ويأمرهم بالعدل والإحسان ولكن بفضل الله تبارك وتعالى وفي خضم هذا المعترك الشائك حصلنا على بعض النتائج الإيجابية والقيّمة والنابعة من الرافدين الصدرين العظيمين ألا وهي:

النتيجة الأولى : ارتفاع مستوى الوعي لدى القواعد الشعبية ومعرفتهم لما يدور داخل المؤسسة الدينية... وبدأت القواعد تعرف معنى التقليد ... ومعنى الولاية... ومعنى القيادة.

النتيجة الثانية: تهيأة قاعدة جماهيرية يُعتد بها لنصرة أي مصلح يظهر على الساحة العراقية عالماً ربانياً كان أم قائداً ... ولنصرة الإمام المنتظر (ع) عند ظهوره

النتيجة الثالثة: رفع المستوى الفكري والعقائدي لدى الجماهير والفهم الإسلامي الواعي والداعي إلى ظهور قيادة ربانية " فوق مستوى المرجعية " ..وهذا بات واضحاً في شعارات ورثة الصدرين (رض)..

وبعد ذلك ارجع بإذن الله إلى الأمر الأول والثاني والأمر الثالث ... فكانت النتيجة هي غزو العراق أو دخول العراق باتفاق مسبق مع السلطتين بطبيعة الحال؟؟ وهنا قامت الدول المحتلة بنهب الخيرات وهتك الحرمات وتخريب المقدسات وسفك الدماء الطاهرة البريئة ولم نجد واحد يتكلم .. ولم نجد رادعاً ولا ناطقاً... سوى ما تركته لنا النتائج السابقة من وجود إرث يعتد به... حيث نهضوا ورثة الصدرين وعلى رأسهم قائدهم الصدر الثالث بمقارعة قوى الإرهاب والاحتلال وبمدد من الفيض المهدوي واستطاعوا كشف وتدمير أكثر مخططات الثالوث المشئوم وهذا لم يكن في حساباتهم ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ... وبعد ثورة الصدر الثالث والنهوض بمشروعه الإصلاحي... ساد المؤسسة الدينية صمت واضح؟؟ سبحان الله...

أهذا الصمت جزء من واجبهم الملقى على عاتقهم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟ الله العالم !!

وبهذا الصمت والسكوت منيت المؤسسة الدينية بهزيمة سياسية كبيرة وكادت أن لا تكون شيء في الساحة الشيعية... لولا تدخل المحتل وباستراتيجية قديمة ومعروفة رجّع لها هيبتها وشيبتها ..؟ وكما تعرفون... وهذا التدخل كان تمهيداً للوصول إلى مرحلة الانتخابات؟

وهنا يراودني سؤال واحد مهم ؟ أن علماء الدين في المؤسسة الدينية لم يجمعوا أمرهم منذ مئات السنين فكيف أجمعوا أمرهم حول موضوع الانتخابات وصدور فتاوى متطابقة تماماً ؟؟ وظهرت الصيحات من كل حدب وصوب تصرخ بوجوب الانتخاب.. ولكن عندما كان الصدر الثالث يدافع عن المقدسات والحُرمات والمستضعفين لم نسمع أي صوت لا من بعيد ولا من قريب سوى صوت المدافع والطائرات... أليس غريباً ما يحدث..!! أليس من حقنا أن نتسائل لِمَ هذا الصمت الذي هو كصمت القبور... نعم الجواب معروف ... أنهم دأبوا على ترك قادة الدين والعلماء الربانيين وحدهم في مقاومة المستبدين... عمداً أو من غير عمد .. الله العالم..! فبالأمس. تركوا الصدرين... واليوم تركوا الثالث(اعزه الله)

ولكن معه من هو أكبر... معه الله سبحانه وتعالى... فليس له من دونه ولي ولا نصير... ولا نرغب بنصرة غيره مطلقاً فهو الواجد... والناصر لمن ينصره.. وعلى أية حال فبعد ضجيج وجوب الانتخاب وتسلط الأجهزة القمعية على رقاب الناس... وبغطاء شرعي لكل ما يجري ويحصل .

أستطيع أن أطرح خلاصة بحثي هذا بأن :

الحكم اليوم أصبح للعالِم والسلطان...

فالعالم يتكلم بسوط السلطان ...

والسلطان يحكم بلسان العالم ...

وهذا هو الحاصل اليوم في بلاد علي والحسين (ع) ولكن يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وعلينا أن نلتفت بما صرح به القرآن الكريم (( إن يمسّكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين) وقوله تعالى( إنّا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما أُستحفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) وقوله تعالى ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووُضِع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقُضي بينهم بالحق وهم لا يُظلَمون).

وبالنتيجة أقول بإذن الله تبارك وتعالى إن الله تعالى هو مصدر السلطات جميعاً وهذه حقيقة كبرى.. وتعتبر هذه الحقيقة أعظم ثورة شنّها الأنبياء ومارسوها في معركتهم من أجل تحرير الإنسان من عبودية الإنسان... وتعني هذه الحقيقة إن الإنسان حر ولا سيادة عليه وأنما السيادة لله الواحد القهار وتحت شعار ( لا إله إلاّ الله) وتختلف هذه السيادة اختلافاً حقيقياً عن السيادة التي استغلها الطغاة والجبابرة في التحكم والسيطرة على الآخرين... فإن هؤلاء وضعوا السيادة أسميا لله كي يحتكروها واقعياً وينصّبوا من أنفسهم خلفاء لله على الأرض...

ومن هنا أُريد أن أؤكد في نهاية البحث على أن الواجب الديني يحتّم علينا أن نكون جادّين ودقيقين في فهم واستيعاب العمق الفكري والسياسي والاجتماعي للصدرين (رض) على مستوى حركتنا وسعينا الحثيث باستكمال وتطوير الجهود الفكرية والمعرفية في بناء عناصر ومعطيات المشروع الإسلامي الكبير والمتمثل في التمهيد لدولة العدل المطلق في ظل التحديات المعقّدة مع قائدنا الصدر الثالث (أعزه الله) لنكون مصداقاً للآية الكريمة في قوله تعالى ( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

صلاح جاسم الحميري


جميع الحقوق محفوظة للممهدون. نت

Copyright © mumehhidon.net
All rights reserved 2005