المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوميات أمير منبوذ .... الحسن الثاني بكى الملك حسين.. ولحق به بعد شهور



ريما
06-12-2014, 05:51 AM
يوميات أمير منبوذ (14)


http://www.alqabas.com.kw:82//sites/default/files/imagecache/original_image/article/original/2014/06/11/560735.jpg

الملك حسين خلال زيارته للمغرب إلى جانب الحسن الثاني في عام 1997


تأليف: الأمير مولاي هشام *** ترجمة واعداد: سليمة لبال

يتحدّث مؤلف كتاب «مذكرات أمير منبوذ» في الحلقة الرابعة عشرة، عن العلاقة غير المتكافئة بين الملك الحسن الثاني وحاشيته والمحيطين به، الذين كان يزدريهم، ويعتبر أن لكل واحد منهم سعراً، بينما استبعد من لم يستطع شراءهم.

ويتطرّق الكاتب إلى علاقته بالملك في الفترة التي أعقبت تخرّجه في جامعة ستانفورد عام 1997 وإنشائه مشروع تربية الأسماك والربيان في أبوظبي، قبل أن يعود إلى المغرب خلال خطوبة شقيقته، ولكنه منع من الظهور مع الملك على التلفزيون، بأمر من الأخير. ولم يظهر على الشاشة إلا بعد وفاة الحسن الثاني عام 1999.



بين عشية وضحاها، ألغى البنك الشعبي المغربي شراكته معي، من أجل تطوير مشروعي العقاري، وبهدف خفض أسعار الأراضي التي تمت تهيئتها في الناظور، تم تحويل مطار عسكري إلى منطقة إنشاءات، وحين اقترح إدريس البصري الفكرة على الملك، اعترض ضابط سام، بحجة استحالة نقل القوات بسرعة في حال اندلاع تظاهرات شعبية.

كان الحسن الثاني يرغب في التضييق علي، وبالفعل لم أتمكن من بيع أي قطعة أرض في ما بعد، ووجدت نفسي أمام نصف المساحة (54 هكتاراً) التي قمت بتهيئتها كلها، لكن هذا ليس هو كل شيء، فالقصر حشرني وضيق علي، حتى أرتد إلى رجل أعمال من الريف، هو في الواقع تاجر مخدرات، تم وضعه في طريقي.

لو بعت لهذا الرجل الارض، لوجدت نفسي متورطا في قضية تبييض أموال المخدرات، وقد حدثني رئيس مكتب الــ «سي اي اي» في المغرب على هامش مباراة كرة سلة في المدرسة الاميركية، حدثني سرا عن الموضوع كي يحذرني.. بعد أن نجوت من الفخ، وجدت مقاولا آخر ليساعدني في تجاوز المشكلة، ويتعلق الامر بميلود شعبي. انه رجل شعبي وعصامي ورجل اعمال يعمل مع النظام منذ سبعينات القرن الماضي.

كان هذا الرجل قد جاء في اكتوبر 1996 لتهنئتي على المقال الذي نشرته في «لوموند دبلوماتيك» ووصفه بالشجاع، وقد وجدت حرجا في أن اقترح عليه شراء المشروع، لكني في النهاية عرضت عليه الأمر فقبل، لكن في اليوم الذي كنت على موعد فيه معه، لتناول الغداء، وتسلم الشيك في مراكش، أعاد النظر في الموضوع، وقال لي «لقد التقيت هذا الصباح إدريس البصري، وليس هذا الأمر صدفة. لقد حذرني البصري، وقال لي يريد الملك أن يؤدب ابن شقيقه، وأنت تضع نفسك في طريقه.. احذر.. في مثل هذه الظروف، أنت تفهم أنني لن أستطيع إتمام العملية معك».

كيف؟ صرخت ساخطا، وأغلقت الهاتف، ثم اتصلت مباشرة بإدريس البصري، مستعملا مكبر الصوت، وسألته: «هل طلب منك الملك تهديد صديقي؟».. بالطبع كانت الاجابة لمن يعرف النظام من الداخل لا تحمل أدنى شك «لا أيها الأمير، لقد أخذت زمام المبادرة واعتقد اني قمت بالأفضل».

بدأ ميلود شعبي يشك في الأمر، لكنه لم يقتنع بعد، فقلت له «تعال سنذهب للقصر من أجل التحقق من الامر لدى الملك شخصيا».

ركبنا سيارتي، وها نحن على الطريق.. كان أمن القصر يعرفني لذلك اجتزنا كل الحواجز، إلى أن وصلنا الى حاجز القائد مرجان، الذي يقف امام باب الحسن الثاني. وخلف ظهر ميلود شعبي غمزت له، في اشارة الى مكافأة مالية مني إن مشى معي في اللعبة.. سألته «هل نستطيع رؤية الملك؟».

فأجاب: بالطبع أيها الأمير، فسيدنا سيستقبلك «لكن فكرة مقابلة الحسن الثاني شلّت ميلود شعبي. فقبل سنوات من أول انقلاب عسكري، قام شعبي بالترحيب علنا بــ «الخلاص» الذي سيجلبه هذا الانقلاب للبلاد. لقد غادر البلاد مسرعا ثم جمع ثروة طائلة في ليبيا القذافي، وفي مصر، لذلك طلب مني التراجع «مولاي أنا أصدقك، لا توجد مشكلة، سأشتري منك الاراضي مثلما هو متفق عليه».. وبالفعل، تمت الصفقة واصبح شعبي صديقا حقيقيا لا يرفض لي أي طلب، وقد انتظر حوالي عشر سنوات من أجل رفع أسعار اراضي الناظور قبل ان يتمكن من اعادة بيعها من دون خسارة.

علاقتي باليوسفي


في أكتوبر 1996، وبعد بضعة أسابيع من صدور مقالي في لوموند ديبلوماتيك تقرّب مني عبدالرحمن اليوسفي، وقد تحدثنا مطولا عن المستقبل، حيث اكتشفت فيه رجلاً شريفاً وحقيقياً يرغب في خدمة بلاده، وهو ايضا سياسي فطن. فقبل ان يغادر الى منفاه في كان بين عامي 1993 و1995، جاء لرؤيتي حتى انقل للحسن الثاني الرسالة التالية «هناك ألعاب صغيرة تحاك من حولك، وعلى الخصوص من قبل إدريس البصري ورضا قديرة». وكان ادريس البصري، احد المستشارين الأكثر تأثيراً في الملك.

نقلت إلى الملك هذه الرسالة، فصدم الملك من أن يطعن «لواطي عجوز وشاب وغد».. وهذه كلماته في المقربين منه، وكان يقصد عبدالرحمن اليوسفي وأنا، الرسول الذي اشتبه في تواطئه. في الحقيقة هناك أرضية وفاق بيننا، فاليوسفي أدرك أن من مصلحة الامراء وحدهم، استمرار النظام الملكي، وهو ما لم يكن بالتأكيد موقف البصري وقديرة.

كان المحيطون بالملك في غالبيتهم خدماً مسلين، والحسن الثاني كان يدرك ذلك، وكان يزدريهم، ويعتبر أن لكل واحد منهم «سعراً» مثل أي سلعة، لكنه استخلص من هذه الحقيقة نتيجة مفاجئة، وهي إبعاد الأشخاص النادرين الذين لم يكن لهم ثمن.

لقد كان الحسن الثاني يستعمل كل الطرق، كالقوة والشرف والمال من أجل اخضاع مقربيه.. وان لم ينجح في ذلك يستخلص ما يلي «برافو، أنت استثناء القاعدة، إذن سنراك مرة في السنة في بوفيه حفل الجلوس على العرش. شكرا والى اللقاء».

قبل حديثي الى اليوسفي في عام 1996، حذرته، وان كنت اعتقد ان الانتقال الديموقراطي او ما اصطلح على تسميته في المغرب بــ «التناوب التوافقي» سيساهم في استقرار المملكة، فانه من المحتمل أن يبقى عدوا لعمي، وهو ما وضعني في موقف أخلاقي حساس. ولم اقبل الحديث معه الا بعد ان يطلع الملك وهو ما التزم القيام به.

على هذه القواعد قلت لليوسفي انه في حال الاتفاق مع الحسن الثاني، سيكون على الأعمال وليس السلطة. وسألته «هل سيكون أمامك هامش للتحرك للتقدم من أجل تغيير الأشياء في اطار ميثاق سيكتنفه الغموض قليلا وسيراقبه الملك في كل مراحله؟»

فأجابني «سأنجح إن كنت أملك دعم الخارج والأغلبية في الانتخابات، وحركية في المجتمع، وحق ادارة أهم ملفات البلاد. وهذا سيسمح لي بأن اكون على اهبة الاستعداد ان حصل ما يجب ان يحصل».

كان اليوسفي قد اطلع من قبل الفرنسيين على الوضع الصحي للملك، وكان يعتقد أن التحكم في الدائرة التي تشكل الحكومة والبرلمان والادارة الفنية ستعزز مكانته في حال وفاة الملك.

غير ان ماريو سواريس الذي كنت على علاقة جيدة به، اكد لي في تلك الفترة أن اليوسفي يبحث عن التموضع لأنه يعرف أن الملك عاجز ويشرف على النهاية، وأن العديد من السيناريوهات التي تدور حول مولاي رشيد وأدريس البصري والعسكر، كانت في رأسه.

وأعتقد ان اليوسفي كان يملك نقاط القوة التي تسمح له بتنفيذ استراتيجيته، لكنه كان على رأس حزب لم يكن مواكبا للواقع. حيث فقد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حيويته خلال سنوات معارضته الطويلة للنظام.

ويقول احد مساعدي اليوسفي المقربين انه كان رجل «الاجهزة»، الذي كان يطلع القصر بالوقائع والسلوكيات.


إلى أبو ظبي

حصلت على شهادتي من ستانفورد في يونيو 1997، وعوض أن أعود إلى المغرب الذي كان يشهد بداية نهاية عهد الحسن الثاني، توجهت نحو أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة. لقد كنت أشعر بأن لا مكانة لي في بلادي، وكانت تنتابني مخاوف من أن أقع في شراك انتقال السلطة الذي يستعد له المغرب. وعليه التحقت بصديق طفولتي الشيخ محمد بن زايد دون المرور بالمغرب. كان رد فعل الحسن الثاني ايجابيا، فالملك من دون شك مرتاح، لأنه أبعد عن نجله البكر توترات ما تزال بيننا. وانا ايضا وجدت نفسي. ففي ابوظبي أطلقت مشروعا لتربية الأسماك والربيان، حيث ادرجت شركتي التي أطلقت عليها اسم «أسماك» في البورصة في فترة قصيرة.

كانت علاقتي قوية جدا بمحمد بن زايد، وكنت أقدم له النصيحة بشأن عدد من الملفات الحساسة جدا، كما كنا نخرج أحيانا معا ومن دون ترتيب في الليل. لقد كان يوقظني حتى أكون في المطار بعد ساعة، فأتساءل إن كان علي ان أجلب السيد سيغ سوير، وهو سلاح نمساوي، يعني أننا سنذهب الى باكستان او أفغانستان أو الى أفريقيا، او الى السيد رالف او رالف لوران مما يعني ان وجهتنا ستكون اوروبا.


خطوبة شقيقتي

في نهاية الصيف، كانت خطوبة شقيقتي مناسبة لظهوري علنا مع الحسن الثاني. كان الجو لطيفا، وإن كان فريق الإذاعة والتلفزيون المغربي أبلغني أن الملك أمر بعدم تصويرنا مع بعض. ويبدو أن ذلك تم ليتجنب أي مشاكل مع سيدي محمد. وأما على التلفزيون الحكومي فلم يرني الجمهور إلا بعد سنتين خلال جنازة الملك.

بعد جمع الشمل خلال حفل الخطوبة، أصبحت أزور الحسن الثاني كل شهرين أو ثلاثة، وفي كل مرة كنت أزور فيها المغرب، وغالبا ما اكون برفقة ابنتي الكبرى. لقد كانت علاقاتنا هادئة وعائلية وكان الملك يردد دوما أنه الجد «العلوي» لأطفالي.

في تلك الفترة هزل الملك كثيرا بعد أن نخره المرض.. لقد كنا نتحدث بحرية عن المغرب والسياسة و«تجربة التناوب» الجارية.. لقد أصيب الملك بخيبة أمل من التجربة لانها في نظره بددت اوهام اليسار كقوة وكبديل حقيقي، «كان علي ان اشركهم في الحكومة قبل 15 عاما»، ثم حاول اغاظتي بالقول ان اصدقائي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هم في الواقع «مبتذلون»، فاجبته بأنهم لم يعودوا اصدقائي لأنهم «تخلوا» عني لمصلحة نجله.

في نهاية حياته، ادرك الحسن الثاني أنه ليس من جيل الأنترنت، وانه لم يعد ينتمي الى عالم الشباب الذي يمثل غالبية شعبنا، وكان يقول لي «كان بمقدوري ان أفهم البيتلز لكني لا أفهم الراب».

كما ان الملك انتهى الى امر بديهي، وهو ان الحرية شيء يسحر الناس ويفتنهم، وبات يتساءل ان كان مستقبل المملكة الشريفية يتوقف على الحصول أموالانتزاع او المنح، أو على حريات المواطن الكبرى؟

قرر الحسن الثاني عدم عرقلة هذه المسيرة باتجاه المستقبل، وان كان يأمل ان يبقى كل شيء في مكانه الى غاية رحيله، كما اكتشف في تلك المرحلة الانفتاح الاقتصادي، وقرر بيع ترخيص لهاتف جي أس أم، ما سمح للدولة بجني 1. 5 مليارات دولار. وعلينا أن نقول ان الأمر يتعلق هنا باحدى اولى المناقصات التي تتم من دون سمسرة ومن دون «رسالة» سياسية، عكس الترخيص الذي تم منحه للكنديين، والذي كان يراد منه توجيه رسالة لفرنسا اثناء الازمة بين باريس والرباط.


منعطف درامي

أصبح عبدالرحمن اليوسفي في 4 فبراير 1998 رئيسا للوزراء. لكن، وبعد الاعلان عن تجربة «التناوب التوافقي» بعد بضعة أسابيع فقط، أخذت الزيارة الرسمية لليونيل جوسبان، وكان حينها رئيساً للحكومة الفرنسية، منعطفاً درامياً، حيث قال جوسبان لليوسفي علناً «كل مؤسسات الجمهورية الفرنسية خلفك». وهذا يعني أن الملك انتهى، غير ان الحسن الثاني انتبه بسرعة إلى أن التكنوقراط في المعارضة بصدد كسر علاقته بالسلطة، ولم يكن الخبر جيداً بالنسبة له، حيث لم يجد لديه أي دعم، وكان يرغب في أن يساهم هذا الانفتاح على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في استقرار العرش وفي تقوية نظامه، حتى لا يكون في الصف الاول قبالة الشارع.

لم تكن علاقتي بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جيدة جدّاً، حيث كان همّ الاشتراكيين هو الاقتراب من ولي العهد، وهو ما قاموا به بحماسة. فعلى سبيل المثال، وبينما كنت مدعوّاً من قبل جمعية بوعبيد في الرباط من أجل القاء خطاب حول الانتقال الديموقراطي في العالم العربي، أُبلغت في اللحظة الاخيرة بتعديل البرنامج.

لقد تم حذف اسمي، وحل مكاني سيدي محمد. في ذلك اليوم خرج سيدي محمد من الظل ودخل عالم السياسة، لذلك ابتعدت وضاعفت مهامي الخاصة بمراقبة الانتخابات لفائدة مؤسسة كارتر في فلسطين في البداية، ثم الانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل 1998.


آخر هدية

في 14 يوليو 1999، كان الحسن الثاني ضيف الشرف في استعراض شهده الشانزلزيه في باريس، وقد أهداه الحسن الثاني الهدية الأخيرة. لقد كان الحسن الثاني يعرف منذ بضعة شهور أن وفاته أوشكت، فحين كان الملك حسين يعاني سكرات الموت في فبراير، تابعت معه تقارير نهاية عهده ساعة بساعة على الــ «سي ان ان». لقد كانت لحظة من اللحظات النادرة التي رأيت فيها الحسن الثاني يذرف دمعة. لقد تأثر كثيرا، لأن الأمر يتعلق بنهاية عهد وفترة هي فترته. لقد رأى دنو أجله في وفاة ملك الأردن، كما كان يشعر اكثر فأكثر بالتعب، ولا مجال لاقتراح فترة من الراحة عليه، او التراجع عن متابعة الملفات.

وحين كسرت التابو، رمقني الحسن الثاني مباشرة في عيني، وقال لي «أنا الملك، وهذه وظيفة تمارس طول الوقت». لم يتناول الحسن الثاني أبداً حبة منوم أو مهدئ في حياته، لقد كان يرغب في أن يكون في كامل قواه العقلية في كل لحظة، وإن في الحالات التي كان يعاني فيها من الألم، كما انه لم يتناول أبدا فيتامينات او مكملات غذائية، لقد كان قوي البنية، وواجه الموت وحين رآه قادماً لم يخضع له، وإنما انتظره.



الحلقة المقبلة:

هكذا أُبعدت عن القصر بعد وفاة الحسن الثاني


http://www.alqabas.com.kw/node/872513