المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب لبنان بعد الحريري.. هدوء يقطر منه العذاب



المهدى
03-19-2005, 05:16 PM
بيروت ـ إسماعيل فقيه

اغتيال الرئيس رفيق الحريري، شكل صدمة كبيرة في الواقع اللبناني، وعلى مختلف المستويات. واذا كان الوضع السياسي يزداد تعقيدا بعد هذا الغياب لمؤسسي «الدولة الحديثة» فإن الامور الاخرى ليست بأحسن حالا، واذا ما توقفنا عند التأثيرات المباشرة في الوضع الاقتصادي جراء هذا التحول الخطير، نجد الوضع في حالة سيئة، ويزداد هذا السوء يوما بعد يوم ونتلمسه اكثر حين نسمع الخبير الاقتصادي مروان اسكندر يقول: «الخسائر الحقيقية هي ما يعانيه لبنان حاليا وبشكل يومي لجهة تراجع الطلب العام على البضائع والخدمات وتقلص الحجوزات في الفنادق والمؤسسات السياحية والسفر»، ويؤكد اسكندر انه «في احسن الظروف، اي في حال تجاوز مرحلة الاحتقان السياسي، فإن الاقتصاد لن يشهد نموا هذا العام..».

الوسط التجاري الذي جهد من اجل اعادته الى ايام عزّه الشهيد رفيق الحريري، وهو بالفعل نجح في اعادته الى افضل مما كان، وصار مركزا تجاريا مهما يجذب كل الجنسيات اليه، وبات علامة الامان: الاقتصادي والتجاري والسياحي، في مرحلة حكم الرئيس الراحل.. هذا الوسط التجاري هو اليوم، كما لو انه تعرض للاغتيال ايضا، باغتيال باني مجده، ولا يحتاج الامر الى توصيف كبير للوصول او لرسم صورة الموت المفاجئ لهذا المرفق التجاري الذي هو قلب بيروت النابض وتاليا، قلب لبنان.

ليل الوسط التجاري قبل غياب الرئىس الحريري كان اشبه بكرنفال دائم: حركة سياحية ناشطة، مطاعم، محلات تجارية، زوار من جميع الجنسيات ترتاد المقاهي والمطاعم والفنادق، سهرات حتى الصباح على انغام واصوات واضواء، حفلات واعراس واجواء فرح كأنها طقوس دائمة خصصت لهذا المكان.

استمر هذا «الكرنفال» طويلا بعيد انجاز اعادة اعمار ما تهدم وحتى اليوم الاخير في حياة الرئىس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005 الساعة الواحدة الا خمس دقائق. بعد هذا التاريخ المؤلم انقلبت الصورة وتحولت تدريجيا الى ما يشبه الفراغ الكبير. ففي كل يوم، يخف المشهد المتلألئ، ويشحب الوقت، وتتلاشى صورة الوسط التجاري المعهودة، فلم يعد المشهد مغريا، وبات ليل المدينة غير ذلك الليل المذهَّب بالاضواء والحركة والنشاط والسياحة.. بات ليلا ضيقا، يرتاده قلة من البشر، والمقاهي والمطاعم والارصفة التي كانت تضج بالحيوية، باتت تصمت بالسكتة اليومية. في الجهة المقابلة للوسط التجاري اي ساحة الشهداء يرقد جثمان رفيق الحريري ويكتظ حوله الناس في كل ليل، لكن رغم هذه «العجقة» وتلك الحشود التي تزور ضريح الفقيد، يوميا، يبقى الوسط التجاري بمنأى عن هذه الحشود، يبقى فارغا الا من القلة القليلة من الناس.


الفراغ والخوف
في جولتي داخل الوسط التجاري، وكان ذلك في بداية المساء، لم اصدق ما رأيت: ارصفة ملأى بطاولات المطاعم والمقاهي لكنها شبه فارغة من روادها، عمال المطاعم يتذمرون من قلة العمل، أما اصحاب هذه المطاعم، فهم في ذهول لأن الخسائر كبيرة جراء هذا الفراغ الكبير.

> طوني، المسؤول في مطعم «كاسبر غامبيني» لا يفرحه ما يجري ابدا، يتنهد قليلا ثم يقول: «كل يوم نرمي كل الطعام الذي طهوناه، فلا زبائن تأتي. انها خسارة كبيرة».

يعترف طوني ان الخسارة تعدت نسبة الخمسين في المائة، وهي نسبة تزداد يوميا. يصمت قليلا ثم يقول: ان شاء الله يتغير الحال ونعود الى حالة الازدهار «ولكن في الوقت الراهن لا شيء يبشر بالخير، والخسارة تزداد».

> الآنسة ريتا العاملة في مطعم «دانكن دوناس»، تقول: «كنا في السابق، قبل المأساة (اغتيال الحريري) لا نستطيع تلبية الطلبات لكثرة الزبائن، ولكن اليوم، كما ترى، الطاولات شبه فارغة، وعملنا قليل وتاليا، الخسارة كبيرة!

> مقهى «الإتوال» الذي زاره الشهيد الحريري قبل استشهاده بلحظات يعيش الازمة نفسها، ويقول مدير المقهى: «بعد غياب الرئيس الشهيد تغير كل شيء، ولم يعد للمكان ما يبهجه.. ان غياب الرئىس اثر سلبا على القطاع السياحي في الوسط التجاري الى درجة الشلل».

> المطاعم الاخرى مثل: تابو وتشوبستك وفرايدي وغران كافيه والحلاب وغيرها، كلها مطاعم عريقة وكانت تعج بالرواد، هي اليوم تعاني من الخسارة الفادحة. فهناك بعض المطاعم تدفع ايجارات عالية جدا تصل الى مئات آلاف الدولارات في الشهر الواحد، هي اليوم لا تنتج ما يسد ربع قيمة ما هو مترتب عليها وتاليا، تصل خسارتها الى نسبة تتعدى الستين في المائة.

المحلات التجارية ليست افضل حالا من المطاعم والمقاهي، فمحلات «باتشي» او «كيندو» او «محفوظ» وغيرها تعيش الخسارة نفسها وربما اكثر. فالسيدة فران المسؤولة في محلات «كيندو» تقول: الخسارة كبيرة ومبيعاتنا تأثرت كثيرا بما حدث نحن اليوم في حالة تراجع ويمكن القول ان مبيعاتنا تدنت الى الخمسين في المائة، فهل الآتي اعظم؟ تتساءل «المدام» وتحزن، ولا ترغب في الكلام الكثير.


أمر لا يصدق
> استوقفني، اثناء جولتي، حال الزبائن القليلين الذين مازالوا مواظبين على حضورهم الى الوسط التجاري، من هؤلاء طوني عطية الذي قال لي: «يحزنني جدا ألا أرى هنا ذلك المشهد الحياتي الرائع الذي كان يتجلى في كل ليلة. اليوم انقلب المشهد، والحياة في ليل الوسط التجاري ليست معدومة وحسب، بل غابت روح الامل التي كانت تبرز دائما في كل صوت وحركة ونشاط يولد في هذا المكان. بعد غياب الرئيس الحريري، صارت الصورة بالمقلوب، لم يعد المكان يحمل دلالات السلام والامان، انه كما تراه، يوحي بالغربة والغياب والتعب والموت.. فهل هذا هو الامل الموعود لنا، نحن ابناء الجيل الجديد، الذي يحلم بالغد المشرق والمستقبل الزاهر؟!».

> السيدة نوال حمادي، كانت ترتاد احد المطاعم، وتنفخ دخان نرجيلتها بطريقة توحي بالقلق، سألتها عن شعورها وهي ترتاد هذا المكان، فقالت: «صحيح انني هنا برفقة بعض الاصحاب لكنني لا اشعر انني موجودة في المكان الذي تعودت فيه على الحركة والنشاط و«العجقة» الجميلة، جئت اليوم الى هنا لأتابع الامل ولأظل داخل الشعور الجميل الذي تعودنا عليه، لكنني اجد صعوبة في امتلاك هذا الامل بعدما رأيت المكان في حلة مزرية، فلا رواد في المطاعم والمقاهي، والاحتقان السياسي في البلاد ينذر بالعواقب الوخيمة».

تصمت السيدة حمادي قليلا وثمة غصة كبيرة في داخلها، تجعلها غير قادرة على الكلام، واذا تفوهت كثيرا تجهش بالبكاء.

> مجموعة من الشباب: سامر وليلى ووفاء وعلي، جلسوا على طاولة في احد المقاهي يحتسون القهوة، وطاولة هؤلاء الشباب هي الطاولة الوحيدة التي يبرز فيها الحضور، اما باقي الطاولات فهي شاغرة وفراغها يوحي بالخوف اكثر مما يوحي بالهدوء.

سألت الشباب عن سبب حضورهم الى هنا، فأجابوا بصوت واحد: حضورنا هو وفاء للشهيد رفيق الحريري.

> ليلى كركي، كانت تتناول طعام العشاء في احد المطاعم برفقة زوجها وابنهما، قالت: صحيح ان لا مشاكل هنا، لكن الخوف يلوح في كل مكان، ويعود السبب الى ما يحدثه ضجيج الفراغ والاحتمالات التي تجول في ذهن كل من يأتي الى هنا. اما زوجها فقال من الواضح جدا ان الموسم السياحي تأثر كثيرا بغياب الرئيس الحريري، وتحديدا في الوسط الذي اراده الشهيد مزارا لكل العالم.

يصمت الرجل قليلا ثم يقول: «من الصعوبة تعويض الخسارة التي مني بها لبنان بغياب الرئيس الحريري، خصوصا على الصعيد الاقتصادي، ولا اريد التفلسف حول الوضع الاقتصادي، يكفي ا ن تنظر الى ما اصاب الوسط التجاري من حالة ركود، لنكتشف قوة الضربة الموجعة التي وجهت للاقتصاد اللبناني باغتيال الرئيس الحريري.


رمز الحياة
بعد جولة في شوارع وضواحي الوسط التجاري، تكتشف ان الذي جهد طويلا لاعادة الحياة الى هذا الوسط، كان حضوره يبث الامل في هذا المكان، كان بمثابة روح المكان، وحين غاب، غابت معه هذه الروح.

مات رفيق الحريري لكن جثمانه بقي مزروعا في المكان الذي احبه، في ساحة الشهداء، وكأن قدر الشهيد ان يبني المكان من اجل الآخرين ومن ثم من اجل ان يدفن فيه.

هل كان رفيق الحريري يعرف انه سيموت بهذه الطريقة التي لا يمكن تخيلها؟ وهل كان يعرف انه يبني قلب لبنان (الوسط التجاري) ليدفن فيه؟ لا شك ان الشهيد رفيق الحريري مدفون في قلب لبنان، وسيبقى في قلب كل لبناني مهما امتد الزمن وأمعن في تغييب رمز الحياة والبناء: رفيق الحريري.

الوسط التجاري الذي حرص الشهيد على انبعاثه من جديد، كما عاد طائر الفينيق، سيظل خافقا يلفظ اسم سيده، وهذا ليس شعارا من وحي العاطفة.. انه واقع بكل ما يعني الواقع من وقائع.

لمياء
03-21-2005, 03:59 PM
أحياه الحريري فهل يموت معه?

وسط بيروت يدفع ثمن الفوضى السياسية


بعد ان كانت تكتظ من قبل بالرواد تصارع مطاعم وسط بيروت الآن لشغل الموائد القليلة خلال فترة الغداء كما خفضت المتاجر من أسعارها بأكثر من النصف في محاولة لاجتذاب الزبائن.

جذبت الاحتجاجات مئات الالاف من اللبنانيين الى شوارع بيروت منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري قبل أكثر من شهر واصابت الاعمال بالشلل في العاصمة اللبنانية التي اسهم الحريري في اعادة بنائها من انقاض الحرب الاهلية التي استمرت من عام 1975 الى عام 1990 .

وتقول المطاعم والمتاجر ان نشاطها تراجع بما يصل الى تسعين بالمئة.
وقال محمد سنو الذي يدير متجرا صغيرا للملابس »فتحنا ثلاثة أو اربعة ايام فقط خلال الشهر المنصرم لأن قوات الأمن كانت تغلق المنطقة بأكملها من اجل الاحتجاجات سمحوا بدخول الناس الذين يعملون هنا ولكن ما هي الجدوى من فتح ابوابنا اذا لم يكن يسمح للناس بالدخول لم نغط تكاليف الايجار الشهر الماضي هذا هو الشهر الثاني الآن يمكننا الصمود ثلاثة شهور ولكن ماذا يحدث بعد ذلك .. نأمل ان تتحسن الاوضاع«.

وكل يوم اثنين يتدفق المحتجون على ساحة الشهداء من الشوارع التي تصطف بها المقاهي لمطالبة سورية بسحب قواتها وبتنحية السياسيين اللبنانيين المؤيدين لسورية.
ويتدفق ايضا محتجون مؤيدون لسورية على شوارع وسط المدينة لابداء مساندتهم للحكومة اللبنانية وفي كل مرة يغلق الجنود المنطقة بحواجز ويبعدون الزوار.
وسرحت بعض المتاجر والمطاعم العاملين بها أو قللت اجورهم بينما يفكر اخرون في الاغلاق اذا استمرت الفوضى السياسية.

وقال جوزيه عبيد وهو ينظر لمطعمه (لا كونشا) الخالي في وقت الغداء يوم الجمعة» كما ترون الاعمال انخفضت بنسبة تتراوح بين سبعين وثمانين في المئة تحتم علينا الاغلاق 15 يوما منذ مقتل الحريري كان علينا خفض اكثر من نصف العمالة اعتدنا ان يعمل لدينا تسعة عمال والآن لدينا اربعة هذا المبنى خاص بنا ومن ثم لا ندفع الايجار وهذا هو السبب الوحيد لاستمرارنا في فتح ابوابنا«.
وكان العرب من قبل يفرون من درجات الحرارة المرتفعة في الخليج ويتدفقون على المقاهي في شوارع بيروت حيث يتصاعد دخان الاراجيل في الهواء ولكن ليس لهم وجود الآن.