خديجة
03-19-2005, 12:46 PM
حلاقو بغداد في دائرة النار..
بغداد: روبرت وَيرْث*
كان وقت إغلاق محل حلاقة صادق عبد الحسين قد حان عندما دخل رجل يرتدي قناعا أسود وسحب مسدسا وبدأ بتقليبه بإصبعه على طريقة رجال الكاوْبوي.
لم يكن المسلح يطارد مسؤولين حكوميين أو متعاونين مع الأميركيين، بل انه جاء ليعلن انه ضد الطريقة التي يقص عبد الحسين بها شعر الزبائن.
وخلال ثوان فتح الملثم النار ليصيب بجراح عبد الحسين، 23 سنة، الذي تمكن من البقاء على قيد الحياة بما يكفي لكي يصف الهجوم. كما قتل الملثم شريك عبد الحسين وأحد الزبائن. في جنوب بغداد وصلت مخاطر الحياة إلى هذه النقطة: عصابات من الناشطين الإسلاميين يأتون إلى الحلاقين مهددين بأن ما يقومون به «حرام»، أي حلاقة لحى الرجال أو قص شعر الرأس على الطريقة الغربية. وحتى الآن قتل ما يقرب من 12 حلاقا، حسبما ذكر مسؤولون عراقيون. وهذا يشمل خمسة حلاقين قتلوا في يوم واحد من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي. ومع غياب حماية كافية من رجال الشرطة أصبح الكثير من الحلاقين يرفضون القيام بقص الشعر بالطريقة التي تثير غضب تلك العصابات الأصولية المتطرفة ووضعوا علامات واضحة على نوافذهم توضح ذلك.
وقال حلاق أطلق على نفسه اسم (أحمد)، إنه جاء ذات يوم إلى محله ليجد رسالة مع رصاصة. وفي تلك الرسالة كان هناك تحذير من أن حلاقة لحى الرجال تعد فعلا محرما. كذلك هو الحال عند القيام بتدليك للوجه أو قص الشعر على الطريقة الفرنسية. كما حذرت الرسالة من القيام بإزالة الشعر بواسطة الخيط، وهو ما يعرف في العراق باسم «الحفافة». وهددت الرسالة بأنه في حال تجاهل التحذيرات فإن الحلاق سيُقتل.
ولم يكن قتل الحلاقين أو تهديدهم أول المساعي لفرض أسلوب طالبان في الحكم الديني. ففي الفلوجة فرض «المجاهدون» المسلحون نظام دولة بوليسية أصولية متشددة لعدة أشهر قبل الهجوم الأميركي عليهم في السنة الماضية. ووفق هذا النظام كان العقاب يلحق بالرجال حليقي الذقن وأي امرأة تتجرأ على الخروج من بيتها من دون تغطية رأسها. وفي جنوب العراق هاجم الناشطون الشيعة محلات بيع المشروبات الروحية وفي بعض الأحيان قتلوا الباعة المسيحيين الذين تجاهلوا تهديداتهم.
تركز عمليات قتل الحلاقين وتهديدهم داخل بغداد ضمن منطقة الدورة العمالية التي تقع فيها محطة توليد الكهرباء. وحتى في العاصمة التي تعيش خارج القانون فإن الدورة تقف كمنطقة حربية. ففيها قتل ما لا يقل عن عشرة رجال شرطة ومسؤولين حكوميين خلال الأسبوعين الأخيرين، وأعمال القتل تجري على يد مسلحين يقودون سيارات سريعة ثم يقومون برش أهدافهم برصاص منطلق من أسلحة أوتوماتيكية.
ومع هذا القدر العالي من العنف قالت شرطة الدورة إنها لا تستطيع أن تقوم بالكثير لضمان حماية الحلاقين. وقام رجال منها بالتحقيق ببعض الحالات لكنهم وجدوا أن بعضا من القتلة هم من محترفي القتل وقد دفعت لهم مبالغ لا تزيد على 200 دولار عن كل جريمة، حسبما ذكر ضابط في الشرطة رفض الكشف عن اسمه خوفا من أن يكون هدفا. وقال «الشرطي يحصل على راتب 140 دولارا شهريا... نحتاج الى المال للتحقيق في هذه القضايا ونحن لا نملك المال».
وقال هذا الضابط إنه يوجد في مركز شرطة الدورة خط هاتفي واحد لا يمكن الاعتماد عليه، والمعلومات التي يحصل عليها رجال الشرطة هي من أهالي الضحايا الذين يأتون مشيا على الأقدام إلى مركز الشرطة للإبلاغ عما جرى لأحبائهم.
مقتل الحلاق صادق عبد الحسين الذي وقع يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، كان أمرا غير عادي، إذ بقي الرجل 24 ساعة بوعيه قبل أن يموت وكان قادرا خلال ذلك الوقت أن يصف الهجوم بالتفصيل للشرطة. وقال صفاء والد القتيل «أربعة أشخاص شاركوا في القتل، اثنان منهم كانا في سيارة خارج المحل وواحد يراقب الشارع ثم هناك القاتل. وكان هناك شهود عيان». مع ذلك فإن رجال الشرطة يقولون إنهم لم يحققوا أي تقدم في هذه القضية.
وأضاف صفاء عبد الحسين الذي بقي مع ابنه خلال آخر ساعاته في المستشفى «قال لي ابني :أبي هل ستساعدني؟ قلت له إن الله سيساعدك». ثم بدأ الابن الذي كان دائما متدينا بالصلاة بصمت بعد أن وضع يديه على صدره. وفي المستشفى قال الأطباء للأب المفجوع بفقدان ابنه إن ثلاثة حلاقين آخرين قتلوا في نفس يوم مقتل ابنه في مناطق مختلفة من المدينة. وقد تكون هناك أعمال قتل أخرى حسبما قال مسؤولون في الشرطة، لكن لا أحد قام بالإبلاغ عنها.
وقال الأب «
أظن أن هؤلاء الناس هم إرهابيون لأن القرآن لم يحرم حلاقة اللحى. هذا ليس جهادا. الجهاد هو أن تدافع عن وطنك وشرفك ودينك».
وحتى الآن يعيش الأب، 53 سنة، في خوف مستمر. ولم يتجرأ أحد في الدورة على أن يتكلم ضد جريمة قتل ابنه الحلاق. وقال الأب «هناك صمت حول هذا في المساجد... هل تظن أن الشخص الذي قتل ابني سيتردد في قتلي؟».
ويشعر الحلاقون الآخرون في الدورة بالخوف أيضا. وفي عدة جولات قام بها كاتب هذا التقرير في منطقة الدورة كان الكثير من محلات الحلاقة مغلقة وكانت هناك إعلانات على شبابيك بعضها تقول إنها لا تقوم بقص الشعر بطريقة أجنبية وأنها لا تحلق اللحى.
وقال الحلاق الذي أعطى لنفسه اسم أحمد، إن زبائنه يعرفون التهديدات وهم كفوا عن طلب حلاقة لحاهم أو أي شيء مماثل. وكل ذلك أدى إلى انخفاض دخله الشهري مما يعادل 300 دولار إلى ما يعادل 100 دولار، حسبما قال. وبعض الحلاقين قاموا بإغلاق محلاتهم.
أما بالنسبة للأب صفاء عبد الحسين فإنه أقسم على الأخذ بالثأر إن هو وجد قاتل ابنه. قال الأب المفجوع «لقد حطم قلبي وأنا سأحطم قلب أبيه. أنا لن أتركه حيا حتى لو انطبقت السماء على الأرض... هناك ثمن يجب دفعه لهذا. يقول القرآن: العين بالعين والسن بالسن».
بغداد: روبرت وَيرْث*
كان وقت إغلاق محل حلاقة صادق عبد الحسين قد حان عندما دخل رجل يرتدي قناعا أسود وسحب مسدسا وبدأ بتقليبه بإصبعه على طريقة رجال الكاوْبوي.
لم يكن المسلح يطارد مسؤولين حكوميين أو متعاونين مع الأميركيين، بل انه جاء ليعلن انه ضد الطريقة التي يقص عبد الحسين بها شعر الزبائن.
وخلال ثوان فتح الملثم النار ليصيب بجراح عبد الحسين، 23 سنة، الذي تمكن من البقاء على قيد الحياة بما يكفي لكي يصف الهجوم. كما قتل الملثم شريك عبد الحسين وأحد الزبائن. في جنوب بغداد وصلت مخاطر الحياة إلى هذه النقطة: عصابات من الناشطين الإسلاميين يأتون إلى الحلاقين مهددين بأن ما يقومون به «حرام»، أي حلاقة لحى الرجال أو قص شعر الرأس على الطريقة الغربية. وحتى الآن قتل ما يقرب من 12 حلاقا، حسبما ذكر مسؤولون عراقيون. وهذا يشمل خمسة حلاقين قتلوا في يوم واحد من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي. ومع غياب حماية كافية من رجال الشرطة أصبح الكثير من الحلاقين يرفضون القيام بقص الشعر بالطريقة التي تثير غضب تلك العصابات الأصولية المتطرفة ووضعوا علامات واضحة على نوافذهم توضح ذلك.
وقال حلاق أطلق على نفسه اسم (أحمد)، إنه جاء ذات يوم إلى محله ليجد رسالة مع رصاصة. وفي تلك الرسالة كان هناك تحذير من أن حلاقة لحى الرجال تعد فعلا محرما. كذلك هو الحال عند القيام بتدليك للوجه أو قص الشعر على الطريقة الفرنسية. كما حذرت الرسالة من القيام بإزالة الشعر بواسطة الخيط، وهو ما يعرف في العراق باسم «الحفافة». وهددت الرسالة بأنه في حال تجاهل التحذيرات فإن الحلاق سيُقتل.
ولم يكن قتل الحلاقين أو تهديدهم أول المساعي لفرض أسلوب طالبان في الحكم الديني. ففي الفلوجة فرض «المجاهدون» المسلحون نظام دولة بوليسية أصولية متشددة لعدة أشهر قبل الهجوم الأميركي عليهم في السنة الماضية. ووفق هذا النظام كان العقاب يلحق بالرجال حليقي الذقن وأي امرأة تتجرأ على الخروج من بيتها من دون تغطية رأسها. وفي جنوب العراق هاجم الناشطون الشيعة محلات بيع المشروبات الروحية وفي بعض الأحيان قتلوا الباعة المسيحيين الذين تجاهلوا تهديداتهم.
تركز عمليات قتل الحلاقين وتهديدهم داخل بغداد ضمن منطقة الدورة العمالية التي تقع فيها محطة توليد الكهرباء. وحتى في العاصمة التي تعيش خارج القانون فإن الدورة تقف كمنطقة حربية. ففيها قتل ما لا يقل عن عشرة رجال شرطة ومسؤولين حكوميين خلال الأسبوعين الأخيرين، وأعمال القتل تجري على يد مسلحين يقودون سيارات سريعة ثم يقومون برش أهدافهم برصاص منطلق من أسلحة أوتوماتيكية.
ومع هذا القدر العالي من العنف قالت شرطة الدورة إنها لا تستطيع أن تقوم بالكثير لضمان حماية الحلاقين. وقام رجال منها بالتحقيق ببعض الحالات لكنهم وجدوا أن بعضا من القتلة هم من محترفي القتل وقد دفعت لهم مبالغ لا تزيد على 200 دولار عن كل جريمة، حسبما ذكر ضابط في الشرطة رفض الكشف عن اسمه خوفا من أن يكون هدفا. وقال «الشرطي يحصل على راتب 140 دولارا شهريا... نحتاج الى المال للتحقيق في هذه القضايا ونحن لا نملك المال».
وقال هذا الضابط إنه يوجد في مركز شرطة الدورة خط هاتفي واحد لا يمكن الاعتماد عليه، والمعلومات التي يحصل عليها رجال الشرطة هي من أهالي الضحايا الذين يأتون مشيا على الأقدام إلى مركز الشرطة للإبلاغ عما جرى لأحبائهم.
مقتل الحلاق صادق عبد الحسين الذي وقع يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، كان أمرا غير عادي، إذ بقي الرجل 24 ساعة بوعيه قبل أن يموت وكان قادرا خلال ذلك الوقت أن يصف الهجوم بالتفصيل للشرطة. وقال صفاء والد القتيل «أربعة أشخاص شاركوا في القتل، اثنان منهم كانا في سيارة خارج المحل وواحد يراقب الشارع ثم هناك القاتل. وكان هناك شهود عيان». مع ذلك فإن رجال الشرطة يقولون إنهم لم يحققوا أي تقدم في هذه القضية.
وأضاف صفاء عبد الحسين الذي بقي مع ابنه خلال آخر ساعاته في المستشفى «قال لي ابني :أبي هل ستساعدني؟ قلت له إن الله سيساعدك». ثم بدأ الابن الذي كان دائما متدينا بالصلاة بصمت بعد أن وضع يديه على صدره. وفي المستشفى قال الأطباء للأب المفجوع بفقدان ابنه إن ثلاثة حلاقين آخرين قتلوا في نفس يوم مقتل ابنه في مناطق مختلفة من المدينة. وقد تكون هناك أعمال قتل أخرى حسبما قال مسؤولون في الشرطة، لكن لا أحد قام بالإبلاغ عنها.
وقال الأب «
أظن أن هؤلاء الناس هم إرهابيون لأن القرآن لم يحرم حلاقة اللحى. هذا ليس جهادا. الجهاد هو أن تدافع عن وطنك وشرفك ودينك».
وحتى الآن يعيش الأب، 53 سنة، في خوف مستمر. ولم يتجرأ أحد في الدورة على أن يتكلم ضد جريمة قتل ابنه الحلاق. وقال الأب «هناك صمت حول هذا في المساجد... هل تظن أن الشخص الذي قتل ابني سيتردد في قتلي؟».
ويشعر الحلاقون الآخرون في الدورة بالخوف أيضا. وفي عدة جولات قام بها كاتب هذا التقرير في منطقة الدورة كان الكثير من محلات الحلاقة مغلقة وكانت هناك إعلانات على شبابيك بعضها تقول إنها لا تقوم بقص الشعر بطريقة أجنبية وأنها لا تحلق اللحى.
وقال الحلاق الذي أعطى لنفسه اسم أحمد، إن زبائنه يعرفون التهديدات وهم كفوا عن طلب حلاقة لحاهم أو أي شيء مماثل. وكل ذلك أدى إلى انخفاض دخله الشهري مما يعادل 300 دولار إلى ما يعادل 100 دولار، حسبما قال. وبعض الحلاقين قاموا بإغلاق محلاتهم.
أما بالنسبة للأب صفاء عبد الحسين فإنه أقسم على الأخذ بالثأر إن هو وجد قاتل ابنه. قال الأب المفجوع «لقد حطم قلبي وأنا سأحطم قلب أبيه. أنا لن أتركه حيا حتى لو انطبقت السماء على الأرض... هناك ثمن يجب دفعه لهذا. يقول القرآن: العين بالعين والسن بالسن».