المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرية الثقافية والمذهبية



yasmeen
03-18-2005, 03:55 PM
بقلم / ممتعض - عضو منتديات الساخر

الحمد لله القائل ‏‏{‏ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" ، والقائل سبحانه "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" والصلاة والسلام على النبي القائل : " لقد جئتكم بها بيضاء نقية ".... أما بعد
فيظل الدين والفكر والمذهب عناصر الأساس لأي شخصية وإن كانت ملحدة ، فاللادين هو دين بحد ذاته !

وعلى المذهب والفكر قامت السنة الكونية الإلهية المسماة بـ " التدافع " .قال تعالى "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " . وصار على ذلك لله أولياء كما صار له أعداء .وفي هذا "التدافع" فإنه يستحيل بحال من الأحوال أن نغفل جانب المذهبية الدينية في الصراع الكوني .وحتى المذهبيات الحديثة من رأسمالية وشيوعية ووجودية وما تفرع منها وتناسل من أسس وفرعيات فكرية سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية تعتبر ديناً ومذهباً فكريا يلقى عليه هؤلاء ربهم ،أفلم يقل نبينا " تعس عبد الدينار " !
والفرقة والاختلاف سنة الله في أرضه ، وقد تتسع دائرة الخلاف ،وقد تضيق ،بحسب معين المخالف وورده .

لكن الذي نحن بطور تقعيده هاهنا هو : كيف نختلف وفق كتاب ربنا وسنة نبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ؟
وماحقنا على مخالفنا وما حقه علينا ؟ ومن الذي لا يؤاخذ على المخالفة ؟ومن الذي يؤاخذ عليها ؟
وما هي المخالفة التي لا نكير على فاعلها ،والمخالفة التي لابد من أطر فاعلها على الحق ؟
وقبل خوض غمار هكذا موضوع شائك ، يجب علينا أن نحرر المصطلح من ديباجته ، وأن نجرده من الكلية العامة له إلى الجزئية الخاصة .
ولذا فمن اللطيف بنا أن نفصل بين السياميين " الحرية" و " المذهب" فصلاً مؤقتا إلى حين ربطهما بلحمتهما مرةً أخرى لإكمال باقي الموضوع .


" الحرية"
يختلف تعريف الحرية من ثقافة لأخرى ، ومن انطباع لآخر، ومن تصور لآخر .
ففي الثقافة الغربية الحديثة نجد أن مفهوم الحرية في الفكر الغربي "free-liberty" تعني عندهم : "القدرة الذاتية على الاختيار دون أدنى جبر أو إكراه " .وبمعنى آخر تعني " انسلاخ الفرد من كل ما تعارف عليه المجتمع من آداب وقوانين لتحقيق أقصى رغباته وشهواته دون قيد أو شرط أو إكراه من أي جهةٍ كانت " . وإذا ما تركز تشخيصنا لما نريده وهو "الحرية الفكرية " فإن أوروبا كانت تغط في سبات من الجهل والانحطاط ، تحت نيران وتسلط الكنيسة الديني ، والاستبداد الملكي السياسي من جهة أخرى . وعاش المجتمع الأوروبي في جحيم هذين القيدين قروناً متطاولة ،لو أردنا بسط ذكرها لطال بنا المقال والمقام .
ولكن وبعد ظهور الثورة الصناعية الحديثة ، ظهرت عدد من النظريات الفكرية والاجتماعية زلزلت العقلية الأوروبية الراكدة وشككتها بكل ثابت أو مطلق .

ولعل نظرية "هيجل" والتي صاحبت الثورة الصناعية تعتبر منصة الانطلاق الفكري المهووس في العقلية الأوروبية .فهذه النظرية وإن كانت قد حطمت أغلال الاستعلاء الكنسي والاستبداد الملكي ،والقول بأن " روما سادة وما حولها عبيد " ، إلا أنها فتحت الباب على مصراعيه لشذاذ الفكر ، وملاعين النفسية ، ليبثوا قيئهم وصديدهم في النفس البشرية . فعندما كانت أوروبا تعبد ثلاثة ، هي اليوم تؤله عدداً من الأوثان العصرية ، كالآلة ، والمادة ، والشهوة . وعندما كانت تثق بشيء هي اليوم في حيرة تجعلها لا تثق بشيء . فقد انتشر الشك الفسلفي واللا أدرية في جنبات هذه القارة العجوز . ونتج عن هذه الأمراض الفكرية ما يتصل بها من أمراض نفسية واجتماعية وحالات انتحار واضطرابات نفسية مزمنة ، مما يبشر بأفول حضارتها كأي حضارة تحيد عن منهج الله على أرض الله .

"الحرية في الإسلام "
فسرها بكلمات معبرة جدنا الأعرابي " ربعي بن عامر "رضي الله عنه ، حين دخل على " رستم " قائد الفرس في القادسية . فسأله رستم قائلاً : مالذي جاء بكم ؟!
فأجابه ربعي بن عامر رضي الله عنه قائلا: "أتينا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة" .
تعريف ولا أروع ، تجود به نفس شماء في ثواني معدودة ، دون تعقيد فكري أو محسن لفظي ، وفي عمق معنوي حاد.
هي حرية تحرر الإنسان من عبودية النبي ، وعبودية الشيخ ، وعبودية الملك ، وعبودية المال ، وعبودية النفس ، وعبودية الهوى ، وعبودية الآلة ، وعبودية الجنس ، وعبودية النساء ، وسائر العبوديات لغير المعبود الأوحد سبحانه .

ولكن وعلى الرغم من سمو هذه الحرية وعظمة رسالتها ، إلا أنها تُكمل باقي عظمتها باستغنائها عن جميع الخلق بـ " لا إكراه في الدين " !!!
أما لماذا ؟ فلأنه " قد تبين الرشد من الغي " !!!!
وأما الشرح " فمن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " .
ولذا أخرجت هذه الحرية المتحررة من أغلال من كل شيء -إلا عبادة ربها-، نماذج خطيرة كابن تيمية القائل " ماذا يفعل أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، فقتلي شهادة ، ونفيي سياحة ، وسجني خلوة " !
نموذج خطير .. أليس كذلك ؟!

هذه الحرية الحقة التي تجعل الإنسان حراً في قيده !!
أرأيتم حراً مقيدا ؟!
نعم ..ولكنه لا بد أن يكون مسلماً متبعاً .

"المذهب"
المذهب هو : مجموعة الآراء والأفكار التي يراها أو يعتقدها إنسان ما حول عدد من القضايا العلمية والسلوكية .
والمذهب عندنا في الإسلام هو المتفرع من الدين ، في حين أن المذهب في أوروبا خاصة الحديث ، هو نظريات وفلسفات ورؤى أسسها أناس رأوا في تبنيها تحقيق نتائج أفضل لمجتمعاتهم وبيئاتهم ..فلزم التنويه !

"بين حرية المذهب ،ومذهب الحرية "
للحرية المذهبية في تاريخنا الإسلامي نفَس عريض لا يشكك به إلا من جهل تاريخنا ، فقد كان في المدينة وحدها سبع أئمةٍ متبوعين !
لكن الذي أود تقعيده هنا ،أن الإسلام لم يدع الأمر هكذا هملاً لكل صاحب وجهة نظر .فللشخص في الإسلام أن يعتقد ما شاء فلا إكراه في الدين .

لكن هذه الحرية لمن لم يكن مسلماً في الأصل " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " ، إلا أنه في المقابل فإن المسلم لا يسعه نمط أو فكر أو دين إلا الإسلام ، فإن ارتأى الضلال على الهدى فإن عقوبته القتل .قال عليه الصلاة والسلام " من بدل دينه فاقتلوه " .
وهذا ليس تقييداً لحرية دنيوية ، بقدر ما هو حماية لجناب الدين ، وسياجاً لحوزته .
فالإسلام – وكما لا يفهم العلمانيون المرتدون – منهج كامل للحياة فهو : دين ودولة ، وعبادة وقيادة ،ومصحف وسيف ، وروح ومادة ،ودنبا وآخرة .

وكما أن الدول والقوانين الوضعية ترى فيمن خرج على نظام الدولة فيها متهماً بالخيانة العظمى ، وخارجاً على دولته ، فكذلك الإسلام - "الدولة "- يعتبر الارتداد عنه خروج عليه، وثورة على نظامه !!

"الحرية المذهبية في الإسلام "

ضرب علماء الإسلام أروع الأمثلة في تقبل المخالف ، وبحبحة الضيق ، وأدب المؤاخذة .
بل قد أُلفت كتب تعني بأدب المخالفة ، وتقبل المخالف . فقد ألف شيخ الإسلام كتابه الخالد " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " يزجي فيه النصيحة ، ويبذل فيه المعذرة لكل مجتهد أو فقيه خالفنا بعد اجتهاده في مسألة ما أو رأيٍ ما .
وعاشت المذاهب الإسلامية على ذلك قروناً عديدة في تآلف مذهبي عجيب ، يظهر سعة أفق فقهاء ديننا ، وشمولية طرحهم ، واتساع نظرتهم .
بل لربما قام الشافعي بتدريس الحنابلة أصول مذهبهم والعكس للبقية !
ولكن ..

ماذا عن الحرية المذهبية لمن نختلف معه عقدياً وليس فقهياً ؟!
الحق أن هناك اثنتين وسبعين فرقةً نارية ، أخبر عنها حديث الافتراق الذي أخبرنا به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بقوله : " افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة قلنا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي"
فماذا يجب علينا تجاهها ؟وماذا يجب منها تجاهنا ؟ خاصةً في مثل هذا الزمان الذي تعارف الناس فيه على النظم واتفقوا على التقنين .

ولعلي أستعير من الشيخ "سفر الحوالي " –بتصرف -هذا الكلام النفيس والذي أورده كتقعيد للمعاملة مع المخالف لنا في المذهب "عقدياً" ، وكيف تكون ، فقال : -
الأول : أنه لا إكراه في الدين ، فالاعتقاد خارج عن سيطرة البشر أصلاً ، وهداية التوفيق لا يملكها إلا الله وحده ، ولكن واجب الحاكم المسلم ألا يدع فئة من الرعية تجاهر بأعظم الذنوب ......" وذكر أمثلة على بعض عقائد المخالفين لنا عقدياً كالشرك بالصالحين وغيرها .
الثاني : أن الشريعة توجب العدل بين المواطنين على أسس لا تخالف المشروعية العليا للأمة ، وليس هذا مقام التفصيل ولكن أذكر على سبيل المثال :

أ-العدل في الحقوق الدنيوية : مثل الخدمات التي تقدمها وزارة البلديات والطرق وبناء المدارس والمستشفيات ونحوها .
ب - المساواة في الأجور : إذا كان العمل واحداً........ أما تخصيص بعض الولايات لبعض الناس وفقاً للشروط الشرعية فهذا من الشريعة....
ج- العدل في حماية جناب التوحيد : مثل معاقبة من نشر أو روّج لكتاب أو عقيدة تتنافى مع العقائد القطعية في الإسلام ..... اهـ
هذا ما يجب تجاه من اختلفنا معه عقدباً ، بألا يظلم من دنياه بشيء سواء كان تعليماً أو صحةً أو بقية خدمات .

يضاف إلى ذلك مساواته ببقية المواطنين بالأجر سواءً بسواء ، إذا كان العمل واحداً .يضاف إليها المساواة في العقوبة مع بني ملتنا إذا كان الجرم واحدا .
وكذلك فإن لنا عليه ألا يدعو لبدعته ، وألا يعلن ما اتفقت الأمة على تحريمه . وألا يجاهر بمخالفة ماهو متفق عليه عندنا .

وأما الإكراه فإن أهل العقل قد قالوا " المفروض مرفوض " !
وختاماً هذه مقدمة لا تخلو من نقص ، وحروف لا تخلو من تقطع ، وكلمات لا تسلم من اجتزاء ، كتبتها على عجل ، وأوردتها بلا مهل ..فإن سدت فادعوا ، وإن نقصت فسدوا .
متمنياً لهذا الموضوع وغيره ثراءً ، وتوفيقاً ، وحقاً ، وصواباً .