yasmeen
03-18-2005, 03:38 PM
عبدالله السفياني
النص بين ذاتية المتلقي وموضوعيته
أشار النقاد قديما وحديثا إلى ضرورة حيادية الناقد أثناء تعامله مع النص ، ولكن تبدو مسألة الحيادية مسألة ذات غبش لمن تأملها قليلا.
فكثيرا ما يوصم قراء النصوص ونقادها ، بالتحيز للنص أو عليه ، وأنه يتعامل مع النص بناء على أفكار مسبقة .
ولذلك فإن الحيادية المطلقة ، والموضوعية المجردة من الأفكار المسبقة في تصور المنصفين ضحكة لا يمكن للعقل قبولها أو تمريرها بأي حال من الأحوال.
كل قاريء يلج من بوابة النص إلى أعماقه ، يلج وهو محمل بكينونته وذاته ، شاء أم أبى ، إنه يقرأ ببصره الذي يرى الأشياء من حوله وفق ما تعود رؤيته من الألوان والأطياف ، وبسمعه الذي ألف أصواتا وأنغاما وأجراساً معينة ، وبذوقه الذي مرت عليه سنون من القراءة والاحتكاك والتجارب ، وبعقله الذي مليء بصفحات الكتب وقصاصات الجرائد، وصفحات الويب ، وذاكرته المختزنة لمواقف الحي ، ومشاجرات المدرسة ، وشرح المعلمين ، وضجة التلفاز، وخيال " الكرتون " ، وأبطال المسلسلات ...إلخ
إنه يلج إلى النص كياناً محملاً بثقافات ورؤى تتنازعه ، وتريه في خبايا النص ما يربطه بهذا الكيان، وما يعيده إلى مخزون الذاكرة.
أما أن يلج النص ( خالي الذهن ) ، صفر الذاكرة ، فهذا يعني أنه سيقف أمام لغز محير ، لأن النص الذي أمامه ثقافة تحاور ثقافة ، فإن كانت ثقافة المتلقي ( صفراً ) فنتيجة التواصل والرسالة ( فاي ) مجموعة خالية إلا من حروف جوفاء لا تعني له شيئا..!!
وهنا فإن التحيز يكون للرؤى التي يمتلكها القارئ ، ويكون تفسير النص برموزه وشخصوه ، وأدواته ، وآلياته بناء على زاويتين :
الأولى : لغة النص ، ودواله التي تشير إلى مدلولات ، متغيرة ومتحركة في فضاء النص ، ولا يمكن الإجماع عليها ، وفق علاقة جبرية بين الدال والمدلول ، ولكن وفق علاقات لغوية مقبولة ، يتحملها اللسان والمعجم والعرف اللغوي ، والاستعمال الدارج ، والثقافة التي نبت فيها النص.
وهذه كلها مهمة جدا، حتى تسد الطريق أمام نوعين من القراءة :
• " عنصرية " صارخة التحيز، تسعى لليّ أعناق النصوص ، ولا يمكن لنا كشفها أو تنحيتها إلا باعتمادنا على ( ثقافة النص ) ومدلولاته المقبولة.
• عبثية لا تؤمن بخصوصية اللغة ، وضرورة المعنى ، وتعتمد على رؤى فلسفية معلبة.
ولذلك فلا مكان ( للإشارات الحرة ) والعائمة … إلخ ، والتي تجعل من القارئ ، مؤلفاً آخر ، يقوّل النصوص مالم تقل ، بدعوى حرية الإشارة ، وفرارها من ( المعنى ) إذْ باتت هذه الرؤية مثاراً للاستهجان شرقا وغربا.
الثانية : ثقافة القارئ ، بكل ما تحمله الثقافة من مدلولات ظاهرة ومنقوشة على جدار الوعي ، أم غائبة في أعماق اللاوعي ، وتخرج جلية في مستوى لغة النقد، وسلم اختيار الألفاظ التي يعالج بها النص.
ولذلك فمقولة ( كل يرى الناس بعين طبعه ) مقولة صحيحة حتى في مجال النقد، ويمكن تحويرها ( كل يرى النص بعين ثقافته ).
ويبقى النوع الثقافي الذي ينتمي له المتلقي / والنص ، وما يحويه هذا النوع من مبادئ وأفكار ، وقوانين ، وآداب ، وأخلاق ، وقواعد لغوية ، وأعراف اجتماعية ، وسلوكية هو الحكم الفيصل في قضية التحيز الصارخ ، من التحيز الطبيعي مع النص أو ضده.
النص بين ذاتية المتلقي وموضوعيته
أشار النقاد قديما وحديثا إلى ضرورة حيادية الناقد أثناء تعامله مع النص ، ولكن تبدو مسألة الحيادية مسألة ذات غبش لمن تأملها قليلا.
فكثيرا ما يوصم قراء النصوص ونقادها ، بالتحيز للنص أو عليه ، وأنه يتعامل مع النص بناء على أفكار مسبقة .
ولذلك فإن الحيادية المطلقة ، والموضوعية المجردة من الأفكار المسبقة في تصور المنصفين ضحكة لا يمكن للعقل قبولها أو تمريرها بأي حال من الأحوال.
كل قاريء يلج من بوابة النص إلى أعماقه ، يلج وهو محمل بكينونته وذاته ، شاء أم أبى ، إنه يقرأ ببصره الذي يرى الأشياء من حوله وفق ما تعود رؤيته من الألوان والأطياف ، وبسمعه الذي ألف أصواتا وأنغاما وأجراساً معينة ، وبذوقه الذي مرت عليه سنون من القراءة والاحتكاك والتجارب ، وبعقله الذي مليء بصفحات الكتب وقصاصات الجرائد، وصفحات الويب ، وذاكرته المختزنة لمواقف الحي ، ومشاجرات المدرسة ، وشرح المعلمين ، وضجة التلفاز، وخيال " الكرتون " ، وأبطال المسلسلات ...إلخ
إنه يلج إلى النص كياناً محملاً بثقافات ورؤى تتنازعه ، وتريه في خبايا النص ما يربطه بهذا الكيان، وما يعيده إلى مخزون الذاكرة.
أما أن يلج النص ( خالي الذهن ) ، صفر الذاكرة ، فهذا يعني أنه سيقف أمام لغز محير ، لأن النص الذي أمامه ثقافة تحاور ثقافة ، فإن كانت ثقافة المتلقي ( صفراً ) فنتيجة التواصل والرسالة ( فاي ) مجموعة خالية إلا من حروف جوفاء لا تعني له شيئا..!!
وهنا فإن التحيز يكون للرؤى التي يمتلكها القارئ ، ويكون تفسير النص برموزه وشخصوه ، وأدواته ، وآلياته بناء على زاويتين :
الأولى : لغة النص ، ودواله التي تشير إلى مدلولات ، متغيرة ومتحركة في فضاء النص ، ولا يمكن الإجماع عليها ، وفق علاقة جبرية بين الدال والمدلول ، ولكن وفق علاقات لغوية مقبولة ، يتحملها اللسان والمعجم والعرف اللغوي ، والاستعمال الدارج ، والثقافة التي نبت فيها النص.
وهذه كلها مهمة جدا، حتى تسد الطريق أمام نوعين من القراءة :
• " عنصرية " صارخة التحيز، تسعى لليّ أعناق النصوص ، ولا يمكن لنا كشفها أو تنحيتها إلا باعتمادنا على ( ثقافة النص ) ومدلولاته المقبولة.
• عبثية لا تؤمن بخصوصية اللغة ، وضرورة المعنى ، وتعتمد على رؤى فلسفية معلبة.
ولذلك فلا مكان ( للإشارات الحرة ) والعائمة … إلخ ، والتي تجعل من القارئ ، مؤلفاً آخر ، يقوّل النصوص مالم تقل ، بدعوى حرية الإشارة ، وفرارها من ( المعنى ) إذْ باتت هذه الرؤية مثاراً للاستهجان شرقا وغربا.
الثانية : ثقافة القارئ ، بكل ما تحمله الثقافة من مدلولات ظاهرة ومنقوشة على جدار الوعي ، أم غائبة في أعماق اللاوعي ، وتخرج جلية في مستوى لغة النقد، وسلم اختيار الألفاظ التي يعالج بها النص.
ولذلك فمقولة ( كل يرى الناس بعين طبعه ) مقولة صحيحة حتى في مجال النقد، ويمكن تحويرها ( كل يرى النص بعين ثقافته ).
ويبقى النوع الثقافي الذي ينتمي له المتلقي / والنص ، وما يحويه هذا النوع من مبادئ وأفكار ، وقوانين ، وآداب ، وأخلاق ، وقواعد لغوية ، وأعراف اجتماعية ، وسلوكية هو الحكم الفيصل في قضية التحيز الصارخ ، من التحيز الطبيعي مع النص أو ضده.