2005ليلى
03-08-2014, 07:18 PM
نبيه البرجي - الديار اللبنانية
لا بد من الاستغراب كيف ان الدول الست التي كانت تبحث، ومنذ مدة وجيزة، في اقامة اتحاد في ما بينها تصل الى حد سحب السفراء
لم يكن ثمة من تفسير لتلك الخلافات بين الدولتين سوى التفسير السيكولوجي. و يقال انه عندما انتقل الشيخ يوسف القرضاوي من القاهرة الى الدوحة تمكن من احداث بعض التعديل العقائدي داخل العائلة الحاكمة، وهو الذي تخرج من الازهر الذي يصف الوهابية بـ «فقه البادية».
من سنوات، وفي فندق فينيسيا في بيروت، سمعنا من وزير خارجية خليجي كلامه عن» الصراع الفرويدي بين الدوحة والرياض»، وقال «اننا بذلنا جهودا هائلة لوضع حد للضبابية التي تحكم العلاقة بين العاصمتين، ولكن دون جدوى».
الوزير قال ان قطر تعتبر ان المملكة العربية السعودية تنظر اليها على انها دولة مصطنعة وطارئة. والبعض في المملكة يقول انه يكفي النظر الى الخارطة ليتبين ان الانكليز، الخبراء في اختراع الدول، انما ابتدعوها من اجل ان تضطلع بدور المشاغب على المملكة، ولعل الدليل هو انه لا حدود لقطر الا مع السعودية التي تنظر اليها كما ينظر العراق الى الكويت، فثمة رغبة دائمة في انهاء «ذلك الوضع الشاذ» ، مع ان حدود الدول لا ترسم في السماء بل هي تكرّس بطريقة او بأخرى...
الدولتان تأخذان ايضا بالمذهب الوهابي. هذا كان يمكن ان يشكل عاملا للترابط السياسي والاستراتيجي.
القطريون خائفون، ولا ريب ان الانكليز، وبعدهم الاميركيين، عرفوا كيف يتعاملون مع هذا «الوضع الفرويدي». واذ انفجر الغاز في قطر، كان لا بد ان يوجد من يفكر بتجاوز الاختلال الهائل إن على المستوى الجغرافي او على المستوى الديموغرافي بينها وبين السعودية من خلال استحداث امبراطورية اعلامية ومالية، حتى ان احد الصحافيين السعوديين يقول لنا متهكما ان القطريين فكروا بشراء فرنسا او بريطانيا من اجل اقامة هذه الامبراطورية. بعد مدة قصيرة، كان ثمة غلاف لـ «النوفيل اوبسرفاتور» بمثابة صرخة في وجه المال القطري الذي يشتري فرنسا «فعلاً»!
بدت قناة «الجزيرة» وكأنها ادت الى توسيع مساحة الامارة لتغدو بمساحة العالم العربي، وبدا ان جمهور القناة انما هو، بالدرجة الاولى، جمهور قطر، حتى اذا ما استحدث السعوديون قناة «العربية» ازدادت الحساسية التاريخية والجغرافية لدى القطريين الذين بلغ بهم الظن حد القول ان الرياض تتعقبهم خطوة بخطوة إما لقطع الطريق عليهم او لابتلاعهم.
لم يكن ثمة من تفسير لتلك الخلافات بين الدولتين سوى التفسير السيكولوجي. و يقال انه عندما انتقل الشيخ يوسف القرضاوي من القاهرة الى الدوحة تمكن من احداث بعض التعديل العقائدي داخل العائلة الحاكمة، وهو الذي تخرج من الازهر الذي يصف الوهابية بـ «فقه البادية».
بدا القرضاوي بصوته الجهوري وبشخصيته الكاريزماتية كما لو انه « هبة من الله». هكذا وصف فعلا، اذ ليس لدى السعوديين رجل دين بمقدرته في التأثير، وهو الذي يعتبر نفسه اكثر اهمية من حسن البنا وسيد قطب، وعلى خطاهما. اذاً، لماذا لا يتحول «الاخوان المسلمون» الى الذراع الايديولوجية والاستراتيجية للامبراطورية التي بدت وكأنها تخلت عن الوهابية والتحقت بفكر «الاخوان». هؤلاء الذين عندما استولوا على السلطة في مصر واقاموا الحلف المقدس مع تركيا انما كانوا يتطلعون للاطباق على المشرق العربي، وبوجه خاص على المملكة العربية السعودية، حتى اذا ما التقى المال والايديولوجيا تكرست دولة الخلافة، ولتكن اسطنبول البديل عن مكة ما دام السلطان كان يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين.
الدوحة، وبالتنسيق مع انقرة، ذهبت بعيدا، وبعيدا جدا، في التورط في الملف السوري. دفعت مليارات الدولارات، وكانت الطائرات التي تقدم الكافيار، وربما الشامبانيا ايضا، تنقل المقاتلين من اصقاع الدنيا (وربما من اصقاع الآخرة ايضا)، ودائما عبر البوابة التركية، الى ان بدا ان الاصابع جميعها قد احترقت واحترقت معها المليارات...
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد نصح بعض القطريين الذين التقاهم بأن يتجنبوا الغوص في الازمة السورية. صحيح ان امكاناتهم المالية الخيالية تتيح لهم التدخل، لكن ليس الى حد التأثير بمسارها إن عسكريا او سياسيا. لا بل ان يفغيني بريماكوف قال ان موسكو نصحت قطر وبالحرف الواحد بـ «ان الازمة في سوريا اكبر من امكاناتكم بكثير».
وحين عارضوا التظاهرات التي شارك فيها الملايين في مصر لازالة حكم «الاخوان المسلمين»، ووصفوا ما حصل للرئيس محمد مرسي بالانقلاب ( ومازالوا)، كان بريما كوف يقول «نصحناهم بألا يتورطوا في سوريا فإذا بهم يتورطون في مصر».
اعلاميون سعوديون بدأوا الآن بالقول انه عندما طرحت المملكة مسألة اقامة دولة اتحادية تضم دول مجلس التعاون لم تكن معارضة سلطنة عمان هي التي ادت الى وقف المشروع، لا بل ان القطريين نشطوا ليس فقط داخل دول الخليج الاخرى، لا بل انهم اتصلوا بواشنطن وحتى بطهران وبأنقرة، وعلى اساس ان السعودية تريد احتلال دول المجلس او وضع اليد عليها...
الازمة كانت تتفاعل بعيدا من الضؤ، والسعوديون سحبوا الملف السوري من القطريين، فيما كانت خطب يوسف القرضاوي تفعل فعلها حتى بات له اتباع داخل المملكة ويرددون اقواله، ودون ان تأخذ الدوحة بالدعوة الى اسكاته او ابعاده، لا بل ان الرجل شن حملة على الامارات العربية المتحدة معتبرا انها هي من تقف في وجه اقامة الحكم الاسلامي، قبل ان يتعدى حدود الامارات الى المملكة العربية السعودية التي تستشعر الآن، وبتوجس واضح، مدى تأثير الافكار المتشددة خصوصا على الاجيال الشابة، فيما كانت الاقراص المدمجة التي تحتوي على خطب القرضاوي تنتشر على نحو ينذر بالخطر..
قال السعوديون «لقد بلغ السيل الزبى». لا بد من الاستغراب كيف ان الدول الست التي كانت تبحث، ومنذ مدة وجيزة، في اقامة اتحاد في ما بينها تصل الى حد سحب السفراء، ودون ان ترد الدوحة التي اتهمت بالعمل لتهديد الامن والاستقرار في دول الخليج، باجراء مماثل لادراكها ما تعنيه الخطوة السعودية و(الاماراتية والبحرينية) والى اي مدى وصل الغضب السعودي..
الرهان الآن على الديبلوماسية الكويتية الهادئة، والعقلانية. لكن الامور وصلت الى مرحلة دقيقة للغاية، فهل يمكن لقطر ان تضع القرضاوي في الطائرة لترحيله الى اي بلد يشاء؟
وهل باستطاعتها الابتعاد عن تركيا والتعاطي مع المشير عبد الفتاح السيسي على انه قائد الثورة في مصر لا قائد الانقلاب؟...
ثمة صراع .
التداعيات ستكون وشيكة ومثيرة!!
لا بد من الاستغراب كيف ان الدول الست التي كانت تبحث، ومنذ مدة وجيزة، في اقامة اتحاد في ما بينها تصل الى حد سحب السفراء
لم يكن ثمة من تفسير لتلك الخلافات بين الدولتين سوى التفسير السيكولوجي. و يقال انه عندما انتقل الشيخ يوسف القرضاوي من القاهرة الى الدوحة تمكن من احداث بعض التعديل العقائدي داخل العائلة الحاكمة، وهو الذي تخرج من الازهر الذي يصف الوهابية بـ «فقه البادية».
من سنوات، وفي فندق فينيسيا في بيروت، سمعنا من وزير خارجية خليجي كلامه عن» الصراع الفرويدي بين الدوحة والرياض»، وقال «اننا بذلنا جهودا هائلة لوضع حد للضبابية التي تحكم العلاقة بين العاصمتين، ولكن دون جدوى».
الوزير قال ان قطر تعتبر ان المملكة العربية السعودية تنظر اليها على انها دولة مصطنعة وطارئة. والبعض في المملكة يقول انه يكفي النظر الى الخارطة ليتبين ان الانكليز، الخبراء في اختراع الدول، انما ابتدعوها من اجل ان تضطلع بدور المشاغب على المملكة، ولعل الدليل هو انه لا حدود لقطر الا مع السعودية التي تنظر اليها كما ينظر العراق الى الكويت، فثمة رغبة دائمة في انهاء «ذلك الوضع الشاذ» ، مع ان حدود الدول لا ترسم في السماء بل هي تكرّس بطريقة او بأخرى...
الدولتان تأخذان ايضا بالمذهب الوهابي. هذا كان يمكن ان يشكل عاملا للترابط السياسي والاستراتيجي.
القطريون خائفون، ولا ريب ان الانكليز، وبعدهم الاميركيين، عرفوا كيف يتعاملون مع هذا «الوضع الفرويدي». واذ انفجر الغاز في قطر، كان لا بد ان يوجد من يفكر بتجاوز الاختلال الهائل إن على المستوى الجغرافي او على المستوى الديموغرافي بينها وبين السعودية من خلال استحداث امبراطورية اعلامية ومالية، حتى ان احد الصحافيين السعوديين يقول لنا متهكما ان القطريين فكروا بشراء فرنسا او بريطانيا من اجل اقامة هذه الامبراطورية. بعد مدة قصيرة، كان ثمة غلاف لـ «النوفيل اوبسرفاتور» بمثابة صرخة في وجه المال القطري الذي يشتري فرنسا «فعلاً»!
بدت قناة «الجزيرة» وكأنها ادت الى توسيع مساحة الامارة لتغدو بمساحة العالم العربي، وبدا ان جمهور القناة انما هو، بالدرجة الاولى، جمهور قطر، حتى اذا ما استحدث السعوديون قناة «العربية» ازدادت الحساسية التاريخية والجغرافية لدى القطريين الذين بلغ بهم الظن حد القول ان الرياض تتعقبهم خطوة بخطوة إما لقطع الطريق عليهم او لابتلاعهم.
لم يكن ثمة من تفسير لتلك الخلافات بين الدولتين سوى التفسير السيكولوجي. و يقال انه عندما انتقل الشيخ يوسف القرضاوي من القاهرة الى الدوحة تمكن من احداث بعض التعديل العقائدي داخل العائلة الحاكمة، وهو الذي تخرج من الازهر الذي يصف الوهابية بـ «فقه البادية».
بدا القرضاوي بصوته الجهوري وبشخصيته الكاريزماتية كما لو انه « هبة من الله». هكذا وصف فعلا، اذ ليس لدى السعوديين رجل دين بمقدرته في التأثير، وهو الذي يعتبر نفسه اكثر اهمية من حسن البنا وسيد قطب، وعلى خطاهما. اذاً، لماذا لا يتحول «الاخوان المسلمون» الى الذراع الايديولوجية والاستراتيجية للامبراطورية التي بدت وكأنها تخلت عن الوهابية والتحقت بفكر «الاخوان». هؤلاء الذين عندما استولوا على السلطة في مصر واقاموا الحلف المقدس مع تركيا انما كانوا يتطلعون للاطباق على المشرق العربي، وبوجه خاص على المملكة العربية السعودية، حتى اذا ما التقى المال والايديولوجيا تكرست دولة الخلافة، ولتكن اسطنبول البديل عن مكة ما دام السلطان كان يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين.
الدوحة، وبالتنسيق مع انقرة، ذهبت بعيدا، وبعيدا جدا، في التورط في الملف السوري. دفعت مليارات الدولارات، وكانت الطائرات التي تقدم الكافيار، وربما الشامبانيا ايضا، تنقل المقاتلين من اصقاع الدنيا (وربما من اصقاع الآخرة ايضا)، ودائما عبر البوابة التركية، الى ان بدا ان الاصابع جميعها قد احترقت واحترقت معها المليارات...
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد نصح بعض القطريين الذين التقاهم بأن يتجنبوا الغوص في الازمة السورية. صحيح ان امكاناتهم المالية الخيالية تتيح لهم التدخل، لكن ليس الى حد التأثير بمسارها إن عسكريا او سياسيا. لا بل ان يفغيني بريماكوف قال ان موسكو نصحت قطر وبالحرف الواحد بـ «ان الازمة في سوريا اكبر من امكاناتكم بكثير».
وحين عارضوا التظاهرات التي شارك فيها الملايين في مصر لازالة حكم «الاخوان المسلمين»، ووصفوا ما حصل للرئيس محمد مرسي بالانقلاب ( ومازالوا)، كان بريما كوف يقول «نصحناهم بألا يتورطوا في سوريا فإذا بهم يتورطون في مصر».
اعلاميون سعوديون بدأوا الآن بالقول انه عندما طرحت المملكة مسألة اقامة دولة اتحادية تضم دول مجلس التعاون لم تكن معارضة سلطنة عمان هي التي ادت الى وقف المشروع، لا بل ان القطريين نشطوا ليس فقط داخل دول الخليج الاخرى، لا بل انهم اتصلوا بواشنطن وحتى بطهران وبأنقرة، وعلى اساس ان السعودية تريد احتلال دول المجلس او وضع اليد عليها...
الازمة كانت تتفاعل بعيدا من الضؤ، والسعوديون سحبوا الملف السوري من القطريين، فيما كانت خطب يوسف القرضاوي تفعل فعلها حتى بات له اتباع داخل المملكة ويرددون اقواله، ودون ان تأخذ الدوحة بالدعوة الى اسكاته او ابعاده، لا بل ان الرجل شن حملة على الامارات العربية المتحدة معتبرا انها هي من تقف في وجه اقامة الحكم الاسلامي، قبل ان يتعدى حدود الامارات الى المملكة العربية السعودية التي تستشعر الآن، وبتوجس واضح، مدى تأثير الافكار المتشددة خصوصا على الاجيال الشابة، فيما كانت الاقراص المدمجة التي تحتوي على خطب القرضاوي تنتشر على نحو ينذر بالخطر..
قال السعوديون «لقد بلغ السيل الزبى». لا بد من الاستغراب كيف ان الدول الست التي كانت تبحث، ومنذ مدة وجيزة، في اقامة اتحاد في ما بينها تصل الى حد سحب السفراء، ودون ان ترد الدوحة التي اتهمت بالعمل لتهديد الامن والاستقرار في دول الخليج، باجراء مماثل لادراكها ما تعنيه الخطوة السعودية و(الاماراتية والبحرينية) والى اي مدى وصل الغضب السعودي..
الرهان الآن على الديبلوماسية الكويتية الهادئة، والعقلانية. لكن الامور وصلت الى مرحلة دقيقة للغاية، فهل يمكن لقطر ان تضع القرضاوي في الطائرة لترحيله الى اي بلد يشاء؟
وهل باستطاعتها الابتعاد عن تركيا والتعاطي مع المشير عبد الفتاح السيسي على انه قائد الثورة في مصر لا قائد الانقلاب؟...
ثمة صراع .
التداعيات ستكون وشيكة ومثيرة!!