المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النارنج.. برتقال دمشق الحلو والمرّ



لطيفة
03-08-2014, 10:22 AM
هنا صوتك03/07/2014

http://hunasotak.com/sites/hunaamsterdam.com/files/styles/adaptive_slideshow/adaptive-image/public/8556119298_dac50f0e33_z_0.jpg?itok=uimMA5K9



دمشق- كوليت بهنا- شجرة النارنج، شأنها شأن أشجار الكباد والليمون والكرمنتينا أو اليوسف أفندي والبوملي والتين والعنب والرمان، جزء أساسي من حدائق بيوت السوريين القديمة منها أو الحديثة.

ما أن تنضج ثمارها، حتى يتقاسم أهلها محصولهم البيتي الصغير مع الأقارب والجيران والأصدقاء، كطقس من طقوس توزيع (البركة). لكن النارنج يتقدم في أهميته بينها، لوفرة ما تطرحه أشجاره من ثمار، وكثرة فوائده الطبية، التي تتوزع بين عصير ثماره القابض، أو الزيت المستخرج من ثماره الخضراء الصغيرة، أو أزهاره التي تستعمل للعطور، أو يستخرج منها روح ماء الزهر المنعش للقلب والمهدئ للأعصاب، أو تتحول ثماره البرتقالية الناضجة كما أسلفنا إلى معقود يقدم للضيافة في الأعياد، أو يجفف ويباع ضمن تشكيلة الحلويات المجففة التي اشتهرت بها دمشق وحلب واللاذقية.

على صفحته في الفيس بوك، كتب الروائي السوري عمر قدور: "الغربة هي أن تكتب عن حنينك إلى الياسمين الدمشقي في موسم النارنج". في التقاط لمّاح إلى الزمن الذي تاه عنه المغتربون السوريون وقد أضناهم الحنين والألم وهم يتلقون يومياً عشرات الأخبار، تحمل لهم أخبار القتل والدمار، وضاع توقيت ذاكرة بلادهم بين موسمي الياسمين الصيفي، والنارنج الربيعي.

قبله بفاصل قليل، كتبت إحدى السيدات الدمشقيات على صفحتها في الفيس بوك منشوراً مرفقاً بصورة شهية لثمار النارنج المقطوفة، تطلب فيه ممن يرغب من الأصدقاء تسجيل أسمائهم للحصول على حصة من ثمار الشجرة العامرة في حديقتها، تلقت على إثره عشرات التعليقات والطلبات ومواعيد التسلم والتسليم.

قد يبدو الأمر ملفتاً أن يفكر سوريّ بمعقود(مربى) ثمار النارنج في ظل الأحداث الدموية الراهنة التي يعيشونها. لكن صاحبة المنشور "الفيس بوكي" تؤكد أهمية استمرار هذه الطقوس كفعل حياة يواجه الموت، وعلقت بقولها: " يعرف النارنج بأنه البرتقال المرّ الذي يحلو بالسكر. بدورنا نحن نعيش زمناً مريراً. قد نكسر باستمرار العادات الطيبة حدّة مراراتنا الكثيرة ".

الصين هي الموطن الأصلي للنارنج، كما تشير عدة مراجع تاريخية. ترمز الثمار لديهم إلى الوحدة، فيما ترمز الأوراق دائمة الخضرة إلى الثروة. نقله الأمويون إلى الأندلس، ومنها انتقل إلى معظم دول بحر الأبيض المتوسط، وبات يزرع في الشوارع والحدائق العامة لعدد كبير من مدن العالم، كنوع من أشجار الزينة، دون أن يحظى باهتمام أو بطقوس دلال خاصة، كتلك التي يحظى بها في البيئة السورية.

في ليبيا مثلا، ذكرت إحدى الكاتبات إنه ورغم وفرته في بلادهم، إلا أنهم لايقدرون أهميته كأهل الشام الشطّا. يرمى في الأراضي دون اكتراث ويسمى( ليم شفشي) والليم من ليمون، فيما الشفشي وتعني كلمة فارغ، وتطلق مزاحاً على الناس:( امشي ياشفشي- أي امشي يافارغ ).

وفي حادثة ذكرها صديق سوري، أنه فيما كان بضيافة أحد الشيوخ في حديقة قصره في الشارقة، أبدى إعجابه بأشجار النارنج المنتشرة بوفرة. لكن مضيفه امتعض ووصفه أنه (برتقال خايس) أي لامنفعة منه وينوي التخلص من أشجاره. خلال ساعات جمع الصديق عدداً من الثمار، وحولتها زوجته إلى معقود، وقدمها هدية للشيخ. فوجىء الشيخ بطعمها اللذيذ، وأمر بزرع أكبر عدد من أشجارها.

النارنج الذي تقاسم السوريون عبر تاريخهم ثماره بألفة، وجمع في زمن الحرب بعض الأصدقاء على الفيس بوك. هل بإمكانه أن يكون رمزاً لوحدتهم كما يراه الصينيون!

أم ضاعت ذاكرة البلاد حقاً بين المرّ والمرير؟