المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ذكرى الصدر الثاني : ماذا تبقى من الصدرالاول؟!



مجاهدون
03-10-2005, 07:36 AM
كتابات - عبداللطيف الحرز

1

(( لماذا في العراق كل هذا العدد العملاق من الكتاب والمثقفين ؟!!)) سؤال حير غالبية الباحثين ومثقفي التاريخ (= لاحظ مثلا كتابات سيار الجميل مثلا ) , ولكي ندخل في صلب الموضوع نقول هنا :

بلا شك ان العراق هو اقدم البلدان في الاتصال الحضاري , والارث الحضاري القديم هو تراث ديني , والنصوص الدينية في واقعها هي ذاتها اقدم اثر شعري وادبي , وعليه كان من الطبيعي ان يكون العراق منتجا بشكل مستمر للرموز الدينية والشعرية وان يكون فيه كل هذا العدد من الكتاب والانتلجنسيا لقلق علاقة الدين بالواقع العراقي المضطرب بالحروب واختلاف القوميات من جهة وقلق علاقة الادب بالواقع وقلق علاقة الادب مع الدين . و حسب هذا النسق كان الشعر يوظف لصالح الدين في احيان كثيرة(كما هو حال شعر المديح والرثاء في المنابر والحسينيات مثلا ) واحيان كثيرة اخرى يجري توظيف النصوص الدينية لصالح الشعر (كما هو الحال في نصوص الحلاج وابن عربي والحسن بن علي مثلا ).. وعليه فماذا بقي من الدين ؟! .. مالذي بقي من الشعر ؟! .. هل تطورت علاقة الدين بالشعر والشعر بالدين ؟! .. هل هذا التحليل يكفي لتفسير كثرة اعتماد الشعراء الحداثويين على نصوص التراث الديني ..ام ان هنالك تحليل آخر ؟!

... هذه جملة من الاسئلة اتركها لسلسة بحثنا (( الشاعر دكتاتورا )) .. والذي سنقف فيه على كل سؤال على حده .. لكن يبقى بين ايدينا هذا السؤال اليتيم : (( مالذي تبقى ؟!)) وهو سؤال يتيم رغم كونه الاب او قل الاصل والجذر لجميع الاسئلة(= لكون كلمة اب غير محببة لدينا لاسباب سبق ذكرها للقارئ ) .. فهو سؤال لم تطرحه الثقافة العراقية ابدا( والعربية عموما ) .. فكما يجدول الفكر الديني ايام السنة بولادات ووفيات النبي وعائلته , وكما يجدول التيار السياسي السنة بالفتوحات العسكرية وخيباته .. يجدول التيار الثقافي السنة بوفيات كتّابه واصحاب القلم القائمين عليه . وهي مفارقة تستحق التأمل : لماذا الاحتفال هنا يجري بالموت فقط ؟! .. لماذا لايجري الاحتفال _ مثلا _ بظهور اول قصة عربية لاحمدالسيد , او ظهور اول قصيدة تجديدة للسياب او لمحمود البريكان او لحسين مردان ... لماذا الجدولة هنا تعتمد على الموت فقط ؟!

.... مهما اعطينا من جواب انشائي يقوم على استجداء العاطفة والتباكي على الثقافة واهلها , او منحنا هذا السؤال وقفة تأملية جادة ... يبقى الامر الواقع الثابت المشترك , هو (( احتفالي )) او كما نسميه تأدبا (( تكريمي )) او كما قد يصرح بعض الاحيان (( الاحتفاء )) ... عليه كان هنالك هروب دائم من هذا ((السؤال- الجذر)) : مالذي تبقى من فهد والفكر الشيوعي العراقي ؟! .. مالذي تبقى من السياب ؟! ... مالذي تبقى من حسين مردان ؟!

... مالذي تبقى من علي الوردي .. مالذي تبقى من محمد باقر الصدر .. مالذي تبقى من عزيز سيدجاسم .. مالذي تبقى من هادي العلوي .. مالذي تبقى من محمد صادق الصدر.. مالذي تبقى من الجواهري .. ؟! .. مالذي تبقى واي ثمرة بقت في ايدينا من حركة السياسة العراقية ( والعربية ) احزابا وحكومات ؟! ... مالذي تبقى من المد الشيوعي .. مالذي تبقى من الموروث الديني وحركته وحوزته وازهره ؟!

... مالذي تبقى من الشعر القديم والحديث وماهي الصلة بينهما اليوم واي شيء علينا ان نطوره كاناس عاديين او باحثين ومحليلين او شعراء ونقاد ؟! ... مالذي تبقى .. مالذي تبقى ...الخ ... عشرون الف سؤال على شجرة الواقع ولا جواب واحد في اليد ... (( لماذا ..؟!)) لكوننا لم نطرح مثل هذا السؤال نهائيا فهو يدخل في المحرم الديني و التابوالسياسي والثقافي .... هذا السؤال مفقود رغم كل هذه الاطنان التي تطالب بالنقد والتجديد ومراجعة الذات والحداثة و .. و .. الخ , لكون هذا السؤال يورط صاحبه مرتين : مرة عليه ان يكشف عن خبرته الحقيقية التي يدعيها فيكتب بصورة واضحة خالية من الترميز وخالية من تكرار تجارب سابقة , وان يضع يده هنا ويقول هذه الابيات فقط هي التي همنا اليوم من شعر السياب او البياتي او بولند الحيدري او الجواهري

.. لهذا السبب وهذا السبب .. ويضع يده على اوراق علي الوردي او هادي العلوي او باقر الصدر او الخميني او .. ويقول هذه فقط المادة الحية اما البقية فهي كتابات ترتبط بمرحلة تاريخية تجاوزناها لاسباب التالية . وهذه عملية كما ترى ليست انشاءا غامضا يتستر به الكاتب ويخفي في جوف الكلمات المظلمة والحروف المعتمة , جهله وقلة خبرته .. الكاتب هنا يكتب تحت ضوء الشمس ويتكلم بصوت عال بدون ضمير مستتر او غائب او مقصي تحت ادعاء النص النخبوي وكونه يخاطب القلة البارعة (( الفلته)) , وفي الحقيقة انه يحكي مع نفسه وساوس لاغير ويطالب من الاخرين تمجديها وتسول المعاني لها , .. وهي مهمة لايقوم بها الا من لايخاف الوقوع في الخطأ , والوقوع في الخطأ هو اشد مايبتعد عنه حديث وخطاب المثقف العربي لكونه يطرح نصه نص قرآني لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , واذا ماوجدت خطأ فهو لقلة ذوقك وسوء نظرك وخبث طويتك (!!) .. هذا السؤال _الجذر (= ماالذي تبقى ؟!) سؤال يمثل الفأس التي تهدم الاصنام الدينية والسياسية والثقافية , فالكاتب الناجح بعد موته سيتحول الى عثرة حقيقة امام التطور الفكري من خلال اربعة مشكلات لااقل :

1- انغماس البعض بالكتابة التأبينية عن هذا الرمز , حيث تتحول ذكراه السنوية الى حفل تعزية او تمجيد

2- سوف يجد المتثيقفين وانصاف المتعلمين والكتاب , في هذا الرمز بابا مفتوحا للانشاء والاجترار , من خلال تلخيص افكاره القديمة ذاتها , او ثرد الافاظ وفتح مواسير الاسهال السردي حوله . وفي الواقع ان ظاهرة المتثيقفين ظاهرة تستحق الوقوف والدراسة المتخصصة , فانصاف المتعلمين والهواة هولاء لايطرحون انفسهم ((قراء )) يراجعون مايفهمونه , وانما كتاب سياسيين او نقاد او شعراء او ..الخ , ومن النادر جدا ان يأتوا بشيء يستحق الذكر وهم قد ساهموا مساهمة فعالة في نفخ الكثير من الاسماء وعتمو اللوحة الثقافية العراقية (والعربية ) بسواد كتاباتهم , كماساهموا في اشعال نيران معارك ادبية وكتابية تافهة استنفدت الكثير من الوقت والطاقات واربكت الساحة واشغلت الناس عن امور جادة وخطيرة تقع بينهم وفيهم بشكل مستمر , ولولا ضيق الوقت والانشغال بما هو أهم لخصصت دراسة مستقلة باسماء هولاء واي تاثير سلبي احدثوه ويحدثونه (= طبعا قد اكون انا منهم بل قد اكون على رأسهم اصلا ) .

3- تحول اعمال مثل هذا الكاتب الى ميزان نزن عليه صحة الافكار والاراء من خطئها . ففي حين كان هذا الكاتب او المفكر هو كاتب من الكتاب وناشط من الناشطين يتحول الان الى كونه (( الاركانون )) الجديد والمنطق الذي نحاكم به الافكار (= فتاوى ... توجه سياسي .. طريقة التعبير الشعري ... الشكل المسرحي .. التعبير الفني .. الخ )

4- على ان الامر سيتفاقم اكثر فيما لواصبح هذا الكاتب رمزا سياسيا ايضا .. فمثلا لو اننا ابقينا على خمسة بالمئة فقط من افكار الخميني وباقر الصدر ومحمد باقر الحكيم فمالذي سيبقى عندها من ايران وحزب الدعوة والمجلس الاعلى, وقل ذات الامر بالنسبة للحركة القاسمية والاخوان المسلمين والحركة الدستورية والحزب الشيوعي ؟! .. ومن هنا تجد ان هذه المؤسسات السياسية سوف تترصد بالبحث العلمي وتحاول ان تشوهه وتوقفه لكونه يهدم الاساس الذي تقوم عليه .

اذا فكما اننا نجد ان الذي يفسر القرآن اليوم يتعامل مع النص والواقع بالذات الذي كان يفسر القرآن قبل اكثر من الف سنه , فاننا نجد ذات الممارسة في المعسكر الثقافي , حيث لافرق بين قراء السياب في الامس ولا قراءه اليوم ( بل ولافرق بين قراء ابو تمام والتمنبي في الامس وقرائهم اليوم ) , وقل ذات الامر لدى قراء علي الوردي او باقر الصدر وماقبلهما ومابعدهما , ومن هنا نستخلص ان لاتصادم جوهري مابين المعسكر السياسي والديني والثقافي , وما نراه ماهو الاتصادم على مستوى السطح والقشر فقط . اذن لافرق بين اللا طمين على الامام الحسين بن علي وبين المتباكين على عبدالكريم قاسم او الفكر الشيوعي او السياب

.. وان يكون ((السؤال _ الجذر)) هو بمثابة عملية ارهابية تفجر الوضع السائد والراكد , وعليه كان على الناقد ان يرجم باحجار متعددة من قبل الاطراف الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية فهو كافر ومارق ديني وثقافي . فنحن نريد التحرر والتجديد والحداثة لكن من دون المساس بأحد , لذا سيجري الطعن بالناقد الذي يفكك ويحلل ولايقوم بالشرح والترديد ذات النص نفسه (= كماسيقول ذلك صراحة قاسم حداد عربيا وعبدالرزاق الربيعي عراقيا , وهي مقولة عموم الناشطين في المجال الادبي خصوصا ) , فتفكيك الشيء يقتضي الخروج عنه واي شيء يعني (( الفسق )) الديني والثقافي غير كونك خارج عن سرب القطيع هذا ... نحن نريد حرية وتجديد لكن مع الابقاء على عبودية الاصنام وعدم المساس بسادن الكعبة الدينية والثقافية.. علينا الخروج من صدفة التخلف والهزيمة والخروج الى شوارع الحضارة الواسعة لكن من دون السؤال : ايها الناس الرطوبة تتصاعد وسوف تصدأ الابواب والاقفال .. في جيب من تقطن المفاتيح ؟!


تابع ........

مجاهدون
03-10-2005, 07:41 AM
2

في الازمنة الموجعة و على صحيفة الجمعة طرحتُ مرة مقالا مطولا بعنوان : (( محمد صادق الصدر , مرحلة في قانون المجايله )) .. اذن فالصدر الثاني هو ((مرحلة ما)) وليس جميع المراحل , لكن على اي شيء استندت هذه المرحلية ؟!

ما لايحتاج الى تطويل كلام فيه ان الرجل ينتمي لمسيرة الاصلاح الديني من جهة والى لاهوت التحرير من جهة ثانية , اي الثورة القائمة على الفكر الديني وموروثه (= هناك عدة شبهات في كون الصدر الثاني ليس بصاحب مشروع سياسي اصلا وقد اجبتُ على مثل هذا الطرح في صحيفة المنتدى بمقال تحت عنوان : مراجعة في قراءة عبدالله سعيد ) , ولعل الفكر الديني في العراق لم يشهد تطورا فعليا كالذي شهده على يد الشيخ المظفر وسيدنا المعلم محمد باقر الصدر . ورغم الفارق الزمني بين المظفر وباقر الصدر الا انهما تعرضا لذات الضغوط ولذات الممارساة القمعية ولولا انتحار باقر الصدر لنتهى كما انهتى المظفر تماما (= حول توصيفي الامر بالانتحار انا اعتمد هنا كما اعتمدت في مقالة (( سقراط العراق )) على المحاورة الاخيرة التي جرة بين باقر الصدر واخته بنت الهدى حيث انها عرضت له الاسباب العقلائية التي تعارض قراره بالموت فلم يجبها بسوى خطاب عاطفي ليس الا ) .. لكن اي الظغوط كان هو الاكبر والاشد عليهما ؟!

نحن اذا لو جمعنا اكياس الشتائم والتنكيل والتجريح , لوجدنا المصدر هو رجالات المؤسسة الدينية ذاتها( تماما مثلما حدث بين الازهر والشيخ علي عبدالرزاق مثلا ) , فالتصادم لم يقع بين هولاء المصلحين والمجددين وبين الناس وانما بينهم وبين زملائهم في المؤسسة ذاتها , هذا على خلاف علي الوردي وهادي العلوي مثلا فالتصادم كان بينهم وبين الرعاع من الناس , وقد استغل رجالات المؤسسة الدينية نزعة المجددين نحو ضرورة توحيد الصفوف الى , النكاية بهولاء .

فمثلا تجد ان باقر الصدر قبل بطاعة اوامر محسن الحكيم بترك حزب الدعوة الاسلامية , رغم ان محسن لم يكن هو الاعلم بل ولايقاس بباقر الصدر بتاتا فحتى ابنه محمدباقر الحكيم كان لايقلده ويقتدي بباقر الصدر (وهذه ايجابية تحسب لباقر الحكيم رغم سيئآته التي لاتحصى ) , وفي حين سنجد محسن الحكيم وغالبية الفقهاء المعاصرين له يمتحدون ويمجدون كتابا عاديا مثل كتاب (( التوبة )) لكاتب صغير اسمه طاهر ابو رغيف

فانا لانجد لامحسن الحيكم ولا واحد من هولاء الفقهاء المادحين قام بتشجيع هذا العبقري الصغير المسمى بباقر الصدر والتي صدرت له حين ذاك اولى بحوثه التجديدة مثل بحث القطع , وفدك وفلسفتنا (= وكانت طبعته الاولى كراس صغير ) .. ان رغبة باقر الصدر في توحيد الناس ومحافظته على رمزية رجالات الحوزة شجعت حواشي الخوئي فيما بعد لتنطلق بحملات مسعورة في غاية القذارة وسمت الرجل بشتى المثالب (= والتي سيجري تكرارها والصاقها بمحمد صادق الصدر وبذات المدعيات وبذات المنهج ) , كل ذلك ولم ينبس الخوئي ببنت شفة

فكان من جراء صمت الخوئي سهولة تجرء حزب البعث على السيد المعلم ومحاصرته في منزله ومن ثم اعتقاله (والذي لم يزره احد فيه غير شخص واحد بقي مهمش حتى اليوم لكونه لاينتمي للخوئي ولا لتلاميذه , وهو عبدالاعلى السبزواري ) , لينختم الامر شر ختام باعدام باقر الصدر ومن ثم تغييب فكر باقر الصدر حتى في الحوزة ذاتها اذ لم يشر احد لباقر الصدر سوى علي السيستاني فقط ( في بحث الوضع في كتابه : الرافد في علم الاصول ) وهذه من ايجابيات هذا الرجل , لكن بما ان المطبلين له من الكتّاب هم مجموعة من الهواة فقط, لذا لم يدخل احد منهم هذه في حساباته وسرديات انشائياته

... لماذا تركت النخبة العراقية الكتابة وعافت الامر لانصاف المتعلمين مع تزايد رقعة الحرية لهم , وتزايد الحاجة اليهم ... هل صدمهم الواقع الجديد ... هل راعهم ملاقاتهم الناس وتطورات الحياة وجها لوجه ... هل يأسوا .. هل ينتظرون من الاحداث ان تصبح ماضيا ثم ينظّرون له ويحللون ويكتبون حوله الروايات والقصائد والبحوث .. ويسطرون نبؤاتهم للالفية الثالثة ؟!... سابقا ومع قلة مساحة الحرية وقنوات التعبير كانت يصدر في الشهر الواحد العشرات من الدواوين والروايات والبحوث والدراسات .. الان وقد مضت اكثر من سنتين على راهن العراق الجديد والمروع .. مع ذلك لو حسبنا المنتوج الثقافي العراقي للنخبة فأن محصول هاتين السنتين هو اقل من حصيلة شهر واحد من شهور تلك السنوات العجاف .. ..لماذا غابت النخبة العراقية عن احرج مرحلة في تاريخ العراق , فتركت الاعلام العراقي ينتخم بكل هذا الهذر والانشاء ؟!! .. لستُ ادري .. لستُ ادري .



3

(( عاش .. عاش الصدر والاسلام يبقى منتصر )) .. هكذا باعيت الجماهير باقر الصدر في بداية رحلة التحرر الديني بعد اعتقاله الاول , لكن الشعار ذاته سوف يتطور ليصبح عند استشهاد محمد صادق الصدر : (( عاش ..عاش الصدر , آل الحكيم آل الغدر )) او (( عاش ..عاش الصدر .. المجلس والدعوه كفر )) , والمجلس المذكور هنا هو المجلس الاعلى الذي كان يحتكر كرسيه تلميذ الصدر الاول وزميل الصدر الثاني :محمد باقر الحكيم ( والذي اصبح طابوا باسم عائلة الحكيم الى يوم القيامه ) والدعوة هنا هي ذات حزب الدعوة الاسلامية الذي انخرط فيه باقر الصدر والذي سوف يعتاش وينمو باسمه ....

فكم هو تطور مفجع ومهول !! , فأذ تكون الجماهير تشيرالى ان ((المبتدأ)) في مقتل باقر الصدر هي المؤسسة السياسية , فأنها ستشير بأن (( الخبر )) في مقتل محمد صادق الصدر الى ان القاتل هو المؤسسة الدينية ذاتها .. وهو تطور لم يكشف لمستوى رفع الناقب فيه عن الوجهة القبيح للمؤسسة الدينة الا هذه المرة في حادثة فريدة في تاريخ حركة الفكر الديني في العراق . فالاول مرة يجري تصويب الضوء الى الصراع الداخلي للحوزة ورجالاتها وكواليسها الرطبة , بل ويجري رفع شعار جماهيري يندد بظباط التشويه والتصفية فيها .

اذا فمحمد صادق الصدر هو خريج حادثة اعدام سقراط العراق, باقر الصدر, وماتعرض على يد رجالات الدين من تشويه وغدر ومواقف خائنة حتى من قبل ثلة من تلاميذه المقربين (= هنا يجري حديث هامس في الكواليس حول تاريخ كاظم الحائري والشيخ علي الكوراني ), هذا من جهة ومن جهة اخرى فمحمد صادق الصدر خرج للساحة العراقية بعد انتفاضتي الثمانينات والتسعينات , اي ان محمد صادق الصدر خرج وهو محمول على صليب ذي ثلاث شعب :

1- خرج وهو محمل بذكرى مفجعة مهمولة بستشهاد مثله الاعلى الروحي والعلمي , والذي هو باقر الصدر .

2- خرج ليجد ان الراهن العراقي ازداد تعقيدا سياسيا بفعل دخول جيش حزب البعث على الكويت , وثقافيا بتنامي حركة التخلف سواء بجمود الحوزة وخلوها من الطلاب العراقيين اصلا , واجتماعيا بتفاقم تغلغل الفكر الوهابي حيث استغل مشايخ السعودية الحالة الاقتصادية في العراق فاخذوا يبشرون لفكرهم الفاشي مستخدمين المال ومستغلين غياب الحوزة من جهة , وغياب النخبة العراقية من جهة اخرى ( هذا الاختراق الوهابي في التسعينات هو احد اهم اركان تفاقم حركة الارهاب في العراق اليوم , وهي مسئلة لم تبحث ولم يجري التطرق اليها حتى كتابة هذه السطور )

3- بقاء دوي الصيحة الاخيرة لباقر الصدر والتي ارتكزة على مسئلتين كانتا ستغير فكر باقر الصدر رأسا على عقب فيما لو قدر له البقاء, فهما يتقاطعان مع كل كتابات باقر الصدر حول المرجعية والزعامة الدينية , وهاتان الفكرتان هما : صرخته بان هذه المؤسسة, الحوزة , قد فشلت في عقر دارها . اما المسئلة الثانية فتتمثل بمقولته لشقاوات اهل النجف الذي وحدهم الذين تحدوا النظام البعثي واقتحموا بيت باقر الصدر المحاصر , فقال مقولته تلك (( لو قدر لي العيش لصرفت اموال المرجعية على هولاء )) , وهي نقطة حساسة جدا في حركة التيار الصدري فهي السبب الاول الذي يجعل غالبية المنتمين لمحمدصادق الصدر اولا ولمقتدى الصدر ثانيا هم من هولاء الثلة , اي الشباب العاطل الذي تدفعه عاطفته وغيرته الوجدانية فقط .

تابع ...........

مجاهدون
03-10-2005, 07:44 AM
عليه لم يكن محمد صادق الصدر ليستطيع التحرك الا بعنصرين :

الاول : هو ارتكازه على باقر الصدر من خلال اعلانه بان الاعلمية تنحصر بآخر مدرسة في علم الاصول , والتي هي مدرسة الصدر الاول , وعليك ان تتخيل خطورة مثل هذا الطرح فهو كشف وتحد صريح لاسم باقر الصدر امام السلطة البعثية من جهة , وكشف وتحد صريح لبقية الفقهاء , خصوصا وان بعضهم تصدر الزعامة الدينية _ الدينية , والدينية_ السياسية , كما هو حال علي خامنائي والذي لن يقصر هو ورجالاته في محاربة محمد صادق الصدر .

الثاني : استخدام العنصر الشعبي والجماهيري الذي تنبه له باقر الصدر في آخر حياته , في ناحيتين : من الناحية النظرية والتي تمثلت باستخدام لغة بسيطة عامة سواء في الكتابة او في الخطاب الشفهي , وهما عنصرين مفقودين في خطاب باقر الصدر , لذا ظل تراثه بيد النخبة ولايرتبط بالجمهور سوى اسمه , ولولا اغتياله اولا واستخدام حزب الدعوة له كمستند دعائي , لم يكن ليصبح باقر الصدر رمزا جماهيرا ابدا ولظل كاتب للنخبة فقط , خصوصا وان عبقرية باقر الصدر كانت تتصاعد من الفكر الاقليمي الديني نحو الفكر العالمي والذي بلغ به مناقشة المدرارس الحديثة لفلسفة الرياضيات , بخلاف حركة محمد صادق الصدر فقد كان خطابه نزوليا باستمرار لذا تراه رفض الكتابة في العرفان والتصوف وكتب (( فقه الاخلاق )) حتى منهجه في التاريخ تنازل عنه كثيرا لذا كان الفرق عظيما بين موسوعة المهدي وبين كتابه عن ثورة الامام الحسين رغم انه يفترض ان محمد صادق الصدر اصبح اكثر تعقيدا فكتاب الموسوعة كتبه وهو شاب .

اما الناحية العملية فان محمد صادق الصدر سوف يستخدم الظغط الجماهيري في مواجهة العنصر الاهم الذي وقف بوجه باقر الصدر خصوصا وحركة الاصلاح الديني عموما الا وهو(( بروتوكلات آل الصنم )) . فدعى الصدر الثاني صراحة جميع الفقهاء لعقد مجلس اختباري عام لتعيين مرجع واحد يتوحد شتات الناس من خلاله . واذ تفشل الدعوه وينجح مشروع صلاة الجمعة , قام محمد صادق الصدر فرصة لرجلات المؤسسة الدينية بان يشاركوه المشروع ويخرجوا من كهوف عزلتهم ( = وعليه فماذكره البعض حول دكتاتورية الرجل, من هذه الناحية , غير صحيح .

راجع هنا كتاب (( مرجع الفكر والميدان )) لمجموعة من الباحثين , وهو غير كتاب عادل الرؤوف المعروف ) . واذ انهم لم يرضوا لانفسهم كشف عجزهم عن التحدث ولو بسطر واحد (= راجع كاسيتات درس الخوئي مثلا , لتعرف كيف ان هولاء لو تكلموا علانية لاصبحوا مادة للتندر والسخرية , واعتقد ان لااحد نسى الخوئي في مقابلة صدام حسين التلفزينية له بعج انتفاضة التسعينات ) قام الصدر الثاني بعرض ان يقوموا هم بالصلاة وهو بالخطبة او يقوموا باي شيء آخر يقتنعون به ويتركوا المسابح والاستخارة ومسائل لاتتخطى الحيض والنفاس في وسط شعب يستغله الارهاب الفكري ( وهو الامر الذي تحقق فعلا اليوم ) .

واذ لايجدي شيء يخرج الصدر الثاني على خط تاريخ التكلس لبرتوكلات الحوزة , هذه البروتكلات التي سوف تضع شرطا اساسيا في شروط تقليد المجتهد الا وهو شرط (( الا يقل ظبطه عن المتعارف )) , فاذا بالصدر الثاني يخرج غيظ كل المرحلة السابقة ويكشف حتى الممارسات اليومية للفقهاء وكيف ان السيستاني اذا ما لاقاه سرا يحتظنه واذا ما رأها امام الناس يحييه من بعيد كي لايحسب الناس ان هذا اعتراف منه بفقاهة الصدر (= هذا مسجل في شريط مشهور ومتوفر في حديث للصدر الثاني ) , بل ان الصدر الثاني اذ يكشف ممارساة عجوز الحوزة الخوئي وكيف اهملهم حينما ظغط صدام حسين عليهم للذهاب في بعثة الى ايران , ويستمر التصاعد في لجوء سعيد الحكيم لصدام حسين من اجل عرقلة مسيرة الصدر الثاني الذي اراد فتح بعض البيوت القديمة المقفولة والمعطلة للتلاميذ (= ذاتها خربة دار الحكمة والتي جددها آل الحيكم كي تكون احد اوكارهم ) . وعليه فنحن امام ظاهرة تستحق ان توصم بانها (( مرحلة )) فعلا حيث :

1 - اننا لم نجد خطابا دينيا يستند على القاعدة الشعبية كما الان

2 - انه لم يسبق ان حدثة ثورة داخلية ضد الحوزة والمؤسسة الدينية وعلى مستوى فقيه ومرجع الا في هذه الحقبة .

3 - الامر الثالث الذي له الاهمية الفائقة هنا هو التصادم مع المؤسسة الاجتماعية ذاتها , وهي فعلة لاسابق لها . ولهي من المفارقات الكبرى في تاريخ المؤسسة الدينية في العراق ( بل وفي جميع اقطار الدنيا , فالمؤسسة الدينية تعيش على مؤسسة قديمة متخلفة مثلها دوما ) ان تعيش الحوزة كل هذا الزمن الطويل في العراق ولايصدر منها اي خطاب ضد المؤسسة الاجتماعية . فنحن حينما ندقق النظر في سبب تخلف المرأة .. في محنة الاطفال الصغار .. في العذاب الذي يحاصر الشبيبة .. بل في اي قمع كان

.. سنجد ان سببه هو (( العشيرة )) فهذه المؤسسة هي بؤرة التخلف وبالوعة الجهل العميقة , ومنها خرجت ( وستخرج ) كل مصيبة في العراق ( والشرق الاوسط ) , وهذه المؤسسة التي بلغ بها الامر وضع دستور خاص في العقوبات لاينتمي اطلاقا باحكام الشريعة , هي ذاتها المؤسسة التي لها صداقة وطية مع الحوزة ( والمؤسسة الدينية في كل مكان وزمان ) , وفي حقيقة الامر ان مؤسسة العشيرة لم يكن لها لتستمر لولا التراث الديني بتقديس الاب والاقرباء , والدين ذاته لم يكن ليستمر لولا اعتماده على كونه يمثل روح الامة وهويتها ( رغم انها لاتطبق احكامه في القضايا الحساسة , ولن تطبق اي شيء خصوصا بمسائل المرأة ) , ومن هنا يكون (( فقه العشائر )) للصدر الثاني خطوة تميزية بكون الامر قد دخل مرحلة اخرى وكان له ان يصبح منعطفا هاما في تاريخ الاصلاح الديني لولا الحملات التي شنتها حواشي الاصنام القديمة في الحوزة , من جهة ولولا نكبة حركة الصدر الثاني بظاهرة مقتدى الصدر وماستتبعته من حماقات ذاتية من جهة , وما تم استغلال اسم الصدر على يد وجوه مقنعة ومكشوفة لاتزال تبيع تجارة مغشوشة حتى يومنا هذا .

4 - رابع المميزات التي دعتنا الى جعل محمد صادق الصدر ((مرحلة )) في قانون المجايلة , هو انه ولاول مرة يجري تكوين خطاب حوزوي عراقي غير مرتبط لا بالاستانة التركية ولا بالعشيرة الهاشمية , ولا بالارض الايرانية , فحتى آخر فقيه عراقي كان باقر الصدر يقول للناس ان يذبوا في الخميني ويتمنى الخروج من العراق ليخدم في قرية صغيرة في ايران , فيما سيقوم محمد باقر الحكيم وكاظم الحائري باعطاء الولاء لولاية الفقيه في ايران .

وهنا نجد ان محمد صادق الصدر طرح خطابا عراقيا همه المجتمع العراقي بالدرجة الاساس مستند على نداء باقر الصدر الاخير , حيث تبين له سفه ارتباطه الخميني الذي كان يعول عليه , فصرخ بنادائه ذاك : (( اناديك يا شعبي بعربك واكرادك ... يا ابناء علي وعمر ..)) , وهذا الاستناد من الصدرالثاني على المرحلة الاخيرة للصدرالاول , جعل الصدرالثاني مشروع مستقل لايرتبط بكيانات آخرى غير عراقية , فحتى ولاية الفقيه جعلها الصدر الثاني متعددة وبذلك قطع حبل الرجاء لايران بان يكون تابع لها , وهو امر سيؤدي برجالات علي خامنائي اصدار قرارا بمطاردة الناس ولو لمجرد حمل صورة او شريط كاسيت صوتي للصدرالثاني , واعقتال بعض وكلائه , واقفال مكتبه في قم ( بعض الامور تغيرت فيما بعد من باب امتصاص غضب الناس فجرى السماح بالصور والكاسيتات بعد ان اغتيال الصدر الثاني واصبح لايمثل منافسا لدكاكينهم ) . وعليه فاذا ماوجدنا تصاعد الحماس الوطني في الشارع العراقي فاننا يجب ان لاننسى ان الصدر الثاني هو احد اهم اسباب هذا التطور الجديد في تاريخ العراق الحديث .

بل ان حتى هذا الالتفاف حول الحوزة اليوم هو مدين لهذا الرجل حتى من قبل الاطراف غير الموالية للمدرسة الصدر لكونه يمثل ردة فعل معاكسة جعلتهم يلوذون باصنامهم القديمة .

ومن هنا نخلص الى نتيجتين اخيرتين لاتقلان اهمية هنا , النتجية الاولى :هي خطأ المنهج الذي سار عليه عادل رؤوف في كتابه حول الصدر الثاني( وغيره من الباحثين الذين اقتفوا اثره على ذات المنوال ) وذلك :

1- كونه لم يتعامل مع كتب الصدر الثاني وحكى حكاية الفقهاء من الخارج , فطرح تصويرا عن حركة الفقهاء وكأنهم زعماء سياسيون وليس علماء مرتبطين بمادة معينة , ولذلك هو اهمل كتب الصدر الثاني ولم يستطع ايجاد الرابط المعرفي بينه وبين الصدر الاول .

2 - هو جعل حركة الصدر الثاني حلقة من حلقات متشاهبة في تاريخ الفقهاء السياسسين , في حين ان حركة الصدر الاول والثاني حركة واحدة يمثل كلاهما مرحلة متميزة ولها خصوصياتها التي فيها الكثير من العناصر التي ليس لاوجود لمثيلها في تاريخ الحوزة وانما فيها الشيء الكثير من التقاطع من ذلك التاريخ الطويل بدءا من ترك منهج الاستنباط الى منهج الاستقراء نظريا وحتى منهج الخطاب الشعبي والاستناد الكامل عليه .

اما النتجية الثانية فهي تعمد التقصير والاقصاء في بحث عمار البغدادي في كتابه حول السيستاني (( امام الفقهاء وفقيه الامه )) وجميع الكتّاب المحتفين بالسيستاني :

1 - حيث انه بدء بتاريخ السيستاني من خلال القفز على مرحلة حياة الصدر الاول والثاني وماهي مواقف السيسستاني في مرحلة عراقية حساسة , ستكون هي المقدمة لما ستؤول عليه الامور اليوم , اي ان الباحث عمار البغدادي قرأ المسئلة بالمقلوب من خلال قراءة الماضي بوضع السيستاني اليوم , وليس العكس

2 - تعمد تخطأة تيار الصدر بكونه يتعرض للمرجعية من دون توجيه النقد للسيستاني . ومراجعة المواقف في ذلك الوقت . اي ان الباحث يفترض دائما ان صفحة السيستاني بيضاء خالية من الاخطاء دائما لذا فهو ينصح المثقفين ان يكفوا عن (( صراخهم )) بشأن جملة امور انغمس السيستاني فيها وهو لايعرف فيها ابجد هوس , فاحكمة المرجعية بديهية غير خاضعة للناقش , وكأن الفقيه هنا هو النبي او الامام المعصوم ذاته !!

3 - هذا البحث بحث تبريري ليس الا فهو يطرح السيستاني (( امام للفقهاء )) مع ان السيستاني ليس سوى زميل لفقهاء اليوم , اما تلاميذه ( على فرض علميتهم ) فهم لاينافسون هولاء المتصدين بتاتا فضلا عن كون علميتهم المفترضة تقف في طابور طويل خلف قائمة تلاميذ الخوئي و البروجردي وباقر الصدر والخميني , وجميعهم لهم اصداراتهم ومباحثهم التي لايوجد ماينفسها لدى تلاميذ السيستاني ( بل لم يصدر تلاميذ السيستاني شيئا يستحق الفرهسة حتى على مستوى الكم ) .

اساسا هنالك قفز على مسئلة اعتراض كاظم الحائري ومحمود الهاشمي على اجتهاد السيستاني , فكيف يعقل تصوير السيستاني ((اماما)) للفقهاء .. اما طرح السيسستاني بكونه (( فقيه الامة )) فهو الاعجب فان كان المقصود بالامة هنا الشعب العراقي , فلا اعتقد ان المسيحيين او الاكراد او الشيوعيين او سواهم يعترفون بهذه الامامة عليهم .. وان كان المقصود من الامة هنا شيعة العراق فقط , فالسيسستاني لم يبلغ رتبة محسن الحكيم او الخوئي شهرتا ,مثلا , والساحة العراقية مشتتة من تقليد خامنائي في ايران وحتى تقليد محمد حسين فضل الله في بيروت ومابين طهران وبيروت قائمة طويلة من الفقهاء داخل العراق وخارجه, يقلدهم الشارع الشيعي العراقي في داخل العراق وخارجه , و حقيقة انا لا افهم كيف يجري تقديس المرجعية والتطبيل لها وتبييض سبروتها على حساب اقصاء بقية المراجع والفقهاء بهذه الطريقة .. فهل اصلاح الامر يقتضي اعلان فقيه على حساب فقيه آخر .. ام الدقة العلمية هي التي تحتم تتبيض تاريخ مرجع ما بشطب تاريخ مرجعين قتلا شر قتله... ام من خلال الاستخفاف بشطب جمهور وساع من الناس لايقلدون هذا الفقيه ويرتبطون بفقهاء آخرين ؟!!

4 - هذا البحث كبحث عادل رؤوف والكتّاب الاخرين قائم على السرد التسطيحي الذي لايريد الدخول( لقلة الخبرة فهم, عموما , لايعرفون من هذه الكتب حتى المصطلح ) في بطون الكتب من جهة ولا يريد الدخول في تحليلات ذهنية الحوزة و منطق السيرورة التاريخية والاجتماعية للشعب العراقي ( او الشعوب الاخرى ) لذا فهذا البحث هو بالعمل الصحفي الاعلامي اشبه , لذا فلاحاجة للوقوف امام حشد هائل من ادعاءات هذه الكتب وهذه المقالات .

لكن يحق لنا هنا نسأل : (( الصدر الثاني قسم الحوزة الى ناطقة وصامتة.. فماهو سبب ظاهرة الصمت في المراجع والفقهاء .. فحتى اذا ماتحدثوا فهم يتحدثون بصورة مابشرة , فستخدمون الوكلاء او القنوات الاخرى ؟! ))

هنا عدة فوائد يكسبها المرجع والفقيه ا ذكر اهما اختصارا :

1 - اي امر سلبي سيتحقق سوف يتمكن الفقيه من التملص منه اذ يسهل التنكر بكونه كان يريد هذا المعنى ولايوجد اي دليل انه امر ذلك , فحينما نجد كل تلك الاعمال ضد باقر الصدر او محمد صادق الصدر سيكون الجواب جاهزا : محسن الحكيم والخوئي والسيستاني , لايوجد دليل انهم امروا بذلك ( مع ان الفقهاء يؤمنون بان السكوت عن الفعل هو امضاء وتقرير له !!)

2 - امكانية التملص من اي قرار عام او فتوى حساسة , وانتَ ان تمعنت بالقرارات التي صدرت باسم السيستاني اليوم ستجدها مثلا غير محتاج الى توضيح .

وعلى كلا الامرين يبقى الفقيه فوق الخطأ ومتربع بعرش القدسية والهداية الربانية ,اوتسديد الامام الحجة .. او غير ذلك مما يتقوله اهل الخطاب الديني , والبله من الناس وبعض المرتزقين باسم هذا الفقيه وهذا الدين , ليس صحيح تماما ماقله ماركس لكني أأمن بان الدين مرة (( فيتامين )) ومرة (( افيون )) .. لكن وما الفرق مادام عامل الصيدلية اعمى والمريض اميّ لايعرف القراءة والكتابة ؟!!


4

حسناً كل هذا يدلل على ان مدرسة الصدرين واحدة وهي مرحلة متميزة عما عداها , لكن مالذي تبقى منها ؟! ... سؤال بكل تأكيد لايكون الجواب عليه بجرة قلم , لكن لنقل هنا بشكل مقتضب يحتاج الى طويل استدلال :

1 - بقي من باقر الصدر كتابه المهجور (( الاسس المنطقية للاستقراء )) والذي قاطع به مسيرة الفكر الديني بمرتها في الحوزة القائمة على المنهج الاستنباطي

2 - بقي من الصدر الاول منهجي الدراسي في علم الاصول , والتي هي بحاجة الى مراجعة وتعديل على ضوء مستحدثات المناهج المعاصره

3_ بقي من سقراط العراق منهجه القانوني الذي حول الفقه الى مادة دستورية , وهي خطوة نحن بحاجة اليها على مستوى كون الاسلام هو احد مصادر التشريع في الدستور العراقي.

4 - بقي من الصدر الاول نظريته في تفسيرالقرآن التي تحتاج الى من يطبقها اليوم , ويعيد تحليها وتفكيكها

5- بقي من سيدنا المعلم صرخته في الوحدة الوطنية وضرورة الاعتماد على الشعب والجماهير والتعاطي معهم .

اما ماسوى ذلك _ حسب اعتقادي القاصر _ فهو اما خاطأ الاستدلال , واما انه صحيح لكننا تجاوزناه اليوم .

اما الذي تبقى من الصدر الثاني فهي امور عدة لاتزال حساسة في حياتنا المعاصرة منها :

1 - اطروحته الجديدة في بحثه المبتكر (( ماوراء الفقه )) والذي هو باب معرفي جديد يحتاج الى الاشباع ببحوث جديدة .

2 - الاستفادة بشكل اكثر جدية من منهج العقلانية والتقسيم في البحث التاريخي , واستخدامه لافي روايات المهدي وانما في جل الموروث الديني .

3 - بقي من فقيه الكوفة الجديد خطوته الاولى في نقد المؤسسة الاجتماعية (( العشيرة )) , وهي خطوة تحتاج الى الكثير من التعميق والتطوير من اجل تفكيكها والتخلص منها . كما يتبقى من الصدرين المواجهة مع المؤسسة الدينية (= الحوزة ) والتي تحتاج الى وقفة صادقة اعتمادا على ماتبقى من نقد مدرسة الصدرين وما لحق بهما ضير على يد رجالات هذه المؤسسة, خصوصا وان هنالك شهود لم ينطقوا بالحقيقة كاملة بعد من امثال الشيخ النعماني الذي عايش محنة سيدنا المعلم الصدر الاول .

4_ بقي من الصدر الثاني اعترافه بكافة الاطراف بمافيها الفئات التي تم اقصائها من الجميع مثل الغجر , و هي خطوة تحتاج الى تعميم لكافة الفئآت المنبوذة الاخرى .

5- بقي من مرجع المديان دمه الذي يصرخ بوجه الحوزة , و درسه العملي بضرورة ترك منهج تقبيل الايدي والتقديس الاعمى لهولاء لمجرد كونهم يرتدون العمامة ويطيلون اللحى .

اما البقية فهي امور يقصر استدلال الصدر نفسه عن النهوض بها بدءا من طرحه لنظرية ولاية الفقيه وحتى مسائل صغيرة كسخافة تحريم كرة القدم مثلا و كخطأ مراجعتة النظرية الشيوعية وهو خطأ ورثه عن استاذه الصدر الاول وقد اشرنا في بحث (( بين هيجل والصدر)) ضمن كتاب (( مرجع الفكر والميدان )) الى ذلك فلا حاجة للاعادة هنا .

على ان الاستفادة الاكبر التي استفاد منها الصدر الثاني من تجربة الصدر الاول هي انه عاف الخطاب الدموي والطريقة الانتحارية تحت ذريعة الثورة والشهادة والجهاد .. ان تلك التجربة كانت دليل عملي بان الصدر الاول لو ترك قرار انتحاره وسلك مسلك الصدر الثاني , لكان انفع ولشكل احراجا للسلطة السياسية بمثل مافعل الصدر الثاني , لذا ففي حين ختم الصدر الاول الامر بالدعوة للثورة الدموية , نجد ان الصدر الثاني كان اكثر عقلانية من خلال امره الناس ان يتراجعوا عن مسيرات شعبان ومحرم حينما قررت السلطة الافتاك بالناس . ان ظاهرة الصدرالثاني وتجربة اعطت درسا جديدا بان الامر لايقتضي دائما سلوك منهج التصادم المباشر .. ولا اعتقد اليوم ان احد ما يمتلك دليل واحد يرجح لنا باننا استفدنا من مقتل الصدر الاول وانتحاره اكثر مما لو قدر له العيش .. خصوصا والعراق اليوم يشكو غياب منظّر حقيقي لدستوره وشكل الدولة فيه .

لكن مع ذلك لااعتقد ان مجرد معرفة مالذي تبقى من هذا او ذاك من دون ان يكون هنالك صدق قلبي بحب الوطن والجميع والبحث عن فاعلية العقل اينما كانت ...اذ اعتقد ان من دون تفعيل هذا الشرط , وهو شرط نفسي واخلاقي وليس تنظيري , ستبقى البوصلة التي نسير على هداها هي سبابة الصنم التي تأمرنا بالطاعة العمياء دوما ( وليس غريبا ان يستخدم مقتدى الصدر هذه السبابة ذاتها وينشرها في ملصاقات صوره ) .. والا كيف يتحول اسم الصدر الثاني الذي علم الناس ان يقولوا (( كلا .. نريد .. نريد )) وحافظ على دمائهم فاذا به يصبح يافطة للجهال والعاطلين فكريا وعمليا ...

قد يتم الاعتراض عليّ هنا بان هذا اجحاف بحق التيار الصدري ولمقتدى الصدر والكتاب منهم خصوصا ؟! .. اقول هو اعتراض يكفي بان اجيب عنه هنا بالاضافة الى ماسبق ان تطرقة اليه اكثر من مرة : بان ستة اعوام مضت على مقتل هذا الرجل فهل رأيت تيار الصدر والمتعاطفين معه اعتمدوا ولو مرة واحدة على كتب الصدرالثاني؟! .. هاهي ستة اعوام مضت ولم يشرحوا مفهوم واحد من مفاهيم بحوثه .. واي دليل اقوى على كون هولاء انصاف متعلمين وهواة لاغير ؟! ... املي من الاخ مقتدى الصدر ان يكف عن هذا الهراء ويقطع الطريق على هولاء المهرجين والمرتزقين باسم والده , وان يترك السلاح وينذر عمره لدراسة تراث والده الراحل , وان يحرص على انشاء موقع اكتروني وارضي ينشر فيه ذلك التراث

خصوصا وان هنالك من الكتب لم يخرج للطباعة حتى اليوم . على اني اعتقد ( من باب ان صغير القوم خادمهم ) بانه يتوجب على النخبة العراقية الخروج من كسلهم هذا والتصدي لطرح افكار ودراسات جادة فلا يترك الامر لمجموعة من الاهين بالقرطاس والقلم المتسترين على بطالتهم . وهي مهمة تقتضي مراجعة كافة الرموز التي أثرت بالواقع العراقي سياسيا ودينيا وثقافيا , مراجعة نقدية خالية من كلام الاخوانيات ومسلك الشلل والصداقات ومراضات هذا او ذاك

فقد آن الاون لتظيف اللوحة العراقية مما علق بها من ادهان وادخنة حروب وشخبطات العابثين.. يا نخبة ارض السواد واقلامه : هذا العراق مايزال يحترق فمتى يضيء؟!



( سدني - استراليا )