جمال
03-08-2005, 09:49 AM
السائرون فيه يستغربون لماذا لم تسيطر القوات الاميركية عليه حتى الآن
مشاهدات على طول 11 كيلومترا مروعة حيث قتل عنصر الاستخبارات الإيطالي
بغداد: أليسا روبن *
يمتد الطريق وسط منطقة منبسطة خالية من أي شيء عدا بعض أشجار النخيل السامقة بكبرياء. ومن وقت إلى آخر هناك أجمة صغيرة. يمكن مشاهدة عدد من الماعز يرعاها صبيان او رجال مسنون. وباستثناء القناني البلاستيكية الملقاة هنا وهناك كان المنظر يبدو مسالما.
إنه لا يبدو بأي شكل من الأشكال المكان الذي يمكن للناس الاختباء فيه وتفجير القنابل فوقه أو نصب كمائن فيه للسيارات، لكن هذا هو طريق مطار بغداد الذي يمتد لسبعة أميال (نحو 11 كيلومترا) مروعة. إنه هذا الطريق الذي فتح فيه جنود أميركيون النار الجمعة الماضي على سيارة تحمل الصحافية الإيطالية جوليانا سغرينا مما أدى إلى جرحها وقتل ضابط استخبارات إيطالي كان قد تفاوض مع خاطفيها على إطلاق سراحها.
وباعتباري صحافية عملت في العراق خلال السنتين الأخيرتين شعرت بالاستياء الكبير أن تكون الصحافية التي نجت بهذه الطريقة تكون في الأخير ضحية إطلاق رصاص أميركي. لكنني حينما علمت أن الحادثة وقعت على طريق المطار أصبحت ولحد ما مفهومة. فمنذ بدء الحرب أصبح طريق المطار ساحة حرب ومكانا لا يحتكم لقواعد او اعتبارات مؤكدة، وهو مكان يخلو من أية ضمانات بالسلامة للمدنيين والجنود على حد سواء وبالنسبة لكل الجنسيات.
إنه طريق يجب الاقتراب منه بحذر مع تخطيط مسبق ومع معرفة لكل سيارة أخرى ولكل قافلة أميركية. فقبل إطلاق النار على سغرينا بخمس ساعات كنت أسافر على نفس الطريق بالاتجاه المعاكس من المطار إلى بغداد كإجراء روتيني مزعج. وبدلا من النظر إلى المشهد حولي كنت أنظر إلى الأمام وشعرت آنذاك بقليل من الغثيان.
الكثير ممن سافروا على هذا الطريق ذي الستة ممرات يستغربون كيف أن القوات الأميركية والعراقية تستطيع أن تتوقع تحقيق انتصار على التمرد داخل العراق يوما ما إذا كانت غير قادرة على جعل هذا الطريق القصير آمنا. ومع تقدمنا في السير تذكرت نقاشا دار قبل انتخابات 30 يناير (كانون الثاني) مع دبلوماسي غربي سبق له أن عاش في العراق لمدة عام. سألته إن كان هدف الجيش الأميركي هو تحقيق أمن كل البلد قبل الانتخابات. رفع حاجبيه مستغربا وأجاب: «كل البلد؟» وكأنني أسأله كي يعطيني القمر. «ماذا حول بغداد؟ وماذا حول طريق المطار؟».
أنا أسافر عادة في سيارة عراقية قديمة وأرتدي ثوبا أسود وألف رأسي بوشاح كي لا أجلب الانتباه لي. وحينما تبرز قافلة عسكرية أميركية كان سائقي يقلل من سرعته حتى تتجاوزنا بمسافة لا تقل عن نصف ميل ثم يبدأ بالعودة إلى سرعته. نحن نخاف من أن عند مرورنا بذلك الطريق يوم الجمعة الماضي بدا هادئا بشكل غير طبيعي مع ذلك زاد هذا الوضع من شكوكي. تساءلت مع نفسي ألا يحتاج أولئك الصبية الثلاثة الذين يلعبون على جانب الطريق إلى ساحة خاصة باللعب أو هل هم درّبوا كي يقفوا فوق مفجر للقنابل بانتظار مرور دورية أميركية بهم؟ هل تلك العنزة الميتة محشوة بالمتفجرات؟
هل تلك المناطق المجاورة التي لا يبدو فيها أي سيارة هي مواقع اختباء للمتمردين. قال سائقي أحمد «انظري كان هناك جهاز للتفجير... أنت تستطيعين أن تري تلك الحفرة». أشار بيده إلى تلك السيارة المحروقة على بعد أمتار من الحفرة. «انظري إلى تلك، إنها سيارة مفخخة». أضاف أحمد «في الصيف الماضي أنا كنت هنا، أقود سيارتي من المطار وفجأة ضربت مدرعة همفي أمامنا. أنا قلت لنفسي: ذلك عادي لكن فجأة بدأ الجميع بإطلاق النار، الأميركيون والعراقيون هناك».
على هذا الطريق يكون التمييز بين سائق مسرع لأنه متأزم عصبيا وآخر متهيئ لعمل انتحاري. في الخريف الماضي استهدف مهاجم انتحاري على هذا الطريق حافلة مدرعة تحمل عددا من الموظفين الأميركيين. لم يقتل أي منهم لكن الحافلة دمرت. وغالبا ما يصاب المدنيون العابرون بجراح أو يقتلون. بعد ذلك يأتي حيّان سكنيان أحدهما يسمى «الجهاد» والآخر «الفرات» وكلاهما مخصص لضباط الاستخبارات السابقين تحت حكم صدام حسين.
حاول الأميركيون أن يجعلوا الظروف عسيرة أمام المسلحين كي ينشطوا على امتداد الطريق. فهم قطعوا أشجار النخيل من على جانبيه ثم أسقطوا الحواجز منهما كي لا يتمكن المسلحون من الاختباء وراءها. كذلك وضعوا كاميرات مراقبة، وقاموا بتوزيع مناشير يحذرون فيها الناس المقيمين في المنطقة من التعاون مع المسلحين لكن الأخيرين يظلون قادرين على إيجاد طرق جديدة للهجوم.
الجمعة الماضي تجاوزتنا دورية. من جانبنا نحن توقفنا لجعلها تتقدمنا. ثم شاهدنا بعدهما سيارتي «سبورت» مدرعتين شبيهتين بتلك المخصصة لنقل حراس الأمن المتعاقدين. أبطأنا حركتنا مرة أخرى خوفا من أن يستهدفهما المسلحون. فجأة بدأ أحمد يسرع ماضيا فوق الجزء الخشن من الطريق بسرعة 80 ميلا في الساعة. تحولت مخاوفي من المسلحين والجنود الأميركيين المزعزعين إلى خوف من انقلاب السيارة مع بدء استخدامه جهاز التنبيه بقوة كي يقصي السيارات عن طريقه.
كان أحمد على قناعة تامة بأننا مطاردون. كانت هناك سيارة فيها ثلاثة رجال واضحة في مرآة الرؤية الخلفية أسرعت للاقتراب منا. لم نكن نعرف أن كان الرجال الثلاثة فيها مسلحين. أخيرا فقدنا تلك السيارة وعند اقترابنا من الفندق رأينا السيارة مرة أخرى. كانت سيارة أخرى تتعقب مجموعة صحافيين أخرى لغرض حمايتهم. لا بد أن سغرينا كانت خائفة مثلنا على ذلك الطريق. لكن أن تكون قد أفلتت من المسلحين فهي على الأكثر لم تفكر في أن من الممكن أن تعتبر خطأ بأنها واحدة منهم.
مشاهدات على طول 11 كيلومترا مروعة حيث قتل عنصر الاستخبارات الإيطالي
بغداد: أليسا روبن *
يمتد الطريق وسط منطقة منبسطة خالية من أي شيء عدا بعض أشجار النخيل السامقة بكبرياء. ومن وقت إلى آخر هناك أجمة صغيرة. يمكن مشاهدة عدد من الماعز يرعاها صبيان او رجال مسنون. وباستثناء القناني البلاستيكية الملقاة هنا وهناك كان المنظر يبدو مسالما.
إنه لا يبدو بأي شكل من الأشكال المكان الذي يمكن للناس الاختباء فيه وتفجير القنابل فوقه أو نصب كمائن فيه للسيارات، لكن هذا هو طريق مطار بغداد الذي يمتد لسبعة أميال (نحو 11 كيلومترا) مروعة. إنه هذا الطريق الذي فتح فيه جنود أميركيون النار الجمعة الماضي على سيارة تحمل الصحافية الإيطالية جوليانا سغرينا مما أدى إلى جرحها وقتل ضابط استخبارات إيطالي كان قد تفاوض مع خاطفيها على إطلاق سراحها.
وباعتباري صحافية عملت في العراق خلال السنتين الأخيرتين شعرت بالاستياء الكبير أن تكون الصحافية التي نجت بهذه الطريقة تكون في الأخير ضحية إطلاق رصاص أميركي. لكنني حينما علمت أن الحادثة وقعت على طريق المطار أصبحت ولحد ما مفهومة. فمنذ بدء الحرب أصبح طريق المطار ساحة حرب ومكانا لا يحتكم لقواعد او اعتبارات مؤكدة، وهو مكان يخلو من أية ضمانات بالسلامة للمدنيين والجنود على حد سواء وبالنسبة لكل الجنسيات.
إنه طريق يجب الاقتراب منه بحذر مع تخطيط مسبق ومع معرفة لكل سيارة أخرى ولكل قافلة أميركية. فقبل إطلاق النار على سغرينا بخمس ساعات كنت أسافر على نفس الطريق بالاتجاه المعاكس من المطار إلى بغداد كإجراء روتيني مزعج. وبدلا من النظر إلى المشهد حولي كنت أنظر إلى الأمام وشعرت آنذاك بقليل من الغثيان.
الكثير ممن سافروا على هذا الطريق ذي الستة ممرات يستغربون كيف أن القوات الأميركية والعراقية تستطيع أن تتوقع تحقيق انتصار على التمرد داخل العراق يوما ما إذا كانت غير قادرة على جعل هذا الطريق القصير آمنا. ومع تقدمنا في السير تذكرت نقاشا دار قبل انتخابات 30 يناير (كانون الثاني) مع دبلوماسي غربي سبق له أن عاش في العراق لمدة عام. سألته إن كان هدف الجيش الأميركي هو تحقيق أمن كل البلد قبل الانتخابات. رفع حاجبيه مستغربا وأجاب: «كل البلد؟» وكأنني أسأله كي يعطيني القمر. «ماذا حول بغداد؟ وماذا حول طريق المطار؟».
أنا أسافر عادة في سيارة عراقية قديمة وأرتدي ثوبا أسود وألف رأسي بوشاح كي لا أجلب الانتباه لي. وحينما تبرز قافلة عسكرية أميركية كان سائقي يقلل من سرعته حتى تتجاوزنا بمسافة لا تقل عن نصف ميل ثم يبدأ بالعودة إلى سرعته. نحن نخاف من أن عند مرورنا بذلك الطريق يوم الجمعة الماضي بدا هادئا بشكل غير طبيعي مع ذلك زاد هذا الوضع من شكوكي. تساءلت مع نفسي ألا يحتاج أولئك الصبية الثلاثة الذين يلعبون على جانب الطريق إلى ساحة خاصة باللعب أو هل هم درّبوا كي يقفوا فوق مفجر للقنابل بانتظار مرور دورية أميركية بهم؟ هل تلك العنزة الميتة محشوة بالمتفجرات؟
هل تلك المناطق المجاورة التي لا يبدو فيها أي سيارة هي مواقع اختباء للمتمردين. قال سائقي أحمد «انظري كان هناك جهاز للتفجير... أنت تستطيعين أن تري تلك الحفرة». أشار بيده إلى تلك السيارة المحروقة على بعد أمتار من الحفرة. «انظري إلى تلك، إنها سيارة مفخخة». أضاف أحمد «في الصيف الماضي أنا كنت هنا، أقود سيارتي من المطار وفجأة ضربت مدرعة همفي أمامنا. أنا قلت لنفسي: ذلك عادي لكن فجأة بدأ الجميع بإطلاق النار، الأميركيون والعراقيون هناك».
على هذا الطريق يكون التمييز بين سائق مسرع لأنه متأزم عصبيا وآخر متهيئ لعمل انتحاري. في الخريف الماضي استهدف مهاجم انتحاري على هذا الطريق حافلة مدرعة تحمل عددا من الموظفين الأميركيين. لم يقتل أي منهم لكن الحافلة دمرت. وغالبا ما يصاب المدنيون العابرون بجراح أو يقتلون. بعد ذلك يأتي حيّان سكنيان أحدهما يسمى «الجهاد» والآخر «الفرات» وكلاهما مخصص لضباط الاستخبارات السابقين تحت حكم صدام حسين.
حاول الأميركيون أن يجعلوا الظروف عسيرة أمام المسلحين كي ينشطوا على امتداد الطريق. فهم قطعوا أشجار النخيل من على جانبيه ثم أسقطوا الحواجز منهما كي لا يتمكن المسلحون من الاختباء وراءها. كذلك وضعوا كاميرات مراقبة، وقاموا بتوزيع مناشير يحذرون فيها الناس المقيمين في المنطقة من التعاون مع المسلحين لكن الأخيرين يظلون قادرين على إيجاد طرق جديدة للهجوم.
الجمعة الماضي تجاوزتنا دورية. من جانبنا نحن توقفنا لجعلها تتقدمنا. ثم شاهدنا بعدهما سيارتي «سبورت» مدرعتين شبيهتين بتلك المخصصة لنقل حراس الأمن المتعاقدين. أبطأنا حركتنا مرة أخرى خوفا من أن يستهدفهما المسلحون. فجأة بدأ أحمد يسرع ماضيا فوق الجزء الخشن من الطريق بسرعة 80 ميلا في الساعة. تحولت مخاوفي من المسلحين والجنود الأميركيين المزعزعين إلى خوف من انقلاب السيارة مع بدء استخدامه جهاز التنبيه بقوة كي يقصي السيارات عن طريقه.
كان أحمد على قناعة تامة بأننا مطاردون. كانت هناك سيارة فيها ثلاثة رجال واضحة في مرآة الرؤية الخلفية أسرعت للاقتراب منا. لم نكن نعرف أن كان الرجال الثلاثة فيها مسلحين. أخيرا فقدنا تلك السيارة وعند اقترابنا من الفندق رأينا السيارة مرة أخرى. كانت سيارة أخرى تتعقب مجموعة صحافيين أخرى لغرض حمايتهم. لا بد أن سغرينا كانت خائفة مثلنا على ذلك الطريق. لكن أن تكون قد أفلتت من المسلحين فهي على الأكثر لم تفكر في أن من الممكن أن تعتبر خطأ بأنها واحدة منهم.