سياسى
03-03-2005, 05:10 PM
الرئيس والعضو المنتدب لبيت الاستثمار الخليجي: في الغربة تعلمت الاعتماد على النفس
http://www.asharqalawsat.com/2005/03/03/images/economy.285893.jpg
كان الركوب إلى جوار سائق يشكل له كابوسا مريعا، لذا اعتاد قيادة سيارته بنفسه. ويبدو انه كان على حق، ففي اللحظة التي اضطر فيها إلى ركوب سيارة أجرة لأول مرة في حياته، كان الحادث الذي شكل منعطفا غيّر ابرز ملامح حياته وأجلسه قعيدا على كرسي متحرك، ووقف به على مفترق طرق، فإما أن يلتهم اليأس ما تبقى من عمره، وإما أن يثبت للعالم أن كلمة معاق، لا أصل لها في قاموس الحياة. وأن ليس هناك من معاق إلا من اختار لنفسه أن يكون كذلك.
وليد عبد الرحمن الرويح هو إحدى الشخصيات الاقتصادية الكويتية المعروفة، والذي سجل كفاحا ضد الإعاقة وحقق من النجاحات بعد إصابته بالشلل، ما تفوق به على إنجازاته السابقة قبل الإصابة، فحاليا ومن على كرسيه المتحرك يدير الرويح مملكة اقتصادية ضخمة، ويتقلد في الوقت نفسه مناصب عدة أهمها نائب الرئيس والعضو المنتدب لبيت الاستثمار الخليجي، فضلا عن عضويته في مجالس إدارة عدد من الشركات مثل بيت التمويل الخليجي وشركة الخليج لتمويل الاستثمار. وهو أيضا كان يشغل منصب نائب الرئيس والعضو المنتدب في شركة أصول للإجارة والتمويل. فضلا عن كونه نائبا لمدير عام بيت التمويل الكويتي قبل الانتقال إلى بيت الاستثمار الخليجي.
بداياته كانت قبل الإصابة بسنوات عندما توجه إلى الدراسة في جامعة الكويت بتشجيع كامل من أسرته. عندها التفت إلى أهمية الفرص التدريبية التي كانت تتيحها الجامعة لمنتسبيها. فاستغل مع مجموعة من زملائه فرصة التدريب الميداني في شركة الصناعات الوطنية الكويتية، مما اكسبه خبرة عملية استطاع من خلالها أن يتبين الفرق الكامن بين النظرية والتطبيق. مما ساعده على التخرج بتفوق حيث تم استقطابه هو ومجموعة من زملائه المتفوقين للعمل في مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، حيث كان هدفه ينصب على إتمام دراسته العليا آنذاك مهما كلف الأمر، وبالفعل تم له ذلك بعد عام ونصف من عمله، وتم قبوله كمعيد مبتعث في جامعة الكويت، وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول الرويح: «سنوات الغربة شكلت عاملا مهما في حياتي، تعلمت فيها كيفية الاعتماد على النفس وعملت فيها على تطوير مهاراتي التواصلية، لا سيما لغتي الإنجليزية، فضلا عن اكتسابي لخبرات مهمة في طرق خلق الحوار مع الآخر نتيجة إقامتي مع عائلات أجنبية، كما تمكنت من تطبيق بعض ما درسته عمليا، عندما كنت أقوم مع بعض من زملائي بعقد بعض الصفقات التجارية، والتي تعتمد على تصدير السيارات الأمريكية إلى الكويت». بعد ذلك حصل وليد الرويح على درجة الماجستير في علوم الإدارة، إلا أن ظروفا قاهرة على حد وصفه، حالت دون إكماله الطريق والحصول على شهادة الدكتوراه، فعاد أدراجه إلى الكويت.
عندما عاد إلى الكويت عام 1979 لاحظ تصدر فكرة البنك الإسلامي داخل حديث المجالس الكويتية، وهي الفكرة التي كانت في بداياتها آنذاك، وكانت تحظى بالتأييد من بعض الفئات والمعارضة من فئات أخرى، وكانت رغبته في استثمار ما درسه في حقول المصارف والبنوك البداية التي دفعته بهذا الاتجاه. ولما كان له بعض التحفظ على البنوك التقليدية، من حيث شرعيتها اتجه للعمل في احد البنوك الإسلامية ألا وهو بيت التمويل الكويتي والذي يصف الرويح تجربة العمل فيه بالمثمرة قائلا: «بدأنا بشخصين فقط. ومع حلول عام 1998 وصل العدد إلى أكثر من 400 موظف. كما وصل حجم التداول المالي في القطاع التجاري لبيت التمويل أكثر من 450 مليون دينار كويتي».
عام 1984 شكل منعطفاً تاريخياً في حياة «الرويح» فهو العام الذي شهد تعرضه لحادث مروري أليم، نجمت عنه إصابته بشلل نصفي. يستذكر الحادث قائلاً «كنت أقوم بمهمة عمل لبيت التمويل الكويتي في تركيا، وتزامن ذلك مع شهر رمضان الكريم، والذي اعتدت أن أؤدي فيه مناسك العمرة. ولما كنت عائداً إلى الكويت، عبر مطار جدة، فضلّت الذهاب وقتها لأداء العمرة، حتى موعد إقلاع الطائرة.
حينها وقع الحادث وأصبت بشلل نصفي تم نقلي على أثره للعلاج في انجلترا لمدة أربعة شهور. لا أنكر خلالها أنني أصبت ببعض اليأس والإحباط، ولكن بفضل من الله عز وجل، استطعت تجاوز الأزمة، وساعدني في التغلب عليها كل من حولي، ابتداء بوالدي وأهلي، بالإضافة إلى زملاء العملاء، الذين كان لهم الأثر الأكبر في تشجيعي على العودة واستكمال المسيرة، حيث واجهتني العديد من العقبات التي امتزجت بدورها بالعديد من النجاحات كان أهمها ترقيتي للحصول على منصب نائب مدير عام في بيت التمويل الكويتي عام 1998».
«وبعد 20 عاماً من العمل الدؤوب وافتني الفرصة التي طالما تمنيتها، ألا وهي العمل ضمن منظومة اقتصادية تعتمد النهج الإسلامي بصفة كاملة، وكان لي ذلك عبر اختياري للعمل كرئيس وعضو منتدب لبيت الاستثمار الخليجي، ومددت لي فترة الرئاسة لثلاثة أعوام أخرى، تم اختياري بعدها لأمثل بيت الاستثمار الخليجي في شركة أصول كعضو مجلس إدارة فيها».
«واستمر العمل المصرفي الإسلامي بالانتشار فكراً وتطبيقاً في العديد من المؤسسات المالية حول العالم، حتى وصل حجم استثماراتها إلى أكثر من 200 مليار دولار. كما أنها تحقق نمواً سنوياً قد يصل إلى 15% في بعض الدول مما يعني نجاح هذه التجربة فعلياً وإثبات وجودها على الصعيد الاقتصادي العالمي». عندما تتحدث إليه تجده واثقاً بنفسه معتداً بما حققه من إنجازات على الرغم من إصابته التي ربما كانت عائقاً منعه من تحقيق بعض ما يصبو إليه، لكنه يستذكر القضاء والقدر قائلاً:
«أنا أمارس حياتي بشكل طبيعي، كما لو أنني سليم تماماً، فأنا مثلاً أمارس تماريني الرياضية بعيداً عن نوادي المعاقين، وكان لالتحاقي بمركز للتأهيل في انجلترا أثر كبير في صياغة حياتي وإعادة تشكيلها، مع ما يتناسب مع وضعي الجديد، ومع نظرة الناس إلى كوني معاقاً لاسيما في مجتمعاتنا الشرقية، وتعرفت هناك إلى أكثر من تجربة في عالم الإعاقة، أذكر منها أحد الرسامين المبدعين الذي كان يستخدم فمه في رسم اللوحات».
وليد عبد الرحمن الرويح شخصية اضطرتها ظروف الحياة إلى الانصهار في بوتقة من الألم والمعاناة، لكن الأمل بات مزروعا في قلبه وعينيه.. ذلك الأمل بمستقبل مشرق والذي يتخذ من القوة والتفاؤل منهجاً ينتهجه كل معاق، للتغلب على إعاقته التي تشده وتمنعه من استكمال دروب الحياة وجني ثمارها بالصبر والكفاح والعمل.
إنه باختصار حكاية الألم والأمل، حكاية انه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.
http://www.asharqalawsat.com/2005/03/03/images/economy.285893.jpg
كان الركوب إلى جوار سائق يشكل له كابوسا مريعا، لذا اعتاد قيادة سيارته بنفسه. ويبدو انه كان على حق، ففي اللحظة التي اضطر فيها إلى ركوب سيارة أجرة لأول مرة في حياته، كان الحادث الذي شكل منعطفا غيّر ابرز ملامح حياته وأجلسه قعيدا على كرسي متحرك، ووقف به على مفترق طرق، فإما أن يلتهم اليأس ما تبقى من عمره، وإما أن يثبت للعالم أن كلمة معاق، لا أصل لها في قاموس الحياة. وأن ليس هناك من معاق إلا من اختار لنفسه أن يكون كذلك.
وليد عبد الرحمن الرويح هو إحدى الشخصيات الاقتصادية الكويتية المعروفة، والذي سجل كفاحا ضد الإعاقة وحقق من النجاحات بعد إصابته بالشلل، ما تفوق به على إنجازاته السابقة قبل الإصابة، فحاليا ومن على كرسيه المتحرك يدير الرويح مملكة اقتصادية ضخمة، ويتقلد في الوقت نفسه مناصب عدة أهمها نائب الرئيس والعضو المنتدب لبيت الاستثمار الخليجي، فضلا عن عضويته في مجالس إدارة عدد من الشركات مثل بيت التمويل الخليجي وشركة الخليج لتمويل الاستثمار. وهو أيضا كان يشغل منصب نائب الرئيس والعضو المنتدب في شركة أصول للإجارة والتمويل. فضلا عن كونه نائبا لمدير عام بيت التمويل الكويتي قبل الانتقال إلى بيت الاستثمار الخليجي.
بداياته كانت قبل الإصابة بسنوات عندما توجه إلى الدراسة في جامعة الكويت بتشجيع كامل من أسرته. عندها التفت إلى أهمية الفرص التدريبية التي كانت تتيحها الجامعة لمنتسبيها. فاستغل مع مجموعة من زملائه فرصة التدريب الميداني في شركة الصناعات الوطنية الكويتية، مما اكسبه خبرة عملية استطاع من خلالها أن يتبين الفرق الكامن بين النظرية والتطبيق. مما ساعده على التخرج بتفوق حيث تم استقطابه هو ومجموعة من زملائه المتفوقين للعمل في مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، حيث كان هدفه ينصب على إتمام دراسته العليا آنذاك مهما كلف الأمر، وبالفعل تم له ذلك بعد عام ونصف من عمله، وتم قبوله كمعيد مبتعث في جامعة الكويت، وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول الرويح: «سنوات الغربة شكلت عاملا مهما في حياتي، تعلمت فيها كيفية الاعتماد على النفس وعملت فيها على تطوير مهاراتي التواصلية، لا سيما لغتي الإنجليزية، فضلا عن اكتسابي لخبرات مهمة في طرق خلق الحوار مع الآخر نتيجة إقامتي مع عائلات أجنبية، كما تمكنت من تطبيق بعض ما درسته عمليا، عندما كنت أقوم مع بعض من زملائي بعقد بعض الصفقات التجارية، والتي تعتمد على تصدير السيارات الأمريكية إلى الكويت». بعد ذلك حصل وليد الرويح على درجة الماجستير في علوم الإدارة، إلا أن ظروفا قاهرة على حد وصفه، حالت دون إكماله الطريق والحصول على شهادة الدكتوراه، فعاد أدراجه إلى الكويت.
عندما عاد إلى الكويت عام 1979 لاحظ تصدر فكرة البنك الإسلامي داخل حديث المجالس الكويتية، وهي الفكرة التي كانت في بداياتها آنذاك، وكانت تحظى بالتأييد من بعض الفئات والمعارضة من فئات أخرى، وكانت رغبته في استثمار ما درسه في حقول المصارف والبنوك البداية التي دفعته بهذا الاتجاه. ولما كان له بعض التحفظ على البنوك التقليدية، من حيث شرعيتها اتجه للعمل في احد البنوك الإسلامية ألا وهو بيت التمويل الكويتي والذي يصف الرويح تجربة العمل فيه بالمثمرة قائلا: «بدأنا بشخصين فقط. ومع حلول عام 1998 وصل العدد إلى أكثر من 400 موظف. كما وصل حجم التداول المالي في القطاع التجاري لبيت التمويل أكثر من 450 مليون دينار كويتي».
عام 1984 شكل منعطفاً تاريخياً في حياة «الرويح» فهو العام الذي شهد تعرضه لحادث مروري أليم، نجمت عنه إصابته بشلل نصفي. يستذكر الحادث قائلاً «كنت أقوم بمهمة عمل لبيت التمويل الكويتي في تركيا، وتزامن ذلك مع شهر رمضان الكريم، والذي اعتدت أن أؤدي فيه مناسك العمرة. ولما كنت عائداً إلى الكويت، عبر مطار جدة، فضلّت الذهاب وقتها لأداء العمرة، حتى موعد إقلاع الطائرة.
حينها وقع الحادث وأصبت بشلل نصفي تم نقلي على أثره للعلاج في انجلترا لمدة أربعة شهور. لا أنكر خلالها أنني أصبت ببعض اليأس والإحباط، ولكن بفضل من الله عز وجل، استطعت تجاوز الأزمة، وساعدني في التغلب عليها كل من حولي، ابتداء بوالدي وأهلي، بالإضافة إلى زملاء العملاء، الذين كان لهم الأثر الأكبر في تشجيعي على العودة واستكمال المسيرة، حيث واجهتني العديد من العقبات التي امتزجت بدورها بالعديد من النجاحات كان أهمها ترقيتي للحصول على منصب نائب مدير عام في بيت التمويل الكويتي عام 1998».
«وبعد 20 عاماً من العمل الدؤوب وافتني الفرصة التي طالما تمنيتها، ألا وهي العمل ضمن منظومة اقتصادية تعتمد النهج الإسلامي بصفة كاملة، وكان لي ذلك عبر اختياري للعمل كرئيس وعضو منتدب لبيت الاستثمار الخليجي، ومددت لي فترة الرئاسة لثلاثة أعوام أخرى، تم اختياري بعدها لأمثل بيت الاستثمار الخليجي في شركة أصول كعضو مجلس إدارة فيها».
«واستمر العمل المصرفي الإسلامي بالانتشار فكراً وتطبيقاً في العديد من المؤسسات المالية حول العالم، حتى وصل حجم استثماراتها إلى أكثر من 200 مليار دولار. كما أنها تحقق نمواً سنوياً قد يصل إلى 15% في بعض الدول مما يعني نجاح هذه التجربة فعلياً وإثبات وجودها على الصعيد الاقتصادي العالمي». عندما تتحدث إليه تجده واثقاً بنفسه معتداً بما حققه من إنجازات على الرغم من إصابته التي ربما كانت عائقاً منعه من تحقيق بعض ما يصبو إليه، لكنه يستذكر القضاء والقدر قائلاً:
«أنا أمارس حياتي بشكل طبيعي، كما لو أنني سليم تماماً، فأنا مثلاً أمارس تماريني الرياضية بعيداً عن نوادي المعاقين، وكان لالتحاقي بمركز للتأهيل في انجلترا أثر كبير في صياغة حياتي وإعادة تشكيلها، مع ما يتناسب مع وضعي الجديد، ومع نظرة الناس إلى كوني معاقاً لاسيما في مجتمعاتنا الشرقية، وتعرفت هناك إلى أكثر من تجربة في عالم الإعاقة، أذكر منها أحد الرسامين المبدعين الذي كان يستخدم فمه في رسم اللوحات».
وليد عبد الرحمن الرويح شخصية اضطرتها ظروف الحياة إلى الانصهار في بوتقة من الألم والمعاناة، لكن الأمل بات مزروعا في قلبه وعينيه.. ذلك الأمل بمستقبل مشرق والذي يتخذ من القوة والتفاؤل منهجاً ينتهجه كل معاق، للتغلب على إعاقته التي تشده وتمنعه من استكمال دروب الحياة وجني ثمارها بالصبر والكفاح والعمل.
إنه باختصار حكاية الألم والأمل، حكاية انه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.