جمال
02-28-2005, 09:43 AM
عبد الرحمن الراشد
في قاعة كبيرة النوافذ، ومغلقة العقول، يمكن لأي مؤتمر أن يتحول الى حفلة دراويش يردد فيها المؤتمرون أهازيج تغيير العالم من دون ان يتجشموا عناء مطالعة الحي الصغير الذي يسكنون فيه من اجل إصلاحه.
الأمثلة الحية كثيرة على شيوع النفاق الجماعي في حفلات المؤتمرات العربية، التي ترفع شعارات كبيرة تريد من ثلاثمائة مليون إنسان في العالم العربي أن يسيروا وراءها، وهي التي لم تتجرأ على صاحب الدعوة تدعوه، ولو برفق، ان يخطو خطوة واحدة نحو الهدف المعلن. بدل ذلك تشكره على القهوة والشاي وتذاكر السفر.
ظاهرة مؤتمرات المواجهة الشائعة تجعلنا نتساءل، كيف يمكن ان تسوق هذه الجموع من بلدانها بتذاكر سفر مجانية للمشاركة، وتبني مواقف مزورة، فترفع صوتها للبعيد، وتعجز عن نقد القريب؟
يصعب عليّ ان اصدق ان دوافع المشاركة في حفلات النفاق هذه مجرد مكاسب شخصية، وكل ما املك من تفسير هو انها صارت عادة وواجبا اجتماعيا، مثل ريادة حفلات الزواج ومناسبات العزاء. إقامة المؤتمرات الهجومية والصاخبة فيها بطولات كلامية مجانية للداعي والمدعو، من دون امتحان ذاتي لما يقال ويوعد به.
بعضنا ألِفَ مؤتمرات تُلهَب فيها الأكف بالتصفيق من دون مساءلة او مراجعة ذاتية. فيها لا يمكن ان يقال لدعاة الحرية: اين هي حريتكم؟ ولدعاة الديمقراطية: أين هي انتخاباتكم؟ ولدعاة المواجهة: أين تسترخي جيوشكم كل هذا الزمن؟ ولدعاة الوحدة: تنازلوا عن صلاحياتكم وكراسيكم ولو لمرة واحدة؟ تُعقَد هذه الحفلات لتنتقد كل شيء إلا نفسها، وتهاجم كل من هو خارجها. وهي ليست بنت الليلة ولا بالتجربة الجديدة. فتاريخ المؤتمرات الدعائية بيننا قديم.
ألفناه لسنين. ندوات ومؤتمرات ومنتديات عن الحرية والديمقراطية ابتدعتها أنظمة عربية كانت تتسمى في الستينات بالاشتراكية، وهي لم تكن في أساسها اشتراكية. كانت تدعو العالم، وليس نفسها، للحرية، وهي التي لم تعط لمواطنيها حرية، لا في حق التفكير او التعبير او حتى امتلاك ورشة إصلاح سيارات. كانت ترفع مجرد شعارات دعائية تتبارى فيها حول حقوق الأمم الأخرى، من جنوب شرقي آسيا الى جنوب أفريقيا.
في الحاضر تبدلت الأنظمة وورثت الممارسات. حفلات جماعية حول حقوق الإنسان، والفقر، والتحرير، ومواجهة العدو، وضد الوجود الأجنبي، تكيل فيها للمضيف المديح على حسن الضيافة، وتكيل باليد الأخرى لخصومه الذم. إذا كان هناك من مطلب، فهو ليس ان يتوقف المشاركون عن الدعوة لما يؤمنون به، حتى لو كان تغيير العالم كله، وإنما ان يبدأوا من صاحب الدعوة.
في قاعة كبيرة النوافذ، ومغلقة العقول، يمكن لأي مؤتمر أن يتحول الى حفلة دراويش يردد فيها المؤتمرون أهازيج تغيير العالم من دون ان يتجشموا عناء مطالعة الحي الصغير الذي يسكنون فيه من اجل إصلاحه.
الأمثلة الحية كثيرة على شيوع النفاق الجماعي في حفلات المؤتمرات العربية، التي ترفع شعارات كبيرة تريد من ثلاثمائة مليون إنسان في العالم العربي أن يسيروا وراءها، وهي التي لم تتجرأ على صاحب الدعوة تدعوه، ولو برفق، ان يخطو خطوة واحدة نحو الهدف المعلن. بدل ذلك تشكره على القهوة والشاي وتذاكر السفر.
ظاهرة مؤتمرات المواجهة الشائعة تجعلنا نتساءل، كيف يمكن ان تسوق هذه الجموع من بلدانها بتذاكر سفر مجانية للمشاركة، وتبني مواقف مزورة، فترفع صوتها للبعيد، وتعجز عن نقد القريب؟
يصعب عليّ ان اصدق ان دوافع المشاركة في حفلات النفاق هذه مجرد مكاسب شخصية، وكل ما املك من تفسير هو انها صارت عادة وواجبا اجتماعيا، مثل ريادة حفلات الزواج ومناسبات العزاء. إقامة المؤتمرات الهجومية والصاخبة فيها بطولات كلامية مجانية للداعي والمدعو، من دون امتحان ذاتي لما يقال ويوعد به.
بعضنا ألِفَ مؤتمرات تُلهَب فيها الأكف بالتصفيق من دون مساءلة او مراجعة ذاتية. فيها لا يمكن ان يقال لدعاة الحرية: اين هي حريتكم؟ ولدعاة الديمقراطية: أين هي انتخاباتكم؟ ولدعاة المواجهة: أين تسترخي جيوشكم كل هذا الزمن؟ ولدعاة الوحدة: تنازلوا عن صلاحياتكم وكراسيكم ولو لمرة واحدة؟ تُعقَد هذه الحفلات لتنتقد كل شيء إلا نفسها، وتهاجم كل من هو خارجها. وهي ليست بنت الليلة ولا بالتجربة الجديدة. فتاريخ المؤتمرات الدعائية بيننا قديم.
ألفناه لسنين. ندوات ومؤتمرات ومنتديات عن الحرية والديمقراطية ابتدعتها أنظمة عربية كانت تتسمى في الستينات بالاشتراكية، وهي لم تكن في أساسها اشتراكية. كانت تدعو العالم، وليس نفسها، للحرية، وهي التي لم تعط لمواطنيها حرية، لا في حق التفكير او التعبير او حتى امتلاك ورشة إصلاح سيارات. كانت ترفع مجرد شعارات دعائية تتبارى فيها حول حقوق الأمم الأخرى، من جنوب شرقي آسيا الى جنوب أفريقيا.
في الحاضر تبدلت الأنظمة وورثت الممارسات. حفلات جماعية حول حقوق الإنسان، والفقر، والتحرير، ومواجهة العدو، وضد الوجود الأجنبي، تكيل فيها للمضيف المديح على حسن الضيافة، وتكيل باليد الأخرى لخصومه الذم. إذا كان هناك من مطلب، فهو ليس ان يتوقف المشاركون عن الدعوة لما يؤمنون به، حتى لو كان تغيير العالم كله، وإنما ان يبدأوا من صاحب الدعوة.