المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تيارات محظورة في مصر تتوسّع على الشبكة «العنكبوتية»



fadel
02-27-2005, 02:47 PM
القاهرة - محمد محمود

تتجاوز شبكة الإنترنت في مصر كونها ساحة تبادل معلوماتي إلى صفتها فضاء للتيارات السياسية المصرية على اختلافها. وتلجأ إليها القوى «المحظورة» مثل الحركات الإسلامية واليسارية من أجل ترويج فكرها المحاصر وعقد لقاءاتها وتنسيق تحركاتها. بينما تستخدمها الأحزاب «الشرعية»، وفي مقدمها الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، بغية استقطاب الأجيال الجديدة وتسويق برامجها بين صفوفها. ويبدو أن هذه المواقع حققت الكثير من أهدافها، ما دفع الحكومة المصرية أخيراً إلى حجب المواقع الرسمية لجماعة «الإخوان المسلمين» و«حزب العمل» المجمد، وجماعة يسارية راديكالية تطلق على نفسها اسم «المصريون الأحرار».

يلجأ «المحجوبون» إلى مجموعة من المواقع التي لا تتبع تنظيماتهم رسمياً، مثل جماعة «الإخوان المسلمين» التي تستخدم عدداً من المواقع والمنتديات البديلة منذ حجب موقعها. وفي هذه المواقع البديلة ينسق الأعضاء «القاعديون» تحركاتهم التنظيمية وتظاهراتهم الطالبية في الجامعات، إضافة إلى المناقشات و«حفلات» التعارف في ما بينهم. ويعد موقع جماعة «الإخوان المسلمين» الذي حجبته الحكومة المصرية فترة، قبل أن يتمكن مسؤولو الموقع من الالتفاف على الحجب من طريق إحدى الحيل التقنية، هو المتنفس الأبرز للجماعة المحاصرة أمنياً وسياسياً. لكنّ «المواقع البديلة يمكنها أن تلعب هذا الدور موقتاً»، بحسب المسؤول عن موقع الجماعة الرسمي عبد الجليل الشرنوبي.

وهي المرة الأولى التي تستهدف فيها الحكومة المصرية موقع الجماعة، ويرى بعضهم أن هذه الخطوة حصلت قبل الانتخابات البرلمانية التي تنطلق العام المقبل لسد الطريق على الإخوان. ويقول الشرنوبي لـ«الحياة» إن «النظام يوجه عبر هذا التصعيد رسالة مفادها أن ليس من المقبول أن يكون للجماعة مكان في التغيرات السياسية والبرلمانية التي ستشهدها البلاد».

الالتفاف على الحظر ليس سهلاً والملاحقة لم تتوقف. ويقول الشرنوبي: «حاولنا فك الحظر أربع مرات من طريق تغيير رقم بروتوكول الإنترنت، لكن الملاحقة كانت مستمرة إلى أن تمكنّا في النهاية من إعادة الموقع عبر حيلة تقنية معقدة». ويضيف: «لكن الحجب لن يؤثر في اتصال الجماعة بالجماهير، لأن هناك عشرات القوائم البريدية والمواقع الفرعية التي تعبر عنها». ويشدد الشرنوبي على أن «فلسفة الحجب تجاوزها الزمن، فهناك طرق عدة للالتفاف عليه».

وتتسع قائمة الحظر لتشمل بعضاً من المواقع الفرعية، ويمتد إلى أسماء النطاق (Domain) التي يلجأ «محجوبون» آخرون لبث مواقعهم منها التفافاً على فعل الحجب. وكلما حظرت السلطات أحد هذه المواقع، لجأ أصحابها إلى البث من مواقع أخرى. «حجب المواقع لا يتطلب موازنة مالية كبيرة، على خلاف ما هو شائع»، يؤكد خليل لـ«الحياة». ويلفت إلى سهولة خرق الحظر، سواء من طريق استخدام القائمين على المواقع عناوين بديلة، أو لجوء المستخدم إلى المواقع التي تكسر هذا الحظر من خلال تقنية «التصفح المُجهل»، التي تستدعي الموقع المحظور داخل نافذة تحمل عنواناً آخر.

وتستخدم تيارات أخرى «محجوبة» مثل التيار الشيوعي المصري الإنترنت. ويلتقي أعضاؤه في بضعة منتديات لتداول أفكارهم وتحركاتهم القليلة، مقارنة بالإخوان. ولكنْ ليس ثمة موقع رئيس يستخدمونه في هذه الأمور. وداخل الطيف اليساري تتباين الألوان، بدءاً من المعتدلين والكلاسيكيين الذين يشاركون في موقع «الحوار المتمدن» ومروراً بالراديكاليين، ووصولاً إلى أصحاب الخطاب التثويري الديماغوجي الذي يتجاوز النقد السياسي إلى التجريح الشخصي مثل جماعة تطلق على نفسها «المصريون الأحرار».

وفي مقابل المواقع التي يسهل حجبها، يلجأ «المحجوبون» إلى استخدام وسائل بديلة أكثر فعلاً وانتشاراًً مثل غرف «الدردشة» وبرامج المحادثات الصوتية الجماعية المفتوحة.

ويحظى برنامج «بال توك» الذي يوفر خدمات المحادثة بالصوت والصورة بتواجد واسع للقوى السياسية المصرية. وتعقد جماعة الإخوان عبر غرفها التي تعمل على مدار الساعة لقاءات دورية لأعضائها مع قيادات الجماعة، ومن بينها لقاء مع المرشد العام محمد مهدي عاكف بالصوت والصورة. ولا تتوقف اللقاءات في غرف الإخوان عند حدود التنظيم في مصر، بل تتسع لتشمل أعضاء في التنظيم الدولي للجماعة، في مقدمهم قيادات حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» الذين يحل أحدهم ضيفاً على غرف الإخوان في صورة دورية.

وفي حزب «العمل» المجمد (الإسلامي التوجه)، تعقد قيادات الحزب بعد ان أوقفت لجنة الأحزاب نشاطه قبل أربعة أعوام، ندوة أسبوعية مدتها ساعتان عبر إحدى غرف البرنامج نفسه تحمل اسم الحزب، يناقشون فيها الأحداث السياسية وتطوراتها مع الأعضاء والحاضرين الذين يقدر عددهم بالمئات.

وتسبق اللقاءات الإخوانية حملة دعائية عبر البريد الإلكتروني والإعلانات في المواقع التابعة له. وتحمل غرف الإخوان أسماء مثل «سرايا الدعوة» و«الملتقى» وسواها. لكن الأمان الكامل ليس مكفولاً للمشاركين في المحادثات، مما دفع «سرايا الدعوة» إلى دعوة أعضائها وزوارها إلى استخدام أسماء وعناوين بريدية مستعارة، و«التجنب الكامل للحديث في حقائق ذات أهمية أمنية، حتى بين اثنين في غرفة خاصة».

وكانت منظمات حقوقية مصرية وأجنبية سجلت قلقها إزاء إعاقة حرية استخدام شبكة الإنترنت في مصر، بعدما احتجزت السلطات المصرية العام الفائت الناشط السياسي المهندس أشرف إبراهيم وحققت معه في بعض التهم، بينها استخدام الإنترنت في الإطلاع على معلومات تتعلق بحقوق الإنسان. وقبل عامين ثار جدل مماثل عندما قضت محكمة مصرية بسجن الابن الأكبر لشاعر العامية المصري نجيب سرور لنشره إحدى قصائد والده السياسية المحظورة على الإنترنت.

... و«الشرعيون» أيضاً

لكن القوى السياسية «المحجوبة» ليست الوحيدة التي تتوسل الإنترنت فضاء لنشاطها السياسي، إذ تلجأ الأحزاب على اختلاف اتجاهاتها إلى إطلاق مواقع لها على الشبكة، ومنها الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي يستخدم موقعه على الإنترنت في الترويج لـ«الفكر الجديد» لمجموعة الإصلاحيين الجدد الذين يتزعمهم أمين السياسات في الحزب نجل الرئيس جمال مبارك. ويعكس التصميم الأنيق للموقع حجم إمكانات الحزب المالية التي تخوله تقديم محتوى أكثر لمعاناً مما يقدمه منافسوه.

وخلال مؤتمر الحزب السنوي الذي عقد أخيراً، لاحظ المتابعون حرص بعض قياداته على إبراز الموقع كواجهة للحزب، وفي مقدمهم عضو أمانة السياسات التي يترأسها مبارك الابن ومنسق المؤتمر الدكتور محمد كمال الذي ردد الموقع خلال لقاءاته ووسائل الإعلام في شكل لافت. وهو ما يؤشر إلى وعي الإصلاحيين الجدد داخل الحزب بالدور الذي تلعبه الشبكة العنكبوتية في المعترك السياسي. ويطرح موقع الحزب تشكيلات مكاتبه وبرنامجه وأخباره، إضافة إلى معلومات العضوية وطرق الانضــمام.

ولجأت أحزاب أخرى قيد التأسيس إلى الشبكة أيضاً في دعاياتها السياسية، وأبرزها حزب «الوسط» الإسلامي الذي يترأسه المهندس أبو العلا ماضي.

ووضع «الوسط» برنامجه في الموقع، معرفاً الزوار بتاريخ محاولات التأسيس وتطورها، وقد انتهى آخرها برفض لجنة الأحزاب.

وفي السياق نفسه، تجدر الإشارة إلى تجربة حزب «الغد» الذي نظم حملة واسعة عبر البريد الإلكتروني لضم أعضاء جدد إلى لائحة مؤسسيه، إضافة إلى نشر أخبار الحزب وتطورات محاولات التأسيس أمام القضاء ولجنة شؤون الأحزاب. وهذا ما نجح في اجتذاب شبان كثيرين شكلوا ثلثي عدد الأعضاء المؤسسين الذين تجاوز عددهم خمسة آلاف عضو، مع مئات من الشباب دون الثامنة عشرة منعهم القانون المصري من الانضمام إلى لائحة المؤسسين.