أمان أمان
10-27-2013, 11:31 PM
الأحد 27 أكتوبر 2013
http://aljarida.com/files/editors/preview/31.jpg (http://www.aljarida.com/editors/index/31/)
كتب المقال: ياسر عبد العزيز (http://www.aljarida.com/editors/index/31/)
إذا كنت متابعاً لما يجري في مصر؛ فلعلك تعرف أن المجالين السياسي والاجتماعي يعانيان اضطراباً ومشكلات حادة، بسبب أنماط سلوك سلبية تفاقمت، وأخرى استجدت، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وموجتها الثورية الثانية في 30 يونيو الفائت، وهي الأنماط التي تصعب على الجميع عملية الانتقال الديمقراطي، وتزيد من حالة الشحن والاحتقان التي تشهدها البلاد.
للمصريين مناقب فريدة ظلوا يتحلون بها على مر التاريخ، وقد أضافوا إليها جديداً في أعقاب ثورة يناير؛ بعدما برهنوا على نزعة ثورية عارمة، تنطلق من إرادة وطنية صلبة وتضحية وتصميم نادرين؛ الأمر الذي مكنهم من إطاحة حكمين مستبدين فاسدين وفاشلين في أقل من 30 شهراً.
لكن الإنصاف يقتضي القول إن المصريين أظهروا أيضاً عدداً من العيوب التي باتت جزءاً من الأداء العام لقطاعات بينهم في أعقاب الثورة وما تلاها من تصحيح لمسارها واستعادة لها من سارقيها؛ وهي العيوب التي يمكن تلخيص أبرزها في ما يلي:
1- النقد لمجرد النقد، والحرص على اتخاذ موقف معارض حيال أي رأي أو سياسة. يحاول قطاع كبير من المصريين اليوم بلورة شخصية معارضة، ولعب أدوار الثائرين، والأنكى من هذا أن بعضهم يريد أن يلعب أدواراً ثورية مستديمة؛ بمعنى أن "يحترف" الفعل الثوري، دون أن يكون لديه الفهم الكافي أو المبرر المقنع لممارسة هذا الفعل في أوقات معينة.
يريد بعض المصريين اليوم تعويض امتناعهم عن الثورة وتخليهم عن التمرد لقرون، بممارسة الفعل الثوري بشكل يومي، وإظهار نزعة المعارضة والرفض بغض النظر عما إذا كانوا يدركون سبب المعارضة، أو يعارضون ما يظهرون معارضته فعلاً.
2- الحدة والتعصب للرأي، وما يرافقهما من ادعاء بامتلاك الحقيقة، واحتكار الصواب، وما يؤدي له ذلك من احتقار للآخر المختلف في الرأي أو الموقف، وتجريده أحياناً من الوطنية، أو اتهامه بالعمالة، أو الكفر والزندقة.
بات قطاع من المصريين أكثر ميلاً لتصنيف الآخرين في قوالب سياسية محددة، ثم إنزال العقاب المعنوي، أو المادي، بهم، إن أمكن، إذا كانوا من المختلفين في الرأي والموقف.
وبسبب هذا الميل إلى التصنيف، والقولبة، ثم الاستبعاد والإقصاء أو الاستهداف وشن العدوان أحياناً؛ تضررت العلاقات الاجتماعية والأسرية ضرراً بالغاً، وهو الأمر الذي ينال من قيمة إنسانية واجتماعية فريدة طالما تمتع المصريون بها وحافظوا عليها.
3- شهوة الكلام، التي تتمثل باندفاع غريب ورغبة عارمة في الكلام، لكل قادر أو عاجز، مستحق أو غير مستحق، فاهم أو غير فاهم، مسموع أو غير مسموع، لدرجة وصل فيها الأمر في بعض الفعاليات التي تناقش الشأن العام إلى حد أن البعض يأتي فقط ليتكلم، دون أن يفكر لحظة واحدة في أن يستمع.
يريد الكثيرون الحديث في مصر الآن؛ ليس فقط على شاشات التلفزيون أو في الإذاعة والصحف، ولكن أيضاً في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي المجال العام. أعداد كبيرة من المصريين باتت راغبة في الكلام في المنتديات العامة. يحضر الجمهور إلى مثل تلك المنتديات لا ليسمع المتخصصين أو الضيوف المدعوين في أحيان كثيرة، ولكنه يأتي ليتكلم، بغض النظر عما إذا كان كلامه لائقاً أو غير لائق، في الموضوع أو خارجه، ضمن الوقت المحدد أو متجاوزاً له.
4- التفكير المزدوج، وهو لعنة حقيقية، يصبح فيها المرء قادراً على تبني الرأي وضده في آن واحد، طالما أن كلاً منهما تمت صياغته بسبك وإحكام.
ليت التفكير المزدوج لعنة تصيب فقط الجمهور البسيط العادي أو غير المتخصص، ولكنه بات سمة يمكن ملاحظتها بوضوح بين جماعات المثقفين والسياسيين، ومن ذلك أن تسمع أحدهم يقول الشيء ونقيضه، أو يفعل الشيء وعكسه، دون أن يشعر بأي إشكال أو إحراج.
يسود مصر جدل ساخن الآن حول إمكانية ترشح الفريق السيسي للرئاسة. سيمكنك أن تجد قطاعاً من المصريين الذين يتأرجحون في تأييدهم أو معارضتهم لهذا الأمر، وهو ما قد يحدث في اليوم الواحد عدة مرات، تأثراً بقراءة مقال أو سماع مداخلة تلفزيونية. يغير قطاع من المصريين آراءه وفقاً لما يسمع من حجج وآراء بشكل سريع وحاد وغير مبرر. تتفاقم حالة التفكير المزدوج، لدرجة تصعب عليك أحياناً معرفة موقف من تتحدث معه حيال الشؤون الجارية.
5- المبالغة في تقييم القدرة الذاتية؛ فبعد نجاح أشخاص كانوا بعيدين كل البعد عن احتمالات تولي المناصب الرفيعة، في تولي مثل تلك المناصب، بسبب التغيرات التي أحدثتها الثورة في دولاب السلطة وآليات الوصول إلى المناصب العامة، بات الجميع يرى نفسه أهلاً لتولي أعلى المناصب.
ثمة مبالغة كبيرة في تقييم العديد من الأشخاص لذواتهم بعد ثورة يناير؛ وهي مبالغة يمكن أن تُلحظ بوضوح عند رصد أعداد هؤلاء الذين رشحوا أنفسهم فعلاً للانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو أولئك الذين يدرسون الترشح للرئاسة في الشهور المقبلة، دون أن يكون معظمهم ممتلكاً للحد الأدنى من المقومات اللازمة للتصدي للمنافسة على مثل هذا المنصب.
6- معضلة التنظير، وتكمن خطورة تلك المعضلة في كونها معضلة مزدوجة. لعقود طويلة، وبسبب الحكم الاستبدادي وذراعه الأمنية البغيضة؛ غرقت جماعات المثقفين والسياسيين في تنظير لا يلد سوى تنظير، وتفكير لا يسفر سوى عن تفكير.
بات التنظير إذن، في جانب منه، معضلة لأنه لا يتحول إلى حركة.
قامت الثورة بفعل حركة سياسية نادرة في تاريخ الأمة المصرية، فتم إعلاء قدر الحركة، واعتبرت هدفاً في حد ذاتها، وصارت مقدمة على غيرها من أطر الفعل السياسي والفكري، بل باتت الشيء الوحيد الجدير بالاحترام والمبرهن عليه. فراح الجميع يلحون على الحركة، ويطلبونها، ويذهبون إليها، دون أن يسألوا أنفسهم قبل الحركة: من نحن؟ إلى أين نريد أن نتحرك؟ ولماذا نتحرك؟ ولماذا في هذا الاتجاه؟
لم تعد هناك سوى إجابة واحدة عن كل تلك الأسئلة، الإجابة تقول: فلنتحرك.. فقط نتحرك.
ليس أسوأ من الغرق في التنظير دون حركة تحوله إلى برامج وسياسات ملموسة على الأرض، سوى الحركة العشوائية من دون تنظير ينظمها ويتأكد من جدواها واتساقها مع ما تأمل إدراكه من أهداف. ما زال الكثير من السلوك الجمعي للنخب المصرية يعاني غياب التنظير اللازم لتأطيره وضمان نجاعته، وما زال الكثير من التنظير بعيداً عن التطبيق على أرض الواقع.
7- ضياع هيبة المنصب العام، وهي هيبة يجب أن تظل قائمة اعتباراً واحتراماً لما يمثله من يشغل المنصب وليس تقديراً لذاته. لقد ضاعت وسُحقت هيبة المنصب العام سحقاً، حتى شاع الخوف من الإقدام على التصدي للعمل العام، وتزعزت هيبة الدولة، بشكل كاد يشل قدرتها على الوفاء بأدوارها ومسؤولياتها.
تشهد مصر الآن حالة من التجرؤ على أصحاب المناصب العامة، وهي حالة تتجاوز الرغبة في كسر الفرعونية السياسية أو الحصول على حقوق المواطنين والقضاء على الاستبداد والقمع، لتهدد بمخاطر كبيرة على الاستقرار والنظام والأمن العام وقدرة الدولة على فرض إرادتها وصيانة هيبتها. وعلى الرغم من أن المصريين ظلوا قروناً أمناء على انتظام منطق الدولة وإنفاذ إرادتها، مهما كانت فاسدة أو رخوة، فإن قطاعاً منهم اليوم يذهب في الاتجاه العكسي تماماً، وبالحدة نفسها، إذ بات الاستخفاف بالدولة وانتهاك القانون جزءاً أساسياً من سلوكهم اليومي.
لقد ألهمت ثورة يناير، وموجتها الثورية الثانية في 30 يونيو، دولاً عديدة في المنطقة والعالم، ورفدت المصريين بمناقب جديدة، لكنها أيضاً أظهرت عيوباً في الأداء العام يجب الانتباه إليها ومحاولة معالجتها، لأن في استمرارها أو تفاقمها مخاطر كبيرة على الثورة والشخصية الوطنية المصرية في آن.
* كاتب مصري
http://aljarida.com/files/editors/preview/31.jpg (http://www.aljarida.com/editors/index/31/)
كتب المقال: ياسر عبد العزيز (http://www.aljarida.com/editors/index/31/)
إذا كنت متابعاً لما يجري في مصر؛ فلعلك تعرف أن المجالين السياسي والاجتماعي يعانيان اضطراباً ومشكلات حادة، بسبب أنماط سلوك سلبية تفاقمت، وأخرى استجدت، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وموجتها الثورية الثانية في 30 يونيو الفائت، وهي الأنماط التي تصعب على الجميع عملية الانتقال الديمقراطي، وتزيد من حالة الشحن والاحتقان التي تشهدها البلاد.
للمصريين مناقب فريدة ظلوا يتحلون بها على مر التاريخ، وقد أضافوا إليها جديداً في أعقاب ثورة يناير؛ بعدما برهنوا على نزعة ثورية عارمة، تنطلق من إرادة وطنية صلبة وتضحية وتصميم نادرين؛ الأمر الذي مكنهم من إطاحة حكمين مستبدين فاسدين وفاشلين في أقل من 30 شهراً.
لكن الإنصاف يقتضي القول إن المصريين أظهروا أيضاً عدداً من العيوب التي باتت جزءاً من الأداء العام لقطاعات بينهم في أعقاب الثورة وما تلاها من تصحيح لمسارها واستعادة لها من سارقيها؛ وهي العيوب التي يمكن تلخيص أبرزها في ما يلي:
1- النقد لمجرد النقد، والحرص على اتخاذ موقف معارض حيال أي رأي أو سياسة. يحاول قطاع كبير من المصريين اليوم بلورة شخصية معارضة، ولعب أدوار الثائرين، والأنكى من هذا أن بعضهم يريد أن يلعب أدواراً ثورية مستديمة؛ بمعنى أن "يحترف" الفعل الثوري، دون أن يكون لديه الفهم الكافي أو المبرر المقنع لممارسة هذا الفعل في أوقات معينة.
يريد بعض المصريين اليوم تعويض امتناعهم عن الثورة وتخليهم عن التمرد لقرون، بممارسة الفعل الثوري بشكل يومي، وإظهار نزعة المعارضة والرفض بغض النظر عما إذا كانوا يدركون سبب المعارضة، أو يعارضون ما يظهرون معارضته فعلاً.
2- الحدة والتعصب للرأي، وما يرافقهما من ادعاء بامتلاك الحقيقة، واحتكار الصواب، وما يؤدي له ذلك من احتقار للآخر المختلف في الرأي أو الموقف، وتجريده أحياناً من الوطنية، أو اتهامه بالعمالة، أو الكفر والزندقة.
بات قطاع من المصريين أكثر ميلاً لتصنيف الآخرين في قوالب سياسية محددة، ثم إنزال العقاب المعنوي، أو المادي، بهم، إن أمكن، إذا كانوا من المختلفين في الرأي والموقف.
وبسبب هذا الميل إلى التصنيف، والقولبة، ثم الاستبعاد والإقصاء أو الاستهداف وشن العدوان أحياناً؛ تضررت العلاقات الاجتماعية والأسرية ضرراً بالغاً، وهو الأمر الذي ينال من قيمة إنسانية واجتماعية فريدة طالما تمتع المصريون بها وحافظوا عليها.
3- شهوة الكلام، التي تتمثل باندفاع غريب ورغبة عارمة في الكلام، لكل قادر أو عاجز، مستحق أو غير مستحق، فاهم أو غير فاهم، مسموع أو غير مسموع، لدرجة وصل فيها الأمر في بعض الفعاليات التي تناقش الشأن العام إلى حد أن البعض يأتي فقط ليتكلم، دون أن يفكر لحظة واحدة في أن يستمع.
يريد الكثيرون الحديث في مصر الآن؛ ليس فقط على شاشات التلفزيون أو في الإذاعة والصحف، ولكن أيضاً في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي المجال العام. أعداد كبيرة من المصريين باتت راغبة في الكلام في المنتديات العامة. يحضر الجمهور إلى مثل تلك المنتديات لا ليسمع المتخصصين أو الضيوف المدعوين في أحيان كثيرة، ولكنه يأتي ليتكلم، بغض النظر عما إذا كان كلامه لائقاً أو غير لائق، في الموضوع أو خارجه، ضمن الوقت المحدد أو متجاوزاً له.
4- التفكير المزدوج، وهو لعنة حقيقية، يصبح فيها المرء قادراً على تبني الرأي وضده في آن واحد، طالما أن كلاً منهما تمت صياغته بسبك وإحكام.
ليت التفكير المزدوج لعنة تصيب فقط الجمهور البسيط العادي أو غير المتخصص، ولكنه بات سمة يمكن ملاحظتها بوضوح بين جماعات المثقفين والسياسيين، ومن ذلك أن تسمع أحدهم يقول الشيء ونقيضه، أو يفعل الشيء وعكسه، دون أن يشعر بأي إشكال أو إحراج.
يسود مصر جدل ساخن الآن حول إمكانية ترشح الفريق السيسي للرئاسة. سيمكنك أن تجد قطاعاً من المصريين الذين يتأرجحون في تأييدهم أو معارضتهم لهذا الأمر، وهو ما قد يحدث في اليوم الواحد عدة مرات، تأثراً بقراءة مقال أو سماع مداخلة تلفزيونية. يغير قطاع من المصريين آراءه وفقاً لما يسمع من حجج وآراء بشكل سريع وحاد وغير مبرر. تتفاقم حالة التفكير المزدوج، لدرجة تصعب عليك أحياناً معرفة موقف من تتحدث معه حيال الشؤون الجارية.
5- المبالغة في تقييم القدرة الذاتية؛ فبعد نجاح أشخاص كانوا بعيدين كل البعد عن احتمالات تولي المناصب الرفيعة، في تولي مثل تلك المناصب، بسبب التغيرات التي أحدثتها الثورة في دولاب السلطة وآليات الوصول إلى المناصب العامة، بات الجميع يرى نفسه أهلاً لتولي أعلى المناصب.
ثمة مبالغة كبيرة في تقييم العديد من الأشخاص لذواتهم بعد ثورة يناير؛ وهي مبالغة يمكن أن تُلحظ بوضوح عند رصد أعداد هؤلاء الذين رشحوا أنفسهم فعلاً للانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو أولئك الذين يدرسون الترشح للرئاسة في الشهور المقبلة، دون أن يكون معظمهم ممتلكاً للحد الأدنى من المقومات اللازمة للتصدي للمنافسة على مثل هذا المنصب.
6- معضلة التنظير، وتكمن خطورة تلك المعضلة في كونها معضلة مزدوجة. لعقود طويلة، وبسبب الحكم الاستبدادي وذراعه الأمنية البغيضة؛ غرقت جماعات المثقفين والسياسيين في تنظير لا يلد سوى تنظير، وتفكير لا يسفر سوى عن تفكير.
بات التنظير إذن، في جانب منه، معضلة لأنه لا يتحول إلى حركة.
قامت الثورة بفعل حركة سياسية نادرة في تاريخ الأمة المصرية، فتم إعلاء قدر الحركة، واعتبرت هدفاً في حد ذاتها، وصارت مقدمة على غيرها من أطر الفعل السياسي والفكري، بل باتت الشيء الوحيد الجدير بالاحترام والمبرهن عليه. فراح الجميع يلحون على الحركة، ويطلبونها، ويذهبون إليها، دون أن يسألوا أنفسهم قبل الحركة: من نحن؟ إلى أين نريد أن نتحرك؟ ولماذا نتحرك؟ ولماذا في هذا الاتجاه؟
لم تعد هناك سوى إجابة واحدة عن كل تلك الأسئلة، الإجابة تقول: فلنتحرك.. فقط نتحرك.
ليس أسوأ من الغرق في التنظير دون حركة تحوله إلى برامج وسياسات ملموسة على الأرض، سوى الحركة العشوائية من دون تنظير ينظمها ويتأكد من جدواها واتساقها مع ما تأمل إدراكه من أهداف. ما زال الكثير من السلوك الجمعي للنخب المصرية يعاني غياب التنظير اللازم لتأطيره وضمان نجاعته، وما زال الكثير من التنظير بعيداً عن التطبيق على أرض الواقع.
7- ضياع هيبة المنصب العام، وهي هيبة يجب أن تظل قائمة اعتباراً واحتراماً لما يمثله من يشغل المنصب وليس تقديراً لذاته. لقد ضاعت وسُحقت هيبة المنصب العام سحقاً، حتى شاع الخوف من الإقدام على التصدي للعمل العام، وتزعزت هيبة الدولة، بشكل كاد يشل قدرتها على الوفاء بأدوارها ومسؤولياتها.
تشهد مصر الآن حالة من التجرؤ على أصحاب المناصب العامة، وهي حالة تتجاوز الرغبة في كسر الفرعونية السياسية أو الحصول على حقوق المواطنين والقضاء على الاستبداد والقمع، لتهدد بمخاطر كبيرة على الاستقرار والنظام والأمن العام وقدرة الدولة على فرض إرادتها وصيانة هيبتها. وعلى الرغم من أن المصريين ظلوا قروناً أمناء على انتظام منطق الدولة وإنفاذ إرادتها، مهما كانت فاسدة أو رخوة، فإن قطاعاً منهم اليوم يذهب في الاتجاه العكسي تماماً، وبالحدة نفسها، إذ بات الاستخفاف بالدولة وانتهاك القانون جزءاً أساسياً من سلوكهم اليومي.
لقد ألهمت ثورة يناير، وموجتها الثورية الثانية في 30 يونيو، دولاً عديدة في المنطقة والعالم، ورفدت المصريين بمناقب جديدة، لكنها أيضاً أظهرت عيوباً في الأداء العام يجب الانتباه إليها ومحاولة معالجتها، لأن في استمرارها أو تفاقمها مخاطر كبيرة على الثورة والشخصية الوطنية المصرية في آن.
* كاتب مصري