سيد مرحوم
05-29-2003, 04:55 AM
لماذا النقد وما هي ضروراته ؟
تابعت موقع «كتابات» وما نشر فيه من ملاحظات وتعقيبات تعرّضت لفتاوى الشيخ الميرزا التبريزي وتبعاتها ، وقد طال الحديث فيها ، فلربّما حقّ لمطالعي الموقع وهم مهتمون لأوضاع العالم الاسلامي الساخنة والمتداعية الآن ، أن يتساءلوا ما لهؤلاء أن يفتشوا في أوراق ماضيه ؟ وما للتبريزي ولأوضاع الأُمّة ؟ فهل إذا ما انحاز المرء إلى المهاجمين أو المدافعين أن ينصر قضية شعبنا هنا أو يقدم قضية أخرى هناك ، أو هل لهذه المسألة أساساً أهمية لقضية الاسلام وصراعه مع الغرب والذي نشهده في أكثر من ساحة ؟ خصوصاً إذا علمنا أنّ الشيخ التبريزي لم يبد أيّ رأي في قضية مهمة ، فليس له فتوى واحدة تخص فلسطين ولا علاقة له بما يجري في العراق اليوم كما لم تكن له علاقة بما جرى في أفغانستان وكذا سائر بلاد المسلمين . وعلى سبيل المثال أ نّنا رغم الفحص لم نجد في موقعه كلمة فلسطين فلم ترد في فتاواه وبحوثه ولا مرّة واحدة .
هذه أسئلة تدور في خلدي وتتضارب في نفسي وعند الكثيرين ممّن لا يرغبون في خوض مثل تلك الأحاديث وقد فكّرت في الأمر ملياً قبل أن أكتب هذه السطور وترددت أكثر من مرّة ، ولكني وجدت لهذه القضية أبعاداً أخرى خطيرة لا بدّ من معالجتها ولا بدّ أن تبرز هذه الأبعاد كي لا تغيب المسألة وتطمس في أبعادها الشخصية ، قضية شخص يهاجم بشدّة أو يدافع عنه بقوّة ، فلا بدّ من وضع النقاط على الحروف ، وبيان المسائل المترتبة على البحث ، وقبل الخوض فيها فإن هناك مقدّمات نراها لازمة للموضوع ، وأهمّها :
أوّلاً : إنّ النقد حق مشروع للأُمّة يحق لها أن توجهه لأي شخص ، وإنّ الأشخاص كلّما علا موقعهم في المسؤولية الدنيوية أو الدينية كلّما كانوا أكثر تعرضاً للنقد وكلّما كانت الأُمّة أحق بسؤالهم ويفترض فيهم أن يكونوا أكثر سعة للصدر وتقبلاً للنقد .
هذا حق مشروع أقرّه الاسلام منذ بزوغه قبل ألف وأربعمئة سنة ونيف ، كما إنّه بات اليوم من مسلمات الحقوق المدنية والسياسية للناس بالعالم .
لقد بات اليهودي والمسيحي والبوذي والهندوسي ينعم بهذا الحق ويمارسه بكل حرّية وبحماية وحصانة قانونية ، فلماذا لا ينعم المسلم بهذا الحق ولماذا يمنع منه ؟
ثانياً : إنّ النقد يجب أن يتوجّه للموضوعات لا الذوات ، وأن يستهدف تصحيح الأوضاع لا التفتيش عن العقائد ومحاكمة النيّات ؟
إنّ النقد لا يستهدف تفريغ شحنة غضب نفسية أو إشباع حاجة ذاتية في انتقاص الآخرين ، بل هو يستهدف تقويم الساحة وصيانة النفس والناس من الأخطاء .
ولأن هذه الأخطاء وقعت على يد فلان أو فلان فلا محيص من أن يتوجّه نقد الأخطاء إلى التعرض لأعراضها من الأشخاص أو الهيئات الاجتماعية ، ولأن كثيراً من الأخطاء تصدر من اشخاص في مواقع اجتماعية ومسؤوليات عالية هم اختاروها لأنفسهم وتصدّوا لها دون غيرهم ، ولأن هذه الأخطاء تنعكس على الأُمّة بأسرها ! وقد تجرّ عليهم الويلات ، فلا مفر من التعرّض لهذه الذوات ، رغم جلالتها وعلوّ مقامها ، بالنقد ، لأنّ القضية ليست مسألة شخصية ، ولأنّ الموقع الذي يملكونه ليس موقعاً عائلياً أو خاصاً ، وعلى سبيل المثال ، لو كان شخص ما يتصرف بأمواله الخاصة مبذّراً ، فهو رغم تصرّفه الخاطئ إلاّ أن مسألته تختلف عمن يبذّر أموال المسلمين أو يتصرف بالحقوق الشرعية كما يحلو له ، لأن هذه حقوق الله وتلك أموال غيره ، لا ما كسبت يداه أو أ نّه استورثها من أبيه .
ثالثاً : لا يختلف في حق الأُمّة بالنقد ، واستحقاق المسؤولين للانتقاد ، أن يكونوا ذوي مسؤولية دنيوية أو موقع ديني . فلماذا يدعو البعض إلى حرّية النقد السياسي ويتبنون «الشعارات الديمقراطية» ولا يسمحون بتوجيه النقد والمحاسبة في الأوساط الدينية ؟
لقد آن الأوان لأن يكون علماؤنا وقادتنا ومسؤولوا الحركات الاسلامية ورؤساء المؤسسات الدينية على أهبة الاستعداد للإجابة عن أيّة أسئلة نقدية توجه إليهم ، كما هو حال أيّة مؤسسة دينية أو مركز روحي ، أو كنيسة أو معبد أو مركز خيري في دول العالم المتحضرة .
آن الأوان لكي لا يكون أي شخص فوق النقد «فكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته» ، وليس صحيحاً أن يعتقد البعض أ نّهم غير معنيين وغير مسؤولين عن ذلك ، فالحديث الشريف لا يستثني أحداً ، ولا بدّ للأُمّة أن تعرف كيف تجري الأُمور ، إلى أين تصير الأموال ، وكيف ينهض بالمسؤوليات ، وما المشاريع التي يجري العمل فيها ؟ وما هي الخطط المستقبلية للنهوض بالواقع السيِّئ الذي نعيشه ؟
إنّنا نأمل أن يأتي اليوم الذي نجد في لوحة إعلانات كل مؤسسة دينية أو مركز اسلامي برنامج عملها وميزانية صرفها ولائحة بنشاطاتها حتى يكون الناس على دراية بها وبالتالي ، فإنّهم يتعاملون معها بكل ثقة واعتماد .
رابعاً : إن أوّل المستفيدين من النقد هم الأشخاص المتعرضين للنقد ، والدول والمؤسسات موضع النقد ، لأنّ النقد يساهم في اكتشاف الأخطاء وتشخيص الأمراض أوّل ظهورها ، وبالتالي يهيِّئ الفرصة لأصحابها في المعالجة قد أن تستفحل تلك الأخطاء أو الأمراض فتقضي عليهم .
وينبغي للمسؤولين أن يقدموا الشكر لمن ينتقدهم لأ نّه يقدم لهم أفضل الخدمات التي لا غنى عنها والتى قد يعجزون عن القيام بها . إن دور المنتقد هو دور الطبيب المعالج الذي يبادر إلى فحص زبائنه ويعمل لهم (Check up) بين فترة وأخرى ، وبالتالي نجد في الحديث الشريف عن أهل البيت (ع) : «رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي» .
فالنقد أفضل هدية يمكن أن تقدمها لانسان ، و «المؤمن مرآة أخيه» كما في الحديث الشريف ، والمرآة ينظر فيها الانسان ليتجمل ويزيل معايبه ويظهر بأفضل صورة .
والعجيب أنّ الكثير من عطاءات الاسلام العظيمة ومآثره الأخلاقية الرائعة نتغنى بها إلاّ أ نّنا لا نسمح لها بالحياة فيما بيننا ولا ننعم بآفاقها الرحبة ونتائجها الجميلة .
خامساً : إنّ البعض يربط ـ مخلصاً ـ بين الدين وحرمة واحترام المتصدين لمسؤولياته مراجع وعلماء و ... إلخ ، والواقع رغم أ ننا لا ننكر وجود الارتباط العرفي في ذلك ، إلاّ أ نّنا يجب أن نفكك هذا
الارتباط كما إنّنا نفكك الارتباط بين الاسلام وسلوك المسلمين ، فالاسلام علوي الصدر ، قدسي الصدور ، أمّا معاشر المسلمين اليوم ، مهما علوا وعلموا ، فإنّهم بشر يخطئون ويصيبون ، وبالتالي فهم بحاجة إلى النقد كي تقوّم أخطاؤهم ، ومع وجود النقد ابتداءً فإن ذلك يمنع في كثير من الأحيان من وقوع الخطأ ، لأنّ الانسان عندما يعلم بأ نّه مسؤول في تصرفاته وقد يسأل من قبل الناس فإنّه يحسب لكل عمل حسابه .
كما إن وقوع الخطأ من شخص لا يعني سقوطه ، بل يعني أ نّه بحاجة إلى أن يبادر لإصلاح الخطأ ومعالجة الموقف قبل تطوره ؟
بل يمكن بنقد الأشخاص وتشخيص الأخطاء تفكيكها وفك ارتباطها بالدين وحفظ قدسية الدين ونزاهته ؟
كما يمكن بالنقد البنّاء العمل على تقدم الواقع الديني وسموه ، وعلى سبيل المثال فقد تعرّض القسسة المسيحيون والبابا وعموم المؤسسة الدينية المسيحية لسنين طويلة من النقد ، ولكن ذلك أدّى إلى تطور هذه المؤسسة وارتقائها ، حتى أ نّك تجد أن بعض الأخطاء موضع النقد قد اختفت أو غابت مظاهرها على الأقل من الواقع الكنسي ، وباتت الكنيسة اليوم أقرب إلى الناس والاهتمام بقضاياهم .
سادساً : إنّ البعض يفترض القدسية ، بل العصمة في كل مَنْ يتصدّى لمسؤولية دينية وكأ نّه ينطلق من «أصالة العدالة» ، كما إنّه يربط بين قدسية الدين وجلاله وقدسية المرتبطين به وجلالتهم .
إن هذه الرؤية تقترب كثيراً من نظرية «عدالة الصحابة» التي تفترض أنّ الصحابة ـ الذين يزيد عددهم عن المئة ألف ـ جميعاً عدول ولا يمكن أن يخطأوا ؟ مع أ نّهم هم أنفسهم ـ كما يقول حجّة الاسلام الغزالي ـ اختلفوا فيها بينهم وخطّأ بعضهم بعضاً .
كذلك مراجعنا ـ حفظهم الله ـ وعلماؤنا ـ أيّدهم الله ـ ، لم يدع أحدهم ـ فيما نعلم ـ العصمة لنفسه وهم أيضاً يختلفون قديماً وحديثاً في نظراتهم ، وهم يمارسون حرّية النقد العلمي لغيرهم دون هذا الافتراض ، وبالتالي لما كانت بعض تصرفات العلماء ذات طابع اجتماعي وسياسي ، فلا بدّ أن تخضع تلك لدائرة النقد الموضوعي من قبل الناس ، كما تخضع أفكارهم للنقد العلمي من قبل المختصين .
إنّ التمسك بنظرية «العوام» وأ نّه لا يحقّ لهم أن يتدخلوا في شؤون العلماء ، نظرية تسطيحية يراد منها تغييب الأُمّة وتتبطن احتقار الناس والاستخفاف بعقولهم . لأن مدار البحث غالباً هي الموضوعات ـ لا الأحكام ـ ، والتي يقول العلماء أنفسهم بأن تشخيصها يرجع إلى الناس ، وأنّ المجتهدين يتساوون مع غيرهم فيها ، وإنّما التفاضل يكون بمقدار الخبرة ، وقد يكون بعض الناس أعلم من المجتهد فيها لتخصصهم وخبرتهم بها ، أو قد يمتلك المجتهد العلم والخبرة فيها ، ويكون الأخذ بقوله لا من باب التقليد واتباع «الجاهل للعالم» كما يقال ، بل من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، وبالتالي رأيه غير ملزم للمكلّف الذي هو مسؤول بنفسه عن تشخيص الموضوعات ، واتباع ما انكشف له من علم يطمأن إليه فيها .
وهكذا فإن تشخيص أكثر الموضوعات مثار الجدل اليوم يتساوى فيها ـ من حيث الحق والأصل ـ المجتهد والمكلّف ، ويكون البحث فيها حرّاً للجميع للتوصل إلى التشخيص الأقرب للواقع ، كما هو حال معظم القضايا السياسية والاقتصادية والمعضلات الاجتماعية ، فإنّ المجتهد قد يفتي أو يحكم بحرمة إضرار المسلمين ، ووجوب لزوم جماعتهم والحفاظ على وحدتهم ورعاية مصالح الاسلام ، إن هذه العناوين العامّة يشخص مصاديقها وموارد انطباقها أهل الخبرة والمهتمين بهذه الأمور ، سواء كانوا «علماء أو عوام» .
جدير قوله أن مصطلح «العوام» هذا مصطلح دخيل على الفكر الاسلامي لم يكن موجوداً في القرون الأُولى من صدر الاسلام ولا نجد له وجوداً في القرآن أو السنّة النبوية أو نهج البلاغة ، فتأمّل .
نعم ، ورد اللفظ في رواية منسوبة للإمام الحسين (ع) في تحف العقول ، إلاّ أنّ الرواية غير مسندة ، وبالتالي لم يثبت صدورها عنه (ع) .
سابعاً : إنّ النقد لا يعني سوء الأدب أو الشتيمة والتشهير ، وإنّما النقد البنّاء يكون علمياً وموضوعياً يتحرّى الدليل ووسيلته البرهان . وليست في ذلك مشكلة ، ولكن نتيجة لأجواء التقديس وانتقاد النقد وأجواء الحرّية في أوساطنا ، فكثيراً ما يكون النقد منتفضاً لأ نّه يحاول نفض غبار الاستبداد وشق حجب التغييب ، وكثيراً ما يتلقى البعض النقد حتى ولو كان علمياً على أ نّه إهانة لأ نّهم لم يألفوه واعتادوا الاستسلام للأوضاع القائمة ، أو أ نّهم يعتبرون بعض الأوساط والعناوين جزءاً من مقدّساتهم ومعتقداتهم ـ فهم فوق النقد ـ ، رغم دعوة الكتب السماوية والأنبياء وأئمة الهدى جميعاً نحو التفكر وممارسة النقد للأوضاع القائمة ، لا الاستسلام أو التسليم بها .
ثامناً : وأخيراً فإن بعض الفتاوى والآراء تشكِّل أرضية خصبة لتفريق الأمّة ، بل بروز صراعات سياسية ومشاكل اجتماعية تترتب عليها . فكثيراً ما إستترت السياسة وكذلك المصالح الدنيوية بستار الدين وكثيراً ما اجتمع الاستبدادان السياسي والديني في لباس واحد ، ومتى ما اجتمعا كان لدينا أبشع أنواع الاستبداد في تاريخ العالم ، كما يقول السيِّد محمد خاتمي .
وفي عصر يتّجه نحو احترام الرأي الآخر وحق المعارضة وأصالة حق البيان والرأي ، إقرار التعددية الفكرية والسياسية ، نجد في أوساطنا الدينية اتجاهاً آخر يدعو إلى التكفير والتشهير والاتهام بالارتداد والضلال ، والتفسيق واسقاط الحرمة ، وهي أساليب ارهابية واستبدادية امتازت بها العصور الوسطى لا القرن العشرون وما بعده ، وامتازت بها المدرسة الأموية والعباسية ، لا مدرسة أهل البيت (ع) والتي قامت على أساس احترام العقل وحرّية النظر والاجتهاد في الدين .
فإذا كان هؤلاء يتعاملون مع إخوانهم في العقيدة والمذهب بهذه الروح فما بالك بتعاملهم مع المسلمين من أبناء المذاهب الأخرى ـ وقد وصفوهم بالضلال أيضاً ـ بل مع اتباع الأديان الأخرى .
إن مجتمعاتنا اليوم أحوج ما تكون لروح التسامح الديني وإشاعة الأخلاق الاسلامية القائمة على احترام النوع الانساني ، كما هي بحاجة أكثر إلى الحرّية الفكرية والسياسية وحق الأُمّة في ممارسة النقد على مختلف الأصعدة ، فتقدم المجتمعات وتطورها رهين بمقدار ما تمتع به من حرّية فكرية ومساحة للرأي وحركة للثقافة .
وفي تراثنا الديني نجد الإمام علي (ع) قد ابتلي بطريقة الخوارج التي كانت تكفّر مَنْ عداها وتهدر دماءهم ، وتجد في نهج البلاغة معالجات فكرية لهذه الظاهرة الإلغائية .
لذا كان من الضروري بمكان مناقشة هذه الأفكار مناقشة علمية وقكرية ، ولا بأس باستعمال أدوات نفس العلوم والفنون التي يستخدمونها ، ومعالجة جذور الأفكار التي ينطلقون منها ، على أن هذه المناقشة لا تستهدف شخصاً ، فالأشخاص يذهبون والبقاء لله وحده ، وإنّما تهدف إلى معالجة مشكلة وتصحيح منهج ، وتوضيح ما اشتبه على البعض ، فالناس أعداء ما جهلوا ، وببيان الحقائق وزيادة الوعي يمكن إرساء أرضية سليمة للتفاهم والتعايش بين الناس رغم اختلافهم ، فالاختلاف لا يفسد في الودّ قضية ، كما قيل
--------------------------------------------------------
*تقييم موضوعي ومهم جدا للاستاذ / حسن احمد علي حول الاستفتاءات الواردة من التبريزي والمضللة لسماحة اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله الوارف) ومن ايده من العلماء والمؤمنين حفظهم الله
--------------------------------------
انتظروا الموضوع الاتي انشاء الله حول التبريزي واركان الاعتقاد المبتدعه
تابعت موقع «كتابات» وما نشر فيه من ملاحظات وتعقيبات تعرّضت لفتاوى الشيخ الميرزا التبريزي وتبعاتها ، وقد طال الحديث فيها ، فلربّما حقّ لمطالعي الموقع وهم مهتمون لأوضاع العالم الاسلامي الساخنة والمتداعية الآن ، أن يتساءلوا ما لهؤلاء أن يفتشوا في أوراق ماضيه ؟ وما للتبريزي ولأوضاع الأُمّة ؟ فهل إذا ما انحاز المرء إلى المهاجمين أو المدافعين أن ينصر قضية شعبنا هنا أو يقدم قضية أخرى هناك ، أو هل لهذه المسألة أساساً أهمية لقضية الاسلام وصراعه مع الغرب والذي نشهده في أكثر من ساحة ؟ خصوصاً إذا علمنا أنّ الشيخ التبريزي لم يبد أيّ رأي في قضية مهمة ، فليس له فتوى واحدة تخص فلسطين ولا علاقة له بما يجري في العراق اليوم كما لم تكن له علاقة بما جرى في أفغانستان وكذا سائر بلاد المسلمين . وعلى سبيل المثال أ نّنا رغم الفحص لم نجد في موقعه كلمة فلسطين فلم ترد في فتاواه وبحوثه ولا مرّة واحدة .
هذه أسئلة تدور في خلدي وتتضارب في نفسي وعند الكثيرين ممّن لا يرغبون في خوض مثل تلك الأحاديث وقد فكّرت في الأمر ملياً قبل أن أكتب هذه السطور وترددت أكثر من مرّة ، ولكني وجدت لهذه القضية أبعاداً أخرى خطيرة لا بدّ من معالجتها ولا بدّ أن تبرز هذه الأبعاد كي لا تغيب المسألة وتطمس في أبعادها الشخصية ، قضية شخص يهاجم بشدّة أو يدافع عنه بقوّة ، فلا بدّ من وضع النقاط على الحروف ، وبيان المسائل المترتبة على البحث ، وقبل الخوض فيها فإن هناك مقدّمات نراها لازمة للموضوع ، وأهمّها :
أوّلاً : إنّ النقد حق مشروع للأُمّة يحق لها أن توجهه لأي شخص ، وإنّ الأشخاص كلّما علا موقعهم في المسؤولية الدنيوية أو الدينية كلّما كانوا أكثر تعرضاً للنقد وكلّما كانت الأُمّة أحق بسؤالهم ويفترض فيهم أن يكونوا أكثر سعة للصدر وتقبلاً للنقد .
هذا حق مشروع أقرّه الاسلام منذ بزوغه قبل ألف وأربعمئة سنة ونيف ، كما إنّه بات اليوم من مسلمات الحقوق المدنية والسياسية للناس بالعالم .
لقد بات اليهودي والمسيحي والبوذي والهندوسي ينعم بهذا الحق ويمارسه بكل حرّية وبحماية وحصانة قانونية ، فلماذا لا ينعم المسلم بهذا الحق ولماذا يمنع منه ؟
ثانياً : إنّ النقد يجب أن يتوجّه للموضوعات لا الذوات ، وأن يستهدف تصحيح الأوضاع لا التفتيش عن العقائد ومحاكمة النيّات ؟
إنّ النقد لا يستهدف تفريغ شحنة غضب نفسية أو إشباع حاجة ذاتية في انتقاص الآخرين ، بل هو يستهدف تقويم الساحة وصيانة النفس والناس من الأخطاء .
ولأن هذه الأخطاء وقعت على يد فلان أو فلان فلا محيص من أن يتوجّه نقد الأخطاء إلى التعرض لأعراضها من الأشخاص أو الهيئات الاجتماعية ، ولأن كثيراً من الأخطاء تصدر من اشخاص في مواقع اجتماعية ومسؤوليات عالية هم اختاروها لأنفسهم وتصدّوا لها دون غيرهم ، ولأن هذه الأخطاء تنعكس على الأُمّة بأسرها ! وقد تجرّ عليهم الويلات ، فلا مفر من التعرّض لهذه الذوات ، رغم جلالتها وعلوّ مقامها ، بالنقد ، لأنّ القضية ليست مسألة شخصية ، ولأنّ الموقع الذي يملكونه ليس موقعاً عائلياً أو خاصاً ، وعلى سبيل المثال ، لو كان شخص ما يتصرف بأمواله الخاصة مبذّراً ، فهو رغم تصرّفه الخاطئ إلاّ أن مسألته تختلف عمن يبذّر أموال المسلمين أو يتصرف بالحقوق الشرعية كما يحلو له ، لأن هذه حقوق الله وتلك أموال غيره ، لا ما كسبت يداه أو أ نّه استورثها من أبيه .
ثالثاً : لا يختلف في حق الأُمّة بالنقد ، واستحقاق المسؤولين للانتقاد ، أن يكونوا ذوي مسؤولية دنيوية أو موقع ديني . فلماذا يدعو البعض إلى حرّية النقد السياسي ويتبنون «الشعارات الديمقراطية» ولا يسمحون بتوجيه النقد والمحاسبة في الأوساط الدينية ؟
لقد آن الأوان لأن يكون علماؤنا وقادتنا ومسؤولوا الحركات الاسلامية ورؤساء المؤسسات الدينية على أهبة الاستعداد للإجابة عن أيّة أسئلة نقدية توجه إليهم ، كما هو حال أيّة مؤسسة دينية أو مركز روحي ، أو كنيسة أو معبد أو مركز خيري في دول العالم المتحضرة .
آن الأوان لكي لا يكون أي شخص فوق النقد «فكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته» ، وليس صحيحاً أن يعتقد البعض أ نّهم غير معنيين وغير مسؤولين عن ذلك ، فالحديث الشريف لا يستثني أحداً ، ولا بدّ للأُمّة أن تعرف كيف تجري الأُمور ، إلى أين تصير الأموال ، وكيف ينهض بالمسؤوليات ، وما المشاريع التي يجري العمل فيها ؟ وما هي الخطط المستقبلية للنهوض بالواقع السيِّئ الذي نعيشه ؟
إنّنا نأمل أن يأتي اليوم الذي نجد في لوحة إعلانات كل مؤسسة دينية أو مركز اسلامي برنامج عملها وميزانية صرفها ولائحة بنشاطاتها حتى يكون الناس على دراية بها وبالتالي ، فإنّهم يتعاملون معها بكل ثقة واعتماد .
رابعاً : إن أوّل المستفيدين من النقد هم الأشخاص المتعرضين للنقد ، والدول والمؤسسات موضع النقد ، لأنّ النقد يساهم في اكتشاف الأخطاء وتشخيص الأمراض أوّل ظهورها ، وبالتالي يهيِّئ الفرصة لأصحابها في المعالجة قد أن تستفحل تلك الأخطاء أو الأمراض فتقضي عليهم .
وينبغي للمسؤولين أن يقدموا الشكر لمن ينتقدهم لأ نّه يقدم لهم أفضل الخدمات التي لا غنى عنها والتى قد يعجزون عن القيام بها . إن دور المنتقد هو دور الطبيب المعالج الذي يبادر إلى فحص زبائنه ويعمل لهم (Check up) بين فترة وأخرى ، وبالتالي نجد في الحديث الشريف عن أهل البيت (ع) : «رحم الله مَن أهدى إليَّ عيوبي» .
فالنقد أفضل هدية يمكن أن تقدمها لانسان ، و «المؤمن مرآة أخيه» كما في الحديث الشريف ، والمرآة ينظر فيها الانسان ليتجمل ويزيل معايبه ويظهر بأفضل صورة .
والعجيب أنّ الكثير من عطاءات الاسلام العظيمة ومآثره الأخلاقية الرائعة نتغنى بها إلاّ أ نّنا لا نسمح لها بالحياة فيما بيننا ولا ننعم بآفاقها الرحبة ونتائجها الجميلة .
خامساً : إنّ البعض يربط ـ مخلصاً ـ بين الدين وحرمة واحترام المتصدين لمسؤولياته مراجع وعلماء و ... إلخ ، والواقع رغم أ ننا لا ننكر وجود الارتباط العرفي في ذلك ، إلاّ أ نّنا يجب أن نفكك هذا
الارتباط كما إنّنا نفكك الارتباط بين الاسلام وسلوك المسلمين ، فالاسلام علوي الصدر ، قدسي الصدور ، أمّا معاشر المسلمين اليوم ، مهما علوا وعلموا ، فإنّهم بشر يخطئون ويصيبون ، وبالتالي فهم بحاجة إلى النقد كي تقوّم أخطاؤهم ، ومع وجود النقد ابتداءً فإن ذلك يمنع في كثير من الأحيان من وقوع الخطأ ، لأنّ الانسان عندما يعلم بأ نّه مسؤول في تصرفاته وقد يسأل من قبل الناس فإنّه يحسب لكل عمل حسابه .
كما إن وقوع الخطأ من شخص لا يعني سقوطه ، بل يعني أ نّه بحاجة إلى أن يبادر لإصلاح الخطأ ومعالجة الموقف قبل تطوره ؟
بل يمكن بنقد الأشخاص وتشخيص الأخطاء تفكيكها وفك ارتباطها بالدين وحفظ قدسية الدين ونزاهته ؟
كما يمكن بالنقد البنّاء العمل على تقدم الواقع الديني وسموه ، وعلى سبيل المثال فقد تعرّض القسسة المسيحيون والبابا وعموم المؤسسة الدينية المسيحية لسنين طويلة من النقد ، ولكن ذلك أدّى إلى تطور هذه المؤسسة وارتقائها ، حتى أ نّك تجد أن بعض الأخطاء موضع النقد قد اختفت أو غابت مظاهرها على الأقل من الواقع الكنسي ، وباتت الكنيسة اليوم أقرب إلى الناس والاهتمام بقضاياهم .
سادساً : إنّ البعض يفترض القدسية ، بل العصمة في كل مَنْ يتصدّى لمسؤولية دينية وكأ نّه ينطلق من «أصالة العدالة» ، كما إنّه يربط بين قدسية الدين وجلاله وقدسية المرتبطين به وجلالتهم .
إن هذه الرؤية تقترب كثيراً من نظرية «عدالة الصحابة» التي تفترض أنّ الصحابة ـ الذين يزيد عددهم عن المئة ألف ـ جميعاً عدول ولا يمكن أن يخطأوا ؟ مع أ نّهم هم أنفسهم ـ كما يقول حجّة الاسلام الغزالي ـ اختلفوا فيها بينهم وخطّأ بعضهم بعضاً .
كذلك مراجعنا ـ حفظهم الله ـ وعلماؤنا ـ أيّدهم الله ـ ، لم يدع أحدهم ـ فيما نعلم ـ العصمة لنفسه وهم أيضاً يختلفون قديماً وحديثاً في نظراتهم ، وهم يمارسون حرّية النقد العلمي لغيرهم دون هذا الافتراض ، وبالتالي لما كانت بعض تصرفات العلماء ذات طابع اجتماعي وسياسي ، فلا بدّ أن تخضع تلك لدائرة النقد الموضوعي من قبل الناس ، كما تخضع أفكارهم للنقد العلمي من قبل المختصين .
إنّ التمسك بنظرية «العوام» وأ نّه لا يحقّ لهم أن يتدخلوا في شؤون العلماء ، نظرية تسطيحية يراد منها تغييب الأُمّة وتتبطن احتقار الناس والاستخفاف بعقولهم . لأن مدار البحث غالباً هي الموضوعات ـ لا الأحكام ـ ، والتي يقول العلماء أنفسهم بأن تشخيصها يرجع إلى الناس ، وأنّ المجتهدين يتساوون مع غيرهم فيها ، وإنّما التفاضل يكون بمقدار الخبرة ، وقد يكون بعض الناس أعلم من المجتهد فيها لتخصصهم وخبرتهم بها ، أو قد يمتلك المجتهد العلم والخبرة فيها ، ويكون الأخذ بقوله لا من باب التقليد واتباع «الجاهل للعالم» كما يقال ، بل من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، وبالتالي رأيه غير ملزم للمكلّف الذي هو مسؤول بنفسه عن تشخيص الموضوعات ، واتباع ما انكشف له من علم يطمأن إليه فيها .
وهكذا فإن تشخيص أكثر الموضوعات مثار الجدل اليوم يتساوى فيها ـ من حيث الحق والأصل ـ المجتهد والمكلّف ، ويكون البحث فيها حرّاً للجميع للتوصل إلى التشخيص الأقرب للواقع ، كما هو حال معظم القضايا السياسية والاقتصادية والمعضلات الاجتماعية ، فإنّ المجتهد قد يفتي أو يحكم بحرمة إضرار المسلمين ، ووجوب لزوم جماعتهم والحفاظ على وحدتهم ورعاية مصالح الاسلام ، إن هذه العناوين العامّة يشخص مصاديقها وموارد انطباقها أهل الخبرة والمهتمين بهذه الأمور ، سواء كانوا «علماء أو عوام» .
جدير قوله أن مصطلح «العوام» هذا مصطلح دخيل على الفكر الاسلامي لم يكن موجوداً في القرون الأُولى من صدر الاسلام ولا نجد له وجوداً في القرآن أو السنّة النبوية أو نهج البلاغة ، فتأمّل .
نعم ، ورد اللفظ في رواية منسوبة للإمام الحسين (ع) في تحف العقول ، إلاّ أنّ الرواية غير مسندة ، وبالتالي لم يثبت صدورها عنه (ع) .
سابعاً : إنّ النقد لا يعني سوء الأدب أو الشتيمة والتشهير ، وإنّما النقد البنّاء يكون علمياً وموضوعياً يتحرّى الدليل ووسيلته البرهان . وليست في ذلك مشكلة ، ولكن نتيجة لأجواء التقديس وانتقاد النقد وأجواء الحرّية في أوساطنا ، فكثيراً ما يكون النقد منتفضاً لأ نّه يحاول نفض غبار الاستبداد وشق حجب التغييب ، وكثيراً ما يتلقى البعض النقد حتى ولو كان علمياً على أ نّه إهانة لأ نّهم لم يألفوه واعتادوا الاستسلام للأوضاع القائمة ، أو أ نّهم يعتبرون بعض الأوساط والعناوين جزءاً من مقدّساتهم ومعتقداتهم ـ فهم فوق النقد ـ ، رغم دعوة الكتب السماوية والأنبياء وأئمة الهدى جميعاً نحو التفكر وممارسة النقد للأوضاع القائمة ، لا الاستسلام أو التسليم بها .
ثامناً : وأخيراً فإن بعض الفتاوى والآراء تشكِّل أرضية خصبة لتفريق الأمّة ، بل بروز صراعات سياسية ومشاكل اجتماعية تترتب عليها . فكثيراً ما إستترت السياسة وكذلك المصالح الدنيوية بستار الدين وكثيراً ما اجتمع الاستبدادان السياسي والديني في لباس واحد ، ومتى ما اجتمعا كان لدينا أبشع أنواع الاستبداد في تاريخ العالم ، كما يقول السيِّد محمد خاتمي .
وفي عصر يتّجه نحو احترام الرأي الآخر وحق المعارضة وأصالة حق البيان والرأي ، إقرار التعددية الفكرية والسياسية ، نجد في أوساطنا الدينية اتجاهاً آخر يدعو إلى التكفير والتشهير والاتهام بالارتداد والضلال ، والتفسيق واسقاط الحرمة ، وهي أساليب ارهابية واستبدادية امتازت بها العصور الوسطى لا القرن العشرون وما بعده ، وامتازت بها المدرسة الأموية والعباسية ، لا مدرسة أهل البيت (ع) والتي قامت على أساس احترام العقل وحرّية النظر والاجتهاد في الدين .
فإذا كان هؤلاء يتعاملون مع إخوانهم في العقيدة والمذهب بهذه الروح فما بالك بتعاملهم مع المسلمين من أبناء المذاهب الأخرى ـ وقد وصفوهم بالضلال أيضاً ـ بل مع اتباع الأديان الأخرى .
إن مجتمعاتنا اليوم أحوج ما تكون لروح التسامح الديني وإشاعة الأخلاق الاسلامية القائمة على احترام النوع الانساني ، كما هي بحاجة أكثر إلى الحرّية الفكرية والسياسية وحق الأُمّة في ممارسة النقد على مختلف الأصعدة ، فتقدم المجتمعات وتطورها رهين بمقدار ما تمتع به من حرّية فكرية ومساحة للرأي وحركة للثقافة .
وفي تراثنا الديني نجد الإمام علي (ع) قد ابتلي بطريقة الخوارج التي كانت تكفّر مَنْ عداها وتهدر دماءهم ، وتجد في نهج البلاغة معالجات فكرية لهذه الظاهرة الإلغائية .
لذا كان من الضروري بمكان مناقشة هذه الأفكار مناقشة علمية وقكرية ، ولا بأس باستعمال أدوات نفس العلوم والفنون التي يستخدمونها ، ومعالجة جذور الأفكار التي ينطلقون منها ، على أن هذه المناقشة لا تستهدف شخصاً ، فالأشخاص يذهبون والبقاء لله وحده ، وإنّما تهدف إلى معالجة مشكلة وتصحيح منهج ، وتوضيح ما اشتبه على البعض ، فالناس أعداء ما جهلوا ، وببيان الحقائق وزيادة الوعي يمكن إرساء أرضية سليمة للتفاهم والتعايش بين الناس رغم اختلافهم ، فالاختلاف لا يفسد في الودّ قضية ، كما قيل
--------------------------------------------------------
*تقييم موضوعي ومهم جدا للاستاذ / حسن احمد علي حول الاستفتاءات الواردة من التبريزي والمضللة لسماحة اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله الوارف) ومن ايده من العلماء والمؤمنين حفظهم الله
--------------------------------------
انتظروا الموضوع الاتي انشاء الله حول التبريزي واركان الاعتقاد المبتدعه