مجاهدون
02-20-2005, 05:01 PM
كتابات - باسم السعيدي
قبل أسبوع من يوم الجمعة المصادف 19/2/1999 وقف الرجل الذي لم يكن يخشى الا الله تعالى ، وقف غير مبالٍ برجال الأمن والمخابرات والشرطة فضلا عن الوكلاء السريين ، وقف على منبر مسجد الكوفة ، في صلاة الجمعة ، وقف الشهيد آية الله العظمى السيد محمد الصدر (قد) وهو يندد باعتقال العديد من المؤمنين ومن أئمة الجمعة في مناطق متفرقة من العراق ، ورددت معه الجموع بصيحة واحدة للهدف عينه .
لكن السيد أضاف فقرة الى برنامجه في ذلك اليوم ، لقد هدد الدولة بأنه سيأمر جميع أئمة الجمعة في العراق بالمطالبة باطلاق سراح المعتقلين من على منابر الجمعة القادمة (يقصد يوم 19/2) وكل ذلك سيجري في آن واحد في جميع المناطق التي تقام فيها صلاة الجمعة ، كان التهديد مشروطاً في حال (اذا لم يتم اطلاقهم خلال الاسبوع ) .
ولم يطلق سراح المعتقلين (وعلى رأسهم الشيخ أوس الخفاجي امام جمعة الناصرية) ، واقتربت الجمعة ، وكان جلياً أن السيد عازم على التصعيد ، والانطلاق بالمواجهة الى أبعد مدى (دون حمل السلاح) ، والهدف الستراتيجي للسيد (قد) كان ، كشف البرقع الذي تخفي وجهها خلفه السلطة ، العدالة ، الديموقراطية ، حرية ممارسة الشعائر الدينية ، كل ما كان من شعارات تخدع السلطة الغاشمة نفسها فيها ، وتخدع من لاقلب ولا عقل له ، لقد كانت لحظة المواجهة مع الحقيقة بالنسبة للسلطة ، الحقيقة التي غيبت تحت صوت الرعب الزيتوني القادم من أقبية الحقد ، والتأليه ، وعبادة الفرد .
لقد كانت السلطة مستعدة لكل المخاطر عدا أمرا واحداً ، وهي الحقيقة ، الدولة التي تبتني على كذبة كبيرة أسمها (اذا قال صدام قال العراق ) .
أتذكر جيداً ، في مساء يوم الخميس (18/2) ، انني وجهت اخواني المؤمنين بقراءة دعاء ( يا من تُحلُّ به عقد المكاره) الشهير ، والذي يدعو به الناس عند (إشراف البلاء) ، وبتنا ليلتها متوجسين ، كنا متأكدين الى أن الخطباء لن يقصروا ، وسيعلنون ما أمر به السيد الصدر ، ولكن كيف سيكون رد فعل السلطة الغاشمة التي قد تقتل مئة بينهم شخص معادٍ لها ؟ فكيف بمن يكشف عورتها ؟
ما رد فعلها في مسجد الكوفة ؟ هل سيلجأ صدام الى الرعونة المعهودة في اسكات الاصوات التي لا تتطابق مع ما يريد ؟
هل سيكلف رجال الأمن والوكلاء السريين باعتقال كل أئمة جمعة العراق ؟ والجمهور المتعطش للحرية من المؤمنين لن يسكتوا على ذلك أبداً ، كما حصل فعلاً في مناسبات عديدة ، أحدها في الزعفرانية مع الشيخ خالد الشمري الذي حالت كثرة المؤمنين دون مراد السلطة في تخويفه على الأقل .... وغير تلك الحادثة كثير ، مثلاً في الكوت ( النعمانية) تم ادخال الامام الى المسجد بملابس اعتيادية رغم الحواجز الأمنية ، وهناك في الحرم ارتدى الزي الشرعي والعمامة والكفن ، غير عابيء بالزيتزنيين الذين بهتوا من جرأته .
كنا نتحسب ، ونختبر عقولنها متوقعين الخطوة التالية من صدام وزبانيته ؟
ذهبنا الى الصلاة كالعادة ، ورددنا خلف امام الجماعة ، مطالبنا بالاطلاق سراح المعتقلين ، ملْ أفواهنا .
كنا ننظر من بعيد الى البعثيين الذي يغلقون المداخل الى المنطقة التي تقام فيها الجمعة ، نظرة تحدٍ انتظرناها منذ عقود.
وانتهت الخطبة و الصلاة ... ولم يحدث شيء ، حمدنا الله تعالى على نصره المؤزر ، وعلى الشجاعة الجماعية التي القاها الله في قلوبنا .
لكن صدام أخفى عنّا الطعنة النجلاء ، ويا لها من طعنة .
كان السيد يمثل قطباً تدور حوله رحى المؤسسة الدينية التي كونها في غضون السنوات الخمس مذ أعلن السيد مرجعيته .
الطلبة ، والدعاة ، والنشطاء ، وعموم المؤمنين ، جميعهم كانوا يستيقظون صباح كل يوم يتسائلون عما صدر من جديد من السيد الصدر ، لقد صنع السيد ديناميكية غير اعتيادية في التعامل بين المرجع والمجتمع .
لكن كل ذلك كان يدور حول قطبية واحدة هي السيد نفسه .
يبدو أن هذه الخارطة الجيوديناميكية لم تكن غائبة عن أزلام صدام ، ومخططي سياسته ، ومنظري وحدانيته وفردانيته .
بعد غروب ذلك اليوم (19/2) وعند عودة السيد مع نجليه السيد مصطفى الصدر والسيد مؤمل الصدر بسيارتهم الخاصة (الميتسوبيشي الرصاصية) التي كنا ننتظر مرورها امامنا لننهل نظرة من وجه السيد بعد انتهاء صلاة الجمعة في مسجد الكوفة ، كلما اشتقنا لسماع حديثه ، بعد غروب ذلك اليوم المشؤوم وعند عودة السيد الى داره في حي الحنانة ، وفي شارع (البدالة أو البريد) انقض عليه أشقياء هذا العصر ، وأردوه شهيدا مضرجاً بدمه الطاهر ، وقد قدم بين يديه ولديه الشهيدين ، لتنتهي مرحلة من الجهاد الحوزوي المرجعي ، ولتبدأ رحلة أخرى .
رغم الألم والغصة التي تعترينا كلما تذكرنا أيام السيد ونبرات صوته وأصدائها في مسجد الكوفة ، رغم كل ذلك الا اننا يملؤنا الفخر والشرف باننا كنا هناك ... عندما طالبتنا المرجعية بموقف .
نسأل الله تعالى أن يثيبنا عليه يوم لاينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .
نعم لقد وقفنا خلف السيد الصدر ... وصرخنا بكل قوانا .. بكلمة حق عند إمام جائر .
سيدي أبا المصطفى ... لقد رفعت الكمامة عن الأفواه ، والعصابة عن الأعين ، وكشفت عورة الظلم ، حتى وضعت اصبعك في عين الباطل ، ومضيت الى ربك مضرجاً بدم الشهادة ، لأنك كنت مع الحق ضد الباطل ، فهنيئا لك عِلِّيين .
بغداد
basim_alsaeedi@yahoo.com
قبل أسبوع من يوم الجمعة المصادف 19/2/1999 وقف الرجل الذي لم يكن يخشى الا الله تعالى ، وقف غير مبالٍ برجال الأمن والمخابرات والشرطة فضلا عن الوكلاء السريين ، وقف على منبر مسجد الكوفة ، في صلاة الجمعة ، وقف الشهيد آية الله العظمى السيد محمد الصدر (قد) وهو يندد باعتقال العديد من المؤمنين ومن أئمة الجمعة في مناطق متفرقة من العراق ، ورددت معه الجموع بصيحة واحدة للهدف عينه .
لكن السيد أضاف فقرة الى برنامجه في ذلك اليوم ، لقد هدد الدولة بأنه سيأمر جميع أئمة الجمعة في العراق بالمطالبة باطلاق سراح المعتقلين من على منابر الجمعة القادمة (يقصد يوم 19/2) وكل ذلك سيجري في آن واحد في جميع المناطق التي تقام فيها صلاة الجمعة ، كان التهديد مشروطاً في حال (اذا لم يتم اطلاقهم خلال الاسبوع ) .
ولم يطلق سراح المعتقلين (وعلى رأسهم الشيخ أوس الخفاجي امام جمعة الناصرية) ، واقتربت الجمعة ، وكان جلياً أن السيد عازم على التصعيد ، والانطلاق بالمواجهة الى أبعد مدى (دون حمل السلاح) ، والهدف الستراتيجي للسيد (قد) كان ، كشف البرقع الذي تخفي وجهها خلفه السلطة ، العدالة ، الديموقراطية ، حرية ممارسة الشعائر الدينية ، كل ما كان من شعارات تخدع السلطة الغاشمة نفسها فيها ، وتخدع من لاقلب ولا عقل له ، لقد كانت لحظة المواجهة مع الحقيقة بالنسبة للسلطة ، الحقيقة التي غيبت تحت صوت الرعب الزيتوني القادم من أقبية الحقد ، والتأليه ، وعبادة الفرد .
لقد كانت السلطة مستعدة لكل المخاطر عدا أمرا واحداً ، وهي الحقيقة ، الدولة التي تبتني على كذبة كبيرة أسمها (اذا قال صدام قال العراق ) .
أتذكر جيداً ، في مساء يوم الخميس (18/2) ، انني وجهت اخواني المؤمنين بقراءة دعاء ( يا من تُحلُّ به عقد المكاره) الشهير ، والذي يدعو به الناس عند (إشراف البلاء) ، وبتنا ليلتها متوجسين ، كنا متأكدين الى أن الخطباء لن يقصروا ، وسيعلنون ما أمر به السيد الصدر ، ولكن كيف سيكون رد فعل السلطة الغاشمة التي قد تقتل مئة بينهم شخص معادٍ لها ؟ فكيف بمن يكشف عورتها ؟
ما رد فعلها في مسجد الكوفة ؟ هل سيلجأ صدام الى الرعونة المعهودة في اسكات الاصوات التي لا تتطابق مع ما يريد ؟
هل سيكلف رجال الأمن والوكلاء السريين باعتقال كل أئمة جمعة العراق ؟ والجمهور المتعطش للحرية من المؤمنين لن يسكتوا على ذلك أبداً ، كما حصل فعلاً في مناسبات عديدة ، أحدها في الزعفرانية مع الشيخ خالد الشمري الذي حالت كثرة المؤمنين دون مراد السلطة في تخويفه على الأقل .... وغير تلك الحادثة كثير ، مثلاً في الكوت ( النعمانية) تم ادخال الامام الى المسجد بملابس اعتيادية رغم الحواجز الأمنية ، وهناك في الحرم ارتدى الزي الشرعي والعمامة والكفن ، غير عابيء بالزيتزنيين الذين بهتوا من جرأته .
كنا نتحسب ، ونختبر عقولنها متوقعين الخطوة التالية من صدام وزبانيته ؟
ذهبنا الى الصلاة كالعادة ، ورددنا خلف امام الجماعة ، مطالبنا بالاطلاق سراح المعتقلين ، ملْ أفواهنا .
كنا ننظر من بعيد الى البعثيين الذي يغلقون المداخل الى المنطقة التي تقام فيها الجمعة ، نظرة تحدٍ انتظرناها منذ عقود.
وانتهت الخطبة و الصلاة ... ولم يحدث شيء ، حمدنا الله تعالى على نصره المؤزر ، وعلى الشجاعة الجماعية التي القاها الله في قلوبنا .
لكن صدام أخفى عنّا الطعنة النجلاء ، ويا لها من طعنة .
كان السيد يمثل قطباً تدور حوله رحى المؤسسة الدينية التي كونها في غضون السنوات الخمس مذ أعلن السيد مرجعيته .
الطلبة ، والدعاة ، والنشطاء ، وعموم المؤمنين ، جميعهم كانوا يستيقظون صباح كل يوم يتسائلون عما صدر من جديد من السيد الصدر ، لقد صنع السيد ديناميكية غير اعتيادية في التعامل بين المرجع والمجتمع .
لكن كل ذلك كان يدور حول قطبية واحدة هي السيد نفسه .
يبدو أن هذه الخارطة الجيوديناميكية لم تكن غائبة عن أزلام صدام ، ومخططي سياسته ، ومنظري وحدانيته وفردانيته .
بعد غروب ذلك اليوم (19/2) وعند عودة السيد مع نجليه السيد مصطفى الصدر والسيد مؤمل الصدر بسيارتهم الخاصة (الميتسوبيشي الرصاصية) التي كنا ننتظر مرورها امامنا لننهل نظرة من وجه السيد بعد انتهاء صلاة الجمعة في مسجد الكوفة ، كلما اشتقنا لسماع حديثه ، بعد غروب ذلك اليوم المشؤوم وعند عودة السيد الى داره في حي الحنانة ، وفي شارع (البدالة أو البريد) انقض عليه أشقياء هذا العصر ، وأردوه شهيدا مضرجاً بدمه الطاهر ، وقد قدم بين يديه ولديه الشهيدين ، لتنتهي مرحلة من الجهاد الحوزوي المرجعي ، ولتبدأ رحلة أخرى .
رغم الألم والغصة التي تعترينا كلما تذكرنا أيام السيد ونبرات صوته وأصدائها في مسجد الكوفة ، رغم كل ذلك الا اننا يملؤنا الفخر والشرف باننا كنا هناك ... عندما طالبتنا المرجعية بموقف .
نسأل الله تعالى أن يثيبنا عليه يوم لاينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .
نعم لقد وقفنا خلف السيد الصدر ... وصرخنا بكل قوانا .. بكلمة حق عند إمام جائر .
سيدي أبا المصطفى ... لقد رفعت الكمامة عن الأفواه ، والعصابة عن الأعين ، وكشفت عورة الظلم ، حتى وضعت اصبعك في عين الباطل ، ومضيت الى ربك مضرجاً بدم الشهادة ، لأنك كنت مع الحق ضد الباطل ، فهنيئا لك عِلِّيين .
بغداد
basim_alsaeedi@yahoo.com