المهدى
02-19-2005, 12:35 PM
خالص جلبي
بتاريخ 14 فبراير 270 م ، في عهد الإمبراطور (كلاوديوس)، تم قطع رأس رجل اسمه (فالانتين) لأنه ينشر روح التخاذل بين الجنود الأقوياء بالتحريض على الزواج و(الحب) وتفضيل البقاء عند الزوجات والأطفال على حمل السلاح. ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا اليوم عيدا للعشاق، وقد شارك فيه العرب بطريقتهم بتاريخ 14 فبراير 2005 م في بيروت برسم التاريخ بلون أرجواني من دماء الأشلاء التي تطايرت في اغتيال رفيق الحريري.
إن العالم العربي اليوم يشبه طنجرة بخارية تغلي، فالفقاعات تنفجر على سطحها بدون توقف، وحادثة الحريري لن تكون الفقاعة الأخيرة في هذه الطنجرة الملعونة. طالما كانت النار مستمرة في تغذية الغليان. ولكن ما هي طبيعة هذه النار التي يورون؟
وأعترف أن هذا الموضوع حيرني منذ أكثر من ثلاثين سنة حتى شرح الله صدري للسلام ، فأكتشف أن كلا من العنف واللاعنف يشكلان جغرافية مختلفة في كوكب ذي إحداثيات من نوع جديد.
في عام 1964م طرح (جودت سعيد) كتاباً في الأسواق بعنوان (مذهب ابن آدم الأول)، وتقوم فلسفة الكتاب على (التخلص من القوة ومن طرف واحد) كما فعل ابن آدم الأول، مما أثار استهجان الجهاديين والعنفيين من كل الفرقاء، شيوعيين وإسلاميين.
كتب هذا برؤية تنبؤية مدهشة قبل أن ينفجر العنف في العالم على الشكل الذي نراه، ويدخل الخوف على الناس جميعاً، وتضيق الأرض بما رحبت، ويفتش الناس في المطارات مثل اللصوص.
ومن الغريب في الكتاب الذي طرحه (جودت سعيد) منذ ذلك الوقت المبكر، أنه أتى بآيات من القرآن وأحاديث نبوية تصب في هذا الاتجاه ، ولكن الثقافة تصاب بالعمى، ويمكن أن تعطل أعظم النصوص ولو كانت آيات من القرآن الكريم ، ليس بالإلغاء (الخطي) ولكن بـ (التعطيل الوظيفي)، فيخسر الواقع حقيقة، ويحافظ النص على حروف ميتة. وهذه الظاهرة معروفة في علم النفس تحت فكرة (الوعي الانتقائي); وحين يزور طبيب بلدة يلفت نظره عيادات الأطباء والمشافي، أكثر من مؤسسات عملاقة لا علاقة لها بتخصصه، فيمر عليها وكأنه لا يراها، ودماغنا مركب على هذا النحو.
في سورة المائدة ، وهي من آخر ما نزل من القرآن قصة أول صراع نشب بين ولدي آدم ، فقام القرآن يفكك ظاهرة النزاعات الإنسانية: أسبابها وكيف تتطور وإلى أين تنتهي وكيف تحل النزاعات. ومن الغريب أن القرآن الذي تحدث عن (القتال) في آيات شتى ذكر في هذه القصة أسلوبا من المواجهة لا يقوم على القتل، بل الاستعداد للموت دون مباشرة القتل، (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)، وهو أسلوب يظهر كأنه ضد الطبيعة الإنسانية؟
وكل الفرقاء اليوم ، بمن فيهم المسلمون ومجلس الأمن الذي يشكل عقبة في نمو العالم اليوم ، يؤمنون بالقتل حلاً للمشاكل فيدعون لقتل الحاكم الظالم وأن (الدفاع عن النفس) مبرر ومشروع ، ولكن الآيات الست من سورة المائدة تنص على شيء مختلف، فمن المدافع ومن المهاجم؟ وهي النهاية التي انتهى إليها الحديث فاعتبر «أن القاتل والمقتول في النار (لأنهما ينطلقان من نفس القاعدة النفسية) إنه كان حريصاً على قتل صاحبه».
وهذه المسـألة (الوجودية) أقلقت الملائكة منذ بداية الخلق الإلهي، فحين أعلن الرب عن المشروع الجديد في خلق (كائن) سيكون خليفة الله ، سألت: أتجعل فيها من يفسد فيها و(يسفك الدماء) ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ وهذا (الظن) الملائكي عن حقيقة الإنسان، الذي برهن نفسه في حادثة نسف (الحريري) في بيروت في فبراير 2005 م يصيب الإنسان بالإحباط ورؤية الوجود خالياً من المعنى، ولكن الجواب الإلهي عن معنى وجود الإنسان جاء مختلفاً فقال الله: (إني أعلم ما لا تعلمون). فهذا الجدل بين (ظن) الملائكة و(علم) الله هو الذي يملك سر التاريخ.
والآيات التي تنص على (عدم الدفاع عن النفس) موضوع يستحق الوقوف أمامه من زاوية علم النفس، وكل المصائب جاءت من فكرة (الدفاع عن النفس)، فكل فريق ينطلق من هذا المبدأ، فيختلط من هاجم ومن دافع، وحينما وقعت الواقعة بين إيران والعراق كان كل منهما يدعي أنه هوجم وهو قد دافع عن نفسه. وفي تلك الظروف المجنونة وقبل أن تطلق طلقة واحدة وتقع أول ضحية كنت أقرأ في مجلة (الشبيجل) الألمانية أن الخميني كان يهدد بتصدير الثورة ، وكان صدام يقول إن من عنده صداع في الرأس فعلاجه ضربة بالسيف على الهام؟
والفيلسوف (نيتشه) قال: إن كل دول العالم عندها وزارات (دفاع) وليس عندها وزارات (هجوم)، ولكن هذا العنوان يبيت (سوء النية) في الجوار، فحين نوطِّن أنفسنا على أن جارنا سوف يهجم علينا فعلينا الاستعداد لذلك، فهو ذلك التقدير الخبيث الذي نحمله عن الآخرين. وكما يقول عالم النفس (آدلر) إنه لا يمكن رؤية العلاقات بين الناس إلا في صورة هجوم ودفاع وطرف مسيطر وآخر خاضع، وهو أمر ذكره الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في كتابه (السلطان The Power) عن هذه العلاقات الإنسانية المريضة.
وكما يقول عالم النفس السلوكي (سكينر) «إن الحروب لا تبدأ في العادة بالفؤوس بل من الرؤوس» وطيف العنف مكون من ألوان كما في طيف الضوء، من الأحمر إلى البنفسجي، فيبدأ من مشاعر الكراهية ، مرورا بتعبيرات الوجه ، وآفات اللسان العشرين; من الاحتقار واللمز والانتقاص والتهميش، لينتهي ببسط اليد بالاعتداء الفيزيائي أو استخدام الصاروخ النووي أو نسف الحريري. أما طيف السلام فهو شجرة طيبة من المشاعر الإيجابية ، والحب مشاركة ، لتغرق النفس بمشاعر رائعة من الهدوء والطمأنينة والصحة النفسية. والكره ارتداد على النفس وانغلاق عليها وانتحار داخلي أو نحر للآخرين.
وهكذا فالسلام نفسياً طمأنينة، وبيولوجياً سعادة وصحة، واجتماعياً أمن، وسياسيا ديموقراطية فلا تجتمع الديموقراطية مع العنف، وعالميا سلام دائم كما تنبأ (إيمانويل كانط) في آخر كتاب صدر له (نحو السلام الأبدي Zum ewigen Frieden).
والعنف شجرة خبيثة تبدأ من المشاعر السلبية المؤذية، وهي بيولوجياً ارتفاع في الضغط وتسميم للدم وعصر للمعدة، وهي اجتماعياً حرب أهلية أو خوف ودمار وجريمة ونسف الحريري، وهي عالميا تهديد بفناء الجنس البشري. ومشكلة العنف تدور في مثلث من (العدل والأمن والحريات) ينعكس كل طرف على الآخر، فلا يمكن أن تنطلق الحريات في مجتمع بدون قدر كاف من الأمن، ولا يترسخ الأمن بدون وجود العدل، والذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
ومن سخرية التاريخ أن القوى العظمى تبدأ في الكفاح من أجل الحرية لتصل في النهاية إلى روح الإمبراطورية والهيمنة، وأمريكا اليوم عندها 63 قاعدة موزعة في أرجاء العالم مثل معسكرات روما في الحوض المتوسط ، وتقول مثل جهنم: هل من مزيد؟
والمجتمعات نوعان: مجتمع (القوة) و(الفكرة). ومشكلة القوة أنها حلقة مغلقة ، فمن أمسك بالقوة تلبسته لعنة القوة من جديد فلا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، كما ذكر نفس الحريري في مقابلة له قبل موته.
ومن قتل الحريري قد يكون طرفاً لا تستطيع الإصبع أن تشير باتجاهه، والسياسيون يقومون بعمليات مثل الجراحين بفارق أن الأطباء ينقذون، والسياسيون يخططون والحمقى يقتلون. وقد يكون من ينفذ العملية آخر من يعرف من هو الدماغ الفعلي خلفها، والمهم ليس (الحقائق) بل (توظيف الوقائع) وإلصاق التهمة بموجب خطة.
أورد الفيلسوف الألماني هيغل في خاتمة كتابه «موسوعة العلوم الفلسفية»، ينقل عن (جلال الدين الرومي) في الحب:
سأقول لك كيف خُلِقَ الإنسان من طين؟ ذلك أن الله جل جلاله نفخ في الطين أنفاس الحبّ. وسأقول لك لماذا تمضي السماوات في حركاتها الدائرية؟ ذلك أن عرش الله سبحانه يملؤها بانعكاسات الحب. سأقول لك لماذا تهبّ رياح الصباح؟ ذلك لأنها تريد دائما أن تعبث بالأوراق النائمة على شجيرات ورود الحب. إنني لأستطيع أن أفسر لك كل ألغاز الخليقة، فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب!
وبين الحب والحرب حرف واحد؟
kjalabi@hotmail.com
بتاريخ 14 فبراير 270 م ، في عهد الإمبراطور (كلاوديوس)، تم قطع رأس رجل اسمه (فالانتين) لأنه ينشر روح التخاذل بين الجنود الأقوياء بالتحريض على الزواج و(الحب) وتفضيل البقاء عند الزوجات والأطفال على حمل السلاح. ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا اليوم عيدا للعشاق، وقد شارك فيه العرب بطريقتهم بتاريخ 14 فبراير 2005 م في بيروت برسم التاريخ بلون أرجواني من دماء الأشلاء التي تطايرت في اغتيال رفيق الحريري.
إن العالم العربي اليوم يشبه طنجرة بخارية تغلي، فالفقاعات تنفجر على سطحها بدون توقف، وحادثة الحريري لن تكون الفقاعة الأخيرة في هذه الطنجرة الملعونة. طالما كانت النار مستمرة في تغذية الغليان. ولكن ما هي طبيعة هذه النار التي يورون؟
وأعترف أن هذا الموضوع حيرني منذ أكثر من ثلاثين سنة حتى شرح الله صدري للسلام ، فأكتشف أن كلا من العنف واللاعنف يشكلان جغرافية مختلفة في كوكب ذي إحداثيات من نوع جديد.
في عام 1964م طرح (جودت سعيد) كتاباً في الأسواق بعنوان (مذهب ابن آدم الأول)، وتقوم فلسفة الكتاب على (التخلص من القوة ومن طرف واحد) كما فعل ابن آدم الأول، مما أثار استهجان الجهاديين والعنفيين من كل الفرقاء، شيوعيين وإسلاميين.
كتب هذا برؤية تنبؤية مدهشة قبل أن ينفجر العنف في العالم على الشكل الذي نراه، ويدخل الخوف على الناس جميعاً، وتضيق الأرض بما رحبت، ويفتش الناس في المطارات مثل اللصوص.
ومن الغريب في الكتاب الذي طرحه (جودت سعيد) منذ ذلك الوقت المبكر، أنه أتى بآيات من القرآن وأحاديث نبوية تصب في هذا الاتجاه ، ولكن الثقافة تصاب بالعمى، ويمكن أن تعطل أعظم النصوص ولو كانت آيات من القرآن الكريم ، ليس بالإلغاء (الخطي) ولكن بـ (التعطيل الوظيفي)، فيخسر الواقع حقيقة، ويحافظ النص على حروف ميتة. وهذه الظاهرة معروفة في علم النفس تحت فكرة (الوعي الانتقائي); وحين يزور طبيب بلدة يلفت نظره عيادات الأطباء والمشافي، أكثر من مؤسسات عملاقة لا علاقة لها بتخصصه، فيمر عليها وكأنه لا يراها، ودماغنا مركب على هذا النحو.
في سورة المائدة ، وهي من آخر ما نزل من القرآن قصة أول صراع نشب بين ولدي آدم ، فقام القرآن يفكك ظاهرة النزاعات الإنسانية: أسبابها وكيف تتطور وإلى أين تنتهي وكيف تحل النزاعات. ومن الغريب أن القرآن الذي تحدث عن (القتال) في آيات شتى ذكر في هذه القصة أسلوبا من المواجهة لا يقوم على القتل، بل الاستعداد للموت دون مباشرة القتل، (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)، وهو أسلوب يظهر كأنه ضد الطبيعة الإنسانية؟
وكل الفرقاء اليوم ، بمن فيهم المسلمون ومجلس الأمن الذي يشكل عقبة في نمو العالم اليوم ، يؤمنون بالقتل حلاً للمشاكل فيدعون لقتل الحاكم الظالم وأن (الدفاع عن النفس) مبرر ومشروع ، ولكن الآيات الست من سورة المائدة تنص على شيء مختلف، فمن المدافع ومن المهاجم؟ وهي النهاية التي انتهى إليها الحديث فاعتبر «أن القاتل والمقتول في النار (لأنهما ينطلقان من نفس القاعدة النفسية) إنه كان حريصاً على قتل صاحبه».
وهذه المسـألة (الوجودية) أقلقت الملائكة منذ بداية الخلق الإلهي، فحين أعلن الرب عن المشروع الجديد في خلق (كائن) سيكون خليفة الله ، سألت: أتجعل فيها من يفسد فيها و(يسفك الدماء) ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ وهذا (الظن) الملائكي عن حقيقة الإنسان، الذي برهن نفسه في حادثة نسف (الحريري) في بيروت في فبراير 2005 م يصيب الإنسان بالإحباط ورؤية الوجود خالياً من المعنى، ولكن الجواب الإلهي عن معنى وجود الإنسان جاء مختلفاً فقال الله: (إني أعلم ما لا تعلمون). فهذا الجدل بين (ظن) الملائكة و(علم) الله هو الذي يملك سر التاريخ.
والآيات التي تنص على (عدم الدفاع عن النفس) موضوع يستحق الوقوف أمامه من زاوية علم النفس، وكل المصائب جاءت من فكرة (الدفاع عن النفس)، فكل فريق ينطلق من هذا المبدأ، فيختلط من هاجم ومن دافع، وحينما وقعت الواقعة بين إيران والعراق كان كل منهما يدعي أنه هوجم وهو قد دافع عن نفسه. وفي تلك الظروف المجنونة وقبل أن تطلق طلقة واحدة وتقع أول ضحية كنت أقرأ في مجلة (الشبيجل) الألمانية أن الخميني كان يهدد بتصدير الثورة ، وكان صدام يقول إن من عنده صداع في الرأس فعلاجه ضربة بالسيف على الهام؟
والفيلسوف (نيتشه) قال: إن كل دول العالم عندها وزارات (دفاع) وليس عندها وزارات (هجوم)، ولكن هذا العنوان يبيت (سوء النية) في الجوار، فحين نوطِّن أنفسنا على أن جارنا سوف يهجم علينا فعلينا الاستعداد لذلك، فهو ذلك التقدير الخبيث الذي نحمله عن الآخرين. وكما يقول عالم النفس (آدلر) إنه لا يمكن رؤية العلاقات بين الناس إلا في صورة هجوم ودفاع وطرف مسيطر وآخر خاضع، وهو أمر ذكره الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في كتابه (السلطان The Power) عن هذه العلاقات الإنسانية المريضة.
وكما يقول عالم النفس السلوكي (سكينر) «إن الحروب لا تبدأ في العادة بالفؤوس بل من الرؤوس» وطيف العنف مكون من ألوان كما في طيف الضوء، من الأحمر إلى البنفسجي، فيبدأ من مشاعر الكراهية ، مرورا بتعبيرات الوجه ، وآفات اللسان العشرين; من الاحتقار واللمز والانتقاص والتهميش، لينتهي ببسط اليد بالاعتداء الفيزيائي أو استخدام الصاروخ النووي أو نسف الحريري. أما طيف السلام فهو شجرة طيبة من المشاعر الإيجابية ، والحب مشاركة ، لتغرق النفس بمشاعر رائعة من الهدوء والطمأنينة والصحة النفسية. والكره ارتداد على النفس وانغلاق عليها وانتحار داخلي أو نحر للآخرين.
وهكذا فالسلام نفسياً طمأنينة، وبيولوجياً سعادة وصحة، واجتماعياً أمن، وسياسيا ديموقراطية فلا تجتمع الديموقراطية مع العنف، وعالميا سلام دائم كما تنبأ (إيمانويل كانط) في آخر كتاب صدر له (نحو السلام الأبدي Zum ewigen Frieden).
والعنف شجرة خبيثة تبدأ من المشاعر السلبية المؤذية، وهي بيولوجياً ارتفاع في الضغط وتسميم للدم وعصر للمعدة، وهي اجتماعياً حرب أهلية أو خوف ودمار وجريمة ونسف الحريري، وهي عالميا تهديد بفناء الجنس البشري. ومشكلة العنف تدور في مثلث من (العدل والأمن والحريات) ينعكس كل طرف على الآخر، فلا يمكن أن تنطلق الحريات في مجتمع بدون قدر كاف من الأمن، ولا يترسخ الأمن بدون وجود العدل، والذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
ومن سخرية التاريخ أن القوى العظمى تبدأ في الكفاح من أجل الحرية لتصل في النهاية إلى روح الإمبراطورية والهيمنة، وأمريكا اليوم عندها 63 قاعدة موزعة في أرجاء العالم مثل معسكرات روما في الحوض المتوسط ، وتقول مثل جهنم: هل من مزيد؟
والمجتمعات نوعان: مجتمع (القوة) و(الفكرة). ومشكلة القوة أنها حلقة مغلقة ، فمن أمسك بالقوة تلبسته لعنة القوة من جديد فلا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، كما ذكر نفس الحريري في مقابلة له قبل موته.
ومن قتل الحريري قد يكون طرفاً لا تستطيع الإصبع أن تشير باتجاهه، والسياسيون يقومون بعمليات مثل الجراحين بفارق أن الأطباء ينقذون، والسياسيون يخططون والحمقى يقتلون. وقد يكون من ينفذ العملية آخر من يعرف من هو الدماغ الفعلي خلفها، والمهم ليس (الحقائق) بل (توظيف الوقائع) وإلصاق التهمة بموجب خطة.
أورد الفيلسوف الألماني هيغل في خاتمة كتابه «موسوعة العلوم الفلسفية»، ينقل عن (جلال الدين الرومي) في الحب:
سأقول لك كيف خُلِقَ الإنسان من طين؟ ذلك أن الله جل جلاله نفخ في الطين أنفاس الحبّ. وسأقول لك لماذا تمضي السماوات في حركاتها الدائرية؟ ذلك أن عرش الله سبحانه يملؤها بانعكاسات الحب. سأقول لك لماذا تهبّ رياح الصباح؟ ذلك لأنها تريد دائما أن تعبث بالأوراق النائمة على شجيرات ورود الحب. إنني لأستطيع أن أفسر لك كل ألغاز الخليقة، فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب!
وبين الحب والحرب حرف واحد؟
kjalabi@hotmail.com