المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تخففوا تلحقوا ....كلمات من بلاغة الامام علي (ع) في كتاب نهج البلاغه ....جعفر رجب



زهير
07-30-2013, 12:10 AM
جعفر رجب - الراي

http://www.alraimedia.com/Resources/ArticlesPictures/2013/07/30/1375091020022313300_main.jpg (http://www.alraimedia.com/Resources/ArticlesPictures/2013/07/30/1375091020022313300.jpg)


لا شيء كان يلهمني ويلهيني عن النوم في الليالي الغابرة سوى مجلد بحجم الكف، بجلد أخضر ونقوشات ذهبية تزين أطرافه، كتب عليها بخط كوفي «نهج البلاغة»!

كنت أضيع ما بين كل كلمة وكلمة بحثاً في معنى، وكشفاً عن مغزى، أكتب في حاشية الكتاب الصغير بعض المعاني، وأضع الخطوط تحت بعض الكلمات.

أبحرت في ليلة شتائية أحمل الكتاب، بزورق عاشق في نهر من الطلاسم السحرية إلى الكوفة، إلى مرفأ نقشت جدرانها كلماته بخط كوفي «آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبُعد السفر»!

حملتني تلك الكلمات إلى الكوفة فجراً، كنت أسير بين شوارعها، متتبعاً صوت الأذان، يرشدني صوت إمام المتقين إلى جوامعها، يدعو الناس للصلاة بدلاً من النوم، مسترجعاً كلماته «إلا واني لم ار كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها» ونحن نائمون لا نبني جنتنا في الدنيا ولا نرغب في آخرتها، لا نفعل سوى أن نشعل سعيراً في الدنيا، ظنا منا بأن النار طريق للجنة.

وجدت نفسي مستنداً على جدار المسجد، وسيد الثوار واقف ينثر بلاغته، ويسمعهم ألمه على حالهم قبل حاله، مردداً «فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً....» أكمل عزفه على أحرف اللغة، وتوقف فجأة، ونزل من منبره، مردداً «مجتني الثمرة لغير وقت ايناعها كالزارع بغير أرضه»... وصدق «فلا رأي لمن لأي طاع» وهذه أمة غير ناضجة، وما زالت أرض بوار لا تصلح لغير دفن الموتى... يمضي متحسراً على حال الأمة، وأمضي خلفه متحسراً على توقف «شقشقته» التي هدرت على قوم لا يفقهون!

ركضت خلف الجموع التي تتبعه بين أزقة الكوفة، ما وصلت إليه، وأنا عبد أضله جهله، وأبعده غروره، ولا أستطيع معه صبراً، ولهذا تهت عنه... ووجدت نفسي أمام حانة «التمار»، سألته عن سيد الكوفة، قال: كان هنا ومضى، فما يشغله عن الله سوى حاجة الناس، كان هنا وبشرني بالصلب.

قلت: أيبشرك بالموت؟!

قال: نعم، بشرني أني «أفر من الله الى الله...» وللحق ثمنه أيها الغريب!

قلت: أواثق مما تقول؟

قال: «من يثق بالماء لا يظمأ» وأنا واثق من النهر ومنبعه!

قلت يا صاحب سيد الكوفة، أحمل كتاب سيدك بين جناحي، أتعبتني حروفها، اريد ان اعبر معها إلى الضفة الأخرى، فتوقفني كلماتها، وتثقل قدمي عن المسير، قلت له مكتوب هنا «أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به» أو تظن اني أعرفه؟

قال: ان كنت تظن معرفته حقاً، فأنت إلى الباطل أقرب، ومن لا يعرفه، لا يعرف نفسه، و«كفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره»، والآن دعني وشأني، فما كان العلم بين صفحات الكتب، وكم من دابة تحمل الأسفار على ظهرها، فإن لم يكن علمك في قلبك فما أنت سوى حامل للأسفار!

قلت له: عفوا، لاني شغلتك عن قوت يومك، ولكن ما يقصد سيدك «تخففوا تلحقوا»؟!

قال دون أن ينظر إليّ: تخفف من الشهوات، والذنوب، لتلحق بالصراط وتعبره، تخفف من أوزار الباطل ستلحق بالحق، لا تكتنز الذهب والفضة حتى لا تكنز روحك بذنب من لا يجدون قوت يومهم... أيها الغريب «من أحبنا... فليستعد للفقر جلباباً»

فلا تطمع بدنيا إن كنت تريد السير خلفه، وسيد الفقراء، لا يحبه سوى الفقراء، أما المتاجرون باسمه فيزد ثراؤهم وتقل قيمتهم، ومن يزداد غنى باسمه منافق خراص، بائع دجال، يبيع كلمات الله ليشتري قصورا يسكن فيها الشيطان..!

قرأت وكتبت، وبعدت وقربت، ولم يزل هذا الكتاب الأخضر الصغير هو عشقي الكبير!

جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com