دشتى
02-17-2005, 09:14 PM
في غياب أدبياتهم ومراجعهم الفكرية نتتبع "معالمهم في الطريق"!
كتب نشمي مهنا:
كمحاولة لفهم ما حدث ويحدث من حولنا من عمليات إرهابية، وما يفاجئنا به أبناؤنا من فكر تدميري يهدف الى تقويض مؤسسات مجتمعنا المدني ومكتسباته وأركان الدولة، نعيد نشر هذه القراءة المنشورة بُعيد تفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية التي جاءت على أيدي "قاعدة" تكفيرية تملك من الفعل التدميري والعمل التنظيمي - اللذين فاجأت بهما العالم - أكثر مما تملك من فكر وأدبيات ومرجعيات تستند إليها بفعلها وتنظيمها·
والمواجهات الإرهابية التي شهدتها ساحتنا المحلية في الأيام الأخيرة هي امتداد من ذاك الفعل وطرف من "قاعدة" التنظيم·
من أين استقى بن لادن قائد مجموعة "القاعدة" فتاواه الجهادية؟ من أين استمد فكرة الخروج على السلطات الحاكمة؟ أي فكر دفعه الى تكفير المجتمعات العربية، والنظم السياسية، والأمم الأخرى؟!
لا يشترك بن لادن - وفق مرجعيته السلفية - مع الجماعات الدينية الأخرى في الدول العربية التي احترفت السياسة منذ عقود، بل إن أغلب "علمائه" لا يرون بتكفير الحاكم أو الخروج على ولاة الأمر في بلدانهم، دفاعهم في ذلك أن السياسة فرع من فروع الدين، ونمط للحياة، لا يوجب (الانحراف بها أو البغي، أو الظلم) تكفيرا أو خروجا يذهب بمصلحة الأمة·
حركتان بلا أساس فكري
وإن تأملنا تاريخنا المعاصر (في مطلع الثمانينيات)، نستذكر أحداث الفتنة القريبة إلينا، والتي قادها (جهيمان) في أحداث الحرم، لم تُعط تلك الأحداث حقها من الدراسة والبحث والتحليل، للوقوف على جذورها، أو الدوافع والمبررات الدينية التي ملأت نفوس مجموعة من الشبان، ليرتكبوا تلك الفتنة في أقدس الأماكن الإسلامية، واهمين بظهور "المنتظر"، الذي سيملأ أرضنا عدلا!
ذلك التعامل وإن نجح في المعالجة الأمنية للحدث إلا أنه ترك فراغا، لم يُملأ بالمناقشة والتحليل على ساحات الفكر العربي لتنبيه شباب الأمة!
لم تُبحث تلك الأحداث، ولا مرجعيتها الفكرية، لأسباب عدة، كما أُهملت في السياق نفسه على مدى عشرين عاما قاعدة بن لادن الفكرية، دون مناقشة لحججها، وفتاواها "الخاصة"، الى أن تفجرت احتقاناتها الفكرية المدمرة بوجه العالم بأكمله·
ومما يستغرب له أن المتابع لا يرى وجودا لأدبيات أو أي أسس فكرية (إصدارات، نشرات، مؤلفات) تنطلق منها الحركة "اللادنية"، لترسيخ أنشطتها "الإيمانية" في قلوب قواعدها، لشحذ هممهم، ودفعهم للإقدام على "الفعل" بعد تأصيل الوازع الفكري والإيماني· إذا افترضنا منطقيا أن لا وجود لـ "حدث" بلا محرك فكري·
كان لشيخ السلف الألباني بعض الفتاوى التي تدعو الى طرد القوات الأجنبية الأمريكية عن أرض الجزيرة العربية (أيام غزو العراق للكويت)، إلا أنه لم يصل لدرجة إجازة القتل والتفجير وإن مهَّد لهما، وبذلك يبطل الاستناد الى هذا المرجع وفتاواه، حينما نرى تجاوز "القاعدة اللادنية" لحدود تلك الفتوى، وذلك الفكر السلفي (النصي) المهادن·
من أين جاء "بقواعد" الفتوى؟!
في ظل هذا التوهان المرجعي للأفكار اللادنية، والتي ظهرت بلبوسات متعددة على مدى العشرين عاما وما زالت، حيث بدأت "بالجهاد" على أرض أفغانستان لطرد الخطر الشيوعي (الاتحاد السوفييتي سابقا)، وانحرافاتها - تاليا - لمحاربة القوات الأمريكية "الكافرة" على أرض الجزيرة العربية، واصطباغها - أخيرا - بالدافع السياسي التحرري المشوب بدعاوى دينية لتحرير فلسطين من الأيدي اليهودية المغتصبة، في ظل كل هذا نستطيع أن نركن الى بعض "المعالم" التي غرسها سيد قطب في بعض مؤلفاته "التكفيرية"، والتي أصبحت دستورا هاديا للجماعات الإسلامية المتطرفة (في مصر وفي الأقطار العربية الأخرى) تسترشد بها - كما تعتقد - للوصول الى "دار الإسلام"·
نركن الى هذا الاعتقاد باطمئنان، حينما نعيد ونجدد قراءة "معالم في الطريق" لكاتبه سيد قطب· فنرى أن هذه الجموع وقواعدها "اللادنية" ماضية في طريق تلك "المعالم"·
يعود هذا الاطمئنان في الاعتقاد لسببين: أولهما ما جاء في مضمون كتاب سيد قطب من تحريض واضح، وجلي، يصلح الآن في ظل أحداث التفجيرات في الولايات المتحدة - وما ترتب عليها - لأن يكون "بيانا" لحركة القاعدة، أو "خطابا" منها الى الأمة، بل إن بعض عبارات الكتاب ليست ببعيدة عما تركه مفجرو المركز التجاري في نيويورك وواشنطن من وصايا استشهادية!
ثاني السببين: هذا الاندماج والتوحد بين حركة القاعدة التي يقودها "بن لادن" وحركة "الجهاد" المصرية التي كان يقودها أيمن الظواهري، ففي توحدهما، و"مصاهرتهما" الفكرية ما يشي بالتوأمة الفكرية· فالحركة الأخيرة - وفق ما كتب عنها منذ سنوات - هي نتاج للأفكار المتطرفة التي بثها سيد قطب منذ الستينيات·
لذا فهذا "الاندماج" يؤكد لنا اتباع "بن لادن" لأفكار ومبادئ حركة "الجهاد" المستمدة بالأساس من "المعالم"·
"معالمهم" وإن كانت بعيدة
كتب سيد قطب كتابه "معالم في الطريق" في سجنه الناصري، تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي وما يتركانه عادة من تشوهات فكرية، تدفع حالات اليأس بصاحبها الى ذرى التطرف، والتعصب، والثأر من الآخر (المجتمع المتفرج)، والهدم للخروج من "الأسر" بجميع حالاته المادية والنفسية، مما أحرج حركة "الإخوان المسلمين" حينها - بعد صدور هذا الكتاب - ودفعهم للتبرؤ مما جاء فيه، فتمثلت شهادة البراءة بكتاب مأمون الهضيبي "دعاة لا قضاة"·
إن تأملنا هذا الكتاب - المسوَّق بيننا جدا - وتوقفنا عند بعض عباراته الواردة، وفقراته، وأطلنا النظر في فصل (الجهاد في سبيل الله)، لا بد أن نفطن لورودها بشكل أو بآخر على ألسنة جماعة "الجهاد" أو "الجماعة الإسلامية" أو نقرؤها بأعمال "بن لادن" و"قاعدته" التي لا تملك خطابا سياسيا أو فكريا واضحا·
يقول قطب في كتابه، طارحا مصطلح "الجاهلية" الجديد، والذي ينعت به كل المجتمعات المدنية من حوله "إن العالم يعيش اليوم كله في "جاهلية" من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق!"، فارضا - وفق ما فسره من معنى للحاكمية - اعتقادا مبتدعا للنظم العالمية "الناس في كل نظام غير النظام الإسلامي، يعبد بعضهم بعضا - في صورة من الصور - وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعا من عبادة بعضهم بعضا" محددا وحده معالم هذا المنهج الإسلامي الذي لم يأت به فقه، داعيا الى "بعث" جديد والى "قيادة البشرية"·
هذه القيادة التي يراها لا بد أن تتصدى لها جماعة عازمة قد ترى جماعة "التكفير والهجرة" أو "القاعدة" أو "الجهاد" أو "الجماعة الإسلامية" في نفسها ما يؤهلها لمثل هذه القيادة "لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق، تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعا"، إذن·· هي دعوة جهادية للمضي في "أرجاء الأرض جميعا"، وما برجا التجارة العالمية في نيويورك وواشنطن كرمزي لحضارة "معولمة" إلا بعض من ساحات الجهاد على "الأرجاء·· جميعا"!!
في تصوير المشهد الجاهلي يقول "نحن اليوم في جاهلية، كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية·· تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم· حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا·· هو كذلك من صنع هذه الجاهلية!!"!!
تغيير "الواقع" بالإجبار
عبارات أخرى صريحة، لا تدع مجالا لإصلاح المجتمع، أو التحاور معه، أو محاولة فهمه، إنما تحرض "الجماعة" على حمل معاول الهدم، والتغيير الجبري "ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له، فهو بهذه الصفة·· صفة الجاهلية·· غير قابل لأن نصطلح معه"·
ليبدأ أولا بالتغيير - بدلا من المحاورة والإقناع والإصلاح - "إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع" "إننا وإياه على مفرق الطريق···"·
كل ذلك لأن "النظرية القطبية" ترى في البدء تغيير واقع المجتمعات ومن ثم يأتي "التنظير"· باعثا من جديد تجربة المجتمع المكي، حينما بدأ الرسول (ص) معه بترسيخ قاعدة العقيدة لفترة الثلاثة عشر عاما، ثم انتقل الى تأطير الجوانب النظرية الأخرى اللازمة لبناء الدولة الإسلامية (في المدينة)· هكذا يريد إعادة تجربة بدايات الرسالة المحمدية حينما واجهت المجتمع الجاهلي، جازما - بعد كل تلك القرون - بجاهلية مجتمعاتنا المسلمة·
وغافلا عن طبيعة الرسالة المحمدية في نشر تعاليمها الى الأمم الأخرى غير المسلمة، التي تعرض مبادئها (النظرية) قبل فرض (الواقع) عليها· ويرى بعد ذلك أن هذا المنهج لا يخص المجتمع الإسلامي الأول إنما "هو المنهج الذي لا يقوم بناء هذا الدين - في أي وقت إلا به"·
رفض آخر خطير يوجهه قطب لأصحاب الدعوة الإسلامية كي "يرفضوا السخرية الهازلة في ما يسمى "تطوير الفقه الإسلامي" في مجتمع لا يعلن خضوعه لشريعة الله"·
ويختتم فصله "طبيعة المنهج القرآني" بإضفاء قدسية على المنهج المقترح الذي يراه (بتكرار تجربة البدايات في المجتمع المكي) حينما يقول "التزام المنهج ضروري كالتزام العقيدة"!!
بذرة "التكفير والهجرة" وما تناسل منها··
في فصل "نشأة المجتمع المسلم وخصائصه" يدعو قطب "الجماعة المسلمة" الى عدم الاندماج بمجتمعاتها، لأن وجود هؤلاء الأفراد المسلمين في نسيج المجتمع (الإسلامي) الذي يرى جاهليته سيخدم تلك المجتمعات بوعي أو بغير وعي، لأن هؤلاء الأفراد الصفوة سيتحركون "لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده، وسيدافعون عن كيانه، وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه··· أي أن الأفراد "المسلمين نظريا" سيظلون يقومون "فعلا" بتقوية المجتمع الجاهلي"·· ثم يخلص قطب لنتيجة هي أن هذا الاندماج يعود بالنفع "بدلا من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي"· لذا، يعتزل هؤلاء الشبان "المسلمون" مجتمعاتهم المدنية في مصر، والخليج، والشام، ويلجؤون الى عزلاتهم الجبلية في الأراضي الأفغانية، في نسيج المجتمع الإسلامي الحقيقي الذي توهموه، وتحت إمرة أمير المؤمنين هناك في أفغانستان، فـ "يعملون·· تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي، تنظم حركتهم وتنسقها، وتوجههم لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم الإسلامي ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود الآخر الجاهلي"·
الجهاد الذي يراه قطب و"قواعده"
صفحات كثيرة ضُمت بين دفتي هذا الكتاب تحمل أطنانا مفجرة من الأفكار والتصورات، إلا أن أهم وأخطر ما جاء في "معالم" قطب هو فصله "الجهاد في سبيل الله"·
يبدأ قطب حديثه وتصوره "الخاص" عن الجهاد، في رواية ابن القيم (في تفسير سورة "براءة" التي تقسم الكفار تبعاً لأحكام الجهاد الى أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة)، ويعود شارحا سمات أربع لهذه الأحكام، معتسفا معاني النص القرآني لما يريد·· ويتمنى·· فيرد على (الرأي الفقهي الآخر ) بعبارات ممهدة لنفي تفسيراتهم لأنهم كما يرى "مهزومون روحيا وعقليا تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان··" ذلك لأنهم يقولون "إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع"، هؤلاء يرى قطب أنهم "يحسبون أنهم يسدون الى هذا الدين جميلا بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعا···"·
السمات - التي أشرنا إليها - يضعها قطب ليفسر لقارئه المنهج الحركي لهذا الدين بمواجهة (أحكام الجهاد): فالسمة الأولى: الواقعية الجدية في منهج هذا الدين التي تواجه واقعا بشريا يستدعي وجود وسائل مكافئة له، والسمة الثانية: هي الواقعية الحركية على مراحل، بعد أن كان يرفض قطب مراحل الدعوة الإسلامية ليقول بضرورة فرض "الواقع" قبل "النظري"· والسمة الثالثة: أن مراحل الجهاد دائبة ذات وسائل متجددة، والسمة الرابعة: الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى·
نصوص متفجرة!
نقرأ في هذا الفصل (الجهاد في سبيل الله) دعوات متناثرة، بين الصفحات، مثل:
- "قيام مملكة الله في الأرض وإزالة مملكة البشر... وإلغاء القوانين البشرية·· كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان··"·
- "إن هذا الدين ليس إعلانا لتحرير الإنسان العربي! إن موضوعه هو "الإنسان"·· نوع "الإنسان".. ومجاله هو "الأرض".. كل "الأرض"·· وهذا الدين يريد أن يرد "العالمين" الى ربهم"··
- "ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في "الأرض" لإزالة "الواقع"··· لكي يقيم نظاما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا·· بعد إزالة القوة المسيطرة"··
- "إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير "الإنسان" نوع الإنسان في "الأرض"·· كل الأرض·· ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان!"·
هكذا يرى قطب "الجهاد" في الإسلام، هو "الشأن الدائم لا الحالة العارضة"· متجاوزا في عصرنا الحديث مراحل الجهاد الإسلامي فـ "الكف عن القتال في مكة لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة"، فيضفي قطب - وفق هواه الجهادي - مبررات الكف عن الجهاد في الفترة المكية، باحتمالات كثيرة، ليؤكد بـ "ربما" شرعية محاربة الأمم والحضارات المعاصرة فيقول:
- "ربما" كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد"
- "ربما"·· لأن الدعوة السلمية كانت أشد أثرا وأنفذ في مثل بيئة قريش ذات العنجهية والشرف"·
- "ربما"·· اجتنابا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت· فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة"·
- "ربما" كان ذلك أيضا لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم ويعذبونهم ويؤذونهم هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلصين بل من قادته· ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء؟!"
- "ربما" ·· لأن النخوة العربية، في بيئة قبلية، من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى، ولا يتراجع! وبخاصة إذا كان واقعا على كرام الناس فيها··"
- "ربما لقلة عدد المسلمين حينذاك"·
من كل هذه الـ "ربمات"، التاريخية، التي برر بها قطب المرحلة المكية، لم يجد مبررا واحدا لأمته الإسلامية في العصر الحديث - وهي في أوهن حالات الضعف والانحطاط - كي يوقف عجلة الدمار والتفجير الموجه الى الأمم الأخرى التي تفوقها قوة وسطوة وحضارة، هذا إذا ما تغاضينا عن جرم التأويل النصي، الذي اعتسفه ليوافق هواه الغاضب، الحبيس·
بعد ذلك يستهزئ قطب بأصحاب الرأي الفقهي الآخر الذين يرى أنهم "يبحثون عن مبررات أدبية للجهاد في الإسلام!"!!
بلا ختام!
هذه مقتطفات بلغت مرارتها حدا قاتلا من أوراق فصل "الجهاد" في شجرة التطرف "القطبية" إذا ما أضفنا إليها شوارد "البيانات" و"الإصدارات" و"الكتيبات" السوداء الأخرى، وعدم إدراك السلطات لخطورة حروفها وتعاليمها المتفجرة في قلب الأمة، واتباعها لسياسة "الإهمال" بحجة عدم إثارة الانتباه إليها، والتغاضي عن أهمية طرح تلك الأفكار "الحبيسة" وتفاصيل الأحداث الجارية من حولنا·· على بساط الحقيقة والتنوير·
كل ذلك سينبت "لادنيين" آخرين من أغصان شجرة التطرف·· والتطرف الفكري بالأساس!
كتب نشمي مهنا:
كمحاولة لفهم ما حدث ويحدث من حولنا من عمليات إرهابية، وما يفاجئنا به أبناؤنا من فكر تدميري يهدف الى تقويض مؤسسات مجتمعنا المدني ومكتسباته وأركان الدولة، نعيد نشر هذه القراءة المنشورة بُعيد تفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية التي جاءت على أيدي "قاعدة" تكفيرية تملك من الفعل التدميري والعمل التنظيمي - اللذين فاجأت بهما العالم - أكثر مما تملك من فكر وأدبيات ومرجعيات تستند إليها بفعلها وتنظيمها·
والمواجهات الإرهابية التي شهدتها ساحتنا المحلية في الأيام الأخيرة هي امتداد من ذاك الفعل وطرف من "قاعدة" التنظيم·
من أين استقى بن لادن قائد مجموعة "القاعدة" فتاواه الجهادية؟ من أين استمد فكرة الخروج على السلطات الحاكمة؟ أي فكر دفعه الى تكفير المجتمعات العربية، والنظم السياسية، والأمم الأخرى؟!
لا يشترك بن لادن - وفق مرجعيته السلفية - مع الجماعات الدينية الأخرى في الدول العربية التي احترفت السياسة منذ عقود، بل إن أغلب "علمائه" لا يرون بتكفير الحاكم أو الخروج على ولاة الأمر في بلدانهم، دفاعهم في ذلك أن السياسة فرع من فروع الدين، ونمط للحياة، لا يوجب (الانحراف بها أو البغي، أو الظلم) تكفيرا أو خروجا يذهب بمصلحة الأمة·
حركتان بلا أساس فكري
وإن تأملنا تاريخنا المعاصر (في مطلع الثمانينيات)، نستذكر أحداث الفتنة القريبة إلينا، والتي قادها (جهيمان) في أحداث الحرم، لم تُعط تلك الأحداث حقها من الدراسة والبحث والتحليل، للوقوف على جذورها، أو الدوافع والمبررات الدينية التي ملأت نفوس مجموعة من الشبان، ليرتكبوا تلك الفتنة في أقدس الأماكن الإسلامية، واهمين بظهور "المنتظر"، الذي سيملأ أرضنا عدلا!
ذلك التعامل وإن نجح في المعالجة الأمنية للحدث إلا أنه ترك فراغا، لم يُملأ بالمناقشة والتحليل على ساحات الفكر العربي لتنبيه شباب الأمة!
لم تُبحث تلك الأحداث، ولا مرجعيتها الفكرية، لأسباب عدة، كما أُهملت في السياق نفسه على مدى عشرين عاما قاعدة بن لادن الفكرية، دون مناقشة لحججها، وفتاواها "الخاصة"، الى أن تفجرت احتقاناتها الفكرية المدمرة بوجه العالم بأكمله·
ومما يستغرب له أن المتابع لا يرى وجودا لأدبيات أو أي أسس فكرية (إصدارات، نشرات، مؤلفات) تنطلق منها الحركة "اللادنية"، لترسيخ أنشطتها "الإيمانية" في قلوب قواعدها، لشحذ هممهم، ودفعهم للإقدام على "الفعل" بعد تأصيل الوازع الفكري والإيماني· إذا افترضنا منطقيا أن لا وجود لـ "حدث" بلا محرك فكري·
كان لشيخ السلف الألباني بعض الفتاوى التي تدعو الى طرد القوات الأجنبية الأمريكية عن أرض الجزيرة العربية (أيام غزو العراق للكويت)، إلا أنه لم يصل لدرجة إجازة القتل والتفجير وإن مهَّد لهما، وبذلك يبطل الاستناد الى هذا المرجع وفتاواه، حينما نرى تجاوز "القاعدة اللادنية" لحدود تلك الفتوى، وذلك الفكر السلفي (النصي) المهادن·
من أين جاء "بقواعد" الفتوى؟!
في ظل هذا التوهان المرجعي للأفكار اللادنية، والتي ظهرت بلبوسات متعددة على مدى العشرين عاما وما زالت، حيث بدأت "بالجهاد" على أرض أفغانستان لطرد الخطر الشيوعي (الاتحاد السوفييتي سابقا)، وانحرافاتها - تاليا - لمحاربة القوات الأمريكية "الكافرة" على أرض الجزيرة العربية، واصطباغها - أخيرا - بالدافع السياسي التحرري المشوب بدعاوى دينية لتحرير فلسطين من الأيدي اليهودية المغتصبة، في ظل كل هذا نستطيع أن نركن الى بعض "المعالم" التي غرسها سيد قطب في بعض مؤلفاته "التكفيرية"، والتي أصبحت دستورا هاديا للجماعات الإسلامية المتطرفة (في مصر وفي الأقطار العربية الأخرى) تسترشد بها - كما تعتقد - للوصول الى "دار الإسلام"·
نركن الى هذا الاعتقاد باطمئنان، حينما نعيد ونجدد قراءة "معالم في الطريق" لكاتبه سيد قطب· فنرى أن هذه الجموع وقواعدها "اللادنية" ماضية في طريق تلك "المعالم"·
يعود هذا الاطمئنان في الاعتقاد لسببين: أولهما ما جاء في مضمون كتاب سيد قطب من تحريض واضح، وجلي، يصلح الآن في ظل أحداث التفجيرات في الولايات المتحدة - وما ترتب عليها - لأن يكون "بيانا" لحركة القاعدة، أو "خطابا" منها الى الأمة، بل إن بعض عبارات الكتاب ليست ببعيدة عما تركه مفجرو المركز التجاري في نيويورك وواشنطن من وصايا استشهادية!
ثاني السببين: هذا الاندماج والتوحد بين حركة القاعدة التي يقودها "بن لادن" وحركة "الجهاد" المصرية التي كان يقودها أيمن الظواهري، ففي توحدهما، و"مصاهرتهما" الفكرية ما يشي بالتوأمة الفكرية· فالحركة الأخيرة - وفق ما كتب عنها منذ سنوات - هي نتاج للأفكار المتطرفة التي بثها سيد قطب منذ الستينيات·
لذا فهذا "الاندماج" يؤكد لنا اتباع "بن لادن" لأفكار ومبادئ حركة "الجهاد" المستمدة بالأساس من "المعالم"·
"معالمهم" وإن كانت بعيدة
كتب سيد قطب كتابه "معالم في الطريق" في سجنه الناصري، تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي وما يتركانه عادة من تشوهات فكرية، تدفع حالات اليأس بصاحبها الى ذرى التطرف، والتعصب، والثأر من الآخر (المجتمع المتفرج)، والهدم للخروج من "الأسر" بجميع حالاته المادية والنفسية، مما أحرج حركة "الإخوان المسلمين" حينها - بعد صدور هذا الكتاب - ودفعهم للتبرؤ مما جاء فيه، فتمثلت شهادة البراءة بكتاب مأمون الهضيبي "دعاة لا قضاة"·
إن تأملنا هذا الكتاب - المسوَّق بيننا جدا - وتوقفنا عند بعض عباراته الواردة، وفقراته، وأطلنا النظر في فصل (الجهاد في سبيل الله)، لا بد أن نفطن لورودها بشكل أو بآخر على ألسنة جماعة "الجهاد" أو "الجماعة الإسلامية" أو نقرؤها بأعمال "بن لادن" و"قاعدته" التي لا تملك خطابا سياسيا أو فكريا واضحا·
يقول قطب في كتابه، طارحا مصطلح "الجاهلية" الجديد، والذي ينعت به كل المجتمعات المدنية من حوله "إن العالم يعيش اليوم كله في "جاهلية" من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق!"، فارضا - وفق ما فسره من معنى للحاكمية - اعتقادا مبتدعا للنظم العالمية "الناس في كل نظام غير النظام الإسلامي، يعبد بعضهم بعضا - في صورة من الصور - وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعا من عبادة بعضهم بعضا" محددا وحده معالم هذا المنهج الإسلامي الذي لم يأت به فقه، داعيا الى "بعث" جديد والى "قيادة البشرية"·
هذه القيادة التي يراها لا بد أن تتصدى لها جماعة عازمة قد ترى جماعة "التكفير والهجرة" أو "القاعدة" أو "الجهاد" أو "الجماعة الإسلامية" في نفسها ما يؤهلها لمثل هذه القيادة "لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق، تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعا"، إذن·· هي دعوة جهادية للمضي في "أرجاء الأرض جميعا"، وما برجا التجارة العالمية في نيويورك وواشنطن كرمزي لحضارة "معولمة" إلا بعض من ساحات الجهاد على "الأرجاء·· جميعا"!!
في تصوير المشهد الجاهلي يقول "نحن اليوم في جاهلية، كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية·· تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم· حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا·· هو كذلك من صنع هذه الجاهلية!!"!!
تغيير "الواقع" بالإجبار
عبارات أخرى صريحة، لا تدع مجالا لإصلاح المجتمع، أو التحاور معه، أو محاولة فهمه، إنما تحرض "الجماعة" على حمل معاول الهدم، والتغيير الجبري "ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له، فهو بهذه الصفة·· صفة الجاهلية·· غير قابل لأن نصطلح معه"·
ليبدأ أولا بالتغيير - بدلا من المحاورة والإقناع والإصلاح - "إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع" "إننا وإياه على مفرق الطريق···"·
كل ذلك لأن "النظرية القطبية" ترى في البدء تغيير واقع المجتمعات ومن ثم يأتي "التنظير"· باعثا من جديد تجربة المجتمع المكي، حينما بدأ الرسول (ص) معه بترسيخ قاعدة العقيدة لفترة الثلاثة عشر عاما، ثم انتقل الى تأطير الجوانب النظرية الأخرى اللازمة لبناء الدولة الإسلامية (في المدينة)· هكذا يريد إعادة تجربة بدايات الرسالة المحمدية حينما واجهت المجتمع الجاهلي، جازما - بعد كل تلك القرون - بجاهلية مجتمعاتنا المسلمة·
وغافلا عن طبيعة الرسالة المحمدية في نشر تعاليمها الى الأمم الأخرى غير المسلمة، التي تعرض مبادئها (النظرية) قبل فرض (الواقع) عليها· ويرى بعد ذلك أن هذا المنهج لا يخص المجتمع الإسلامي الأول إنما "هو المنهج الذي لا يقوم بناء هذا الدين - في أي وقت إلا به"·
رفض آخر خطير يوجهه قطب لأصحاب الدعوة الإسلامية كي "يرفضوا السخرية الهازلة في ما يسمى "تطوير الفقه الإسلامي" في مجتمع لا يعلن خضوعه لشريعة الله"·
ويختتم فصله "طبيعة المنهج القرآني" بإضفاء قدسية على المنهج المقترح الذي يراه (بتكرار تجربة البدايات في المجتمع المكي) حينما يقول "التزام المنهج ضروري كالتزام العقيدة"!!
بذرة "التكفير والهجرة" وما تناسل منها··
في فصل "نشأة المجتمع المسلم وخصائصه" يدعو قطب "الجماعة المسلمة" الى عدم الاندماج بمجتمعاتها، لأن وجود هؤلاء الأفراد المسلمين في نسيج المجتمع (الإسلامي) الذي يرى جاهليته سيخدم تلك المجتمعات بوعي أو بغير وعي، لأن هؤلاء الأفراد الصفوة سيتحركون "لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده، وسيدافعون عن كيانه، وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه··· أي أن الأفراد "المسلمين نظريا" سيظلون يقومون "فعلا" بتقوية المجتمع الجاهلي"·· ثم يخلص قطب لنتيجة هي أن هذا الاندماج يعود بالنفع "بدلا من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي"· لذا، يعتزل هؤلاء الشبان "المسلمون" مجتمعاتهم المدنية في مصر، والخليج، والشام، ويلجؤون الى عزلاتهم الجبلية في الأراضي الأفغانية، في نسيج المجتمع الإسلامي الحقيقي الذي توهموه، وتحت إمرة أمير المؤمنين هناك في أفغانستان، فـ "يعملون·· تحت قيادة مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي، تنظم حركتهم وتنسقها، وتوجههم لتأصيل وتعميق وتوسيع وجودهم الإسلامي ولمكافحة ومقاومة وإزالة الوجود الآخر الجاهلي"·
الجهاد الذي يراه قطب و"قواعده"
صفحات كثيرة ضُمت بين دفتي هذا الكتاب تحمل أطنانا مفجرة من الأفكار والتصورات، إلا أن أهم وأخطر ما جاء في "معالم" قطب هو فصله "الجهاد في سبيل الله"·
يبدأ قطب حديثه وتصوره "الخاص" عن الجهاد، في رواية ابن القيم (في تفسير سورة "براءة" التي تقسم الكفار تبعاً لأحكام الجهاد الى أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة)، ويعود شارحا سمات أربع لهذه الأحكام، معتسفا معاني النص القرآني لما يريد·· ويتمنى·· فيرد على (الرأي الفقهي الآخر ) بعبارات ممهدة لنفي تفسيراتهم لأنهم كما يرى "مهزومون روحيا وعقليا تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان··" ذلك لأنهم يقولون "إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع"، هؤلاء يرى قطب أنهم "يحسبون أنهم يسدون الى هذا الدين جميلا بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعا···"·
السمات - التي أشرنا إليها - يضعها قطب ليفسر لقارئه المنهج الحركي لهذا الدين بمواجهة (أحكام الجهاد): فالسمة الأولى: الواقعية الجدية في منهج هذا الدين التي تواجه واقعا بشريا يستدعي وجود وسائل مكافئة له، والسمة الثانية: هي الواقعية الحركية على مراحل، بعد أن كان يرفض قطب مراحل الدعوة الإسلامية ليقول بضرورة فرض "الواقع" قبل "النظري"· والسمة الثالثة: أن مراحل الجهاد دائبة ذات وسائل متجددة، والسمة الرابعة: الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى·
نصوص متفجرة!
نقرأ في هذا الفصل (الجهاد في سبيل الله) دعوات متناثرة، بين الصفحات، مثل:
- "قيام مملكة الله في الأرض وإزالة مملكة البشر... وإلغاء القوانين البشرية·· كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان··"·
- "إن هذا الدين ليس إعلانا لتحرير الإنسان العربي! إن موضوعه هو "الإنسان"·· نوع "الإنسان".. ومجاله هو "الأرض".. كل "الأرض"·· وهذا الدين يريد أن يرد "العالمين" الى ربهم"··
- "ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في "الأرض" لإزالة "الواقع"··· لكي يقيم نظاما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا·· بعد إزالة القوة المسيطرة"··
- "إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير "الإنسان" نوع الإنسان في "الأرض"·· كل الأرض·· ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان!"·
هكذا يرى قطب "الجهاد" في الإسلام، هو "الشأن الدائم لا الحالة العارضة"· متجاوزا في عصرنا الحديث مراحل الجهاد الإسلامي فـ "الكف عن القتال في مكة لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة"، فيضفي قطب - وفق هواه الجهادي - مبررات الكف عن الجهاد في الفترة المكية، باحتمالات كثيرة، ليؤكد بـ "ربما" شرعية محاربة الأمم والحضارات المعاصرة فيقول:
- "ربما" كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد"
- "ربما"·· لأن الدعوة السلمية كانت أشد أثرا وأنفذ في مثل بيئة قريش ذات العنجهية والشرف"·
- "ربما"·· اجتنابا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت· فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة"·
- "ربما" كان ذلك أيضا لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم ويعذبونهم ويؤذونهم هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلصين بل من قادته· ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء؟!"
- "ربما" ·· لأن النخوة العربية، في بيئة قبلية، من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى، ولا يتراجع! وبخاصة إذا كان واقعا على كرام الناس فيها··"
- "ربما لقلة عدد المسلمين حينذاك"·
من كل هذه الـ "ربمات"، التاريخية، التي برر بها قطب المرحلة المكية، لم يجد مبررا واحدا لأمته الإسلامية في العصر الحديث - وهي في أوهن حالات الضعف والانحطاط - كي يوقف عجلة الدمار والتفجير الموجه الى الأمم الأخرى التي تفوقها قوة وسطوة وحضارة، هذا إذا ما تغاضينا عن جرم التأويل النصي، الذي اعتسفه ليوافق هواه الغاضب، الحبيس·
بعد ذلك يستهزئ قطب بأصحاب الرأي الفقهي الآخر الذين يرى أنهم "يبحثون عن مبررات أدبية للجهاد في الإسلام!"!!
بلا ختام!
هذه مقتطفات بلغت مرارتها حدا قاتلا من أوراق فصل "الجهاد" في شجرة التطرف "القطبية" إذا ما أضفنا إليها شوارد "البيانات" و"الإصدارات" و"الكتيبات" السوداء الأخرى، وعدم إدراك السلطات لخطورة حروفها وتعاليمها المتفجرة في قلب الأمة، واتباعها لسياسة "الإهمال" بحجة عدم إثارة الانتباه إليها، والتغاضي عن أهمية طرح تلك الأفكار "الحبيسة" وتفاصيل الأحداث الجارية من حولنا·· على بساط الحقيقة والتنوير·
كل ذلك سينبت "لادنيين" آخرين من أغصان شجرة التطرف·· والتطرف الفكري بالأساس!