المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يتحول المنبر الحسيني إلى وسيلة دعائية للاستعمار؟؟



الدكتور عادل رضا
02-16-2005, 09:25 PM
هل تحول المنبر الحسيني الى وسيلة دعائية للاستعمار ــ الحلقة الثالثة

ماجد كبة


المنبر الحسيني كغيره من المنابر الاعلامية يجب ان يخضع اليوم لإعادة تأهيل وعمليات تقويم وهيكلة بنى ،مثلما يجب إخضاعه لمستويات النقد والنقد الذاتي وبمحاور بناءة ،وأقلام مخلصة ، لاتريد النيل بمعاولها من هذا الطود الاجتماعي الخالد ،وذلك للارتقاء بالواقع المنبري الى مصاف رسالته الشريفة ،وغايته النبيلة، وضرورة مواكبته للتجديد والإصلاحات ،ونبذ او تهميش المواريث البالية ،فالكثير من الخطباء اليوم لازالوا يرددون ذات المقاطع التي عفا عليها الزمان والمكان ،وذات الأسلوب الهرم والالفاظ المندثرة والمفردات التي تحتاج الى مخضرم ليترجمها الى الجيل الجديد ،اما الوقائع والقصص التي يرويها الخطباء فلا تكاد تختلف عن قصص الخيال الأسطوري ،فتعرض دونما احترام لعقول المستمعين و تقدير لأذواقهم ،المهم هو إبكاء الحاضرين ،والادهى من ذلك ان بعض هذه الروايات اصبحت مستهجنة عرفا ويمجها الذوق السليم ،بل وتثير الاشكاليات عند ابسط الطبقات الاجتماعية ، ناهيك عن الحشو واللف والدوران والخروج عن الموضوع كلها تعد من ادوات الخطيب(الماهر) متناسيا ان سرقة الوقت في المجالس لايقل جريمة عن سرقة المال في الاسواق.


فالخطيب الحسيني اليوم مدعو لان يتسلح بك الاسلحة الشرعية والسياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها بل يجب ان يكون منظومة مفاهيم حركية،قبل ان يتسنم اريكة المنبر الوثيرة ،لان ابعاد معركتنا اليوم اخذت بالاتساع الفكري والعسكري ،بل ومواجهة حضارية تتطلب كل مقومات الاستعداد لها والتعبئة العامة لها لملء الفراغات والثغرات التي يحتما تسلل الفكر والالة المضادة من خلالها.


عشرة ايام من شهر محرم الحرام حرام ان تقضى كل عام بنفس الوتيرة ونفس الروتين وذات الرواية ونفس الممثلين من دون ان ناخذ منها نقاط انطلاق في حياتنا العملية ، وباعث لنهضتنا الفكرية،وتفجير لكوامننا الذاتية.


اغلب الطبقات الاجتماعية الشيعية تربت على الحس المنبري الحسيني ولكن كم تمثل نسبة من يعرف أسرار عاشوراء ،وخفايا كربلاء ؟كم منهم من يستطيع ان يدرأ شبه بعض المضللين ويستشكل على اشكالات المنحرفين، حتى النخبة المثقفة لا استثنيها من كلامي ،فهي التي ازيحت من حيث لاتدري من تحت مظلة المنبر الحسيني بعد شعورها بالملل والضجر والسأم من المواد المطروحة فيه ،عندما شعروا بان هذه المجالس لاتناسب مايطمحون اليه عقليا ولاتفي بسد مداركهم العلمية على اختلاف ثقافتها،فاستفرغ المنبر من كوادره الطموحة ذات الرؤية المنفتحة والسؤال هو من يتحمل مسؤولية هذا الاستفراغ ؟ومن يسد منطقة الفراغ الموجودة ؟!
معظم خطبائنا هم غير مفكرين- وهذا ما لاعيب فيه -ولكن لم لم يكونوا نقلة فكر،فالحمد لله تاريخنا يزخر بالاسماء اللامعة في مجال الفكر الاسلامي، وهاهي مؤلفاتهم العملاقة في الشاردة والواردة ،ومنهل عذب لمن يرتوي ،فهل جشم احد من الخطباء نفسه العناء وقرأ فكر مرتضى مطهري في ملحمته الحسينية الخالدة واهم اطروحاته العاشورائية، وقدمها باسلوب يتلائم مع كل القطاعات الجماهيرية وهل اسقط احد من الخطباء تكليفه الشرعي وطالع أضواء محمد الصدر وشذراته في تاريخ الثورة الحسينية واستعان بها في تقويم مجالسه ؟!-الانادرا- والا فان الواقع المنبري اليوم اشد مرارة من كل مراحل تاريخه، بل ويمر بانعطافة زمانية مزرية لاتغيض الصديق الا بقدر ماتفرح العدو .


المجتمع بحاجة الى منبر نوعي لا كمي ،وخطباء خواص لاعوام ،وطليعة واعية ،وتريد ان تعي ،لا بلهاء غاية ماتريد ان تفهمه هو البكاء والعويل.


بالامس والنظام العفلقي الوحشي السحيق لم يأل جهدا في محاربة الشعائر الدينية عموما والحسينية على وجه الخصوص بكل ما استطاع اليه سبيلا ، ومع ذلك لم نره يمنع من اقامة المجالس الحسينية في الحسينيات والمساجد والبيوت ذلك انه لم يشكل عليه أي خطر يذكر ،بقدر ما كان يشكله منبر الجمعة في وجه هذا النظام اللاانساني من تحدي حقيقي ،فاستهتر يشراسة الاساليب والممارسات القمعية للنيل من هذا المنبر الرسالي ،ولوقارنا بين الخطيب (الحسيني) وخطيب الجمعة لاكتشفنا مدى التباين دون عناء ،فالخطيب (الحسيني) اصبح مهدءا للاعصاب ،ومسكنا للانفعالات ،مستدررا للدموع،مستفرغا للكبت النفسي ،مثيرا للعاطفة لا اكثر ،بينما خطيب منبر الجمعة فتراه مستشحذا للهمم ،معبأ للارادة ،متجاهرا بالمظلومية ،مطالبا للحقوق، مفعلا للوعي واكثر،فالكفن.. رمز للتضحية والفداء،وسيفه.. علامة للتحدي،ووقوفه ..استعدادا للمواجهة ،وعلى الرغم من ان الجماهير قد أتعبها الحصار النفسي والاقتصادي الأمريكي- الصدامي ،وارهقها امد حروب البعثيين المتهاوين ،الا ان منبر الجمعة استطاع ان ينفخ الروح في جسد المجتمع المتداعي القوى، مكتسحا الشارع العراقي بكل تفرعاته العرقية والطائفية والاثنية ،مهيمنا على عقول وقلوب الجيل الشبابي المتوثب للتحرر والحرية ،فانحسر المد الزيتوني في أوكار الفرق المظلمة ،وانحصر الفهم الكلاسيكي للدين في سراديبه الحجرية ،لينشق النور الملكوتي من كوة الظلم والظلام وهذا مما لا يتمناه الباطل وأهله،وهل تعيش طيور الليل في كبد النهار فجند ذلك الباطل أهله لمحاربة الفكر الخلاق والصوت الجماهيري الرافض لكل إشكال التبعية والخنوع ،مستبدا بسياسة العنجهية لكم الأفواه الناطقة،وان هذه السياسة الاستكبارية من الدهاء السياسي الخبيث بمكان قد دأب على مواصلة حلقاته الاستعمارية اليوم والمتمثل بامريكا وحلفائها الدوليين وعملائها المحليين ،فالتجربة نجحت واثمرت فالتمنع الجمعة ومنبرها ويحارب امامها ومأموميها الا ان إصرار المؤمنين على تقرير مصيرهم واستعدادهم على السير لمواصلة ركب الشهداء ولو الى عنان السماء ،وحده الكفيل بافشال كل المخططات الرامية للنيل منهم،وان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الخطباء الحسينيين واستثمار هذه الايام ايام محرم الحرام لاداء الدور الذي لايقل عن دور امام الجمعة وخطيبها مؤكدا على عناصره المهمة في تحريك قضيتنا العالمية العادلة ،فكلما كان الواعظ متعظ واكثر اخلاصا واستعدادا للتضحية مركزا على الفكرة المضغوطة وسباكة المفردة وقبل هذا وذاك الايمان بالقضية كلما كان البلوغ الى غايتنا ادق واسرع((ويمكرون ويمكر الله والله والله خير الماكرين)).