المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاشوراء وتاريخها ... ورأي الخامنئي وفضل الله وشريعتي والحيدرى والعاملي بمراسمها



لمياء
02-14-2005, 11:05 AM
عاشوراء... حدث تاريخي تجاوز الوجدان الشيعي المتألم ليصبح جزءاً من الدراما الإنسانية

فضل الله يرفض تعذيب الجسد ويعتبره «تخلفاً»... والمطران خضر يراه غير متوافق مع روحيّة الإسلام

بيروت - حاتم الزين

كثيراً ما يعي الإنسان ظاهرة فيراها وقد يعيش في جوقتها دونما معرفة بأصولها التاريخية والعوامل التي غذتها, ولعل أخطر ما يمكن البحث أو التحقيق فيه هو تلك الظواهر التي لها عمق ديني, ومن تلك الظواهر عاشوراء، المرتبط إحياؤها بالعديد من المراسم اختلفت الآراء من مختلف المشارب حولها, أسئلة كثيرة نطرحها حول إحياء عاشوراء وقد نجد لها جواباً وقد لا نجد, ومنها: متى بدأ إحياء عاشوراء؟ وما هي التقاليد التي ارتبطت بها وتاريخها كالمجالس العاشورائية والمسرح العاشورائي؟ وما هي الآراء حول طرق الإحياء مع الاقتراحات؟

كربلاء، تلك الصحراء التي لم تُعرف إلا باسمها الذي يعني «معبد الآلهة»، كانت أرض الحدث أو الواقعة منذ عام 61 للهجرة, لقد كانت مسرحاً واقعياً لصراع بين فئتين تتعارض قيمهما ومنهجهما ورؤيتهما للواقع .

ومن هذا الحدث التاريخي البارز، أي قتل الإمام الحسين، بدأت زينب أخت الإمام الحسين وكذلك أبناؤه بدور إعلامي لتسويق هذه الثورة بين أذهان المسلمين عموماً والشيعة خصوصاً، عبر الأدب الشفوي الذي ينقل عنهم ما جرى في كربلاء.

وهكذا، كانت انطلاقة الأحزان التي عززها ورسّخها حينها الشعر، ذلك المنبر الإعلامي الأبرز والأسرع في دخول وجدان كل إنسان.

متى بدأ إحياء عاشوراء؟
يقول المؤرخ حسن الأمين «إن مجرد الاحتفال شيء وتطوره شيء آخر، فأول احتفال بذكرى مقتل الحسين هو احتفال التوابين على قبر الحسين، وهذا في العهد الأموي, إذ كانت تقام مراسم هذه الذكرى في بيوت الأئمة في شكل خاص», وأضاف أن «أهم شيء في الاحتفالات، زيارة قبر الحسين، ويدل على ذلك ما فعله المتوكل العباسي بمنعه زيارة القبر حيث إنه هدمه وحاول طمسه».

وأشار الأمين إلى أن «الاحتفالات في شكلها العلني بدأت حينما أصبح للشيعة دول وبالتحديد مع البويهيين (في منتصف القرن الرابع للهجرة), فكان كلما يضعف الحكم الشيعي ينعكس ذلك سلبياً على إحياء عاشوراء».

ففي عهد البويهيين كان يعرف الأثر الشيعي التجاري في بغداد في اليوم العاشر من شهر محرم لأنهم كانوا يحيون عاشوراء فقط في هذا اليوم, أما التطور في طرق الإحياء واتخاذ الأيام العشرة الأول من محرم كفترة إحياء، فقد بدأ مع الحكم الصفوي (الصفويين).

ما هي أشكال الإحياء، وما هي التقاليد التي ارتبطت بها؟
إن إحياء أي مناسبة هو شكل من أشكال التعبير يتخذ مظاهر شتى, فعاشوراء بيننا وبينها 1363 عاماً هجرياً, من هنا، كان الزمن عامل مساهمة في تحويل مجرى الإحياء الثابت ـ وإن ببطء ـ من خلال الاقتباس من الموروث الشعبي القديم أو من خلال استيراد بعض أشكال التعبير وشرعنتها.

ولذلك سنعرض مراسم الإحياء قبل الدخول في الآراء التي تتناولها.

أ ـ مجالس العزاء والشعر الحسيني:
يعتبر السيد جعفر مرتضى أن المجالس بدأت منذ عهد الإمام علي بن الإمام الحسين والذي كان حاضراً في كربلاء، ما يعني أنها بدأت في العهد الأموي, وأضاف أن أئمة أهل البيت كانوا يقيمون مجالس شعرية في بيوتهم, وقد ذهب مرتضى إلى أبعد من ذلك بقوله «إن الحزن على الإمام الحسين بدأ حسب الروايات منذ آدم، وكان النبي يجمع الناس للحزن والبكاء على الحسين، وهذا ثابت في النصوص التي لا يمكن النقاش فيها», وأشار الشيخ علي سليم، قارئ مجالس العزاء في «حزب الله،» إلى أنه «كان في بداية إحياء عاشوراء شعر ثم تدريجاً صار هناك خطيب وناعِِ ينعى الإمام الحسين، وبالتالي واحد يقرأ الشعر وآخر السيرة ثم أصبح في النهاية شخص واحد يقرأ السيرة والشعر».

وكانت الآلية المعتمدة وما زالت في مجالس العزاء، الشعر الحسيني الذي يعرّفه الشاعر حسن خليفة بأنه هو الشعر الذي قيل في الإمام الحسين وفي تمجيد ثورته وواقعة الطف.
ومن هنا، كما يقول المؤرخ الدكتور إبراهيم بيضون في كتابه «ثورة الحسين حدثاً وإشكاليات»، بدأ يتركب النص الحسيني على تراث الحزن، وأخذت مجالس العزاء التي انتشرت في بقاع الأرض تردد المأساة، وتضيف إليها ما يشحن النفوس ويعمّق الحقد على الظالمين الذين أراقوا دم البطل.

واعتبر بيضون أن الكبت، الظلم النفسي، الفقر، الجبروت، الاحتلال، الاستكبار,,, جميعها مفردات عاشت بين ضلوع الشيعة مدى الدهور، وما انفكت تواجه بعضهم في هذا العصر,,, وكلها أدت، بصورة أو بأخرى إلى رفع وتيرة العزاء الحسيني وشحن خطابه.

ب ـ مواكب العزاء والإضرابات:
اعتبر الدكتور إبراهيم الحيدري، في كتابه «تراجيديا كربلاء»، أن من المعلومات التاريخية التي اتفق عليها أغلب المؤرخين، أن أول موكب عزاء عام أقيم رسميا كان في زمن معز الدولة البويهي عام 963، حيث قامت أول الاحتفالات العلنية يوم عاشوراء في شوارع بغداد.
وهذا ما أكدّه المؤرخ حسن الأمين الذي أضاف أن هذه المواكب كانت عادية وأنه كان يصار لتعطيل الأسواق وإغلاق المحال عند الشيعة.

ج ـ مواكب اللطامة:
وتتكون هذه المواكب من مجموعة أو مجموعات من الرجال تقوم بلطم صدورها بالأيدي كطقس ديني ـ شعبي، مواساة للإمام الحسين وأهل بيته في مأساتهم.
بيد أن مواكب اللطم هذه أخذت تتطور عبر اللطم لا بالأيدي بل بالسلاسل الحديد أو ما يسمى الزناجيل ويتكون الزنجيل من مجموعة من السلاسل الحديد الصغيرة المربوطة من الأسفل بمقبض خشب أو حديد يضرب بها على الظهر والكتفين.

د ـ مواكب التطبير والقامات:
إن التطبير، كما يذكر الدكتور إبراهيم الحيدري، هو جرح الرؤوس الحليقة بالقامات بضربات ليست عميقة.
وأما القامات ومفردها قامة فهي سيوف مستقيمة حادة الجانبين تشبه السيوف الرومانية القديمة، وافضل أنواعها الروسية والتركية.

هـ ـ المسرح العاشورائي:
بدأ المسرح العاشورائي مع الإيرانيين وقد جرى أولى العروض المسرحية في شيراز يوم عاشوراء عام 1011هـ/1602م، أي في عهد الصفويين.
الفنان الدكتور بطرس روحانا، أشار إلى أن المنطقة العربية ولبنان لم يعرفا عاشوراء في شكلها المسرحي إلا في بداية القرن الماضي, ولفت إلى أن أول من دعا ونظم وبادر إلى تنفيذ المسرح العاشورائي كان طالباً إيرانياً من عائلة ميرزا وكان يدرس في الجامعة الأميركية في بيروت, وقد استحصل على إذن خاص من السلطات في ذلك الحين بعد ضغط من القنصلية الإيرانية, وصرح الدكتور إبراهيم الحيدري، في كتابه الذي ذكرنا، بأن عدداً من التجار الإيرانيين، كانوا يحتفلون بذكرى عاشوراء بعد إذن خاص من الباب العالي في النبطية، وذلك بأداء تمثيلية تروي واقعة كربلاء ويؤديها شخصان وباللغة الفارسية، واحد يمثل الإمام الحسين وآخر يمثل الشمر قاتل الحسين.

وأضاف الحيدري أنه في اليوم العاشر من محرم عام 1921 قامت مجموعة من الشباب اللبناني بتمثيل واقعة الطف بكربلاء، وللمرة الاولى في مدينة النبطية, وكان نص المسرحية مترجماً من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية عام 1927.وقال روحانا «إن العمل المسرحي حينها اقتصر ولاعوام طويلة على مبارزات كلامية غير طويلة ومقتل الحسين ثم اقتياد السبايا وعلى رأسهم الإمام زين العابدين على جمال وأحصنة كانت متوافرة وشيئاً فشيئاً دخل هذا الاحتفال المسرحي في المنطقة العربية».

والذي ساعد على إبقاء مقتل الحسين حدثاً تاريخياً عظيماً ـ كما يوضح روحانا ـ هو تنقيح علماء الشيعة لنصوص المجالس من الأساطير والغرائب والخيال وتحويلها نصوصاً عدلت وقسمت في شكل يستطيع شباب شيعة أن يمثلوا عاشوراء ـ إن صح التعبير ـ عبر محاورات بين أبطال المأساة, لكن النصوص هي نفسها التي تعتمد في المجالس لكن بصيغة تعبيرية مختلفة إذ أدخل المسرح والإكسسوارات والعناصر المسرحية والملابس والمكياج (التخضيب مع اللحى), وأدخلت في النبطية اللوحة التي تمثل صحراء كربلاء في خلفية الخشبة.

ومن المظاهر الأخرى التي يمكن أن نضيفها في النهاية زيارة مقامات الأئمة والذين قتلوا مع الحسين في عاشوراء وذكرى الأربعين، المعروفة عند الشيعة.

بعد عرضنا هذه الطرق الإحيائية لعاشوراء نسأل السؤال الأبرز: ما هي الآراء في هذه المراسم؟

القيمة الفنية للشعر المتداول بين قراء العزاء
يدخلك الشاعر حسين خليفة في حديثه عن الشعر الحسيني وقيمته الفنية إلى أعماق التاريخ إذ يقول: إن أهل البيت وظفوا الطاقات الفكرية لدعم ثورة الحسين وتخليصها من تشويه أولئك الذين اخذوا يكتبون أن الإمام الحسين قتل بسيف جده لأنه ثار على الخليفة ولا يجوز الخروج على الحاكم، فمقابل هذا قال أئمة أهل البيت (من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتا في الجنة)، وكانوا يعطون العطيات للشعراء كالكميت ودعبل الخزاعي والسيد الحميري، حتى أن ياقوت الحموي أسمّى قصيدة دعبل التائية بالقصيدة المذهبة, فتوظيف الأئمة للشعر له هدف فكري وإعلامي، لأن الشعر يلتقي مع القرآن والسنة النبوية بما له من طاقةٍ مفتوحةٍ على القراءة المتنوعة المستمرة, وقد قسم الشاعر حسن خليفة (الأخ التوأم لحسين) الشعر الحسيني اقساماً عدة, وقال: إن أولى القصائد كانت ارتجالية بمجرد أن سمع الشعراء باستشهاد الإمام الحسين, وقيمة الارتجال الفنية أقل من غيرها وإن كان هناك بعض المرتجلات التي تبدو قيمتها أقوى, وهناك بعض القصائد النخبوية كالقصيدة اللامية للشريف الرضي الذي كان يكتب في كل يوم عاشوراء الشعر والتي مطلعها:

راحل أنت والليالي نزول
ومضرٌّ بك البقاء الطويل

فهذه القصيدة تعتبر من عيون الشعر العربي وعلى مثالها يوجد الكثير, فالمنسجم مع مبادئ الحسين يضيف إلى شعره عنصر الإلهاب الذي يتعاطف معه أي إنسان فالثورة ملهمة لكل الشعراء وخصبة جداً.

ويضيف الشاعر حسن خليفة أن هناك قصائد كثيرة من محبي الحسين فيها العديد من الركاكة واستصحاب الكلاسيكية, فهناك مثلاً قصيدة كربلاء لا زلت كرباً وبلا للشريف الرضي والتي يقرأها الرواديد دائماً، واعتبرها بعض النقاد منتحلة على الشريف الرضي لأن قيمتها الفنية أقل من قيمة قصائد الشريف الرضي الأخرى, لكن الواقع أن الشريف الرضي قالها ارتجالاً، عندما كان زعيماً لموكب عاشوراء في زيارة الإمام الحسين في كربلاء وكان غرضها الاستنهاض, فالهدف هو الذي يحدد القصيدة ومقدرة الشاعر, أما خليفة فاعتبر أن قصيدة محمد مهدي الجواهري العينية هي أول قصيدة حققت الشروط الفنية الجديدة والشروط الموضوعية من حيث المضمون وجسدت ثورة الحسين جامعة بين العبَرة والعِبرة .

فالجواهري استثار العَبرة (بفتح العين) بقوله :
كأن يداً من وراء الضريح
حمراء مبتورة الإصبع
واستثار أيضاً العِبرة (بكسر العين) حينما يقول :
شممت ثراك فهب النسيم
نسيم الكرامة من بلقع

وأشار إلى أن الجواهري جمع بين الجانب الثوري والجانب العاطفي لا المأسوي, بينما قبله كان شعراً مأسوياً، فقط يريد أن يستدر الدموع ولم يرتفع إلى ثورة الحسين من حيث الفكرة والمضمون وأهداف الثورة, بل على العكس فقد مثل ذلك الشعر القديم الصيغة العشائرية فصوّر الحسين أنه يمثل بني هاشم ويزيد يمثل بني أمية وأنه أيضاً كان هناك عداوات بين هاشم وأميّة قبل الإسلام, فالشاعر الحسيني أراد أن يستثير الحمية الهاشمية على الحمية الأموية رابطاً هذه الاستثارة بالإمام المهدي.

ويكمل خليفة أن قصيدة الجواهري كانت الشرارة الأولى في التغيير في الشعر الحسيني لأنه جمع بين الدعوة إلى الثورة والكرامة والعِبرة والعَبرة, وجاء بعده الشاعر مصطفى جمال الدين في قصيدته البائية وبعده جاء شعراء شباب، ما جعل كربلاء تدخل الشعر العربي المعاصر حيث استخدم قضيتها شعراء غير شيعة كنزار قباني وبدر شاكر السياب ومسيحيون وملحدون ووجوديون وغيرهم ووظفوها في شعرهم, فالشاعر الفلسطيني أحمد دحبور عنده قصيدة «العودة الى كربلاء» وجعل علاقة تماهٍ بين كربلاء وفلسطين من حيث العطش الحسيني وترك العرب الفلسطينيين يواجهون مصيرهم بيدهم, وهناك رسالة ماجستير للشاعر العراقي علي الشلاه تحت عنوان «كربلاء في الشعر العربي المعاصر».

ويضيف أن الشعر الحسيني الحديث نجح واستطاع أن يمشي مع تيار الحداثة، من هنا يدعو خطباء المنبر الحسيني الى أن يتثقفوا ويأخذوا من هذا الشعر ويقرأوه على المنبر الحسيني.ويعلق على المجالس الحسينية، معتبراً أن ثورة الحسين دخلت إلى الوجدان الإنساني حتى أن شاعراً ألبانياً كتب ملحمة من آلاف عدة من الأبيات في الإمام الحسين, في حين يرى أن أكثر خطباء المنبر الحسيني ليسوا خطباء عندهم صوت جميل ونوع من التكسب من هذا المنبر وليس عندهم رسالية في المنبر، وليتهم متكسبون ويؤمنون برسالة.

بينما نجد مثلاً أن الشيخ أحمد الوائلي وهو شاعر، يختار قصائد رائعة ويحسن توظيف الشعر عندما يقرأ المجلس الحسيني, والسبب في تدني اختيار الشعر المناسب وتكرار ما قيل في الأعوام السابقة لغرض الإبكاء هو غياب النقد لهؤلاء الخطباء, فلو كانوا أوفياء لما يدعون لقاموا بتوفير العدة والاستعداد لتطوير مستواهم الثقافي وإلا فإنهم يساهمون بتجهيل الناس وتخلفهم وهذا عكس ثورة الحسين وأهدافها, فالسكوت عما يجري على المنابر من الانحطاط عبر معلومات خاطئة تدل على الأمية والجهل بحجة الحرص على البركة هو مشاركة في جريمة ثقافية.

تابع البحث ...

لمياء
02-14-2005, 11:06 AM
تكملة البحث ..

التطبير وتعذيب الجسد
بعدما عرفنا ما هو التطبير، نأتي لنعرف مصدره والآراء حوله, ولعل أبرز من حارب التطبير وإيذاء الجسد كان المرجع العلامة السيد محسن الأمين في بداية القرن الماضي, وأوضح أنه يذكر في المجالس بعض الأمور المعلوم كذبها وعدم وجودها في خبر ولا نقلها في كتاب علماً انها تتلا على المنابر بكرةً وعشياً, وقد سار على منوال الأمين بعد ذلك العديد أبرزهم الشيخ مرتضى مطهري, أما السيد جعفر مرتضى، فيعتبر من أبرز المدافعين في عصرنا عن التطبير واللطم والضرب بالسلاسل.

إذ يقول إن مراسم عاشوراء، حتى جرح الرؤوس، وضرب السلاسل واللطم وغير ذلك، لم تثبت حرمتها الشرعية، ولا هي مما يحكم العقل بقبحه، فلماذا يكون فيها توهين للمذهب؟ نعم، قد يكون في ذلك بعض الحرج النفسي لدى فريق من الناس, ولا يكفي مجرد النفور النفسي منه، إذ لو كان كافيا للزم ألاّ يقتل القاتل, هذا الرأي الفقهي تقابله آراء فقهية معارضة، فقد اعتبر مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أن استخدام السلاسل للضرب بها والتطبير، من الأمور المحرمة إذا أوجبت وهن المذهب, وقد سئل خامنئي: هل التطبير في الخفاء حلال أم أن الفتوى عامة؟

فأجاب: التطبير إضافة إلى أنه لا يعد عرفاً من مظاهر الأسى والحزن وليس له سابقة في عصر الأئمة عليهم السلام وما والاه ولم يرد فيه تأييد من المعصوم عليه السلام في شكل خاص ولا في شكل عام، يعد في الوقت الراهن وهناً وشيناً على المذهب فلا يجوز بحال, ومن أصحاب هذا الرأي أيضاً المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي يعتبر أن بعض أساليب إقامة ذكرى عاشوراء تتمثل في بعض التقاليد التي درج عليها قسم من الشيعة نتيجة ظروفهم التاريخية السابقة، وطبيعة تصورهم لأسلوب التعبير عن العاطفة، كما في ضرب الرؤوس بالسيوف، والظهور بالسلاسل، والزمن الحاضر يرفضها، كما أنها ليست أسلوبا من أساليب التعبير عن الحزن والمأساة، وهي وجه من اوجه التخلف.

هذا من جهة الآراء في التطبير وتعذيب الجسد، أما من أين جاءت هذه التقاليد فهنا لب المسألة.
المؤرخ حسن الأمين قال «إن هناك قولاً يقول ان التطبير بدأ في عهد الصفويين, والشيء الذي قد يكون معقولاً هو أنه كان في بلاد القفقاس، مسيحيون يقومون بتعذيب جسدهم فداء بالسيد المسيح, وكان في القفقاس عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران عندما كانوا يذهبون لزيارة ضريح الإمام علي بن موسى الرضا جماهير وهو آخر ما توصلنا إليه».

واعلن أنه يميل إلى القول ان التطبير أتى من بلاد القفقاس بعدما قيل له: كيف تقوم تلك الفرقة المسيحية بتعذيب جسدها، وهكذا تأثر الشيعة الموجودون في تلك البلاد بهم.

جورج خضر
مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس جورج خضر، أشار إلى أنه يوجد في الرهبانية الشرقية والغربية وبالأخص الغربية نوع من تعذيب النفس، وهو تماهٍ بين عذاب الجسد وعذاب المسيح على الصليب, واعتبر أن تعذيب الجسد ليس من عبقرية المسيحية وإلهاماتها الأساسية لأنها تقدس الجسد وتحترمه، مستشهداً بقول بولس:

«ألستم تعلمون أن أجسادكم هي هياكل للروح القدس», وأضاف أن التماهي الموجود في الغرب قمته في السمات التي ظهرت للمرة الأولى تاريخياً في القرن الثالث عشر على يدي القديس فرنسيس الاسيزي وعلى قدميه فيما كان رافعاً ذراعيه أمام المصلوب, فقد انعكست جراح المسيح في يديه وقدميه على جراح هذا الراهب, وهذه الظاهرة أي ظاهرة الجراح الطبيعية موجودة في العالم الكاثوليكي عند بعض الناس.ولفت إلى أنه لا يوجد في الإسلام نوع من الفداء بالمعنى المسيحي, فالشاب الجنوبي لو فحصنا كلامه، حسب قواعد علم النفس التحليلي، لربما وجدنا نوعاً من المشاركة أي نوع من الانفعال إذ لا يوجد اندماج بينه وبين جراح الحسين .وأوضح أن انتقال التطبير من الغرب إلى الشرق إثباته صعب رغم وجود هذا التشابه في الأشكال الدينية، معتبراً أن تعذيب الذات لا يندمج مع روحية الإسلام الذي هو دين الانتعاش الجسدي والارتياح واليسر.

هذا الانتقال تحدّث عنه الدكتور علي شريعتي في كتابه «التشيع العلوي والتشيع الصفوي» حيث أشار إلى أن وزير الشعائر الحسينية في ظل الحكم الصفوي (إيران) في غضون القرنين السادس عشر والسابع عشر ذهب إلى أوروبا الشرقية وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك، حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات, واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض الملالي (جمع ملا وهو قارئ العزاء)، لإجراء التعديلات عليها.

وأضاف أن من بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى.
وقال شريعتي إن مراسم اللطم والزنجيل والتطبير وحمل الأقفال ما زالت تمارس سنوياً في ذكرى «استشهاد» المسيح في منطقة LOURDER, والجدير ذكره أن قناة «الجزيرة» عرضت في 29 مارس 1997 فيلماً عن احتفالات عيد الفصح في الفيليبين تظهر فيه مجموعة من الرجال يحملون حبالاً غليظة مكورة في نهايتها، يضربون بها ظهورهم بشدة والدماء تسيل.

هل المسرح العاشورائي عمل فني؟
اعتبر روحانا أن المسرح العاشورائي لا يمكن أن يطلق عليه أنه هو المسرح المعروف، ولا يمكن أن يسمى ممثلو واقعة كربلاء ممثلين لأنهم يشاركون في هذه الواقعة على طريقتهم.وتحدث عن مسرح هزلي في إيران «يلعن خلاله يزيد وكل الذين شاركوا في قتل الحسين»، مشيراً إلى أنه بالإمكان الآن التحدث عن تجربة مسرحية حيث هناك تركيب حبكة وحوار، فالمسألة هكذا وضعت في إطار الصراع.وأعرب عن أن مسألة عاشوراء صالحة لأن تتحول مأساة كما حدث مع السيد المسيح، إذ هناك مئات الأفلام عن هذه المأساة لأنها ارتكزت على عقيدة تخليص البشر من الفساد والآثام والقمع, فإقفال الأبواب عن مسألة عاشوراء وحصرها بالشيعة لا يخدم المسألة الإنسانية الكبرى ألا وهي العدل في الوجود, فمسألة الحسين لا تعني الشيعة وحدهم ولذلك عليهم أن يستفيدوا من التاريخ للانطلاق إلى المستقبل.

ودعا إلى إعطاء هامش من الحرية كي يتمكن الفنان من أن يصنع فيلماً ولو بتصرف لأن الحسين قضية إنسانية كبرى، وقال: «مشكلتنا في هذه المنطقة أننا نخاف على أنفسنا بحجة أننا نخاف على عقيدتنا التي هي الحياة, ولذلك علينا ألا نخاف عليها بل علينا الغوص فيها من جديد لتزهر أزهاراً بألوان وعطور وأنواع وكثافة لم يعرفها السابقون, وانتقد الحيدري المسرح العاشورائي واعتبره لا يركز على صدقية تاريخية بقدر ما يركز على الخيال الشعبي لتلك الوقائع وتأثيرها العاطفي، فقد تعرض بعض الحوادث في شكل قد يتعارض مع حقائق التاريخ وأحياناً مع المبادئ التي قامت من أجلها ثورة الإمام الحسين, لذا نرى تشابك الأحداث التاريخية وامتزاجها بقصص وأساطير ليس لها أساس تاريخي.وتحدث فضل الله عن ضرورة إدخال قضية الإمام الحسين إلى المسرح الحديث والسينما، بحيث تكتب السيرة كتابة فنية مبدعة، تخاطب الإنسان في العالم، من خلال العناصر الإنسانية الحيوية الموجودة في داخلها.

هل هناك طقوس وثنية وميثولوجية أدخلت في الإحياء؟ وما هي الآراء حولها؟
اعتبر الحيدري أن هناك علاقة ميثولوجية بين احتفالات بل مردخ (تموز) في بابل من جهة، والاحتفالات بيوم عاشوراء من جهة أخرى، من الممكن أن تشكل إمكان للتشابه فكرياً ووجدانياً كتعبير عن انتصار الخير على قوى الشر، وأن نواح عشتار على حبيبها مردخ (تموز) سنة بعد أخرى، إنما يمثل طاقة خلق وتجديد لمبدأ الأرض ـ الخصوبة ـ الحياة ، مثل الاحتفال بذكرى عاشوراء الذي يمثل تجديداً أو إحياءً لمبادئ الحسين في الرفض والشهادة.
وقال «إيردمنس» إن أحد رموز الاحتفالات هي «كف العباس» التي ترفع في مواكب العزاء وتدل على تشابه واضح مع طقوس بابلية وكريتية وكذلك يهودية قديمة، حيث ترمز الكف إلى الخصوبة، مثلما ترمز إلى الوعي بعودة تموز ثانية، رغم من موته، في ربيع العام المقبل والتقائه حبيبته عشتار إلهة الخصوبة.

وأكد «إيردمنس» أن هذه الطقوس هي استمرار لطقوس الربيع التي كانت تقام من أجل الإله تموز، وأنها استمرت في حران والموصل حتى القرن الحادي عشر وكذلك الثالث عشر الميلادي في شمال العراق ولو في شكل بسيط ومحور.

ولفت المؤرخ حسن الأمين إلى ظاهرة المشي على النار كمظهر جديد من مظاهر الإحياء مشيراً إلى أن مصدرها هندوسي.

فضل الله علق على كلام «إيردمنس» اضافة إلى ربط المستشرق ميتز التشيع بالغنوصية المسيحية، قائلاً أنه ليس هناك أي علاقة بين احتفالات تموز في بابل والاحتفالات بيوم عاشوراء حتى لو التقت في بعض مظاهرها، لأن السير التاريخي يدل على أن الرمزية المتمثلة في عاشوراء تنطلق من أصالة الحزن الإنساني الذي يتفجر في وجدان المؤمنين انطلاقاً من العلاقة الولائية الإيمانية بأهل البيت في صورة المأساة الأليمة التي تتحرك في أحداث عاشوراء .

أما كف العباس فإن مناسبتها هي حادثة قطع كفه عند القتال وهو يحمل قربة الماء حيث تختلط مسألة التضحية بقضية العطاء, إن الجذر التاريخي لهذه الاحتفالات لا يحمل أي رموز قديمة لما قبل الإسلام، ولهذا فإن ما ذكره الكاتب لا يرتكز بالتأكيد على العلاقة التاريخية بينها لأن التشابه في بعض الطقوس لا يعني ربط إحدها بالآخر إذا كان كل واحد منهما يختلف عن الأخر في القاعدة التي ينطلق منها, وأضاف أن ربط التشيع بالغنوصية المسيحية لا شاهد له لاختلاف الطقوس المسيحية عن الطقوس العاشورائية في طبيعتها و أشكالها، ولأن خصوصية عاشوراء تنطلق من الأحداث التاريخية فيها وفي حركة الوجدان الشعبي لجهة الانفعال بها والإحساس بالحزن البكائي أو الحزن التمثيلي، فلا علاقة لأحدهما بالآخر,,, فإرجاع أي عادات شعبية دينية إلى أصول دينية تقليدية يتوقف على دراسة العلاقة العضوية بينها على مستوى الروابط التاريخية التي تمثل امتداد بعض العادات في مرحلة أو مجتمع إلى مرحلة أخرى ومجتمع آخر .

هل هناك مجال لإدخال طرق جديدة في الإحياء؟
قبل عرض الآراء حول إدخال طرق جديدة في إحياء عاشوراء لا بد من معرفة رأي قارئ العزاء في ذلك.

فالشيخ علي سليم، قارئ الاحتفال العاشورائي المركزي لـ «حزب الله»، يقول انه يفضل الطريقة المتبعة في إحياء عاشوراء وهي قراءة المجالس، مشدداً على المحافظة على هذا النمط الذي جرت عليه السيرة وأقره الفقهاء.

وحول إضافة الموسيقى والمسرح وغيرهما إلى الإحياء، اعتبر أن ذلك يتنافى مع روحية إحياء الذكرى، لذا فهو ضدّه, وأضاف أنه لا ينبغي تحول قراءة المجالس مهنة وصنعة يمتهنها بعض الناس لأن هذا العمل في ذاته مسؤولية كبرى.
ودعا إلى التحكم بالطرق والأساليب في قراءة العزاء وابتكار أسلوب جديد يكون مؤثرا أكثر ومدرا للدمع أكثر.

وسألنا فضل الله عن جواز اشتراط الأجرة من جانب قارئ العزاء، فأجاب أن قراء مجالس العزاء هم أناس يمتهنون هذه المهنة ويجوز لهم اشتراط المبلغ الذي يريدونه في مقابل قيامهم بذلك وليس لها أي دور عبادي يمنع ذلك.ومع أن هناك فريقاً من الشباب يدعو إلى المحافظة على الطرق التقليدية إلا أن هناك شبابا يدعون إلى ادخال طرق جديدة في احياء الذكرى .
فالشيخ عباس عفيف النابلسي، تساءل «لماذا لا تدخل أشكال التعبير الأخرى لتحكي عن عاشوراء في زمن يستفيد من كل شيء ويرى كل شيء وعاشوراء قيمة كونية عالمية»؟

واتهم بعض قراء العزاء بأنهم «جهلة لا يعرفون الشعر الذي يقولونه أموزون أم لا»، موضحاً أن «هناك حاجة لكوادر يقومون بدورهم لتصبح عاشوراء عاشوراء ثانية لا عاشوراء النحيب والبكاء»، وهذا ما عبر عنه الشاعر حسن خليفة.

إلى ذلك، طلب المطران خضر أن يكون مجلس العزاء قداساً شيعياً يخرج عن دائرة التحريض المذهبي وأن تكون الصرخة ضد أي ظلم يأتي لتبنى روحانية شيعية مرهفة, ودعا إلى إلغاء مظاهر التطبير في النبطية وأن يكون المطبرون كالحسين في أخلاقه لا بجرح أنفسهم.
أما خليفة، فقد عبر عن رأيه بأبيات أبرزها:

واخرج كما خرج الحسين على المدى
واهزأ بلحية كل علج عاهر
لا تحسبن صـوت الحسـين بفـأرة
وتبيعها بخسا غداة العـاشر
صوت الحسين الحق في الصمصام لا
في اللطم أو في عربدات الطابر
باع الحسين مشائـخ شغـلوك عـن
يـزيد فاشغلـهم بزيد آخـر

بعد عرض الآراء من مختلف الاتجاهات وأغلب المظاهر الإحيائية من حيث مصدرها وأشكالها،لا يسع القارئ إلا أن يلاحظ أهمية عاشوراء في الوجدان الشعبي الشيعي, بيد أن المشكلة هي في تحديد مصادر تلك المظاهر الإحيائية التي حاول هذا التحقيق الإجابة عنها، فالمسألة تبقى دائماً في طور المحتملات ومدى تقبل المعنيين العودة الى الذات والنقد لمعرفة الحقيقة والتطور.


المصادر والمراجع
أ ـ بيضون، إبراهيم, «ثورة الحسين حدثاً وإشكاليات»، المطبوعات للتوزيع والنشر، طبعة أولى بيروت العام 2001.
ب ـ الحيدري، إبراهيم, «تراجيديا كربلاء وسوسيولوجيا الخطاب الشيعي»، دار الساقي، طبعة أولى ـ 1999.
ج ـ الخامنائيو علي الحسيني, «أجوبة الاستفتاءات»، الجزء الثاني (المعاملات ـ 1) الدار الإسلامية، طبعة أولى ـ 1999.
د ـ فضل الله، محمد حسين, «حديث عاشوراء»، إعداد وتنسيق جعفر فضل الله، دار الملاك، طبعة ثانية ـ 1998.
هـ ـ شريعتي، علي, «التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، ترجمة: إبراهيم دسوقي، دار الأمير، طبعة أولى ـ 1422 هـ.
و ـ النجفي، محمد القاسم الحسيني, «ثورة التنزيه»، دار الجديد، طبعة أولى ـ 1996.

دشتى
02-17-2005, 09:08 PM
شكرا يا أخت لمياء على هذا النقل الرائع ولهذه المعلومات المفيدة .