المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في الذكرى المئوية



على
02-14-2005, 09:47 AM
أنيس منصور


فرنسا، والعالم أيضا، تحتفل بمرور مائة سنة على ميلاد أكبر مصممي الأزياء: ديور، وأكبر فلاسفتها من مصممي الأفكار: سارتر.. وذكرى وفاة كاتب الخيال العلمي الكبير: جيل فرن.. وقدوم الفنان الأسباني الكبير: بيكاسو إلى باريس.

والإنجليز سوف يحتفلون بمرور مائة سنة على صدور «ماجور بربارا» لبرنارد شو، وكتاب «من الأعماق» لأوسكار وايلد.
والألمان يحتفلون بمرور مائة سنة على ظهور «نظرية النسبية الخاصة» للفيزيائي الكبير: آينشتين.. وكتاب «التجربة والشعر» للفيلسوف دلتاي، و«كتاب الساعات» للشاعر ريلكة. وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية الدكتور عبد الهادي أبو ريدة، و«ثلاث دراسات في الجنس» للعالم النمساوي فرويد.

ويحتفل الأميركان بمرور مائة سنة على صدور كتاب «حياة العقل» للفيلسوف جورج سنتيانا، ومرور مائة عام على إنشاء مرصد بالومار فوق جبل ويلسون في كاليفورنيا.
ومصر تحتفل في المعرض الدولي للكتاب بمرور مائتي عام على بداية حكم محمد علي باشا وبداية التنوير، و250 عاماً على ميلاد المؤرخ الجبرتي، و300 عام على أول ترجمة فرنسية لـ«ألف ليلة وليلة»، وفي العام الماضي احتفل المغرب بمرور سبعة قرون على ميلاد الرحالة ابن بطوطة.

ولي تجربة مع مصمم الأزياء كريستيان ديور (1905 - 1957) فقد تصادف التحاقي بالعمل بصحيفة «الأهرام» عندما أطلق ديور موضة «نيولوك»، وترجمتها أنا بالطلعة الجديدة ، وتوالت المقالات عن الموضة الجديدة من باريس. وكان من نصيبي أن أقوم بترجمة هذه المقالات ، ومشكلتي ليست اللغة الفرنسية وإنما مفردات الموضة: طول خط العنق وخط الذيل وخط الأكمام.. وكلها تعبيرات لا أعرفها، فأنا تخصصت في الفلسفة.. وكان لا بد أن أترجم. وذهبت إلى كل مصممات الأزياء أسأل. ومعظم مصممات الأزياء أجنبيات ولا يعرفن إلا الفرنسية. وكان لا بد أن أنحت المعاني نحتاً. وبعضها كان مفهوماً، ووضعت قاموساً خاصاً لمعاني المفردات الفرنسية وما يقابلها بالإنجليزية، واحتفظت بالقاموس الصغير في جيبي.

ومنذ ذلك الحين ـ أي سنة 1951ـ وأنا أكتب عن الأزياء في كل المجلات التي رأست تحريرها وهي: الجيل وهي وآخر ساعة وأكتوبر ومايو. وكنت أكتب المقالات بإمضاء مستعارة ، حتى لا يكون لي أكثر من مقال في العدد الواحد ، وأشهر الأسماء التي اتخذتها: شريف شريف وأحلام شريف ومنى جعفر وهناء محمد وسيلفانا مأرييللي، ولم يعرف إلا عدد قليل من الناس أن كل هذه الأسماء هي اسمي المستعار. وفي مجلة «روز اليوسف» كنت أنشر أخبارا بإمضاء سيلفانا مأرييللي.. ولما تركت «روز اليوسف» خشيت أن يستخدم أحد اسمي ، فتخيلت حادثاً وقع لسيلفانا ونقلت إلى المستشفى وماتت!

أما الفيلسوف سارتر (1905 - 1980) فهي علاقة حياة ، فهو أستاذ الفلسفة الوجودية، وهو كاتب مقال وقصة وقصيدة ورواية ومسرحية، وهو الذي استطاع أن ينقل الفلسفة الألمانية الوجودية إلى الفرنسية السهلة الجميلة ، وهو الذي زلزل أفكارنا، وسرنا وراءه ووراء الدكتور عبد الرحمن بدوي منذ كنا تلامذة في كلية الآداب. أما عبد الرحمن بدوي فكان داعية الفلسفة الوجودية الألمانية، وكنت أنا داعية الفلسفة الوجودية الفرنسية السهلة، وقد صدر لي كتاب عن «الوجودية» سنة 1951 أول كتاب في اللغة العربية يسهل على أقل الناس تخصصاً أن يفهمه، ولكن د.بدوي قد ترجم لنا كتاب «الوجود والعدم» لسارتر، وهو أيضا الذي وضع أصابعنا وعيوننا على مصطلحات فلسفية عسيرة الترجمة، بل انه استطاع أن يجد عند الفلاسفة العرب القدامى نفس المصطلحات الفلسفية الشاقة التي لم نعثر لها على ترجمة حديثة.

وكما أن هناك موضة في الأزياء فهناك موضة في الأفكار، وذهبت موضة ديور، وموضة سارتر والوجودية الفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية، وهذه قصة طويلة ليس هنا مكانها.
ولم نفلح في أن نتخلص ـ ولا وجدنا ضرورة ـ من الوجودية، فما تزال الكثير من همومها هي همومنا حتى اليوم، فهي لم تخلق لنا القلق والفزع والشعور بالضياع وأعباء الحرية الشخصية، وإنما فسرتها وشرحتها وبرزتها وجملتها لنا، ولا أدعي أنني شفيت منها فليست مرضا، وإنما جعلتنا نشعر أعمق وأفدح بما لدينا من أعراض لأمراض فكرية واجتماعية كثيرة!