المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا حاول مقتدى الصدر إطاحة السيستاني لحساب خامنئي والحائري



المهدى
02-14-2005, 01:51 AM
الوطن العربي
24/10/2003

هل هي "مجرد حادثة" كما وصفها عبد العزيز الحكيم عضو مجلس الحكم الانتقالي وزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, أم بداية حرب أهلية تبدأ شيعية-شيعية وتنتهي إلى أفغنة هذا البلد بحروب مذهبية وإثنية كما يجمع الخبراء والمحللون العراقيون والعرب والغربيون؟!

ففي قناعة هؤلاء أن الحكيم هو أول وأكثر من يعلم خلفيات وانعكاسات حرب الشوارع والمقامات الدينية التي اندلعت الأسبوع الماضي في كربلاء عندما حاول العشرات من ميلشيا الإمام الشاب مقتدى الصدر السيطرة على مقامي الحسين والعباس في هذه المدينة الشيعية المقدسة فاصطدموا بحراسها من أتباع الحوزة العلمية أنصار المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني. فالحكيم يعرف جيداً من هو مقتدى الصدر وما هي مشاريعه, كما يعرف سوابقه ودوره في تصفية المراجع الشيعية من الإمام عبد المجيد الخوئي داخل مسجد الإمام علي في النجف إلى شقيقه محمد باقر الحكيم الذي كشفت آخر التحقيقات عن علاقة تعاون بين قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني وجماعة مقتدى في إعداد عملية الاغتيال وتنفيذها.

وفي معلومات الوطن العربي أن التحقيقات في عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها مراجع الشيعة في العراق قادت كلها إلى ما وصفه تقرير استخباراتي بـ "صفقة مقتدى الصدر الإيرانية" وفي هذه المعلومات أن الزيارة التي قام بها مقتدى الصدر إلى طهران في يونيو "حزيران" الماضي بمناسبة الاحتفالات بذكرى وفاة الخميني تضمنت اتصالات ومفاوضات حسمت أمر الاختراق الإيراني لشيعة العراق وجعلت من مقتدى الصدر رجل إيران في العراق بلا منازع و "البديل" عن خسارة محمد باقر الحكيم الذي فاجأ طهران, بل صدمهم عندما استغل عودته إلى النجف للتخلي عن دور "خميني العراق" ونموذج الجمهورية الإسلامية الإيرانية مما تسبب في تصفيته.

ويقول المتابعون لزيارة مقتدى الصدر الأخيرة لطهران إن ملالي تيار المرشد تعهدوا إحاطة الشاب العشريني "وليس الثلاثيني كما يزعم" بهالة من الترحاب والتقدير والاهتمام وقاموا بإغرائه بالزعامة والمستقبل الباهر الذي ينتظره حتى إن المرشد خامنئي حرص على الإعراب عن إعجابه بمقتدى الصدر, وقال له: أرى فيك حسن نصر الله العراق!

وفي معلومات المصادر المطلعة أن الإغراء الإيراني الأهم حصل في اللقاءات السرية التي شملت رئيس السلطة القضائية العراقي الأصل محمود قاسم شهرودي وأحد أبرز المسؤولين عن "ملف العراق" في إيران, إضافة إلى المسؤول العسكري في هذا الملف قاسم سليماني قائد "قوات القدس" التي تعتبر الجناح الخارجي لوحدات كوماندوس الحرس الثوري.

20مليون دولار...

بعد عودته من طهران بدأت تظهر خصوصية "الحالة" التي يمثلها مقتدى الصدر, وخصوصاً داخل المعادلة الشيعية وتحديداً في مركز ثقله مدينة الصدر "مدينة صدام سابقاً" التي يعيش فيها أكثر من مليوني شيعي من الفقراء. ولوحظ أن صور الخميني بدأت تنتشر في ضاحية بغداد للمرة الأولى بكثافة لافتة, فيما بدأت تظهر مؤشرات عملية تصحيحية إيرانية في الحركة الصدرية بحيث بات أقرب المستشارين لمقتدى من مؤيدي إيران ومرجعية خامنئي وتبين أن بعضهم من "ملالي" المخابرات الإيرانية لبسوا عمائم رجال دين شيعة عراقيين, وبعدها بدأت تتكشف تفاصيل الصفقة الإيرانية حتى بأبعادها المالية, حيث تحدثت مصادر مطلعة عن ميزانية عشرين مليون دولار وصلت إلى الصدر من طهران لصرفها على تنفيذ المخطط السياسي والأمني لفرض نفوذ إيران وهيمنتها داخل الطائفة الشيعية على مستوى المرجعية والمواطنين الشيعة ومواجهة رموز الشيعة المعتدلين سواء في مجلس الحكم أو الحكومة أو المرجعية والاستعداد لشن حرب جهاد ومقاومة ضد الاحتلال الأميركي.

وتؤكد المصادر أن الخطة السرية التي حملها مقتدى الصدر من طهران وينفذها بتعاون وثيق ومباشر مع مستشارين من مكتب خامنئي وقوات القدس يحيطون به ليست أقل من تكرار لمشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك عبر خطة متكاملة لملء الفراغ السياسي والأمني والديني عبر سلطات بديلة ورديفة, وفي إطار هذا المشروع بدأ مقتدى الصدر بصرف مليوني دولار على المساعدات الاجتماعية لاستمالة الأنصار والمؤيدين وقام بصرف مليوني دولار –حتى الآن- على تجنيد قوات "جيش المهدي" وهي قوات بدأت مجموعات من الحرس الثوري بتجنيدها وتدريبها على طريقة "أنصار حزب الله" والحرس الثوري في إيران مقابل مرتبات شهرية تفوق ما تحصل عليه قوات الشرطة العراقية من الأميركيين... وحتى ما تتلقاه عناصر "فيلق بدر" التي كان عبد العزيز الحكيم يجد صعوبة في تمويلها بينما الملايين الإيرانية تتدفق على مقتدى الصدر!

في هذا الوقت بدأ الصدر العمل على إنشاء ما اسماه "حكومة ظل" رديفة لمجلس الحكم الانتقالي المعين من الاحتلال. لكن المعلومات وتصريحات مقربين من الصدر كشفت أن المشروع يهدف لإنشاء حكومة إسلامية على الطريقة الإيرانية.

ولكن قبل ذلك كان على الصدر أن يحسم أمر المرجعية الدينية وتحديداً إطاحة مرجعية النجف التي ما زالت بيد السيستاني ومراجع تقليدية معروفة باعتدالها مثل بشير النجفي وإسحق فياض ومحمد سعيد الحكيم لحساب مرجعية ما يسميه "الحوزة الناطقة".

و"الحوزة الناطقة" التي يعمل لها تيار الصدر تنطلق فقهياً من معارضة "الحوزة الصامتة" أي الحوزة التقليدية التي مرجعها السيستاني وتدعو إلى مرجعية محمد صادق الصدر "والد مقتدى" الذي اغتالته المخابرات العراقية العام 1999, التي تحبذ التعاطي المباشر لكل قضايا المجتمع والشؤون السياسية ولا يقتصر دور المرجعية فيها على إصدار الفتاوى, وهي مرجعية انتقلت بعد الصدر إلى كاظم الحائري.

والعارفون بخفايا المخطط الإيراني الذي تحول مقتدى الصدر إلى أداة أساسية لتنفيذه في العراق يعتبرون أن دور مقتدى هو فقط الترويج لمرجعية كاظم الحائري المقيم في "قم" في مواجهة مرجعية النجف التي يتخوف ملالي طهران من استعادتها لموقعها السابق كمركز عالمي للمرجعية الشيعية.

وفي معلومات "الوطن العربي" أن الاحتفاظ بمرجعية "قم" وقطع الطريق على عودة مرجعية النجف مازالا الهاجس الأساسي لأصحاب المخطط الإيراني في العراق, ومن هذا المنطلق تمحورت التعليقات والقراءات الأولية لمواجهات كربلاء الأخيرة على التأكيد على أنها عملية تصعيد خطيرة لحرب المرجعيات الشيعية، وبالتالي رسالة إيرانية ليس فقط للمراجع الدينية والزعماء السياسيين الشيعة, بل لجميع شيعة العراق مفادها أن الاستقلال عن إيران خط أحمر وأن طهران تعتبر أن دورها المستقبلي في العراق وتحديداً عبر الشيعة هو ورقة استراتيجية مهمة جداً لمصلحتها الوطنية وحتى لاستمرار الجمهورية الإسلامية.

محاولة انقلابية...

وكشف مصدر شيعي عراقي لـ "الوطن العربي" أن معارك كربلاء هي في الواقع رسالة تهديد إيرانية ليس فقط للأميركيين, بل لشيعة العراق ورموز الطائفة. وخطورة هذه الرسالة التي ترجمت عمداً حرب شوارع دموية في أماكن مقدسة (عند الشيعة) هي في أنها تصعيد مقصود من أسلوب اغتيالات ومحاولات اغتيال المراجع الدينية إلى إفهام رموز الشيعة الدينيين والسياسيين بأن استقلالية شيعة العراق عن إيران غير مقبولة، وأن طهران مصممة على الاختراق وفرض الهيمنة والنفوذ حتى على حساب حرب شيعية – شيعية واقتتال دموي بين أبناء الطائفة الواحدة, وأضاف هذا المصدر: إن ما بدأ في كربلاء ليس صراعاً بين السيستاني ومقتدى الصدر, بل بين طهران والسيستاني.

وأكثر من ذلك, كشفت جهات شيعية مطلعة عن معلومات تشير إلى أن السيطرة على الأماكن الشيعية المقدسة "النجف وكربلاء" هي بالنسبة لطهران –ومقتدى الصدر- هدف أهم من السيطرة على بغداد ومدينة الصدر. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يستبق مقتدى الصدر معارك كربلاء بالإعلان عن رغبته في نقل العاصمة من بغداد إلى النجف. وفي معلومات هذه الجهات أن خطة السيطرة على مقامي الحسين والعباس في كربلاء كانت ضمن خطة أوسع تستهدف أيضاً السيطرة على مقام الإمام علي في النجف ونقل كل الأماكن الشيعية المقدسة إلى "سلطة مقتدى الصدر" عبر ما يمكن تسميته "خطة انقلاب ديني" كانت تهدف إلى إطاحة مراجع شيعة العراق التقليديين ولجوء مقتدى الصدر إلى دعوة كاظم الحائري للانتقال من "قم" إلى النجف. وفي رأي هذه المصادر أن خامنئي وجماعة "قم" أدركوا أخيراً أن أفضل وسيلة لحماية "حوزة قم" كمرجعية هي تحويل النجف إلى "فرع" لها والسيطرة عليها عبر وضعها تحت سلطة مراجع مؤيدة لقم وبالتالي تحويلها إلى حوزة ناطقة, بالخط الإيراني السياسي وليس فقط الفقهي وتحت غطاء مقتدى الصدر وتياره.

وتضيف هذه المصادر أن طهران أدركت أن مقتدى الصدر ليس بمستوى وحجم محمد باقر الحكيم –ولا حتى حسن نصر الله- إن على المستوى الفقهي أو السياسي أو حتى التأثير الشعبي داخل الطائفة رغم ملايين مدينة الصدر قرب بغداد, ويعرف الإيرانيون أن غالبية شيعة العراق يرفضون أن يمثلهم هذا الشاب صغير السن رغم احترامهم لوالده الراحل وعائلته. وكذلك يعرفون أن غالبية الشيعة يرفضون اعتبار "مدينة الصدر" التي تضم أكثر من مليوني شيعي فقير تشتهر بأعمال الشغب والعنف وبأنها تؤوي لصوصاً وقطاع طرق وتنعكس سمعتها على سمعة الصدر وطموحاته.

وينقل خبراء عراقيون أن طهران أدركت أن مقتدى الصدر رغم شعبيته في "مدينة الصدر" ليس مؤهلاً لأكثر من قيادة حركة محرومين أو "ثورة جياع" على طريقة صبحي الطفيلي في لبنان ولن يستطيع أن يكون حسن نصر الله أو زعيماً شيعياً عراقياً ما لم يحصل على تكريس المرجعيات ويفرض نفسه في كربلاء والنجف والجنوب لينطلق في تسويق تتمة المشروع الإيراني "جيش المهدي" ثم الحكومة الإسلامية.

حرب شيعية – شيعية .....

من هنا جاءت مواجهات كربلاء كحركة انقلابية في أخطر رسالة إيرانية من نوعها لشيعة العراق والعراقيين والأميركيين, فقد كشفت تلك المعارك أولا أن الحرب الشيعية – الشيعية ليست مجرد تهديدات وحرب نفسية, وفي قناعة المراقبين المطلعين أنه مهما كانت نسبة الوعي لدى الشيعة وزعماء الطائفة لتحاشي الاقتتال الأخوي إلا أن هذا الخطر بات أكثر من احتمال قائم وما حصل في كربلاء مؤشر لتحول خطير جداً, وخصوصاً بعد أن كشف مقتدى الصدر عن طموحاته ومشروعه الذي يتناقض كلياً مع حسابات المراجع الدينية والسياسية الشيعية في العراق الذين يبدون مخاوف حقيقية من انفجار الوضع في شكل أكثر دموية بين لحظة وأخرى, نظراً لحجم خلفيات الصراع القائم بوضوح على زعامة الطائفة الشيعية والمرجعية. وقد اتضح ذلك عندما وصل الأمر بأنصار الصدر إلى اعتبار أنصار السيستاني "غير شيعة وغير مسلمين" محللاً دماءهم مما أرغم تيار السيستاني على الخروج عن صمته, فقام أحد مساعدي المرجع محمد خاقاني بالكشف عن "حقيقة" مقتدى الصدر فوصفه بأنه "شخص بلا أية قيمة علمية أو اجتماعية مدفوع من جهات خارجية رسمت له سلفاً خطواته, ويتحلق حوله لصوص وقطاع طرق وبعثيون ورجال استخبارات يلبسون عمائم".

وهذه المخاوف سرعان ما انتقلت إلى الأطراف العراقية الأخرى التي تعيش أصلاً حالة ترقب وخشية من أن يكون السيناريو المقبل خلق حالة فوضى وحروب دموية عراقية-عراقية واللافت أن اعتراف هذه الفئات بأهمية الوعي الشيعي الذي نجح حتى الآن في نزع فتيل الانفجار الداخلي أكثر من مرة يزيد درجة الحذر لدى بعض المراقبين من أن تضطر بعض الفئات الشيعية أو غيرها لإبعاد الحرب الشيعية-الشيعية عبر فتح جبهات من مذاهب أخرى كتفجير صراعات سنية-شيعية أو كردية-عربية.

أما الأميركيون الذين تجاهلوا في البداية ظاهرة مقتدى الصدر وهمشوه لحساب فئات أعلى شأناً وأكثر اعتدالاً فإنّهم اضطروا لإعادة كل حساباتهم بعد التصعيد المفاجىء الذي انتهجه تيار الصدر في "مدينة الصدر" وانتقاله إلى المواجهة المسلحة المحدودة مع قوات الاحتلال ولكن دون أن يدعو علناً إلى المقاومة الشاملة.

وفي معلومات "الوطن العربي" أن احتمال دخول الشيعة على خط المقاومة المسلحة للاحتلال كان يعتبر منذ أشهر السيناريو الأسود والأكثر خطراً الذي يمكن أن يتعرض له الأميركيون. وتضيف هذه المعلومات أن البنتاغون وضع عدة سيناريوهات لمواجهة هذا الاحتمال الأسوأ وهي كلها سيناريوهات تنتهي بحمامات دم ولا يخرج فيها منتصر سواء من العراقيين أو من الأميركيين وحتى في إيران.

وحسب هذه المعلومات فإن واشنطن أدركت منذ "انتفاضة الصدريين" الأخيرة أن الرسالة الإيرانية المصدر والعنوان ليس في مدينة الصدر ولا في النجف, بل في طهران المصممة على استخدام ورقة شيعة العراق للمقايضة دون أن تسألهم رأيهم أو رؤيتهم لمصلحتهم ومستقبلهم.. لكن الأميركيين يراهنون حتى الآن على أن تنتهي مغامرة الصدر الإيرانية بتأليب شيعة العراق عليه بدل تأليبهم على الأميركيين مما يوفر الفرصة المناسبة لتصفية هذا الخطر بحجة حماية الزعامة الشيعية العراقية والمرجعية والطائفة والعراقيين.. قبل حماية الأميركيين.