المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يتحول المنبر الحسيني إلى وسيلة دعائية للاستعمار؟؟



الدكتور عادل رضا
02-11-2005, 01:12 AM
هل يتحول المنبر الحسيني إلى وسيلة دعائية للاستعمار؟؟
الحلقة الاولى
ماجد كبة

قد يكون الخطاب الثوري الإسلامي ارصن أسلوب تعبوي في الأمة ،إذا كانت مضامينه الحركية تفعل عنصر العاطفة في إطارها التربوي الجماهيري ،وابلغ ما في الخطاب الثوري ذاته إن تترجم إلى واقع ميداني في الساحة الاجتماعية ،فيكون التأثير أكثر وقعا في النفوس واشد اندفاعا لبلوغ المآرب الرسالية ،وهذا ما جسده الإمام الحسين(ع) في واقعة كربلاء المقدسة حيث استثمر ملكة الخطابة الثورية المتزامنة مع الاستعداد الكامل للتضحية والاستشهاد،فحرك الضمائر الحية باتجاه استقطابها نحو الغاية المنشودة وكان نموذجها المتميز الحر الرياحي ،فيما حصر أصحاب الضمائر الميتة في دائرة إحساسهم بالذنب وعقدة البكاء واللطم باتجاه تثويرها ،والنتيجة إن الصراع هو حصيلة الممارسة الخطابية في كلتا حالتيه الصراع الايجابي والصراع السلبي .


الصراع السلبي بحجمه الأكثر اتساعا قد مثل الانعكاس الاستراتيجي لخطابات ما بعد الواقعة العاشورائية ،ونموذجه المميز أهل الكوفة ،فكل الذين لم يعيشوا الخطاب الحسيني بأرواحهم قد مارسوه بأجسادهم عبر الخطاب الزينبي ،لتستمر مسيرة الإعداد الثوري في المجتمع ومن ظهيرة عاشوراء 61 للهجرة والى اليوم كان المنبر الحسيني الصوت الهادر من ضمير التاريخ واللولب المحرك لعملية الاستنهاض الجماهيري وبه تعلل كل الثورات التحررية في العالم ،المنبر الحسيني ذلك الصرح العتيد الممتد شموخا وعنفوانا في نفوس عشاق المبادئ الحسينية ،الباسق القا وكبرياءا وعزا بدماء رجالاته الذين آلوا إلا أن يكونوا تجسيدا واقعيا لنظرياته ،وترجمة حرفية لاطروحاته ،فانطلقوا كرسائل عملية ومشاريع قائمة بذاتها لها أبعادها وحيزها وتنفيذها ،غير إن البعض _مع بالغ الأسف_ أصر على أن لا يفهم من المنبر الحسيني إلا كونه متكأ لاستدرار الدموع الباردة ومتجرا لاستدرار الأوراق الساخنة ،مستفرغا منه وظيفته المعهودة والتي تعبأ بها لعقود وقرون ،وهذه الإشكالية المنبرية _إذا صح التعبير_ تتجلى اليوم بأوضح صورها حيث يصطدم الوهج الإسلامي بجدر الاستعمار العالمي الجديد، فيرتد بحواجزه الشيطانية ،ومع خطورة المرحلة الراهنة وشراسة الأساليب المستخدمة في طمس معالم الهوية الإسلامية واستبدالها بالضياع والانحراف والتشتت والتخلف لانجد للخطباء الحسينيين أي شعور بالمسؤولية تجاه ما يحاك ضد معتقداتهم من مؤامرات ودسائس وخطط لا يقوى على كشف مكائدها أكثر من المنبر الحسيني ذو العاطفة الجياشة والوعي الفكري ،والانكى من ذلك عدم إيمان أكثرهم بمسألة المواجهة الفكرية والثقافية والاجتماعية والعسكرية وغيرها للغزو الفكري والثقافي والاجتماعي والعسكري وغيره ،مع إقرارهم بمشروعية الجهاد الحسيني وتنظيرهم للجهاد المهدوي وان كان هذا التنظير سلبي في أكثر الأحيان ،وختاما هل استطاع الاستعمار اليوم أن يحول مسار المنبر ورسالته الشريفة وقضيته العادلة إلى أداة إعلامية مسخرة لمصالحه ومصالح عملاءه ،وهل استطاع تجنيد المنبر ليكون وسيلة دعائية لنشر أفكاره المبطنة بالاستحواذ والسيطرة على مقدرات المجتمع ،يبدو ان بوادر هذه القدرة الاستعمارية قد لاحت في الأفق عبر تمريرها أخيرا لأحد مشاريعها الاجتما-استعمارية ،وتأتي هذه الممارسة الدعائية الخطيرة خطوة في هاجس تخوفاتنا المستقبلية على الإسلام.

فمن المنابر ما يكون مقومــا ومن المنابر ما يكون مقعدا
ومن المنابر ما تكون عقيمـة ومن المنابر ماتموت لتولدا
ومن المنابر ما يوارى ذكرها ومن المنابر كالدمـاء تخلدا
ومن المنابر ما يكون مؤخرا ومن المنابر ما يكون المبتدا
ومن المنابر ما تطيع محمـدا ومن المنابر ما تخون محمدا

الدكتور عادل رضا
02-12-2005, 02:15 AM
هل تحول المنبر الحسيني الى وسيلة دعائية للاستعمار
الحلقة الثانية
ماجد كبه

شكل المنبر الحسيني وهو الغني بتركيبته الثورية والعقائدية ولازال يشكل النفوذ العقلي والعاطفي في نفوس الطائفة الشيعية غير عابئ بقوة المؤسسات التنظيرية ،وأيديولوجية البرامج الحزبية ومدارس الفلسفة الفكرية وثورة المعلومات التقنية ،فهو يشد المتلقي بعد أن ينتشله من لجة الأحداث بتشعباتها المعقدة ،ويبدأ تحميل فطرته متغيرات الأفكار ومتنوعاتها ،فاذا كان لايميز بين الغث والسمين وقع تحت تأثير التنويم المنبري –اذا صح التعبير- متجاوزا المطبات الارتدادية التي وضعت كعلامات تنبيهية في وعيه الباطن وإدراكه الحسي ،والمنبر الحسيني الذي امتد مع الآم المضطهدين وحفظ الهوية الشيعية وهي الفصيلة المعرضة للانقراض الطاغوتي عبر التاريخ فأوصلها الى ما وصلت عليه الان.غير ان الاستعمار الموجود في كل مكان وزمان لا يكاد يدع وسيلة إعلامية مؤثرة تسير دون ان يضع العصا في عجلتها ،فالعجلة السريعة تكسر العصا وان غلظت،اما البطيئة فليس لها الا خياران التوقف او السير بالاتجاه المعاكس .



مرة كنت استمع لاحد الخطباء (الحسينيين) المسترسل في محاضرته (عقلنة المرجعية الشيعية في تهدئة الاوضاع الساخنة في العراق) أيام عاشوراء الامام الحسين(ع) واردا كل الاشكالات التي من شأنها ان تحبط من إرادة الجماهير التائقة الى التحرر من نير الاستعمار الجاثم على صدر الاسلام،مبينا كيفية خروج قيادة هذه المقاومة الشعبية المتمثلة بالسيد مقتدى الصدر عن نسق الصف المرجعي الشيعي ،وتعاليه عن اوامر المرجعية العليا المتمثلة بالسيد علي السيستاني ،متغافلا انه ســــ(يكرز) محاضرته بالمقاومة الحسينية ضد الانظمة الاستبدادية العميلة للاستعمار البيزنطي آنذاك،وعندما وصل الخطيب الى قوله "هل رأيتم عاقلا واحدا اخترق حواجزه الشائكة ،ومشى على حقل مفخخ بالتهلكة" – انظر الى الاسلوب العقلي-،ثم الم يكن التدرج في المقاومة كاستخدام الحلول السلمية اولا، فقاطعته وقلت ياشيخ:-نعم رأيت ذلك،ان العاقل الذي جمعتنا على مناسبته اليوم لتحدثنا عن مظلوميته ،وشرعية حركته ،ولزوم الاقتداء بمنهجه هو الذي اخترق حواجزه الشائكة ومشى على حقل مفخخ بالتهلكة التي انت تراها ، الم يكن الامام الحسين (ع) فردا قبال عدو لا عدد له فقاتلهم بسلاح غير تقليدي وهو سلاح الايمان ،ثم متى كان اهل الحق اكثر عدة وعددا من أهل الباطل ونصوص القرآن الكريم بينة الدلالة ((ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين))و((كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة)) وغيرها من الآيات الكريمة ،فقال الشيخ الخطيب: ان الامام الحسين(ع) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون،فقلت له :وهل كان حفيده زيد بن علي معصوما حيث فجر شرارة ثورته في الكوفة مع ثلة من أنصاره ،وهل كان اماما مفترض الطاعة؟او هل ان تحركه السياسي كان بأذن امام مفترض الطاعة ؟علما انه خرج لمقارعة المسلم الظالم، فما بالك بمقارعة الكافر الجائر وتحت عنوان فقهي عريض اسمه الجهاد الدفاعي ؟ولم يقل احد في حينها ان زيدا خرج اشرا او بطرا او ظالما او مفسدا –حاشاه- ولا انت تستطيع ان تقول ذلك ،لقد خرج زيد وهو يقول "ماكره قوم حر السيوف الا ذلوا"كما قال جده امير المؤمنين(ع):-"ما ترك قوم الجهاد الا ذلوا" متمثلا بقول الشاعر:-

وكنت اذا قوم غزوني غزوتهم فهل انا في ذا يا آل همدان ظالم



بل لم نسمع ان اماما من الائمة (ع)قد نهى زيدا من ان يخرج او حرم الانتماء الى خطه الشريف،بل اكثر من ذلك ان الائمة (ع) قد باركوا تلك الثورة وثمنوا دماء شهدائها ،ومع ان الثورة لم تنجح او قل لم تؤت ثمارها في حينها الا ان المهم في نظر زيد هو أداء التكليف الشرعي والقاء الحجة فهو الذي يقول"لم يسعن ان اسكت وقد خولف كتاب الله وتحوكم بالجبت والطاغوت" ثم ان حركة المقاومة الشيعية بقيادة السيد مقتدى الصدر لم تكتسب شرعيتها من عاشوراء الامام الحسين(ع) والثورات العلوية التي تلتها او من عناوين الفقه الجهادية او من العقل الي يحكم بقبح الاحتلال اصلا فحسب ،بل من اقرار المرجعية الشيعية نفسها فهي وان لم تأمر المجتمع بالانخراط في صفوفها ،لم تنه المتطوعين فيها وهذا تاييد مبطن استخدمته الرجعية لـــ(عقلنتها) ،اما تقسيم المقاومة الى مقاومة سلمية ومقاومة عسكرية فهذا خطأ متعمد في عملية التقسيم ،بل وتقسيم استعماري ومن مخترعات الاسلام الاموي والاسلام العباسي والاسلام العثماني والاسلام البعثي والاسلام الامريكي ،والا فما فائدة المقاومة السلمية اذا ابقت الطغاة على كراسي التسلط وابقت المحتل يعيث في العباد والبلاد فسادا ،وان هذا التقسيم هو ضربة قاصمة لاواصر المجتمع الواحد ،فبدل ان يتجه تفكير الجماهير الى أي الضربات العسكرية انجع في دحر المحتل ،تشتت فكره الى أي الوسائل المنطقية في الحوارات تجدي ،وهذه ظاهرة خطيرة يجب الالتفات الى مغزاها الاستعماري ودوافعها الشيطانية ،واليوم ونحن نعيش ايام عاشوراء محرم الحرام الكل مدعو للنظر في هذه الواقعة التاريخية واستلهام العبر والدروس التي تنضح بها تلك الواقعة وفي ذلك عبرة لمن يعتبر والى حلقة اخرى.