2005ليلى
06-02-2013, 05:40 AM
اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين
http://s.alriyadh.com/2013/06/02/img/399593318743.jpg
سعود المطيري
نزل المستشرق الانجليزي داوتي ودليلته عياد وهما في الطريق إلى حائل من تيما سنة 1876 م ضيفين عند بدوي في الصحراء من بني سالم – قبيلة حرب لم يذكر اسمه وطلب منهما هذا البدوي ان يتفضلا عليه بكمية الماء القليلة التي معهما إلى حين عودة ( الروّاية ) الذين ذهبوا لجلب الماء من أحد الموارد , وفَعَلا وهما يعلمان أنه سيستخدمه في إعداد القهوة والطعام الذي سيقدم لهم , ومكثوا لديه ليلة كاملة استطاع من خلالها تدوين المزيد من طقوس الضيافة. ولاحظ مثلا أن الذين يشاركون الضيف وليمة الضيافة لا احد يستطيع منهم القيام حتى ينهض الضيف أولا وتسمع منه عبارة الشكر ( أنعم الله عليكم ) أو كما كانت تقال مختلفة باختلاف المكان وهي من
العادات المتأصلة حتى يومنا هذا خصوصا عند بعض المجتمعات الريفية وحفظت كدلالة على التقدير والاحترام للضيف بعد ما كانت ضرورة يفرضها شح الطعام فيضطر الضيف إلى مراعاة الذين يشاركونه الأكل مثل مراعاته ترك ما يكفي الذين سيأتون في ( القلطة ) الثانية أو الثالثة فيقوم في الوقت الذي يعتقد انه مناسبا وهو يعلم أن الجميع سينهض في نفس اللحظة , لاحظ أيضا عادة انتزاع اللحم الجيد ورميه إلى جهة الضيوف وكبار السن وهي من العادات التي
يرفضها البعض باعتبارها من العادات المقززة وتحدث لديه ردة فعل مباشرة عند ما يعيدها إلى صاحبها بغضب خصوصا في وقتنا الحاضر ومع ظهور بعض الدراسات الطبية التي تؤكد علاقتها بنقل أمراض خطيرة مثل فيروس الكبد الوبائي نتيجة تلوث الأصابع بلعاب المريض. إلى هنا ننقل لكم ما ذكره داوتي نصا ضمن كتاب – التراث الشعبي في أدب الرحلات وقوله :
عند ما رأى مضيفنا الكريم ( المعزب ) أنني أكثر شربا من رفيقي , حضني بقوله : ( اغتبق ) أي خذ شراب المساء من اللبن ورفع الإناء إلى شفتي بورع : أشرب فهذا خير الله وهو خير موجود والحمد لله . لقد أتيتم من الجنوب ومررتم ببلاد محل . ورد عياد : نعم والله فهي ( محل ) وقد كنا ليلة أمس وحتى مساء هذا اليوم خلو ( خلاوية ) في الصحراء – أي وحيدين دون مأوى , إلى أن وجدناك .
واستلقينا لنأخذ قسطا من الراحة , وبعد ساعة أو اثنتين أحضر هذا المعزب الكريم وأخوه الراعي صحناً ضخماً مملوءاً بأرز فوقه كوم من لحم يتصاعد منه البخار . كان كرمهما في الصحراء أكبر مما يتحمله رجل واحد , ووضعا الصحن على قطعة من السدو كي لا يتساقط من الطعام شيء على الأرض تدوسه الأقدام فيما بعد , فأي إعرابي يفقد هدوءه ورزانته إذا رأى حتى نقطة حليب مسكوبة على الأرض .
http://s.alriyadh.com/2013/06/02/img/624878002470.jpg
ونادانا (المعزب) الكريم قائلا : قوموا .. افلحوا حياكم الله وأجبت ونحن نتحلق حول الصحن على ركبنا : ( الله يحييكم ) !! . ثم تركنا مضيفنا لنأكل , لكن عياد نحى جانبا ثلاث قطع من أطيب اللحم لمضيفنا وأسرته وقال : إنهم لم يتركوا شيئا لأنفسهم , فربات البيوت يتركن شيئا لأنفسهن وأطفالهن من الذبيحة . لكن مضيفنا عندما عاد صاح قائلا : ما هذا الذي فعلت !. لا داعي لذلك فنحن ولله الحمد لدينا الكفاية . كُلا !, فدعاه عياد : أجلس وكل معنا يا معزب , فلا يمكن أن نأكل بدونك , قال بعدين !
عند ما يأخذ البدوي كفايته من الأكل يضع يده على طرف الإناء دون أن يأكل . لكن ساكن الواحة أو المدينة ينهض ويتنحى جانبا ليغسل يديه, ويربك بذلك الذين يأكلون ببطء والذين لم يشبعوا بعد . وينزع البدوي إذا لم يتأثر بالمدينة أطيب اللحم ويضعه ليكون جاهزا مما يلي صديقه وقد فعل ذلك معي عياد الآن كدليل على صداقته.
يأكل البدو طعامهم سريعا, فأصابعهم خبيرة في نزع اللحم وهم يزدردون لقمهم القليلة من الأرز أو العيش في سرعة وخفة كالطير وهي سرعة وخفة تميز كل أعمالهم .. وبعد الأكل قلنا ما يقال في هذا المكان : أنعم الله عليك يا معزب . وحمل المعزب الصحن وسحب قطعة السدو, وأحضر لنا لبنا فشربنا وعدنا لنجلس عند موقد القهوة .
على الضيف أن يغادر صباح اليوم التالي .. لكنه إذا كان صديقا للضيف وكان الموسم موسم لبن فان المضيف يؤخره إلى ان تصب له زوجته شيئا منه . وقد فعل ذلك معنا مضيفنا الكريم عند ما نهضنا لنغادر فقال بلطف : زوجتي تخض السقا ( الصميل ) فاصبروا عليها حتى تستخلص الزبد وتصب لكم بعض اللبن.
http://s.alriyadh.com/2013/06/02/img/399593318743.jpg
سعود المطيري
نزل المستشرق الانجليزي داوتي ودليلته عياد وهما في الطريق إلى حائل من تيما سنة 1876 م ضيفين عند بدوي في الصحراء من بني سالم – قبيلة حرب لم يذكر اسمه وطلب منهما هذا البدوي ان يتفضلا عليه بكمية الماء القليلة التي معهما إلى حين عودة ( الروّاية ) الذين ذهبوا لجلب الماء من أحد الموارد , وفَعَلا وهما يعلمان أنه سيستخدمه في إعداد القهوة والطعام الذي سيقدم لهم , ومكثوا لديه ليلة كاملة استطاع من خلالها تدوين المزيد من طقوس الضيافة. ولاحظ مثلا أن الذين يشاركون الضيف وليمة الضيافة لا احد يستطيع منهم القيام حتى ينهض الضيف أولا وتسمع منه عبارة الشكر ( أنعم الله عليكم ) أو كما كانت تقال مختلفة باختلاف المكان وهي من
العادات المتأصلة حتى يومنا هذا خصوصا عند بعض المجتمعات الريفية وحفظت كدلالة على التقدير والاحترام للضيف بعد ما كانت ضرورة يفرضها شح الطعام فيضطر الضيف إلى مراعاة الذين يشاركونه الأكل مثل مراعاته ترك ما يكفي الذين سيأتون في ( القلطة ) الثانية أو الثالثة فيقوم في الوقت الذي يعتقد انه مناسبا وهو يعلم أن الجميع سينهض في نفس اللحظة , لاحظ أيضا عادة انتزاع اللحم الجيد ورميه إلى جهة الضيوف وكبار السن وهي من العادات التي
يرفضها البعض باعتبارها من العادات المقززة وتحدث لديه ردة فعل مباشرة عند ما يعيدها إلى صاحبها بغضب خصوصا في وقتنا الحاضر ومع ظهور بعض الدراسات الطبية التي تؤكد علاقتها بنقل أمراض خطيرة مثل فيروس الكبد الوبائي نتيجة تلوث الأصابع بلعاب المريض. إلى هنا ننقل لكم ما ذكره داوتي نصا ضمن كتاب – التراث الشعبي في أدب الرحلات وقوله :
عند ما رأى مضيفنا الكريم ( المعزب ) أنني أكثر شربا من رفيقي , حضني بقوله : ( اغتبق ) أي خذ شراب المساء من اللبن ورفع الإناء إلى شفتي بورع : أشرب فهذا خير الله وهو خير موجود والحمد لله . لقد أتيتم من الجنوب ومررتم ببلاد محل . ورد عياد : نعم والله فهي ( محل ) وقد كنا ليلة أمس وحتى مساء هذا اليوم خلو ( خلاوية ) في الصحراء – أي وحيدين دون مأوى , إلى أن وجدناك .
واستلقينا لنأخذ قسطا من الراحة , وبعد ساعة أو اثنتين أحضر هذا المعزب الكريم وأخوه الراعي صحناً ضخماً مملوءاً بأرز فوقه كوم من لحم يتصاعد منه البخار . كان كرمهما في الصحراء أكبر مما يتحمله رجل واحد , ووضعا الصحن على قطعة من السدو كي لا يتساقط من الطعام شيء على الأرض تدوسه الأقدام فيما بعد , فأي إعرابي يفقد هدوءه ورزانته إذا رأى حتى نقطة حليب مسكوبة على الأرض .
http://s.alriyadh.com/2013/06/02/img/624878002470.jpg
ونادانا (المعزب) الكريم قائلا : قوموا .. افلحوا حياكم الله وأجبت ونحن نتحلق حول الصحن على ركبنا : ( الله يحييكم ) !! . ثم تركنا مضيفنا لنأكل , لكن عياد نحى جانبا ثلاث قطع من أطيب اللحم لمضيفنا وأسرته وقال : إنهم لم يتركوا شيئا لأنفسهم , فربات البيوت يتركن شيئا لأنفسهن وأطفالهن من الذبيحة . لكن مضيفنا عندما عاد صاح قائلا : ما هذا الذي فعلت !. لا داعي لذلك فنحن ولله الحمد لدينا الكفاية . كُلا !, فدعاه عياد : أجلس وكل معنا يا معزب , فلا يمكن أن نأكل بدونك , قال بعدين !
عند ما يأخذ البدوي كفايته من الأكل يضع يده على طرف الإناء دون أن يأكل . لكن ساكن الواحة أو المدينة ينهض ويتنحى جانبا ليغسل يديه, ويربك بذلك الذين يأكلون ببطء والذين لم يشبعوا بعد . وينزع البدوي إذا لم يتأثر بالمدينة أطيب اللحم ويضعه ليكون جاهزا مما يلي صديقه وقد فعل ذلك معي عياد الآن كدليل على صداقته.
يأكل البدو طعامهم سريعا, فأصابعهم خبيرة في نزع اللحم وهم يزدردون لقمهم القليلة من الأرز أو العيش في سرعة وخفة كالطير وهي سرعة وخفة تميز كل أعمالهم .. وبعد الأكل قلنا ما يقال في هذا المكان : أنعم الله عليك يا معزب . وحمل المعزب الصحن وسحب قطعة السدو, وأحضر لنا لبنا فشربنا وعدنا لنجلس عند موقد القهوة .
على الضيف أن يغادر صباح اليوم التالي .. لكنه إذا كان صديقا للضيف وكان الموسم موسم لبن فان المضيف يؤخره إلى ان تصب له زوجته شيئا منه . وقد فعل ذلك معنا مضيفنا الكريم عند ما نهضنا لنغادر فقال بلطف : زوجتي تخض السقا ( الصميل ) فاصبروا عليها حتى تستخلص الزبد وتصب لكم بعض اللبن.