على
02-06-2005, 08:32 AM
لندن: نامق كامل
عام 1968 هو العام الذي قتل فيه مارتن لوثر كنج، زعيم الحقوق المدنية في اميركا. وقتل وزير العدل الاميركي بوبي كندي، شقيق جون كندي، وهو العام الذي قتل فيه خمسة عشر الف جندي اميركي في فيتنام، والعام الذي ارسلت فيه 4600 دبابة سوفياتية الى براغ اثناء ما عرف بربيع براغ، العام الذي انطلقت فيه حملة الثورة الثقافية في الصين، والعام الذي اندلعت فيه مظاهرات الطلبة مثل النار في الهشيم عبر العالم: وارسو، برلين، باريس، شيكاغو ومكسيكو، وأسوأ ما في ذلك العام هو انتخاب الرئيس نيكسون في اميركا وهو ايضا العام الذي حدثت فيه المجزرة البشرية لسكان قرية ماي لي المدنيين في فيتنام اثناء الحرب الاميركية في فيتنام.
يقول مؤلف الكتاب مارك كورلانسكي، وكان احد المناهضين النشطين للحرب الاميركية في فيتنام وممن وقفوا الى جانب التمرد الطلابي: «لم يكن هناك عام يشبه عام 1968، ولا يبدو ان عاما مثله سيتكرر مرة اخرى». ويضيف ان «اية محاولة للتقليل من موضوعية احداث عام 1968 ستكون أمرا غير عادل».
الكاتب يميز اربعة عوامل شكلت اهمية عام 1968:
الاول: مجيء جيل احس بأنه مختلف ويرفض اي شكل من اشكال السلطة، والثاني: كراهية حرب فيتنام، والثالث: حركة الحقوق المدنية في اميركا، التي عكست للعالم صورة للاحتجاج، واخيرا قوة التلفزيون الذي يمكن ان ينقل حرب العصابات والنزاعات المحلية الى البيوت لحظة حدوثها، مغيرا الى الابد ادراك المشاهد لما يحدث وخالقا معنى للتضامن خلال الحركات حول العالم.
في اميركا يسجل عام 1968 نقطة تحول في رأي الجمهور لحرب فيتنام. انه العام الذي سجلت فيه اميركا اعلى رقم في الضحايا، حيث بلغ 14589 قتيلا، وفي خارج اميركا احدثت الحرب ادراكا بهيمنة اميركا العالمية، وفي نفس الوقت زرعت بذور الحركة المناهضة للعولمة، اضافة الى ذلك فإن تغطية وسائل الاعلام لحركة الحقوق المدنية اصبحت نموذجا لحركات الاحتجاج في جميع انحاء العالم. ان هذا المبدأ العصري سرعان ما اوضح الغموض الذي يكتنف الاحتجاج اللاعنفي.
كان المحافظون مقتنعين بأن هناك تعاون عمل مشترك عالميا، لكن الحقيقة ان قادة الطلبة في الاقطار المختلفة لم يكن لهم اتصال فيما بينهم إلا قليلا. «لقد التقينا على شاشة التلفزيون»، عبر عن ذلك احدهم. لقد منحهم التلفزيون الافكار. ففي مارس (آذار) من ذلك العام بدأ الطلبة في بولندا بالاعتصام مثلما يفعل المتظاهرون الاميركيون من اجل الحقوق المدنية.
حاول بعض الطلبة المتطرفين الاتصال بالعمال، لكن هذا لم يحدث، وفي الحقيقة ان الشرطة الذين وضعوا لمهاجمة الطلبة وانهاء اعمال العنف كانت اعمارهم في الغالب مثل اعمار الطلبة، لكن من خلفيات اجتماعية مختلفة. يعلق الكاتب على اعمال العنف الذي حدث في شيكاغو بالقول: كان افراد الشرطة والعمال يبغضون هؤلاء الشباب المميزين من الطلبة ممن لا يساندون الحرب التي يخوضها ابناء هؤلاء العمال. وفي براغ لم يتلق المتظاهرون تعاطفا من قبل اولاد الفلاحين الروس القابعين في اطقم الدبابات. كان البلد الوحيد الذي انضم فيه العمال الى الاحتجاج هو فرنسا، حيث الاضرابات سادت عموم البلاد وعطلت الحياة فيها. إلا ان كلا من العمال والطلبة كانت لديهم مواقف واجندات مختلفة عن الآخر.
من الطبيعي أن تكون هناك آراء وانطباعات مختلفة حول ذلك العام، فالمجتمع الفرنسي بشكل عام أدان تلك الاحداث على اعتبار انها تمثل لعبة طفولية لاطفال مدللين ينتمون لعوائل ميسورة. وفي شرق اوروبا فقدت الاجيال الشابة وشائج الامل في إصلاح النظام الشمولي السائد. واما في الغرب فإن عام 1968 مثل نزاعا متطرفا للمجتمع البرجوازي.
يقول المؤلف كورلانسكي ان ابرز ما حدث عام 1968 من تمرد هو بالتأكيد ما حدث في تشيكوسلوفاكيا السابقة، وما عرف آنذاك بربيع براغ. ويلتقط المؤلف بشكل خاص الغموض والالتباس المزدوج للرجل «الغريب الاطوار» الكساندر دوبتشيك، سكرتير الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. فقد كان يبدو عليه بأنه آخر شخص يمكن ان يعول عليه في قيادة تمرد ضد السوفيات. كان دوبتشيك شيوعيا غير تقليدي وأقصى ما كان يرغب فيه هو الصداقة الحميمة مع الاتحاد السوفياتي. كان دوبجيك يعرف بأن السوفيات كانوا جادين في مسألة الديمقراطية. ويقول المؤلف: «ما زلت أتذكر تعابير وجهه حينما اكتشف بأنهم لم يكونوا كذلك».
ولعل المغزى الحقيقي لعام 1968 هو انه شهد بداية ردة الفعل ضد إجماع الرأي الذي حدث بعد الحرب، انها لحظة في مفتاح المسيرة الطويلة لليمين الى السلطة والموقع المؤثر. وعلى العموم كانت سنوات الستينات سنوات عقد المرشح الاميركي اليميني المتطرف باري غولد ودنز ونيكسون. كان الطلبة في أفضل حالات اصطفافهم، لكن نيكسون وريغان هما من ضحكا اخيرا.
ينهي المؤلف كتابه بمجموعة صور للارض مأخوذة من الفضاء الخارجي بواسطة سفينة الفضاء ابولو 8، وربما تضع هذه الصور الاضطراب البشري لذلك العام في سياقه المناسب. اذن ثمة شيء حدث في ذلك العام، ثمة شيء غير اعتيادي.
المؤلف: مارك كورلانسكي الناشر: كيب ـ لندن
عام 1968 هو العام الذي قتل فيه مارتن لوثر كنج، زعيم الحقوق المدنية في اميركا. وقتل وزير العدل الاميركي بوبي كندي، شقيق جون كندي، وهو العام الذي قتل فيه خمسة عشر الف جندي اميركي في فيتنام، والعام الذي ارسلت فيه 4600 دبابة سوفياتية الى براغ اثناء ما عرف بربيع براغ، العام الذي انطلقت فيه حملة الثورة الثقافية في الصين، والعام الذي اندلعت فيه مظاهرات الطلبة مثل النار في الهشيم عبر العالم: وارسو، برلين، باريس، شيكاغو ومكسيكو، وأسوأ ما في ذلك العام هو انتخاب الرئيس نيكسون في اميركا وهو ايضا العام الذي حدثت فيه المجزرة البشرية لسكان قرية ماي لي المدنيين في فيتنام اثناء الحرب الاميركية في فيتنام.
يقول مؤلف الكتاب مارك كورلانسكي، وكان احد المناهضين النشطين للحرب الاميركية في فيتنام وممن وقفوا الى جانب التمرد الطلابي: «لم يكن هناك عام يشبه عام 1968، ولا يبدو ان عاما مثله سيتكرر مرة اخرى». ويضيف ان «اية محاولة للتقليل من موضوعية احداث عام 1968 ستكون أمرا غير عادل».
الكاتب يميز اربعة عوامل شكلت اهمية عام 1968:
الاول: مجيء جيل احس بأنه مختلف ويرفض اي شكل من اشكال السلطة، والثاني: كراهية حرب فيتنام، والثالث: حركة الحقوق المدنية في اميركا، التي عكست للعالم صورة للاحتجاج، واخيرا قوة التلفزيون الذي يمكن ان ينقل حرب العصابات والنزاعات المحلية الى البيوت لحظة حدوثها، مغيرا الى الابد ادراك المشاهد لما يحدث وخالقا معنى للتضامن خلال الحركات حول العالم.
في اميركا يسجل عام 1968 نقطة تحول في رأي الجمهور لحرب فيتنام. انه العام الذي سجلت فيه اميركا اعلى رقم في الضحايا، حيث بلغ 14589 قتيلا، وفي خارج اميركا احدثت الحرب ادراكا بهيمنة اميركا العالمية، وفي نفس الوقت زرعت بذور الحركة المناهضة للعولمة، اضافة الى ذلك فإن تغطية وسائل الاعلام لحركة الحقوق المدنية اصبحت نموذجا لحركات الاحتجاج في جميع انحاء العالم. ان هذا المبدأ العصري سرعان ما اوضح الغموض الذي يكتنف الاحتجاج اللاعنفي.
كان المحافظون مقتنعين بأن هناك تعاون عمل مشترك عالميا، لكن الحقيقة ان قادة الطلبة في الاقطار المختلفة لم يكن لهم اتصال فيما بينهم إلا قليلا. «لقد التقينا على شاشة التلفزيون»، عبر عن ذلك احدهم. لقد منحهم التلفزيون الافكار. ففي مارس (آذار) من ذلك العام بدأ الطلبة في بولندا بالاعتصام مثلما يفعل المتظاهرون الاميركيون من اجل الحقوق المدنية.
حاول بعض الطلبة المتطرفين الاتصال بالعمال، لكن هذا لم يحدث، وفي الحقيقة ان الشرطة الذين وضعوا لمهاجمة الطلبة وانهاء اعمال العنف كانت اعمارهم في الغالب مثل اعمار الطلبة، لكن من خلفيات اجتماعية مختلفة. يعلق الكاتب على اعمال العنف الذي حدث في شيكاغو بالقول: كان افراد الشرطة والعمال يبغضون هؤلاء الشباب المميزين من الطلبة ممن لا يساندون الحرب التي يخوضها ابناء هؤلاء العمال. وفي براغ لم يتلق المتظاهرون تعاطفا من قبل اولاد الفلاحين الروس القابعين في اطقم الدبابات. كان البلد الوحيد الذي انضم فيه العمال الى الاحتجاج هو فرنسا، حيث الاضرابات سادت عموم البلاد وعطلت الحياة فيها. إلا ان كلا من العمال والطلبة كانت لديهم مواقف واجندات مختلفة عن الآخر.
من الطبيعي أن تكون هناك آراء وانطباعات مختلفة حول ذلك العام، فالمجتمع الفرنسي بشكل عام أدان تلك الاحداث على اعتبار انها تمثل لعبة طفولية لاطفال مدللين ينتمون لعوائل ميسورة. وفي شرق اوروبا فقدت الاجيال الشابة وشائج الامل في إصلاح النظام الشمولي السائد. واما في الغرب فإن عام 1968 مثل نزاعا متطرفا للمجتمع البرجوازي.
يقول المؤلف كورلانسكي ان ابرز ما حدث عام 1968 من تمرد هو بالتأكيد ما حدث في تشيكوسلوفاكيا السابقة، وما عرف آنذاك بربيع براغ. ويلتقط المؤلف بشكل خاص الغموض والالتباس المزدوج للرجل «الغريب الاطوار» الكساندر دوبتشيك، سكرتير الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. فقد كان يبدو عليه بأنه آخر شخص يمكن ان يعول عليه في قيادة تمرد ضد السوفيات. كان دوبتشيك شيوعيا غير تقليدي وأقصى ما كان يرغب فيه هو الصداقة الحميمة مع الاتحاد السوفياتي. كان دوبجيك يعرف بأن السوفيات كانوا جادين في مسألة الديمقراطية. ويقول المؤلف: «ما زلت أتذكر تعابير وجهه حينما اكتشف بأنهم لم يكونوا كذلك».
ولعل المغزى الحقيقي لعام 1968 هو انه شهد بداية ردة الفعل ضد إجماع الرأي الذي حدث بعد الحرب، انها لحظة في مفتاح المسيرة الطويلة لليمين الى السلطة والموقع المؤثر. وعلى العموم كانت سنوات الستينات سنوات عقد المرشح الاميركي اليميني المتطرف باري غولد ودنز ونيكسون. كان الطلبة في أفضل حالات اصطفافهم، لكن نيكسون وريغان هما من ضحكا اخيرا.
ينهي المؤلف كتابه بمجموعة صور للارض مأخوذة من الفضاء الخارجي بواسطة سفينة الفضاء ابولو 8، وربما تضع هذه الصور الاضطراب البشري لذلك العام في سياقه المناسب. اذن ثمة شيء حدث في ذلك العام، ثمة شيء غير اعتيادي.
المؤلف: مارك كورلانسكي الناشر: كيب ـ لندن