بهلول
05-05-2013, 10:41 AM
الدكتور فؤاد ابراهيم (http://www.rasid.com/?act=writers&id=97) - صحيفة الأخبار اللبنانية
http://www.tawasolonline.net/CMS/NewsImages/fouadibrahim65d2a3b9-b.jpg
حين روى مقاتل سعودي بطولاته على موقع «تويتر» في الشهور الأولى من القتال في سوريا، مشفوعة برسالة تحريضية على الهجرة إلى أرض الجهاد الجديدة، نبّه إلى تجربتيْ أفغانستان والعراق، حين كان السعوديون من التيار السلفي على وجه الخصوص ينفرون خفافاً وثقالاً للانخراط في معارك ضد الخصوم «القوات السوفياتية في أفغانستان والأميركية في العراق قبل أن تتحول إلى قتال ضد شيعته».
في أفغانستان، تمخّضت التجربة الجهادية عن ولادة تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وتمثيل سعودي وازن في طبقتي القيادة والقاعدة التنظيمية، ظهر ذلك واضحاً في نسبة المتورطين السعوديين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، كما كشفت التجربة القتالية في العراق عن حجم لافت من السعوديين، وخصوصاً الانتحاريين، حيث ذكرت سجلات سنجار غرب العراق أنّ أغلبية الانتحاريين الذين دخلوا العراق بين أغسطس «آب» عام 2006 وأغسطس 2007 هم سعوديون. نشير هنا إلى الملف الساخن العالق بين الرياض وبغداد بخصوص السجناء لدى البلدين، حيث تحتفظ السلطات العراقية بعدد كبير من السجناء السعوديين المعتقلين على خلفية المشاركة في القتال ضد الدولة العراقية.
المشهد الجهادي في سوريا بدا مختلفاً تماماً بالنسبة إلى السعوديين، وكأنما ثمة «ردّة» مفاجئة ليس عن الجهاد فحسب بل عن كل محرّكاته البشرية والإيديولوجية والمادية. وبالرغم من وجود سابق لتنظيم جهادي مثل «كتائب عبدالله عزّام» في بلاد الشام، الذي يقوده السعودي صالح بن عبدالله القرعاوي، لم يلبث هذا التنظيم أن تلاشى في بحر المقاتلين الأجانب القادمين من خلف الحدود، وعبر منافذ تركية وعراقية ولبنانية وأخيراً أردنية.
السؤال: ما سر ضآلة تمثيل السعوديين وسط المقاتلين العرب والأجانب في سوريا؟
على المستوى السياسي الرسمي، تبدو رغبة الحكومة السعودية هذه المرة مقوننة، وموجّهة بما يحبط أي تداعيات محتملة لانخراط مواطنين سعوديين في تجارب «جهادية» جديدة.
لا شك سوف تكون السلطات السعودية مسرورة لهجرة العناصر القاعدية من كل الجنسيات الى سوريا، بمن فيهم السعوديون، وسوف تمدّهم بالمال والسلاح كيما تبقيهم في ساحة القتال أمداً طويلاً. وقد كشفت وثيقة مهرّبة العام الفائت عن اتفاق بين وزارة الداخلية السعودية ومعتقلين من عناصر القاعدة محكوم عليهم بعقوبة الاعدام على القتال في سوريا، في سياق تسوية بين الطرفين.
المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي كان قد هدّد في 25 مارس «آذار» الماضي باعتقال كل من يعود من القتال في سوريا. قرأ البعض تهديداً كهذا على أنه رسالة للمقاتلين بعدم العودة، لأن الحكومة السعودية لا تريد ظاهرة «الأفغان العرب» أن تتكرر مجدداً، ولذلك فإنها تسعى من أجل أن يصبح مواطنوها بمثابة مقاتلين دوليين، متأهبين للانخراط في معارك متنقلة متى شاءت القوى الراعية لها، على ألا يعودوا إلى الديار.
لم تشأ الحكومة السعودية تكرار تجربتي أفغانستان والعراق في سوريا، ولكن وفق مبدأ النأي بالنفس على الطريقة اللبنانية. فمن جهة، أطلقت الحكومة السعودية حملات التبرع للشعب السوري تحت رعاية الملك عبدالله، وما زالت الحملات متواصلة، ومن جهة أخرى، ثمة استنفار إعلامي متواصل لتغطية الحدث السوري.
فالدعم السعودي المطلوب شعبياً هو تبرعات مالية وصخب إعلامي شعبي يضمن القدر المتيقن من مشاغلة الرأي العام المحلي عن أي استحقاقات داخلية، على ألا يصل ذلك الى مستوى تجنيد العناصر السعودية في القتال. لا يعني ذلك البتة أن سوريا لم تستقبل سعوديين خلال سنتي الأزمة، ولكن الحديث عن «قوافل المجاهدين» كما كان المواطنون يلحظون مسيرتها في ثمانينيات القرن الماضي باتجاه أفغانستان، ولحظوا مسيرتها في العراق أيضاً بعد سقوط النظام في إبريل «نيسان» 2003، وتحدّثت عنها الصحف المحلية، وأفصحت عنها معارك نهر البارد في طرابلس في عام 2007، حيث كان العنصر السعودي نوعياً وكبيراً من الناحية العددية.
القتال في سوريا كان هذه المرة من نصيب مقاتلي المغرب وشمال أفريقيا، وخصوصاً تونس والجزائر وليبيا، إلى جانب الشيشان. أما العناصر السعودية، فجنحوا للسلم، وعزفوا عن القتال، ولا صلة لذلك بالضرورة بتقويم الوضع السوري، مع النظام أم مع المعارضة، بل هم أقرب إلى الأخيرة، ولكن ثمّة تطوّرات فرضت نفسها وأحدثت تغييرات دراماتيكية في الرؤية والسلوك لدى طيف واسع من السعوديين، وفي البيئة السلفية على وجه الحصر. من باب العلم بالتعبئة السلفية السعودية إزاء النظام السوري، فإن الأخير من بين الأنظمة العربية كافة، كان حاضراً بكثافة في الأدبيات المذهبية السعودية لأكثر من ثلاثة عقود، بما يجعل إمكانية تجنيد عناصر سلفية سعودية للقتال في سوريا أمراً في غاية السهولة.
وأيضاً، فإن علماء المؤسسة الدينية الرسمية عارضوا الثورات العربية واعتبروها من باب الفتن، والغوغائية والفساد. ولكن في سوريا، وعلى العكس تماماً، فقد أفتى رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح اللحيدان في إبريل «نيسان» 2011 بجواز قتل ثلث الشعب السوري كيما ينعم الثلثان، إضافة إلى فتاوى عديدة في السياق نفسه.
فلماذا لم ينعكس هذا التحشيد السياسي والديني على العنصر السعودي وسط المقاتلين العرب والأجانب في سوريا؟
لا ريب أن مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك وتويتر» وهبت مواطني المملكة السعودية قناة حوارية نموذجية، افتقدوها طيلة تاريخ الدولة السعودية، وتحوّلت إلى ما يشبه مختبراً للأفكار والمواقف، وكذلك إلى سوق تعرض فيه بضائع من كل الأصناف، والأهم أنّ هذه المواقع تحوّلت إلى وعاء كبير يسكب فيه مواطنون همومهم وآمالهم وآلامهم.
ونتوقف هنا عند الآلام، لأن ما يلحظه المراقب بخصوص الموضوع السوري يبدو مستغرباً. أثار ناشطون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ انطلاقة أول حملة تبرعات أعلنها الملك عبدالله في آذار «مارس» 2011، سؤالاً كبيراً يلخّص طائفة أسئلة تتصل بمواقف جوهرية من المؤسستين السياسية والدينية في المملكة السعودية. السؤال يتعلق بمصير أموال التبرعات، ومقصدها، ومآلها.
بخلاف حملات تبرع سابقة، فإن بعضاً تردد وبعضاً آخر امتنع وبعضاً ثالثاً انتقد، فاضطرت العائلة المالكة إلى أن تفتح أمد الحملة زمنياً، فيما تدخّل الملك والأمراء لمزيد من التبرعات من أموالهم الخاصة تفادياً لفشل الحملة.
الحملات الأهلية، بإشراف المشايخ، هي الأخرى واجهت المصير نفسه، وهناك من أطلق سحباً من الشكوك حول نيات المشايخ إزاء اهتمامهم بالتبرعات، ووضعت النيات على محك الصدقية، ولذلك صلة بموضوع آخر. مثّل مشايخ السلفية السعودية من الاتجاهات السياسية كافة العنصر التحريضي الحاسم في التجربتين الأفغانية والعراقية.
ببساطة، لأن ثقة القاعدة الشعبية بالمشايخ مفرطة وغير خاضعة للنقاش بحال، بخلاف التجربة السورية، حيث بدت الثقة شبه مفقودة. ويبرز هنا أيضاً دور مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «تويتر»، إذ أطلق ناشطون حملة تطالب المشايخ بإرسال أبنائهم للقتال في سوريا قبل دعوة الآخرين. يستدعي هؤلاء الناشطون قصة «مزحة» معاذ، ابن الداعية الصحوي الشيخ سلمان العودة، الذي بعث برسالة من هاتف خلوي في 21 نوفمبر «تشرين الثاني» 2004 يبلغ والده بأنه عازم على الهجرة للجهاد في العراق، الأمر الذي دفع الشيخ العودة إلى الاتصال العاجل بالسلطات السعودية للبحث عنه وإرجاعه.
نفى العودة حينذاك أن يكون قد حرّض أحداً على الهجرة والجهاد في العراق. على أي حال، فإن غياب أبناء المشايخ عن ساحات الجهاد أثار سؤالاً مشروعاً حول المعني والمعفى من الجهاد.
من جهة ثانية، وفّرت مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لعرض الأخبار الخاصة عن الحياة الفارهة للمشايخ، ثرواتهم، قصورهم، ما جعل قيمة التضحية بالمال والنفس موضع شك لدى من يبشرون بها ولا يعملون.
في نهاية المطاف، أطلقت التجربة السورية موجة أسئلة وكشفت عن جيل لم يعد يخضع بسهولة تحت تأثير التحريض بلغة دينية، ولسان حال كثيرين: من يدع للجهاد فليقدّم نفسه وأبناءه قبل أبناء غيره.
صحيفة الأخبار اللبنانية
http://www.tawasolonline.net/CMS/NewsImages/fouadibrahim65d2a3b9-b.jpg
حين روى مقاتل سعودي بطولاته على موقع «تويتر» في الشهور الأولى من القتال في سوريا، مشفوعة برسالة تحريضية على الهجرة إلى أرض الجهاد الجديدة، نبّه إلى تجربتيْ أفغانستان والعراق، حين كان السعوديون من التيار السلفي على وجه الخصوص ينفرون خفافاً وثقالاً للانخراط في معارك ضد الخصوم «القوات السوفياتية في أفغانستان والأميركية في العراق قبل أن تتحول إلى قتال ضد شيعته».
في أفغانستان، تمخّضت التجربة الجهادية عن ولادة تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وتمثيل سعودي وازن في طبقتي القيادة والقاعدة التنظيمية، ظهر ذلك واضحاً في نسبة المتورطين السعوديين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، كما كشفت التجربة القتالية في العراق عن حجم لافت من السعوديين، وخصوصاً الانتحاريين، حيث ذكرت سجلات سنجار غرب العراق أنّ أغلبية الانتحاريين الذين دخلوا العراق بين أغسطس «آب» عام 2006 وأغسطس 2007 هم سعوديون. نشير هنا إلى الملف الساخن العالق بين الرياض وبغداد بخصوص السجناء لدى البلدين، حيث تحتفظ السلطات العراقية بعدد كبير من السجناء السعوديين المعتقلين على خلفية المشاركة في القتال ضد الدولة العراقية.
المشهد الجهادي في سوريا بدا مختلفاً تماماً بالنسبة إلى السعوديين، وكأنما ثمة «ردّة» مفاجئة ليس عن الجهاد فحسب بل عن كل محرّكاته البشرية والإيديولوجية والمادية. وبالرغم من وجود سابق لتنظيم جهادي مثل «كتائب عبدالله عزّام» في بلاد الشام، الذي يقوده السعودي صالح بن عبدالله القرعاوي، لم يلبث هذا التنظيم أن تلاشى في بحر المقاتلين الأجانب القادمين من خلف الحدود، وعبر منافذ تركية وعراقية ولبنانية وأخيراً أردنية.
السؤال: ما سر ضآلة تمثيل السعوديين وسط المقاتلين العرب والأجانب في سوريا؟
على المستوى السياسي الرسمي، تبدو رغبة الحكومة السعودية هذه المرة مقوننة، وموجّهة بما يحبط أي تداعيات محتملة لانخراط مواطنين سعوديين في تجارب «جهادية» جديدة.
لا شك سوف تكون السلطات السعودية مسرورة لهجرة العناصر القاعدية من كل الجنسيات الى سوريا، بمن فيهم السعوديون، وسوف تمدّهم بالمال والسلاح كيما تبقيهم في ساحة القتال أمداً طويلاً. وقد كشفت وثيقة مهرّبة العام الفائت عن اتفاق بين وزارة الداخلية السعودية ومعتقلين من عناصر القاعدة محكوم عليهم بعقوبة الاعدام على القتال في سوريا، في سياق تسوية بين الطرفين.
المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي كان قد هدّد في 25 مارس «آذار» الماضي باعتقال كل من يعود من القتال في سوريا. قرأ البعض تهديداً كهذا على أنه رسالة للمقاتلين بعدم العودة، لأن الحكومة السعودية لا تريد ظاهرة «الأفغان العرب» أن تتكرر مجدداً، ولذلك فإنها تسعى من أجل أن يصبح مواطنوها بمثابة مقاتلين دوليين، متأهبين للانخراط في معارك متنقلة متى شاءت القوى الراعية لها، على ألا يعودوا إلى الديار.
لم تشأ الحكومة السعودية تكرار تجربتي أفغانستان والعراق في سوريا، ولكن وفق مبدأ النأي بالنفس على الطريقة اللبنانية. فمن جهة، أطلقت الحكومة السعودية حملات التبرع للشعب السوري تحت رعاية الملك عبدالله، وما زالت الحملات متواصلة، ومن جهة أخرى، ثمة استنفار إعلامي متواصل لتغطية الحدث السوري.
فالدعم السعودي المطلوب شعبياً هو تبرعات مالية وصخب إعلامي شعبي يضمن القدر المتيقن من مشاغلة الرأي العام المحلي عن أي استحقاقات داخلية، على ألا يصل ذلك الى مستوى تجنيد العناصر السعودية في القتال. لا يعني ذلك البتة أن سوريا لم تستقبل سعوديين خلال سنتي الأزمة، ولكن الحديث عن «قوافل المجاهدين» كما كان المواطنون يلحظون مسيرتها في ثمانينيات القرن الماضي باتجاه أفغانستان، ولحظوا مسيرتها في العراق أيضاً بعد سقوط النظام في إبريل «نيسان» 2003، وتحدّثت عنها الصحف المحلية، وأفصحت عنها معارك نهر البارد في طرابلس في عام 2007، حيث كان العنصر السعودي نوعياً وكبيراً من الناحية العددية.
القتال في سوريا كان هذه المرة من نصيب مقاتلي المغرب وشمال أفريقيا، وخصوصاً تونس والجزائر وليبيا، إلى جانب الشيشان. أما العناصر السعودية، فجنحوا للسلم، وعزفوا عن القتال، ولا صلة لذلك بالضرورة بتقويم الوضع السوري، مع النظام أم مع المعارضة، بل هم أقرب إلى الأخيرة، ولكن ثمّة تطوّرات فرضت نفسها وأحدثت تغييرات دراماتيكية في الرؤية والسلوك لدى طيف واسع من السعوديين، وفي البيئة السلفية على وجه الحصر. من باب العلم بالتعبئة السلفية السعودية إزاء النظام السوري، فإن الأخير من بين الأنظمة العربية كافة، كان حاضراً بكثافة في الأدبيات المذهبية السعودية لأكثر من ثلاثة عقود، بما يجعل إمكانية تجنيد عناصر سلفية سعودية للقتال في سوريا أمراً في غاية السهولة.
وأيضاً، فإن علماء المؤسسة الدينية الرسمية عارضوا الثورات العربية واعتبروها من باب الفتن، والغوغائية والفساد. ولكن في سوريا، وعلى العكس تماماً، فقد أفتى رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح اللحيدان في إبريل «نيسان» 2011 بجواز قتل ثلث الشعب السوري كيما ينعم الثلثان، إضافة إلى فتاوى عديدة في السياق نفسه.
فلماذا لم ينعكس هذا التحشيد السياسي والديني على العنصر السعودي وسط المقاتلين العرب والأجانب في سوريا؟
لا ريب أن مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك وتويتر» وهبت مواطني المملكة السعودية قناة حوارية نموذجية، افتقدوها طيلة تاريخ الدولة السعودية، وتحوّلت إلى ما يشبه مختبراً للأفكار والمواقف، وكذلك إلى سوق تعرض فيه بضائع من كل الأصناف، والأهم أنّ هذه المواقع تحوّلت إلى وعاء كبير يسكب فيه مواطنون همومهم وآمالهم وآلامهم.
ونتوقف هنا عند الآلام، لأن ما يلحظه المراقب بخصوص الموضوع السوري يبدو مستغرباً. أثار ناشطون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ انطلاقة أول حملة تبرعات أعلنها الملك عبدالله في آذار «مارس» 2011، سؤالاً كبيراً يلخّص طائفة أسئلة تتصل بمواقف جوهرية من المؤسستين السياسية والدينية في المملكة السعودية. السؤال يتعلق بمصير أموال التبرعات، ومقصدها، ومآلها.
بخلاف حملات تبرع سابقة، فإن بعضاً تردد وبعضاً آخر امتنع وبعضاً ثالثاً انتقد، فاضطرت العائلة المالكة إلى أن تفتح أمد الحملة زمنياً، فيما تدخّل الملك والأمراء لمزيد من التبرعات من أموالهم الخاصة تفادياً لفشل الحملة.
الحملات الأهلية، بإشراف المشايخ، هي الأخرى واجهت المصير نفسه، وهناك من أطلق سحباً من الشكوك حول نيات المشايخ إزاء اهتمامهم بالتبرعات، ووضعت النيات على محك الصدقية، ولذلك صلة بموضوع آخر. مثّل مشايخ السلفية السعودية من الاتجاهات السياسية كافة العنصر التحريضي الحاسم في التجربتين الأفغانية والعراقية.
ببساطة، لأن ثقة القاعدة الشعبية بالمشايخ مفرطة وغير خاضعة للنقاش بحال، بخلاف التجربة السورية، حيث بدت الثقة شبه مفقودة. ويبرز هنا أيضاً دور مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «تويتر»، إذ أطلق ناشطون حملة تطالب المشايخ بإرسال أبنائهم للقتال في سوريا قبل دعوة الآخرين. يستدعي هؤلاء الناشطون قصة «مزحة» معاذ، ابن الداعية الصحوي الشيخ سلمان العودة، الذي بعث برسالة من هاتف خلوي في 21 نوفمبر «تشرين الثاني» 2004 يبلغ والده بأنه عازم على الهجرة للجهاد في العراق، الأمر الذي دفع الشيخ العودة إلى الاتصال العاجل بالسلطات السعودية للبحث عنه وإرجاعه.
نفى العودة حينذاك أن يكون قد حرّض أحداً على الهجرة والجهاد في العراق. على أي حال، فإن غياب أبناء المشايخ عن ساحات الجهاد أثار سؤالاً مشروعاً حول المعني والمعفى من الجهاد.
من جهة ثانية، وفّرت مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لعرض الأخبار الخاصة عن الحياة الفارهة للمشايخ، ثرواتهم، قصورهم، ما جعل قيمة التضحية بالمال والنفس موضع شك لدى من يبشرون بها ولا يعملون.
في نهاية المطاف، أطلقت التجربة السورية موجة أسئلة وكشفت عن جيل لم يعد يخضع بسهولة تحت تأثير التحريض بلغة دينية، ولسان حال كثيرين: من يدع للجهاد فليقدّم نفسه وأبناءه قبل أبناء غيره.
صحيفة الأخبار اللبنانية