لمياء
05-02-2013, 10:48 AM
1/5/2013
http://www.al-akhbar.com/sites/default/files/imagecache/250img/p17_20130408_pic1.jpg
لا يتعب من إدهاشنا. مساء الجمعة الماضي، كنّا على موعد مع حلقة مضحكة مبكية. أخرج الإعلامي الساخر عصاه، وانهال بنقده على الإخوان، مظهراً كيف باتت «أم الدنيا» تابعةً للإمارة الصغيرة والـ«قطري اللي بيصرف ويتفشخر»
أحمد محسن - الاخبار اللبنانية
كعادتهم، كان الجميع يبحثون عن الفرح، لكن ما رأيناه هو الألم. كان ألماً صلفاً يوظفه المايسترو المصري في خدمة الفرح الذي ما زال متاحاً.
عادةً، تحدث الأمور بالمقلوب، فيقود الضحك إلى الحقيقة المؤلمة، لا العكس. هذه وظيفة الكوميديا لا وفقاً لدانتي وحسب، بل لمن يتسع قلبه للنقيضين العظيمين: الفرح والألم.
في الواقع ليس هناك من فرح مجاني، لكنّ الألم مجاني دائماً، حتى فعل باسم يوسف فعلته أول من أمس.
نجح في قلب الطاولة على الجميع. كالساحر، أربك معظم المشاهدين الذين بلا شك عرفوا شعوراً هجيناً، لم يجدوا طريقة لتفسيره إلا إعادة الاستماع إلى أغنية «قطري حبيبي» التي قلّد فيها الكورال أوبريت «وطني حبيبي» الشهيرة.
غالب الظنّ أنّ معظمهم عجز عن أن يأخذ موقفاً يلزم الضحك، أو ربما البكاء. لمَ لا والأغنية تجرأت وقالت ما يشعر به المصريّون ويخشون إعلانه: القطريّون يشترون البلاد. ليس هناك ما يؤلم المصريين أكثر من كلمة تخدش هالة بلادهم.
للوهلة الأولى، يبدو عنوان الأوبريت ساخراً، لكن سرعان ما يضع يوسف الألم على طاولة الجمهور دفعة واحدة. منذ بداية الأغنية، كان واضحاً أنها ليست للضحك فقط: «أديه آخرتها بنشحت برا، بعد ما فلسنا في الثورة».
هذا قاس جداً على المصريين ولكن كان على أحد ما أن يواجهه. وكان هذا مجدداً باسم يوسف الذي عكس وجهه تعابير ملتبسة، تشبه شعباً أنهتكه الثورة من دون أن يفقد إيمانه بالفرح.
صحيح أنّه تصرف على سجيته، فابتسم وهو يلوح بعصا المايسترو، لكنه كان حاسماً في أكثر من مرة عندما طفح حزن غير مفتعل اطلاقاً على وجهه. كذلك، أدى وائل منصور مقطعه الغنائي بمنتهى الشجاعة، وكانت جملته نقطة التحول الأولى في الأغنية التي لن تكون هزلية من الآن فصاعداً.
في الأصل، لا يحتاج باسم يوسف (حتى الآن) إلى شهادة من أحد حول قدرته على صناعة الكوميديا. لم تهطل الأغنية بالباراشوت.
كانت امتداداً لمسلسل طويل من الغضب المصري على قطر.
حلقة «البرنامج» (سي. بي. سي) مساء الجمعة الماضي خُصِّصت بأسرها لنقد الدور القطري في مصر، بدءاً بالوديعة القطريّة الوهميّة في المصرف المركزي المصري، وانتهاء بعدم استقبال الأمير القطري للرئيس المصري محمد مرسي، في مطار الدوحة.
قيل ما قيل عن استخفاف القطريين بمرسي وتبعية جماعة الإخوان المسلمين للإمارة الصغيرة. تمنى الجميع عودة جمال عبد الناصر لعشر دقائق كي يخبر مرسي معنى الكرامة على القياس المصري. هذا الذي لا يقبل المصريّون السجال فيه.
تحسروا على نزوله (مرسي) من الطائرة من دون أن يجد من يسلّم عليه. سخر «البرنامج» من تصرفات رئيس الإخوان الهزليّة كالمعتاد، واصفاً إياه بالجندي المجهول الذي من دونه لن يجد «البرنامج» ما يقدمه للناس، وتالياً، لن يجد ما يضحكهم أكثر من الرئيس نفسه. ولم يوفر قطر نفسها التي «تشتري كل شيء».
لكن الأغنية جاءت في وقت حاسم لإعلان الرفض... للقول بوضوح: مصر ليست للبيع. ما رأيناه هو الصوت المصري على حقيقته: رقيقاً وثوريّاً كما تعنيه الكلمة. مؤدٍ ومؤديتان يشهرون أصواتهم ضدّ السكوت.
مؤديّة رقيقة هي داليا الجندي تنتفض تعابير وجهها حين تحضر إلى فمها اللازمة الآتية: «يللي قنالك ملكك، وانت بصَكّ ايجار حتهينها». كأنّها تمرنت على هذا الشعور طويلاً. غالب الظن أنه شعور مصري خالص لا يستأذن الظهور. كيف لا يكون كذلك، وهي تحرك إصبعيها بلطافة تضمر حزناً عميقاً، حين لا تستبعد أن يبيع الإخوان الهرم.
إن اختيار هذا الأوبريت بالذات ليس عبثيّاً.
ليس مجرد نزوة كوميدية بلا حسابات. لقد ألهم أوبريت «وطني حبيبي» أو «الوطن الأكبر» (ألفه أحمد شفيق كامل، ولحنه محمد عبد الوهاب، وقدّمته مجموعة من الفنانين عام 1960 من بينهم عبد الحليم، وصباح، وشادية، فايدة كامل، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة) الجزائريين، وردّده اللبنانيّون طويلاً في معرض دعمهم للثورة الفلسطينيّة. كانت معزوفة المعلم محمد عبد الوهاب على مقاس المرحلة التي صعدت فيها الناصرية ببطء فوق جثة الاستعمار.
وهذا الدور الذي لا يبدو المصريون في وارد الاستغناء عنه حتى لو قررت جماعة الإخوان ذلك. على سيرة هذه الجماعة، ختمت سارة المنذر أوبريت «قطري حبيبي» بالقول: «حلوة يا نهضة يا طاحنة شعوبنا، حلوة يا أحلى خازوق في حياتنا».
أوبريت «قطري حبيبي» الذي لقي استحسان المصريين والعرب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، واعترض عليه ملحّنون قلة، فطالبوا بتدخل الجيش المصري لوقف تداوله (!)، يعني أنّ المصريين ــ وإن فقدوا دورهم الريادي عربيّاً ــ لن يصبحوا تابعين. أوضح باسم يوسف في نهاية الحلقة أنّ لا مشكلة مع الشعب القطري، بل المشكلة «مع لي بيبيع».
وإن كان البعض «حساساً» وافترض وصف قطر بالـ«الأخ الأصغر» بمثابة استصغار لها، فلا بأس في ذلك.
ليس لأنّ القطريين أقل من المصريين، بل لأنّ مصر أم الدنيا، وهذا المجاز الجميل ما زال يميّز بلاد عبد الوهاب. أحفاد الموسيقار لن يقبلوا أن تسرق ثورتهم بهذه الخساسة.
معنى الأوبريت يبدأ من اسمه، ولا ينتهي مع نهايته. المعركة طويلة مع الإخوان الذين يخافون ضحكات الآخرين.
برنامج «البرنامج» كل جمعة 22:30 على قناة «سي. بي. سي» المصريه
http://www.al-akhbar.com/node/180767
http://www.al-akhbar.com/sites/default/files/imagecache/250img/p17_20130408_pic1.jpg
لا يتعب من إدهاشنا. مساء الجمعة الماضي، كنّا على موعد مع حلقة مضحكة مبكية. أخرج الإعلامي الساخر عصاه، وانهال بنقده على الإخوان، مظهراً كيف باتت «أم الدنيا» تابعةً للإمارة الصغيرة والـ«قطري اللي بيصرف ويتفشخر»
أحمد محسن - الاخبار اللبنانية
كعادتهم، كان الجميع يبحثون عن الفرح، لكن ما رأيناه هو الألم. كان ألماً صلفاً يوظفه المايسترو المصري في خدمة الفرح الذي ما زال متاحاً.
عادةً، تحدث الأمور بالمقلوب، فيقود الضحك إلى الحقيقة المؤلمة، لا العكس. هذه وظيفة الكوميديا لا وفقاً لدانتي وحسب، بل لمن يتسع قلبه للنقيضين العظيمين: الفرح والألم.
في الواقع ليس هناك من فرح مجاني، لكنّ الألم مجاني دائماً، حتى فعل باسم يوسف فعلته أول من أمس.
نجح في قلب الطاولة على الجميع. كالساحر، أربك معظم المشاهدين الذين بلا شك عرفوا شعوراً هجيناً، لم يجدوا طريقة لتفسيره إلا إعادة الاستماع إلى أغنية «قطري حبيبي» التي قلّد فيها الكورال أوبريت «وطني حبيبي» الشهيرة.
غالب الظنّ أنّ معظمهم عجز عن أن يأخذ موقفاً يلزم الضحك، أو ربما البكاء. لمَ لا والأغنية تجرأت وقالت ما يشعر به المصريّون ويخشون إعلانه: القطريّون يشترون البلاد. ليس هناك ما يؤلم المصريين أكثر من كلمة تخدش هالة بلادهم.
للوهلة الأولى، يبدو عنوان الأوبريت ساخراً، لكن سرعان ما يضع يوسف الألم على طاولة الجمهور دفعة واحدة. منذ بداية الأغنية، كان واضحاً أنها ليست للضحك فقط: «أديه آخرتها بنشحت برا، بعد ما فلسنا في الثورة».
هذا قاس جداً على المصريين ولكن كان على أحد ما أن يواجهه. وكان هذا مجدداً باسم يوسف الذي عكس وجهه تعابير ملتبسة، تشبه شعباً أنهتكه الثورة من دون أن يفقد إيمانه بالفرح.
صحيح أنّه تصرف على سجيته، فابتسم وهو يلوح بعصا المايسترو، لكنه كان حاسماً في أكثر من مرة عندما طفح حزن غير مفتعل اطلاقاً على وجهه. كذلك، أدى وائل منصور مقطعه الغنائي بمنتهى الشجاعة، وكانت جملته نقطة التحول الأولى في الأغنية التي لن تكون هزلية من الآن فصاعداً.
في الأصل، لا يحتاج باسم يوسف (حتى الآن) إلى شهادة من أحد حول قدرته على صناعة الكوميديا. لم تهطل الأغنية بالباراشوت.
كانت امتداداً لمسلسل طويل من الغضب المصري على قطر.
حلقة «البرنامج» (سي. بي. سي) مساء الجمعة الماضي خُصِّصت بأسرها لنقد الدور القطري في مصر، بدءاً بالوديعة القطريّة الوهميّة في المصرف المركزي المصري، وانتهاء بعدم استقبال الأمير القطري للرئيس المصري محمد مرسي، في مطار الدوحة.
قيل ما قيل عن استخفاف القطريين بمرسي وتبعية جماعة الإخوان المسلمين للإمارة الصغيرة. تمنى الجميع عودة جمال عبد الناصر لعشر دقائق كي يخبر مرسي معنى الكرامة على القياس المصري. هذا الذي لا يقبل المصريّون السجال فيه.
تحسروا على نزوله (مرسي) من الطائرة من دون أن يجد من يسلّم عليه. سخر «البرنامج» من تصرفات رئيس الإخوان الهزليّة كالمعتاد، واصفاً إياه بالجندي المجهول الذي من دونه لن يجد «البرنامج» ما يقدمه للناس، وتالياً، لن يجد ما يضحكهم أكثر من الرئيس نفسه. ولم يوفر قطر نفسها التي «تشتري كل شيء».
لكن الأغنية جاءت في وقت حاسم لإعلان الرفض... للقول بوضوح: مصر ليست للبيع. ما رأيناه هو الصوت المصري على حقيقته: رقيقاً وثوريّاً كما تعنيه الكلمة. مؤدٍ ومؤديتان يشهرون أصواتهم ضدّ السكوت.
مؤديّة رقيقة هي داليا الجندي تنتفض تعابير وجهها حين تحضر إلى فمها اللازمة الآتية: «يللي قنالك ملكك، وانت بصَكّ ايجار حتهينها». كأنّها تمرنت على هذا الشعور طويلاً. غالب الظن أنه شعور مصري خالص لا يستأذن الظهور. كيف لا يكون كذلك، وهي تحرك إصبعيها بلطافة تضمر حزناً عميقاً، حين لا تستبعد أن يبيع الإخوان الهرم.
إن اختيار هذا الأوبريت بالذات ليس عبثيّاً.
ليس مجرد نزوة كوميدية بلا حسابات. لقد ألهم أوبريت «وطني حبيبي» أو «الوطن الأكبر» (ألفه أحمد شفيق كامل، ولحنه محمد عبد الوهاب، وقدّمته مجموعة من الفنانين عام 1960 من بينهم عبد الحليم، وصباح، وشادية، فايدة كامل، وردة الجزائرية، نجاة الصغيرة) الجزائريين، وردّده اللبنانيّون طويلاً في معرض دعمهم للثورة الفلسطينيّة. كانت معزوفة المعلم محمد عبد الوهاب على مقاس المرحلة التي صعدت فيها الناصرية ببطء فوق جثة الاستعمار.
وهذا الدور الذي لا يبدو المصريون في وارد الاستغناء عنه حتى لو قررت جماعة الإخوان ذلك. على سيرة هذه الجماعة، ختمت سارة المنذر أوبريت «قطري حبيبي» بالقول: «حلوة يا نهضة يا طاحنة شعوبنا، حلوة يا أحلى خازوق في حياتنا».
أوبريت «قطري حبيبي» الذي لقي استحسان المصريين والعرب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، واعترض عليه ملحّنون قلة، فطالبوا بتدخل الجيش المصري لوقف تداوله (!)، يعني أنّ المصريين ــ وإن فقدوا دورهم الريادي عربيّاً ــ لن يصبحوا تابعين. أوضح باسم يوسف في نهاية الحلقة أنّ لا مشكلة مع الشعب القطري، بل المشكلة «مع لي بيبيع».
وإن كان البعض «حساساً» وافترض وصف قطر بالـ«الأخ الأصغر» بمثابة استصغار لها، فلا بأس في ذلك.
ليس لأنّ القطريين أقل من المصريين، بل لأنّ مصر أم الدنيا، وهذا المجاز الجميل ما زال يميّز بلاد عبد الوهاب. أحفاد الموسيقار لن يقبلوا أن تسرق ثورتهم بهذه الخساسة.
معنى الأوبريت يبدأ من اسمه، ولا ينتهي مع نهايته. المعركة طويلة مع الإخوان الذين يخافون ضحكات الآخرين.
برنامج «البرنامج» كل جمعة 22:30 على قناة «سي. بي. سي» المصريه
http://www.al-akhbar.com/node/180767