المهدى
02-04-2005, 09:00 AM
خالص جلبي
قصة سنان أوغلو التركي مع ابنتيه جلنار وسليمة، التي عرضتها القناة الألمانية (ZDF) تحكي طرفاً من المأساة، فالرجل هاجر إلى ألمانيا مع زوجته وابنتيه، وفي سن المراهقة بدأت الابنتان العمل في صالون حلاقة، وصالونات الحلاقة في ألمانيا مختلطة، وترتب على هذا أن كلاً من سليمة وجلنار تعلقتا بشابين ألمانيين، وفي ليلة واحدة اختفت البنتان بدون خبر، وفي اليوم التالي اتصلت كل بنت من بيت عشيقها تقول: إنها بخير ولا داع للقلق. أسقط في يد الرجل، وحاول بكل طريقة ممكنة ثنيهما عن هذا القرار بدون فائدة.
هنا قام الأب بممارسة التهديد، فقالت الابنتان له: إن الشرطة تحمينا منك حسب القانون الألماني، وحين أسقط في يده رجا البنتان شيئا واحدا، أن تكون العلاقة زواجا وليس سفاحاً، وتحت إلحاح الوالد المفجوع فقد استجابت الصغرى (سليمة)، أما الكبرى (جلنار) فقد رفض عشيقها ذلك.
رتب الوالد خطة جديدة حتى زارها في عطلة آخر الأسبوع، وهي لوحدها فقتلها (وغسل العار؟!) ثم حفر حفرة كبيرة في حديقة المنزل فدفنها فيها واختفى. وفي النهاية وبعد استجواب المشتبه بهم، عثروا على الجاني والجثة.
وأنا شخصيا رأيت الفيلم، حيث الأب خلف القضبان يتلو القرآن، وهو في الحقيقة فعل ما ليس في القرآن، وارتكب جريمة ما أمر الله بها. فنال عقابه في الدنيا قبل الآخرة.
هذه القصة (الانتحارية) هي نموذج أول، وتتدرج النماذج على شكل طيف ينتهي إلى درجة عدم النطق باللغة الأم، والتبرؤ من المنشأ، وإعلان الحرب على كل ما يتصل بالثقافة التي جاء منها المهاجر، وهي انتحار من الطرف الآخر. وبين الحافتين نرى (جزرا) من المهاجرين قد خلقت شرانق مغلقة لخوفها من مصير سنان التركي، ومنهم من هرب بسرعة بعد الاختصاص، خوفا على بناته من الحرية الأمريكية؟
ويزحف اليوم ما يسمى الحجاب وهو لا يزيد عن غطاء الرأس في كل مكان من ميونيخ إلى تورنتو، والحجاب (خصوصية) لزوجات النبي في الانفصال الكامل; «فإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب»، ولكن المسلمات يرتدين الجينز مع غطاء الرأس ويسمونه حجابا، فيخطئن مرتين في التسمية والتطبيق، وفلسفة اللباس كما في القرآن هي للمناخ والجمال والثقافة «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى خير». ولكن المسلمين في الغرب حولوا الدين إلى قطعة قماش وكأنهم يقولون «بني الإسلام على ستة» أولها الشهادة وآخرها غطاء الرأس، فيبدلوا الكلم عن مواضعه، ويصنعوا حديثا جديدا بدون سند، ويحولوا اللباس إلى عقيدة، وتنقلب معركة العدالة التي جاء بها محمد بن عبد الله إلى معركة حول جسد الأنثى.
ومن أسرف في الغطاء كان صنو من أسرف في التبرج. والكل ينطلق من مشاعر جنسية في اللاشعور لامتلاك الأنثى.
وهناك كما يذكر مالك بن نبي نموذج من التفاعل الخلاق مع الغرب، فيفعل كما يفعل البستاني من وضع (الطعم) على الشجرة الأصلية، فيمتص الطعم نسغ الحياة من الأصل، ولكنه يثمر ثمراته الخاصة، فيبدع ويتجدد ثمرات مختلفاً ألوانها. وأنا اعتبر نفسي سوري المولد، عربي اللسان، مسلم القلب، ألماني التخصص كندي الجنسية، عالمي الثقافة إنساني النزعة، أتكلم بلغتين من التراث والمعاصرة، وأدعو إلى الطيران إلى المستقبل بجناحين من العلم والسلم. وهكذا فكل خلية مني تغذت من أقليم.
ومن أعجب المفارقات أن أمريكا، التي مكنت صدام من احتلال العراق، دفعت الملايين للهرب بجلودهم واضطرت في النهاية أن ترجع فتستبدل الاحتلال العربي باحتلال أمريكي.
وكثير من الإسلاميين المتشددين، الذين فروا من غابة العروبة، منحتهم الدول الغربية اللجوء السياسي، فنقل الغرب إليه سرطان التشدد بالانتشارات الورمية، كما هو معروف في الطب، فهو يحاول كفاح المرض بعلاج كيماوي يضر الغربيين، ولا يقضي على المتشددين، وهو ما سمعناه من توني بلير في مؤتمر دافوس في يناير 2005، ان قوانين الطوارئ واحتجاز الناس في بيوتهم، هي لشرذمة قليلين؟ وحينما صدَّرت إحدى الدول العربية حكم الإعدام على من انتسب للإخوان المسلمين، أعطتهم في الواقع تأشيرات الدخول والإقامة والجنسية في أوربا على طبق من ذهب، ومكنت خصومها أن يجابهوها على نحو أفضل.
وأذكر من كندا أنني حضرت في أحد مساجد مونتريال، وكان المتحدث يشرح الآية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، فقلت له: أنتم خطرون على المجتمع الكندي، فأي خيل وإسطبلات تريدون؟ وكندا قد منحتكم كل الحريات، في الوقت الذي كانت جلودكم في بلادكم تكوى بسياط المخابرات؟
وحين تبدأ القوانين ضد المتشددين من نماذج أبو عنتر وأبو الجماجم، فسوف تصل في النهاية إلى جورج وشميدت، وهو ما يعرفه الأطباء تماما في معالجة الأورام السرطانية المنتشرة، فيقتل الدواء الخلايا السرطانية والسليمة، فيتساقط الشعر. والعلاج الصحيح هو نقل الصحة لغابة العربان، وتطهيرها من خرافة الحزب القائد والتشدد الديني، وليس شحن فيروس الإيبولا السياسي ـ الديني من الغابة العربية إلى الديموقراطيات الغربية.
إن عدد المسلمين اليوم في ألمانيا يبلغ 3.2 مليون منهم 600 ألف يحملون جوازات ألمانية، وفي أوربا اليوم 25 مليون مسلم، وفي مونتريال بلغ عدد المسلمين 10% من عدد السكان، وعدد المسلمين في إيطاليا مليون من أصل خمسين مليونا. والإسلام على الرغم من ضعفه السياسي، اعتبرته مجلة «در شبيجل» أكثر الأديان ديناميكية وكسبا للأتباع، ولكن النموذج الذي يتشكل ليس طالبان وإخوان، بل هو نسخة مختلفة. وعندما أسلمت الصحفية البريطانية إيفون ريدلي فلأن صدرها انشرح للإسلام بعد قراءة القرآن، فبعد أن كانت معتقلة بيد الطالبان، ورفضت اعتناق دينهم، قرأت القرآن، فرجعت إلى قومها فقالت يا قوم أجيبوا داعي الله وآمنوا به، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ويجب أن أذهب إلى الطالبان فأعلمهم الإسلام الصحيح، ورب مبلغ خير من سامع.
kjalabi@hotmail.com
قصة سنان أوغلو التركي مع ابنتيه جلنار وسليمة، التي عرضتها القناة الألمانية (ZDF) تحكي طرفاً من المأساة، فالرجل هاجر إلى ألمانيا مع زوجته وابنتيه، وفي سن المراهقة بدأت الابنتان العمل في صالون حلاقة، وصالونات الحلاقة في ألمانيا مختلطة، وترتب على هذا أن كلاً من سليمة وجلنار تعلقتا بشابين ألمانيين، وفي ليلة واحدة اختفت البنتان بدون خبر، وفي اليوم التالي اتصلت كل بنت من بيت عشيقها تقول: إنها بخير ولا داع للقلق. أسقط في يد الرجل، وحاول بكل طريقة ممكنة ثنيهما عن هذا القرار بدون فائدة.
هنا قام الأب بممارسة التهديد، فقالت الابنتان له: إن الشرطة تحمينا منك حسب القانون الألماني، وحين أسقط في يده رجا البنتان شيئا واحدا، أن تكون العلاقة زواجا وليس سفاحاً، وتحت إلحاح الوالد المفجوع فقد استجابت الصغرى (سليمة)، أما الكبرى (جلنار) فقد رفض عشيقها ذلك.
رتب الوالد خطة جديدة حتى زارها في عطلة آخر الأسبوع، وهي لوحدها فقتلها (وغسل العار؟!) ثم حفر حفرة كبيرة في حديقة المنزل فدفنها فيها واختفى. وفي النهاية وبعد استجواب المشتبه بهم، عثروا على الجاني والجثة.
وأنا شخصيا رأيت الفيلم، حيث الأب خلف القضبان يتلو القرآن، وهو في الحقيقة فعل ما ليس في القرآن، وارتكب جريمة ما أمر الله بها. فنال عقابه في الدنيا قبل الآخرة.
هذه القصة (الانتحارية) هي نموذج أول، وتتدرج النماذج على شكل طيف ينتهي إلى درجة عدم النطق باللغة الأم، والتبرؤ من المنشأ، وإعلان الحرب على كل ما يتصل بالثقافة التي جاء منها المهاجر، وهي انتحار من الطرف الآخر. وبين الحافتين نرى (جزرا) من المهاجرين قد خلقت شرانق مغلقة لخوفها من مصير سنان التركي، ومنهم من هرب بسرعة بعد الاختصاص، خوفا على بناته من الحرية الأمريكية؟
ويزحف اليوم ما يسمى الحجاب وهو لا يزيد عن غطاء الرأس في كل مكان من ميونيخ إلى تورنتو، والحجاب (خصوصية) لزوجات النبي في الانفصال الكامل; «فإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب»، ولكن المسلمات يرتدين الجينز مع غطاء الرأس ويسمونه حجابا، فيخطئن مرتين في التسمية والتطبيق، وفلسفة اللباس كما في القرآن هي للمناخ والجمال والثقافة «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى خير». ولكن المسلمين في الغرب حولوا الدين إلى قطعة قماش وكأنهم يقولون «بني الإسلام على ستة» أولها الشهادة وآخرها غطاء الرأس، فيبدلوا الكلم عن مواضعه، ويصنعوا حديثا جديدا بدون سند، ويحولوا اللباس إلى عقيدة، وتنقلب معركة العدالة التي جاء بها محمد بن عبد الله إلى معركة حول جسد الأنثى.
ومن أسرف في الغطاء كان صنو من أسرف في التبرج. والكل ينطلق من مشاعر جنسية في اللاشعور لامتلاك الأنثى.
وهناك كما يذكر مالك بن نبي نموذج من التفاعل الخلاق مع الغرب، فيفعل كما يفعل البستاني من وضع (الطعم) على الشجرة الأصلية، فيمتص الطعم نسغ الحياة من الأصل، ولكنه يثمر ثمراته الخاصة، فيبدع ويتجدد ثمرات مختلفاً ألوانها. وأنا اعتبر نفسي سوري المولد، عربي اللسان، مسلم القلب، ألماني التخصص كندي الجنسية، عالمي الثقافة إنساني النزعة، أتكلم بلغتين من التراث والمعاصرة، وأدعو إلى الطيران إلى المستقبل بجناحين من العلم والسلم. وهكذا فكل خلية مني تغذت من أقليم.
ومن أعجب المفارقات أن أمريكا، التي مكنت صدام من احتلال العراق، دفعت الملايين للهرب بجلودهم واضطرت في النهاية أن ترجع فتستبدل الاحتلال العربي باحتلال أمريكي.
وكثير من الإسلاميين المتشددين، الذين فروا من غابة العروبة، منحتهم الدول الغربية اللجوء السياسي، فنقل الغرب إليه سرطان التشدد بالانتشارات الورمية، كما هو معروف في الطب، فهو يحاول كفاح المرض بعلاج كيماوي يضر الغربيين، ولا يقضي على المتشددين، وهو ما سمعناه من توني بلير في مؤتمر دافوس في يناير 2005، ان قوانين الطوارئ واحتجاز الناس في بيوتهم، هي لشرذمة قليلين؟ وحينما صدَّرت إحدى الدول العربية حكم الإعدام على من انتسب للإخوان المسلمين، أعطتهم في الواقع تأشيرات الدخول والإقامة والجنسية في أوربا على طبق من ذهب، ومكنت خصومها أن يجابهوها على نحو أفضل.
وأذكر من كندا أنني حضرت في أحد مساجد مونتريال، وكان المتحدث يشرح الآية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، فقلت له: أنتم خطرون على المجتمع الكندي، فأي خيل وإسطبلات تريدون؟ وكندا قد منحتكم كل الحريات، في الوقت الذي كانت جلودكم في بلادكم تكوى بسياط المخابرات؟
وحين تبدأ القوانين ضد المتشددين من نماذج أبو عنتر وأبو الجماجم، فسوف تصل في النهاية إلى جورج وشميدت، وهو ما يعرفه الأطباء تماما في معالجة الأورام السرطانية المنتشرة، فيقتل الدواء الخلايا السرطانية والسليمة، فيتساقط الشعر. والعلاج الصحيح هو نقل الصحة لغابة العربان، وتطهيرها من خرافة الحزب القائد والتشدد الديني، وليس شحن فيروس الإيبولا السياسي ـ الديني من الغابة العربية إلى الديموقراطيات الغربية.
إن عدد المسلمين اليوم في ألمانيا يبلغ 3.2 مليون منهم 600 ألف يحملون جوازات ألمانية، وفي أوربا اليوم 25 مليون مسلم، وفي مونتريال بلغ عدد المسلمين 10% من عدد السكان، وعدد المسلمين في إيطاليا مليون من أصل خمسين مليونا. والإسلام على الرغم من ضعفه السياسي، اعتبرته مجلة «در شبيجل» أكثر الأديان ديناميكية وكسبا للأتباع، ولكن النموذج الذي يتشكل ليس طالبان وإخوان، بل هو نسخة مختلفة. وعندما أسلمت الصحفية البريطانية إيفون ريدلي فلأن صدرها انشرح للإسلام بعد قراءة القرآن، فبعد أن كانت معتقلة بيد الطالبان، ورفضت اعتناق دينهم، قرأت القرآن، فرجعت إلى قومها فقالت يا قوم أجيبوا داعي الله وآمنوا به، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ويجب أن أذهب إلى الطالبان فأعلمهم الإسلام الصحيح، ورب مبلغ خير من سامع.
kjalabi@hotmail.com