المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «تسونامي» عراقي!



المهدى
02-02-2005, 01:13 PM
عدنان حسين

اظن أن كل عراقي شارك في تصويت الأحد الماضي اجتاحه «تسونامي» عاطفي مثل الذي غمرني وانا اتقدم بطيئا في الطابور الطويل الذي امتد امام المركز الانتخابي في لندن. فلأول مرة في حياتي شعرت بأنني في وزن الريشة.. أحقق الحلم الذي راودني منذ ايام الطفولة.. الحلم في ان اطير واحلق عاليا مثل العصافير والحمام. ولقد طرت في مهب ريح خفيفة رائقة وانا ادفع خطواتي في اثر الناس الذين كانوا يسيرون تارة ويتوقفون تارة نحو مدخل المركز الانتخابي... حلّقت روحي فوق الغمام وتحته وفي وسطه. ومثلي كان الآخرون، فهذا ما افصحت عنه وجوههم وأحاديثهم.. ودموعهم. في حياتي حققت بعض النجاحات التي اسعدتني وابهجتني كثيرا. بيد انني لم اشعر على الإطلاق بمثل الزهو والفخر والانتشاء الذي امتلأت به روحي وانا اغمس سبابتي اليمنى في الحبر الانتخابي، ثم وانا اضع علامة على القائمة التي منحتها صوتي.

شعور لا مثيل له، فلأول مرة في حياتي أحسّ بأن الوطن الذي أحببت بادلني الحب.. منحني الحق الذي حجبته الحكومات عني اكثر من خمسة وثلاثين عاما.. الحق في ان اختار بنفسي وبكامل الحرية وبملء الارادة من دون ضغط او إكراه او حتى مجرد نصح او توجيه من احد. في غاية الجمال هو الشعور بأنك حر.. سيّد نفسك.
***
امام مركز ويمبلي الانتخابي في لندن، حيث كان آلاف العراقيين يتقدمون نحو وضع لبنات في الاساس المكين لمستقبل زاهر لبلادهم، وقفت مجموعة من اعضاء «حزب التحرير الاسلامي» تدعو هؤلاء الآلاف ألا ينتخبوا! دعك من انهم كانوا، كما وشت اشكالهم ونبرات اصواتهم، خليطا من باكستانيين وسوريين وفلسطينيين ومصريين ونايجيريين وصوماليين ومغاربة، وليسوا عراقيين...

ودعك من انهم كانوا اقلية ضئيلة للغاية (رافقتهم نحو ست نساء نبذوهن الى صفوفهم الخلفية) بالمقارنة مع الحشد الطويل الذي ظل يتدفق على المركز الانتخابي. فالسؤال هو: كيف تأتّى لهؤلاء الذين جاءوا الى بريطانيا لائذين بنظامها الديمقراطي طالبين حق اللجوء السياسي بدعوى انهم مضطهدون من انظمة الحكم الدكتاتورية في بلدانهم.. كيف تأتّى لهم ان يفكروا بأن يطالبوا العراقيين بعدم ولوج طريق الديمقراطية؟

.. كيف يمكنهم بعد الآن إقناعنا بأنهم ضحايا يستحقون منا ان نتعاطف معهم وان ندافع عن حقهم في ان يعتقدوا بما يعتقدون به في بلدانهم وان يعبروا عن هذا الاعتقاد بالوسائل المناسبة من دون كبت او حرمان؟ على اية حال، وكما لم تستطع المجموعات الإرهابية الناشطة في العراق، بتهديداتها المتلاحقة وبتفجيراتها العشوائية، إيقاف الـ«تسونامي» الانتخابي العراقي، لم يفعل تجمع «حزب التحرير الاسلامي» امام مركز ويمبلي الانتخابي سوى تحريض عراقيي لندن اكثر على التصويت وسوى اضفاء نكهة مسلية على الجو الانتخابي، فالتجمع الضئيل تحول الى فرجة اثارت السخرية بيننا نحن الناخبين الذين عبرنا عنها بشتى الحركات الطريفة.