زوربا
02-16-2013, 07:32 AM
دير شبيغل : الثورة السورية تنسى أبناءها والتبرعات يسرقها اللصوص وبعض المقاتلين تمنوا البقاء تحت حكم الأسد لو علموا ما ينتظرهم
2013/02/13
نشرت أسبوعية “دير شبيغل”الألمانية تقريرا من لبنان،لمراسلتها”أولريغا بوتس”، تحت عنوان “الثورة تنسى أبناءها (http://www.spiegel.de/politik/ausland/krieg-in-syrien-das-schicksal-verwundeter-rebellen-a-882051.html)” تناولت فيه عمليات السرقة التي تطال الأموال المتبرع بها من قبل أغنياء العرب للمسلحين السوريين واللاجئين. وفيما يلي ترجمة للتقرير عن نسخته الألمانية :
الثورة تنسى أبناءها – أولريكا بوتس
في المعركة يتم النظر إليهم كأبطال، لكن الويل لهم إن جُرحوا. عشرات من جرحى ومشوهي مقاتلي المعارضة السورية يعيشون في بؤس في لبنان. والأموال التي يتبرع بها أغنياء العرب إلى المتمردين تدخل إلى جيوب غيرهم.
http://www.syriantelegraph.com/wp-content/uploads/2013/02/الثورة-التي-تنسى-ابنائها.jpg
زيارة إلى مأوى المحاربين المنسيين
يقترب “أبو يازا” من الظلام الدامس خطوة أخرى مع كل يوم يمر. ومع كل ساعة يقضيها فوق فراشه الاسفنجي الضيق تتضاءل فرصه في رؤية وجه ابنه ذات يوم. لو كان الصغير جاء إلى العالم قبل ميلاده الفعلي بأربعة أيام لكان بإمكان أبيه أن يراه ولو مرة.
لكن الأب البالغ واحدا وثلاثين عاما من العمر كان قد أُصيب في رأسه برصاصة قبل أربعة أيام من موعد ولادة زوجته في فبراير/شباط من العام الماضي.
كان “أبو يازا” في الماضي نجارا. كل من كان يحتاج في حيّ باب عمرو إلى سرير أو خزانة كان يطرق باب “أبو يازا”. بعدها وصل الربيع العربي إلى سوريا، ومع تحوّل الاحتجاجات السلمية إلى انتفاضة مسلحة أصبح النجار “أبو يازا” ضابطا في كتيبة الفاروق التي كانت تحارب ضد قوات بشار الأسد في حمص. كان “أبو يازا” دائما في المقدمة إلى أن جاء يوم الخامس والعشرين من فبراير/شباط الماضي. في هذا اليوم أصيب “أبو يازا” برصاصة في رأسه.
لم يعد “أبو يازا”، كما يسمونه هنا، منذ ذلك التاريخ يكافح ضد بشار الأسد بل راح الرجل الضخم الجثة يكافح للحفاظ على ضوء عينيه. فالإصابة أثرت على قوة بصره، في حين تبلغ تكاليف زرع جهاز له ينقذ خمسين في المئة من قوة بصره مبلغا يتراوح بين ثلاثين إلى مئة وخمسة وعشرين ألف دولار.
وقد دفع الأطباء اللبنانيون الذين أجروا له الاسعافات الأولية باتجاه الإسراع بعملية زرع الجهاز في أقرب وقت ممكن قبل أن تضمر الأعصاب بسبب عدم الاستخدام وقبل أن يتحول “أبو يازا” إلى أعمى لا أمل بإعادة ضوء عينيه. “أمامي ستة شهور لا أكثر لإجراء العملية”، يقول “أبو يازا”.
العيش على الهبات
يقيم “أبو يازا” منذ إصابته في قبو مع عائلته في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وهو لا يعتقد بأنه سيتمكن بهذه الوسيلة أو تلك من تأمين المبلغ المطلوب لإجراء العملية. فكيف يمكن الحصول على آلاف الدولارات في وقت لا يكاد المال فيه يكفي لسد الحاجات اليومية. “باعتباري من المحاربين القدامى في الجيش السوري الحر يحق لي من حيث المبدأ الحصول على معاش تقاعدي”، يقول “أبو يازا”.
لكن الأموال التي تدفعها السعودية وقطر كأجر لمقاتلي جيش المتمردين وكثمن أسلحة لهم لا تصل إلى يد الضابط السابق “أبو يازا”، مما يضطره للعيش من الهبات التي يتبرع بها لبنانيون يشعرون بالأسى لحاله.
لا يمثل “أبو يازا” حالة استثنائية. ثمة العشرات وربما المئات من مقاتلي المعارضة المصابين والمنسيين الذين يمضون أوقاتا بائسة في لبنان. بعضهم كان خبازا وبعضهم بائع خضار أو معلم مدرسة قبل أن تندلع الثورة. رجال أشداء واثقون يمثلون دعامة المجتمع التحقوا بالانتفاضة ضد الديكتاتور ليجدوا أنفسهم بعد حوالي سنتين وقد ضاع أملهم كما ضاعت صحتهم.
على بعد بضع مئات الأمتار من قبو “أبو يازا:” يعيش خمسة عشر من المقاتلين السابقين الآخرين في شقة في الطابق الأرضي يعلو جدرانها العفن.
ثمة مراتب نوم موزعة على الأرض تتناثر بينها بعض الملابس القذرة وأوراق لعب “الشدة” ومنافض للسجائر يملؤها الرماد.
يقوم أحد الرجال بوضع أوراق خضراء في قدر للماء موضوع على سخان صغير، كان لبناني لطيف قد جاء برؤوس الملفوف هذه والتي بعد خلطها بالرز ستتحول إلى وجبة الطعام الوحيدة اليوم للقابعين هنا. “أعطيت الثورة كل ما عندي:
ساقي وبيتي والمتاجر التي كنت أملكها”، يقول “مشهور” الذي كان يمتلك عدة متاجر للخضار في حمص قبل الثورة.
أما اليوم فتبرز من بقايا ساقه اليسرى قضبان حديدية يمشي عليها. يضيف “مشهور”: “منذ أن أصبحت عاجزا عن القتال صرتُ منسيا في عيون المجموعة التي كنت أحارب معها”
أموال للأرامل واليتامى فحسب
يمكن للمرء القول إن مشاكل مشهور ومن مثله من الرجال تتمثل في النساء والأطفال والرشوة. فالنساء والأطفال يستحوذون على الحجم الأكبر من المساعدات التي تقدمها منظمات الغوث الدولية. تفضّل المنظمات غير الحكومية الغربية تقديم المساعدات إلى الأرامل واليتامى بدل مساعدة مقاتلين ملطخة أيديهم بالدماء على استعادة عافيتهم.
أما الأموال التي تدفعها دول عربية للمتمردين فكثيرا ما تتبخر في أعلى هرم التنظيمات السياسية للمعارضة ولا يصل منها إلى “مشهور” وأمثاله في القاع شيئا. سنتان من الحرب الضروس حولتا عددا غير قليل من المتمردين الشرفاء إلى فاسدين، يقوم بعضهم بتكديس الأموال على حساب إخوته في السلاح.
يُضاف إلى هذا كله أن كثيرا من الأموال العربية تتلقاها في غالب الأحوال جماعات دينية. “لو كنت منتميا إلى جماعة الإخوان المسلمين، كانت العناية بي ستختلف اختلافا جذريا، وكنت سأحصل على كل ما أحتاج إليه”، يقول “مختار” الذي كان يعمل في الماضي كمهندس ديكور، شارك بعدها في القتال قبل أن تخرجه عدة إصابات بالرصاص في الذراعين والساقين من المعركة. يضيف “مختار”: “أنا لم أخرج إلى الشارع كي أستبدل بشار الأسد بالإخوان المسلمين ولا لكي أتلقى الأوامر منهم”.
لا ينفي رئيس لجان التنسيق المحلية للاجئين السوريين في لبنان أمين مندو أن المساعدات يتم تقسيمها أيضا وفق معايير سياسية، ويضيف أن المتبرعين يريدون أن يحددوا من يحصل على تبرعاتهم. “لابأس في ذلك لو كان ثمة ما يكفي من التبرعات. لكن الموجود منها لا يكفي شيئا ..” يقول مندو، قبل أن يشير إلى الانتقادات التي تصيب لهذا السبب دائما أولئك القائمين على توزيع المساعدات في الميدان.
لا يجوز للعائلة أن تعرف الحقيقة
“كثيرون يقولون عني حرامي، أعرف ذلك”، يقول مندو الجالس في مكتبه المتواضع في طرابلس ويضيف: “عملي ينطبق عليه القول: لا شكرا ولا شكورا”. يتفهم مندو بطبيعة الحال كما يقول يأس رجل مثل “أبو يازا” مهدد بفقدان البصر قريبا بشكل نهائي، “لكن عليّ أن أسأل نفسي أيضا:
أليس من الأفضل معالجة مئة مريض بمبلغ المئة وخمسة وعشرين ألف دولار بدلا من إنقاذ بصر رجل واحد؟”
في نفس الوقت تقريبا وفي مأوى المقاتلين المنسيين يدق مالك الشقة بقبضته على الباب. إنها بداية شباط / فبراير، والمالك يريد الأجرة البالغة مئتين وخمسين دولارا في الشهر. رقم مبالغ به ولا يمتلكه “مختار” وباقي الشباب. يطلب “مختار” من المالك أن يعود بعد الظهر رغم معرفته أن المبلغ لن يتأمن وأن مصيرهم سيكون الطرد المؤجل بضع ساعات. “ليس معنا هذا المبلغ، حتى لو جمعنا جميعا، وعددنا خمسة عشر، كل ما نملك. اليوم مساء سنكون في الشارع”، يقول “مختار” ذو الأعوام الستة والعشرين.
لا تعلم عائلة مختار في حمص شيئا عن أوضاع ولدها المزرية في لبنان. “لا يمكننا أن نقول لعائلاتنا إننا نعاني من الجوع، هذا سيحبط عزيمة المقاتلين في الميدان، وهذا غير مسموح به. يجب أن تستمر الثورة وتنتصر، فقد ضحينا بالكثير من أجلها”، يقول “مختار”.
لا مجال للعودة أو للتراجع. هذا ما يتفق عليه الشباب جميعا. أما السؤال حول ما إذا كانوا سينتفضون مجددا في وجه الدكتاتورية لو عاد بهم الزمن إلى الوراء فثمة خلاف حول الإجابة عليه. يقول مختار: “لو كنا نعلم أن نهاية المطاف بنا ستكون على هذا الشكل، لكنّا قررنا أنه من الأفضل الاستمرار تحت حكم بشار الأسد”
سيريان تلغراف
http://www.syriantelegraph.com/?p=71164
2013/02/13
نشرت أسبوعية “دير شبيغل”الألمانية تقريرا من لبنان،لمراسلتها”أولريغا بوتس”، تحت عنوان “الثورة تنسى أبناءها (http://www.spiegel.de/politik/ausland/krieg-in-syrien-das-schicksal-verwundeter-rebellen-a-882051.html)” تناولت فيه عمليات السرقة التي تطال الأموال المتبرع بها من قبل أغنياء العرب للمسلحين السوريين واللاجئين. وفيما يلي ترجمة للتقرير عن نسخته الألمانية :
الثورة تنسى أبناءها – أولريكا بوتس
في المعركة يتم النظر إليهم كأبطال، لكن الويل لهم إن جُرحوا. عشرات من جرحى ومشوهي مقاتلي المعارضة السورية يعيشون في بؤس في لبنان. والأموال التي يتبرع بها أغنياء العرب إلى المتمردين تدخل إلى جيوب غيرهم.
http://www.syriantelegraph.com/wp-content/uploads/2013/02/الثورة-التي-تنسى-ابنائها.jpg
زيارة إلى مأوى المحاربين المنسيين
يقترب “أبو يازا” من الظلام الدامس خطوة أخرى مع كل يوم يمر. ومع كل ساعة يقضيها فوق فراشه الاسفنجي الضيق تتضاءل فرصه في رؤية وجه ابنه ذات يوم. لو كان الصغير جاء إلى العالم قبل ميلاده الفعلي بأربعة أيام لكان بإمكان أبيه أن يراه ولو مرة.
لكن الأب البالغ واحدا وثلاثين عاما من العمر كان قد أُصيب في رأسه برصاصة قبل أربعة أيام من موعد ولادة زوجته في فبراير/شباط من العام الماضي.
كان “أبو يازا” في الماضي نجارا. كل من كان يحتاج في حيّ باب عمرو إلى سرير أو خزانة كان يطرق باب “أبو يازا”. بعدها وصل الربيع العربي إلى سوريا، ومع تحوّل الاحتجاجات السلمية إلى انتفاضة مسلحة أصبح النجار “أبو يازا” ضابطا في كتيبة الفاروق التي كانت تحارب ضد قوات بشار الأسد في حمص. كان “أبو يازا” دائما في المقدمة إلى أن جاء يوم الخامس والعشرين من فبراير/شباط الماضي. في هذا اليوم أصيب “أبو يازا” برصاصة في رأسه.
لم يعد “أبو يازا”، كما يسمونه هنا، منذ ذلك التاريخ يكافح ضد بشار الأسد بل راح الرجل الضخم الجثة يكافح للحفاظ على ضوء عينيه. فالإصابة أثرت على قوة بصره، في حين تبلغ تكاليف زرع جهاز له ينقذ خمسين في المئة من قوة بصره مبلغا يتراوح بين ثلاثين إلى مئة وخمسة وعشرين ألف دولار.
وقد دفع الأطباء اللبنانيون الذين أجروا له الاسعافات الأولية باتجاه الإسراع بعملية زرع الجهاز في أقرب وقت ممكن قبل أن تضمر الأعصاب بسبب عدم الاستخدام وقبل أن يتحول “أبو يازا” إلى أعمى لا أمل بإعادة ضوء عينيه. “أمامي ستة شهور لا أكثر لإجراء العملية”، يقول “أبو يازا”.
العيش على الهبات
يقيم “أبو يازا” منذ إصابته في قبو مع عائلته في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وهو لا يعتقد بأنه سيتمكن بهذه الوسيلة أو تلك من تأمين المبلغ المطلوب لإجراء العملية. فكيف يمكن الحصول على آلاف الدولارات في وقت لا يكاد المال فيه يكفي لسد الحاجات اليومية. “باعتباري من المحاربين القدامى في الجيش السوري الحر يحق لي من حيث المبدأ الحصول على معاش تقاعدي”، يقول “أبو يازا”.
لكن الأموال التي تدفعها السعودية وقطر كأجر لمقاتلي جيش المتمردين وكثمن أسلحة لهم لا تصل إلى يد الضابط السابق “أبو يازا”، مما يضطره للعيش من الهبات التي يتبرع بها لبنانيون يشعرون بالأسى لحاله.
لا يمثل “أبو يازا” حالة استثنائية. ثمة العشرات وربما المئات من مقاتلي المعارضة المصابين والمنسيين الذين يمضون أوقاتا بائسة في لبنان. بعضهم كان خبازا وبعضهم بائع خضار أو معلم مدرسة قبل أن تندلع الثورة. رجال أشداء واثقون يمثلون دعامة المجتمع التحقوا بالانتفاضة ضد الديكتاتور ليجدوا أنفسهم بعد حوالي سنتين وقد ضاع أملهم كما ضاعت صحتهم.
على بعد بضع مئات الأمتار من قبو “أبو يازا:” يعيش خمسة عشر من المقاتلين السابقين الآخرين في شقة في الطابق الأرضي يعلو جدرانها العفن.
ثمة مراتب نوم موزعة على الأرض تتناثر بينها بعض الملابس القذرة وأوراق لعب “الشدة” ومنافض للسجائر يملؤها الرماد.
يقوم أحد الرجال بوضع أوراق خضراء في قدر للماء موضوع على سخان صغير، كان لبناني لطيف قد جاء برؤوس الملفوف هذه والتي بعد خلطها بالرز ستتحول إلى وجبة الطعام الوحيدة اليوم للقابعين هنا. “أعطيت الثورة كل ما عندي:
ساقي وبيتي والمتاجر التي كنت أملكها”، يقول “مشهور” الذي كان يمتلك عدة متاجر للخضار في حمص قبل الثورة.
أما اليوم فتبرز من بقايا ساقه اليسرى قضبان حديدية يمشي عليها. يضيف “مشهور”: “منذ أن أصبحت عاجزا عن القتال صرتُ منسيا في عيون المجموعة التي كنت أحارب معها”
أموال للأرامل واليتامى فحسب
يمكن للمرء القول إن مشاكل مشهور ومن مثله من الرجال تتمثل في النساء والأطفال والرشوة. فالنساء والأطفال يستحوذون على الحجم الأكبر من المساعدات التي تقدمها منظمات الغوث الدولية. تفضّل المنظمات غير الحكومية الغربية تقديم المساعدات إلى الأرامل واليتامى بدل مساعدة مقاتلين ملطخة أيديهم بالدماء على استعادة عافيتهم.
أما الأموال التي تدفعها دول عربية للمتمردين فكثيرا ما تتبخر في أعلى هرم التنظيمات السياسية للمعارضة ولا يصل منها إلى “مشهور” وأمثاله في القاع شيئا. سنتان من الحرب الضروس حولتا عددا غير قليل من المتمردين الشرفاء إلى فاسدين، يقوم بعضهم بتكديس الأموال على حساب إخوته في السلاح.
يُضاف إلى هذا كله أن كثيرا من الأموال العربية تتلقاها في غالب الأحوال جماعات دينية. “لو كنت منتميا إلى جماعة الإخوان المسلمين، كانت العناية بي ستختلف اختلافا جذريا، وكنت سأحصل على كل ما أحتاج إليه”، يقول “مختار” الذي كان يعمل في الماضي كمهندس ديكور، شارك بعدها في القتال قبل أن تخرجه عدة إصابات بالرصاص في الذراعين والساقين من المعركة. يضيف “مختار”: “أنا لم أخرج إلى الشارع كي أستبدل بشار الأسد بالإخوان المسلمين ولا لكي أتلقى الأوامر منهم”.
لا ينفي رئيس لجان التنسيق المحلية للاجئين السوريين في لبنان أمين مندو أن المساعدات يتم تقسيمها أيضا وفق معايير سياسية، ويضيف أن المتبرعين يريدون أن يحددوا من يحصل على تبرعاتهم. “لابأس في ذلك لو كان ثمة ما يكفي من التبرعات. لكن الموجود منها لا يكفي شيئا ..” يقول مندو، قبل أن يشير إلى الانتقادات التي تصيب لهذا السبب دائما أولئك القائمين على توزيع المساعدات في الميدان.
لا يجوز للعائلة أن تعرف الحقيقة
“كثيرون يقولون عني حرامي، أعرف ذلك”، يقول مندو الجالس في مكتبه المتواضع في طرابلس ويضيف: “عملي ينطبق عليه القول: لا شكرا ولا شكورا”. يتفهم مندو بطبيعة الحال كما يقول يأس رجل مثل “أبو يازا” مهدد بفقدان البصر قريبا بشكل نهائي، “لكن عليّ أن أسأل نفسي أيضا:
أليس من الأفضل معالجة مئة مريض بمبلغ المئة وخمسة وعشرين ألف دولار بدلا من إنقاذ بصر رجل واحد؟”
في نفس الوقت تقريبا وفي مأوى المقاتلين المنسيين يدق مالك الشقة بقبضته على الباب. إنها بداية شباط / فبراير، والمالك يريد الأجرة البالغة مئتين وخمسين دولارا في الشهر. رقم مبالغ به ولا يمتلكه “مختار” وباقي الشباب. يطلب “مختار” من المالك أن يعود بعد الظهر رغم معرفته أن المبلغ لن يتأمن وأن مصيرهم سيكون الطرد المؤجل بضع ساعات. “ليس معنا هذا المبلغ، حتى لو جمعنا جميعا، وعددنا خمسة عشر، كل ما نملك. اليوم مساء سنكون في الشارع”، يقول “مختار” ذو الأعوام الستة والعشرين.
لا تعلم عائلة مختار في حمص شيئا عن أوضاع ولدها المزرية في لبنان. “لا يمكننا أن نقول لعائلاتنا إننا نعاني من الجوع، هذا سيحبط عزيمة المقاتلين في الميدان، وهذا غير مسموح به. يجب أن تستمر الثورة وتنتصر، فقد ضحينا بالكثير من أجلها”، يقول “مختار”.
لا مجال للعودة أو للتراجع. هذا ما يتفق عليه الشباب جميعا. أما السؤال حول ما إذا كانوا سينتفضون مجددا في وجه الدكتاتورية لو عاد بهم الزمن إلى الوراء فثمة خلاف حول الإجابة عليه. يقول مختار: “لو كنا نعلم أن نهاية المطاف بنا ستكون على هذا الشكل، لكنّا قررنا أنه من الأفضل الاستمرار تحت حكم بشار الأسد”
سيريان تلغراف
http://www.syriantelegraph.com/?p=71164