الفتى الذهبي
02-11-2013, 06:17 AM
وزير الإعلام الأسبق يتحدث في كتابه «حقيقة في زمن الكذب» عن «المليونيات» وخفايا المرحلة الانتقالية والتعامل معها
http://www.alraimedia.com/Resources/ArticlesPictures/2013/02/11/1360415870029256300_main.jpg (http://www.alraimedia.com/Resources/ArticlesPictures/2013/02/11/1360415870029256300.jpg)
|القاهرة - من أغاريد مصطفى|
في كتابه الجديد «150 يوما في تاريخ مصر... حقيقة في زمن الكذب» قدم وزير الاعلام الأسبق رئيس تحرير جريدة الوفد السابق أسامة هيكل رؤية شاهد عيان على حكومة الدكتور عصام شرف والوقائع التي جرت أيامها مثل أحداث محمد محمود، ومذبحة ماسبيرو، وتناول ظروف ثورة 25 يناير، وتحول عدد من الاعلاميين والسياسيين من نفاق نظام مبارك الى نفاق شباب الثورة.
ومناورات «الاخوان» في استخدام الظروف، وفن اطلاق المليونيات للتأثير على القرار السياسي بشكل يصب في مصلحته، وأنهم كانوا مشغولين بتنفيذ خطة الوصول الى الحكم ليصبحوا هم المستفيد الوحيد، بينما كانت القوى المدنية مشغولة بثورتها.
عندما تسلم أسامة هيكل منصبه وزيرا للاعلام بعد اتصال من رئيس الوزراء عصام شرف في 6 يوليو 2011 فوجئ بكم الاضرابات والاعتصامات في مبنى الاذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، ومدى الانهيار الذي وصل اليه، ومن بينها التفاوت الكبير في الأجور، فبعض العاملين يتقاضون 300 جنيه و400 جنيه شهريا، وهناك مذيعة تقاضت 750 ألف جنيه، فانزعجت جدا.
ويوضح هيكل كيف تحول التلفزيون المصري بكل امكاناته وقنواته واذاعاته الى بوق في مسيرة التوريث، لكي يسلم الرئيس البلد الى ابنه، وقيام أنس الفقي بالمهمة، ويتناول هيكل خطته لهيكلة الاعلام المصري بعد عرضها على رئيس مجلس الوزراء، ثم على المجلس العسكري، الذي نبه على عصام شرف بأن يوفر كل الدعم لأسامة هيكل حتى ينجح في مهمته، وكانت الخطة تعتمد على تحديد السياسة الاعلامية للاعلام الرسمي خلال المرحلة الانتقالية في ست نقاط رئيسة هي:
1 - أن ثورة حقيقية قد حدثت في مصر يوم 25 يناير، ولا بد أن يعمل الاعلام الرسمي على تحقيق أهدافها.
2 - أن الثورة قام بها الشعب وساندتها وحمتها القوات المسلحة، وينبغي الحفاظ على وحدة الشعب والقوات المسلحة حتى تتحقق أهداف الثورة.
3 - التصدي لمحاولات الفتنة والوقيعة بين الشعب والقوات المسلحة، أو أي فصيل آخر داخل المجتمع المصري.
4 - لا اقصاء لأي فئة من الاعلام الرسمي، ولا استئثار لفئة به.
5 - التركيز على اثارة الأفكار والعقول والكف عن مخاطبة الغرائز والعواطف.
6 - التركيز على وضع سيناريوهات وخطط لمستقبل الدولة المصرية والخروج من دائرة الماضي وتصفية الحسابات.
ويكشف الوزير السابق كيف أن الثوار كانوا يذهبون اليه سرا من وراء زملائهم، وكان أعلاهم صوتا من لم يشاركوا في الثورة، يقول انه بعد اجتماعه دون تحفظات مع عدد من الثوار، أنه ليس كل من يدعي أنه ثائر يمكن تصديقه.
معاناة اتخاذ القرار
وفي الفصل الثالث «معاناة في اتخاذ القرار» يرصد أسامة هيكل المشكلات التي واجهت حكومة عصام شرف، وصعوبة اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
ويتناول مليونية الجمعة 29 يوليو، التي أعلنت جماعة «الاخوان المسلمين» أنها ستنظمها تحت اسم جمعة «لم الشمل».
وقال: «اقترحت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا أن تمنع وزارة الداخلية أوتوبيسات الجماعة من الوصول للقاهرة، وتخوفت من انضمام بعض منظمات المجتمع المدني الممولة أجنبيا لهذه المليونية، وهو ما قد يترتب عليه أحداث عنف».
لكن وزير الداخلية اللواء منصور عيسوي قال ان «الاخوان سيتساءلون عن أسباب منعهم من دخول ميدان التحرير، بينما يتم السماح لغيرهم بالرغم من أنها مظاهرة سلمية حسبما أعلنوا».
وأضاف هيكل: «كنت أشعر بالقلق من تكرار الحديث عن مشكلات داخلية لا تجد طريقها للحل، فقد أثار وزير التضامن الاجتماعي الدكتور جودة عبدالخالق أكثر من 3 مرات في اجتماعات متتالية أزمة الأرز، وأرجعها في كل مرة الى احتكار «5» من كبار التجار للأرز، وتدخلت في اجتماع الأربعاء 17 أغسطس مستنكرا تكرار الشكوى من الأزمة، وقلت ان الحكومة عليها أن تثبت قدرتها على الحفاظ على مصالح الشعب، فاما أن تتخذ قرارا فوريا بمصادرة هذه الكميات التي بحوزة هؤلاء التجار الخمسة، أو أن يتم نشر أسمائهم اعلاميا، وأيدني في الرأي نائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي، بينما أشار وزير السياحة منير فخري عبدالنور الى أن القانون الخاص بمنع الممارسات الاحتكارية لا يسمح بذلك، فأكد وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي أن القانون يمنح الحاكم العسكري حق اصدار قرارات لمواجهة الأزمات».
ورغم كثرة الاقتراحات لم يتخذ أي اجراء، وظلت الأزمة محتدمة عدة أسابيع، وفاجأنا الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعي بتصور آخر لحل الأزمة خلال الأسابيع التالية، حيث اقترح ضرورة تغيير ثقافة الغذاء في مصر، وأن يتعلم الناس كيف يصنعون «المحشي» بلسان العصفور بدلا من الأرز، ووقتها اعتبرنا الأمر مزحة، بينما كان الوزير يتكلم بمنتهى الجدية وطبعا، لم تكن قضية تغيير ثقافة الغذاء أمرا ممكنا بالنسبة لحكومة تعمل في مرحلة انتقالية عليها أن تواجه الأزمات.
أزمة الجزيرة مباشر
ورصد هيكل دور قناة الجزيرة مباشر مصر، واحتدام النقاش داخل مجلس الوزراء حول عملها دون تصريح مخترقة السيادة المصرية، وقال ان التنظيم الاعلامي المصري أعوج.
وأضاف: النظام السابق فتح الباب للقنوات الخاصة المملوكة لبعض رجال الأعمال، لكنه كان يعرف جيدا كيف يتعامل مع هؤلاء، ولم يكن هناك تنظيم قانوني محكم ينظم العلاقة بين الاعلام والمجتمع، فالقنوات الفضائية تصدر بترخيص من هيئة الاستثمار دون أن يكون لوزارة الاعلام أو أي جهة تنظيمية اعلامية دخل بها، ولا توجد سلطة لوزارة الاعلام فعليا على منح أو الغاء ترخيص لهذه الشركات المساهمة المصرية، وتنحصر مسؤولية وزارة الاعلام على مكاتب الاعلام الأجنبية في مصر.
وهنا قاطعتني الوزيرة فايزة أبو النجا قائلة: ان وزير الاعلام السابق أنس الفقي أغلق قناة أوربت، وهنا تدخل وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي في الحوار، قائلا: ان وزير الاعلام السابق أصدر قرارات باغلاق قنوات خاصة ولا توجد مشكلة في ذلك، فاقترحت صدور توصية من مجلس الوزراء بوقف اصدار التراخيص لفضائيات جديدة في الوقت الحالي لحين الاتفاق على شكل قانوني، خصوصا وأن هناك قنوات جديدة قد بدأت في العمل وحولها شكوك في مصادر التمويل.
وقالت الوزيرة أبوالنجا: انه يجب وقف تراخيص الفضائيات الجديدة، ويجب وضع أسلوب للتعامل مع القنوات الموجودة حاليا، أما قضية الجمعيات الأهلية الممولة فيرويها هيكل كما وردت على لسان الوزراء في اجتماعهم، وقال:«خلال الاجتماع نفسه طالب الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعي باصدار قرار بغلق هذه الجمعيات، وأضاف وزير العدل: انه يجب أيضا أن يتضمن القرار مصادرة جميع الممتلكات والتحفظ عليها وتجميد أرصدتها بالبنوك.
واقترحت الوزيرة فايزة أبوالنجا حل الجمعيات الأهلية المرخصة أيضا التي تخالف القانون، وطلب وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي أن يكون قرار الغلق محددا بجمعيات محددة غير حاصلة على ترخيص، وليس جميع الجمعيات غير الحاصلة على ترخيص لأنها كثيرة جدا، وهنا انتبهت الوزيرة فايزة أبوالنجا الى أن وزير الداخلية لديه شعور بالقلق، فقالت يجب اتخاذ الاجراءات القانونية، التي تمكن وزير الداخلية من التعامل مع الجهات والمكاتب التي تمس الأمن القومي المصري، فرد وزير الداخلية: لا أريد تنفيذ قرار ضد مكتب تابع لدولة أجنبية وتكون هناك مناقضة من وزارة الخارجية فيما بعد.
فأوضحت أبوالنجا أن الخارجية أرسلت مذكرة لرئيس الوزراء وبالفعل أوصت فيها بغلق مكتبي المعهد الجمهوري والمعهد الديموقراطي غير المرخصين، وعندما قيل أن وزير الخارجية الأميركية في هذا التوقيت هيلاري كلينتون أبدت اعتراضها، قالت أبوالنجا انها «وقحة».
وفي اليوم التالي، تم عرض موقف المكاتب الاعلامية الخارجية عليّ، وفوجئت في التقرير المقدم أن هناك 6 مكاتب اعلامية خارجية تعمل دون ترخيص، 5 منها انتهت تراخيصها ولم تجددها، والحالة السادسة هي حالة الجزيرة - مباشر مصر التي ثبت أنها تعمل في مصر دون ترخيص، وحينما سألت عن سبب تركها، لم أجد اجابة محددة أكثر من أن أحدا لم يكن قادرا على المواجهة، فقمت بالتأشير على المذكرة «تطبق الاجراءات القانونية»، والتي تقضي بتوجيه انذار للمكاتب الخمسة، وكان الاجراء القانوني بالنسبة للمكتب الاعلامي الخارجي الخاص بالجزيرة مباشر مصر هو اخطار شرطة المصنفات الفنية لاغلاقها لأنها انتهكت السيادة الوطنية وعملت على أرض مصر دون ترخيص.
مذبحة ماسبيرو
في الفصل الرابع يتتبع هيكل كيف بدأت أحداث مذبحة ماسبيرو والى أين انتهت وتفاصيل اجتماع مجلس الوزراء عقبها، حيث كشف التقرير الأمني عن أن بعض المنظمات استثمرت حادث كنيسة الماريناب بتصعيد الموقف، وتم تحريض أبناء الطبقات الشعبية على تنظيم مسيرات احتجاج عقب قداس الأحد 9 أكتوبر 2011 للانضمام للمظاهرات أمام مبنى اتحاد الاذاعة والتلفزيون.
وتجمع ظهر ذلك اليوم أربعة آلاف مواطن بدوران شبرا بزعامة المحامي جبرائيل والقس فلوباتير والقس ماتيوس، وتم توزيع منشور بعنوان «دولة الحق والمساواة» يطالب باقالة محافظ أسوان واصدار قانون موحد لدور العبادة، وتقديم الضباط والمسؤولين عن اعتداءات كنيسة الماريناب الى المحاكمة.
التقرير الأمني ذكر أيضا أن اشتباكات حدثت في منطقة «الحكر» بالقللي وحدث تبادل للقذف بالزجاجات الفارغة والحجارة، واشعال النيران في بعض السيارات على جانبي الطريق، وعقب وصول المتظاهرين الى مبنى الاذاعة والتلفزيون الذين بلغ عددهم 8 آلاف شخص وقطعوا الطريق في الاتجاهين، وقذفوا الحجارة وزجاجات المولوتوف في اتجاه القوات المسلحة، لكن القوات المسلحة تصدت لهم لتفريقهم، وأطلقت أعيرة نارية في الهواء، فألقى المتظاهرون زجاجات مولوتوف على مدرعة للجيش وأتوبيس وسيارة جيب لقوات الأمن المركزي، وتعدوا على القوات بالأسلحة البيضاء، وسقط خلال الاشتباكات عدد من القتلى والجرحى، بينهم 3 جنود من أفراد القوات المسلحة.
وهنا تصدى 600 شخص من أهالي بولاق للمتظاهرين لحماية ممتلكاتهم، وتجمع نحو 500 شخص من الأهالي وتوجهوا للعباسية وقاموا باتلاف محل خمور، كما تم حرق 8 سيارات أمام المستشفى القبطي.
وتعرض التقرير لقناة «الطريق» القبطية التي يملكها المواطن المصري الأصل جوزيف نصر الله، ويتم بثها من الولايات المتحدة، وتقوم بتحريض الأقباط في مصر على الوجود في الشارع لاثارة الفتنة.
كما بثت اعلانا يتضمن التبرع بكروت شحن تلفون لمراسلي القناة حتى يتمكنوا من تغطية الأحداث، وانتهى التقرير التفصيلي بتحذير من توسيع نطاق الفتنة الطائفية، وقدم مقترحات عدة منها تحرك المحافظين على مستوى واسع لاحتواء الأزمة، وقيام مسؤول على مستوى عال بالاتصال بالبابا شنودة الثالث لحضه على توعية القيادات الدينية بالكنيسة. وتحقيق اتصال بالقيادات السلفية للتنبيه عليهم باحتواء المواقف، وعدم اثارة النعرة الطائفية بالبلاد، وتفعيل مبادرة بيت العائلة لمواجهة الأزمات الطائفية، وسرعة اصدار قانون دور العبادة الموحد والاتصال بوزير الأوقاف لحث أئمة المساجد على تهدئة التوتر الطائفي في خطبة الجمعة، ودراسة امكانية ضبط واحضار العناصر المحرّضة على الفتنة الطائفية واتخاذ الاجراءات القانونية ضدها، وذكر التقرير عددا من أسماء المحرضين الذين برأتهم تحقيقات النيابة في وقت لاحق.
ردود أفعال الوزراء
وكانت ردود أفعال الوزراء ازاء حادث «ماسبيرو» مختلفة وأحيانا متناقضة. حيث أعرب جودة عبد الخالق عن شعوره بالخزي والعار لوصول مصر الى حد أن تكون الديانة أساسا لتمييز عنصري، وقال، ان الدولة على المحك خصوصا في ظل وجود مخططات لتجزئة الوطن، وطالب بمزيد من الحسم في التعامل مع قضية الفتنة الطائفية، وأبدى اعتراضه على استعانة وزير الداخلية بالرموز الدينية في تهدئة الأحداث والتوترات في منطقة ماسبيرو لأنها قضية سياسية وليست دينية.
وبدأ منصور عيسوي وزير الداخلية والذي كان يجلس بالقرب مني في التوتر والضيق مما سمعه، خصوصا أنه لم يسترح منذ بداية الأحداث، ورد قائلا: ان قادة السلفيين لهم سلطة قوية على أعضاء الجماعات السلفية، وهذا ما دفعه للاتصال بهم. وقال ان المجلس العسكري ومجلس الوزراء لايتمتعان بهذه السلطة على السلفيين، ولو كان الاخوان المسلمون مشاركين في المظاهرات لا تصل بالمجلس العسكري أو بمجلس الوزراء للاتصال بهم.
وتدخلت الوزيرة فايزة أبوالنجا قائلة: ان الظروف التي تمر بها مصر حاليا قد تؤدي الى حرب أهلية، خصوصا اذا تكررت أحداث الفتنة الطائفية، وعلى الرغم من اختلاف منهج الحكومات المتتالية في حل هذه المشكلة، فانها اتفقت على ضرورة معالجة أسباب الأزمة من جذورها.
ونحن نتفق جميعا على وجود أجندات خاصة داخلية أو خارجية تستغل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر في تحقيق هدفها وهو اسقاط الدولة بالكامل، وعلينا أن ندرك أن دور هذه الحكومة يفوق في أهميته جميع الحكومات السابقة، ولا يمكن القبول بالاجراء السهل وهو الاستقالة، ولكن علينا أن نتحمل مسؤولياتنا ونواجه الأزمة بكل تداعياتها. واعترضت «أبوالنجا» على عدم احتجاج الحكومة على تشكيل أحزاب سلفية، والتي وصفتها بـ «الرجعية» والتناول الاعلامي لبعض القنوات الفضائية المسيحية والاسلامية، والذي يتسم بالتحريض والاستفزاز ولاتتخذ الدولة أي اجراء ضدهم، واقترحت عقد اجتماع طارئ مشترك مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاصدار جميع القرارات المطلوبة، وتنفيذها فورا.
قلق في الحكومة
واختص الوزير الفصل الخامس من الكتاب تحت عنوان «قلق في مجلس الوزراء» بمناقشات الحكومة حول الانتخابات البرلمانية والمشكلات التي تتفجر قبل اجرائها، ويرصد أسامة هيكل أن الوزير (وقتها) هشام قنديل لم يتحدث الا قليلا، وكان يركز فقط على أهمية اجراء الانتخابات البرلمانية بأقصى سرعة، وفي اجتماع يوم الأربعاء 2 نوفمبر 2011، أثيرت قضايا عدة منها قضية على بساطتها الا أن مناقشاتها رسخت انطباعا جديدا بأن هناك مشكلة في اتخاذ القرار داخل الحكومة، لاسيما في ما يتعلق بالمشكلات الأمنية، فقد تم طرح قضية زيادة عدد الموتوسيكلات والتوك توك غير المرخصة، حيث كانت تظهر أعداداً كبيرة من الموتوسيكلات دون لوحات معدنية خلال الحوادث الكبيرة مثل حادث البالون وماسبيرو والسفارة الاسرائيلية، وكان واضحا أن لها دورا واستخداما من قبل المنفذين لأحداث العنف.
وحينما بدأت المناقشات، أعلن منصور العيسوي وزير الداخلية أن هناك تزايدا ملحوظا في أعداد التوك توك، والتي لم يتم ترخيص سوى 45490 توك توك منها فقط، وأن هناك أعدادا هائلة لم يتم ترخيصها، كما تم ضبط 9842 دراجة بخارية خلال الأيام العشرة التي سبقت الاجتماع منها 3732 غير مرخصة، فاقترحت فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي تحريز المضبوطات غير المرخصة، لكي تستفيد منها وزارة الانتاج الحربي.
فقال وزير الداخلية، ان هذا يعرض وزارة الداخلية للمسؤولية لأنه تصرف غير قانوني، وليس من حق الوزارة مصادرة هذه الموتوسيكلات، ولكن هذا حق المحكمة!! فطلبت خلال المناقشة اصدار تشريع يتم بموجبه مصادرة جميع الدراجات البخارية غير المرخصة ومنع استيراد الموتوسيكلات ثنائية الأشواط، ووقف استيراد التوك توك، وبعدها تبدأ حملات مكثفة لضبط هذه المركبات غير المرخصة، فقال وزير الداخلية: ان وزارته لا توجد بها أماكن تتسع لهذه الأعداد الضخمة من الموتوسيكلات التي يتم ضبطها.
وأكد على اقتراحي، كما يقول أسامة هيكل - باصدار تشريع يبيح مصادرة المركبات غير المرخصة حتى لا ترتكب الداخلية مخالفة قانونية، فاقترح رئيس الوزراء عمل ساحات تخزين لاستيعاب الأعداد الضخمة من الموتوسيكلات المضبوطة، وتكليف وزير العدل باصدار التشريع اللازم لمصادرة جميع الدراجات غير المرخصة ونقل ملكيتها للدولة، وكان هناك شبه اتفاق على هذا الاجراء، الا أن رئيس الوزراء تخوف من منع الاستيراد حتى لا يؤثر سلبا بردود أفعال يصعب مواجهتها، لكن «الدكتور عماد أبوغازي» وزير الثقافة رأى أن منع الاستيراد لن يحد من الظاهرة، خصوصا أن هذه الموتوسيكلات موجودة في جميع أرجاء الجمهورية منذ أحداث الثورة. وانتهت المناقشات بعد أكثر من ساعة بالاتفاق على اعداد تشريع للتعامل مع الموتوسيكلات والتوك توك غير المرخصة والمحتجزة في أقسام المرور، واحكام الرقابة عليها من خلال تنظيم وتقنين تسييرها، وكنت أرى أن الوصول الى هذه التوصيات لم يكن يتطلب كل هذه المناقشة، كما يرصد الفصل نفسه مناقشات مشكلات الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وحصار ميناء دمياط، وموقف الاخوان من وثيقة السلمي، وهنا يكشف هيكل عن تفاصيل مريعة توضح تآمر الاخوان منذ البداية للانفراد بكل شيء في البلد.
مليونية الجمعية
وفي الاجتماع نفسه، تمت مناقشة قضية مليونية الجمعة التالية، والتي أعلن الاخوان أنهم سينظمونها احتجاجا على وثيقة السلمي، فقالت الدكتور فايزة أبوالنجا: «يجب ألا نرتعش من مظاهرات الاخوان، ولا توجد مشكلة في نزولهم لأننا لو أظهرنا تخوفنا ستزداد ضغوطهم»، ورد عليها الدكتور هشام قنديل وزير الموارد المالية والري، والذي لم يكن يتدخل كثيرا في مناقشة الأمور السياسية قائلا: «بل يجب أن نرتعش من وجود مليوني مصري في التحرير. خصوصا مع صعوبة فتح ميناء دمياط».
فردت عليه الوزيرة: «يمكنك أن ترتعش بمفردك ولا أحد يمانع في التظاهر، ولكن لا ينبغي أن تظهر الحكومة تخوفها من هذه المظاهرات»، وتدخل وزير الداخلية منصور العيسوي قائلا: يجب التفاهم مع الاخوان، فقال وزير الاتصالات المهندس محمد سالم، ان الدكتور علي السلمي ومنير فخري عبدالنور ذهبا للاجتماع معهم، فرد وزير الداخلية انهما اجتمعا مع الدكتور وحيد عبدالمجيد، المحسوب على التيار الليبرالي وليس الاخوان.
فقال المهندس محمد سالم ان وحيد عبدالمجيد هو المتحدث باسم الاخوان في مليونية بعد غد.
والحقيقة أن قضية المبادئ الدستورية كانت تؤرق جميع المصريين، منذ صدور الاعلان الدستوري في 30 مارس 2011، والذي تحدد فيه وضع الدستور بعد الانتخابات البرلمانية. وظهرت فكرة وضع وثيقة مبادئ دستورية أساسية تكون ملزمة لأي لجنة مقبلة تضع الدستور، حتى تكون هذه الوثيقة ضمانة لمنع انفراد أي فصيل سياسي يفوز بأغلبية البرلمان بوضع مواد دستورية تناسب توجهاته فقط دون أن يكون معبرا عن جميع أبناء الشعب وطوائفه واتجاهاته.
وثيقة اخوانية
وكانت جماعة الاخوان، نفسها قد أعدت وثيقة تحت عنوان «معا نبدأ البناء.. مبادرة من أجل مصر» كما قامت أحزاب وائتلافات سياسية أخرى بوضع وثائق أخرى، ومع تزايد الجدل في المجتمع حول شكل الدستور المقبل، عقد اجتماع في 14 يونيو 2011 حضره ممثلو 12 حزبا سياسيا منها: الوفد و«الحرية والعدالة»، وتم الاتفاق على الالتزام بمدنية الدولة وسيادة القانون والمواطنة كأسس حاكمة وملزمة لأي حزب سياسي، ولا يكون من حقه التراجع عنها، وفي عصر الخميس 17 نوفمبر، عقد عصام شرف اجتماعا مع ممثلي الاخوان، وهما الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، والدكتور محمد عبدالمقصود ممثلا للجمعية الشرعية، لاثناء الاخوان عن تنظيم المليونية.
وقال شرف: انه تم سحب الوثيقة نهائيا، فاستحسن مرسي وعبدالمقصود الأمر، ولكنهما لم يتراجعا عن المليونية، وقالا ان موعد التراجع قد فات، ولن تكون مليونية ضد الحكومة، وكان هذا كلاما غير مريح، وانعقدت بالفعل مليونية حاشدة يوم الجمعة 18 نوفمبر 2011، وعرفت اعلاميا باسم مليونية «وثيقة السلمي» وتم خلالها رفض الوثيقة التي كان الاخوان على علم تام بأنها سحبت، كما تمت الدعوة لاسقاط الحكومة بسبب هذه الوثيقة.
المجلس العسكري
في الفصل الأخير تحت عنوان «في المجلس العسكري» يرصد هيكل في البداية كواليس اللقاءات التي كانت تدور بين قادة المجلس العسكري، وأكد أن المشير طنطاوي رفض طلبات عدة باطلاق النار على المتظاهرين في أحداث ماسبيرو والعباسية وغيرهما من الأحداث.
كما رصد هيكل كواليس استقالة حكومة عصام شرف، تحت ضغط الاخوان من جهة والثوار من جهة أخرى، رغم أن عصام شرف نفسه جاء رئيسا للوزراء من ميدان التحرير، ثم ترشيح الدكتور محمد البرادعي رئيس وكالة الطاقة الذرية سابقا، ورفض المشير طنطاوي لترشيحه، رغم أن من اقترحه هو الفريق سامي عنان، وكان هناك مرشحان آخران أيضا لتولي رئاسة الحكومة هما عمرو موسى وحازم الببلاوي وتم استبعادهما لأسباب مختلفة، ورجحت كفة الدكتور كمال الجنزوري الذي كنت أحد الذين اقترحوا اسمه لتولي الحكومة.
ولكن المفأجاة أن الجنزوري كان يحب الظهور الاعلامي منفردا وكان يشكو من عدم ظهور صورته بشكل جيد في الاعلام خلال فترة تشكيل الحكومة، ويتضمن الفصل تفاصيل محزنة عند تشكيل حكومة الجنزوري، حول أسباب استبعاد وزير الاعلام من التشكيل بعد تلقيه تهديدا من صفوت حجازي بحرق ماسبيرو لو ظل أسامة هيكل وزيرا للاعلام، وهو ما لقي هوى عند الجنزوري الذي كان يرفض أي نقد يوجه له بخصوص مشروع توشكى، وكان أسامة هيكل أحد الذين انتقدوه بشدة.
http://www.alraimedia.com/Resources/ArticlesPictures/2013/02/11/1360415870029256300_main.jpg (http://www.alraimedia.com/Resources/ArticlesPictures/2013/02/11/1360415870029256300.jpg)
|القاهرة - من أغاريد مصطفى|
في كتابه الجديد «150 يوما في تاريخ مصر... حقيقة في زمن الكذب» قدم وزير الاعلام الأسبق رئيس تحرير جريدة الوفد السابق أسامة هيكل رؤية شاهد عيان على حكومة الدكتور عصام شرف والوقائع التي جرت أيامها مثل أحداث محمد محمود، ومذبحة ماسبيرو، وتناول ظروف ثورة 25 يناير، وتحول عدد من الاعلاميين والسياسيين من نفاق نظام مبارك الى نفاق شباب الثورة.
ومناورات «الاخوان» في استخدام الظروف، وفن اطلاق المليونيات للتأثير على القرار السياسي بشكل يصب في مصلحته، وأنهم كانوا مشغولين بتنفيذ خطة الوصول الى الحكم ليصبحوا هم المستفيد الوحيد، بينما كانت القوى المدنية مشغولة بثورتها.
عندما تسلم أسامة هيكل منصبه وزيرا للاعلام بعد اتصال من رئيس الوزراء عصام شرف في 6 يوليو 2011 فوجئ بكم الاضرابات والاعتصامات في مبنى الاذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، ومدى الانهيار الذي وصل اليه، ومن بينها التفاوت الكبير في الأجور، فبعض العاملين يتقاضون 300 جنيه و400 جنيه شهريا، وهناك مذيعة تقاضت 750 ألف جنيه، فانزعجت جدا.
ويوضح هيكل كيف تحول التلفزيون المصري بكل امكاناته وقنواته واذاعاته الى بوق في مسيرة التوريث، لكي يسلم الرئيس البلد الى ابنه، وقيام أنس الفقي بالمهمة، ويتناول هيكل خطته لهيكلة الاعلام المصري بعد عرضها على رئيس مجلس الوزراء، ثم على المجلس العسكري، الذي نبه على عصام شرف بأن يوفر كل الدعم لأسامة هيكل حتى ينجح في مهمته، وكانت الخطة تعتمد على تحديد السياسة الاعلامية للاعلام الرسمي خلال المرحلة الانتقالية في ست نقاط رئيسة هي:
1 - أن ثورة حقيقية قد حدثت في مصر يوم 25 يناير، ولا بد أن يعمل الاعلام الرسمي على تحقيق أهدافها.
2 - أن الثورة قام بها الشعب وساندتها وحمتها القوات المسلحة، وينبغي الحفاظ على وحدة الشعب والقوات المسلحة حتى تتحقق أهداف الثورة.
3 - التصدي لمحاولات الفتنة والوقيعة بين الشعب والقوات المسلحة، أو أي فصيل آخر داخل المجتمع المصري.
4 - لا اقصاء لأي فئة من الاعلام الرسمي، ولا استئثار لفئة به.
5 - التركيز على اثارة الأفكار والعقول والكف عن مخاطبة الغرائز والعواطف.
6 - التركيز على وضع سيناريوهات وخطط لمستقبل الدولة المصرية والخروج من دائرة الماضي وتصفية الحسابات.
ويكشف الوزير السابق كيف أن الثوار كانوا يذهبون اليه سرا من وراء زملائهم، وكان أعلاهم صوتا من لم يشاركوا في الثورة، يقول انه بعد اجتماعه دون تحفظات مع عدد من الثوار، أنه ليس كل من يدعي أنه ثائر يمكن تصديقه.
معاناة اتخاذ القرار
وفي الفصل الثالث «معاناة في اتخاذ القرار» يرصد أسامة هيكل المشكلات التي واجهت حكومة عصام شرف، وصعوبة اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
ويتناول مليونية الجمعة 29 يوليو، التي أعلنت جماعة «الاخوان المسلمين» أنها ستنظمها تحت اسم جمعة «لم الشمل».
وقال: «اقترحت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا أن تمنع وزارة الداخلية أوتوبيسات الجماعة من الوصول للقاهرة، وتخوفت من انضمام بعض منظمات المجتمع المدني الممولة أجنبيا لهذه المليونية، وهو ما قد يترتب عليه أحداث عنف».
لكن وزير الداخلية اللواء منصور عيسوي قال ان «الاخوان سيتساءلون عن أسباب منعهم من دخول ميدان التحرير، بينما يتم السماح لغيرهم بالرغم من أنها مظاهرة سلمية حسبما أعلنوا».
وأضاف هيكل: «كنت أشعر بالقلق من تكرار الحديث عن مشكلات داخلية لا تجد طريقها للحل، فقد أثار وزير التضامن الاجتماعي الدكتور جودة عبدالخالق أكثر من 3 مرات في اجتماعات متتالية أزمة الأرز، وأرجعها في كل مرة الى احتكار «5» من كبار التجار للأرز، وتدخلت في اجتماع الأربعاء 17 أغسطس مستنكرا تكرار الشكوى من الأزمة، وقلت ان الحكومة عليها أن تثبت قدرتها على الحفاظ على مصالح الشعب، فاما أن تتخذ قرارا فوريا بمصادرة هذه الكميات التي بحوزة هؤلاء التجار الخمسة، أو أن يتم نشر أسمائهم اعلاميا، وأيدني في الرأي نائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي، بينما أشار وزير السياحة منير فخري عبدالنور الى أن القانون الخاص بمنع الممارسات الاحتكارية لا يسمح بذلك، فأكد وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي أن القانون يمنح الحاكم العسكري حق اصدار قرارات لمواجهة الأزمات».
ورغم كثرة الاقتراحات لم يتخذ أي اجراء، وظلت الأزمة محتدمة عدة أسابيع، وفاجأنا الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعي بتصور آخر لحل الأزمة خلال الأسابيع التالية، حيث اقترح ضرورة تغيير ثقافة الغذاء في مصر، وأن يتعلم الناس كيف يصنعون «المحشي» بلسان العصفور بدلا من الأرز، ووقتها اعتبرنا الأمر مزحة، بينما كان الوزير يتكلم بمنتهى الجدية وطبعا، لم تكن قضية تغيير ثقافة الغذاء أمرا ممكنا بالنسبة لحكومة تعمل في مرحلة انتقالية عليها أن تواجه الأزمات.
أزمة الجزيرة مباشر
ورصد هيكل دور قناة الجزيرة مباشر مصر، واحتدام النقاش داخل مجلس الوزراء حول عملها دون تصريح مخترقة السيادة المصرية، وقال ان التنظيم الاعلامي المصري أعوج.
وأضاف: النظام السابق فتح الباب للقنوات الخاصة المملوكة لبعض رجال الأعمال، لكنه كان يعرف جيدا كيف يتعامل مع هؤلاء، ولم يكن هناك تنظيم قانوني محكم ينظم العلاقة بين الاعلام والمجتمع، فالقنوات الفضائية تصدر بترخيص من هيئة الاستثمار دون أن يكون لوزارة الاعلام أو أي جهة تنظيمية اعلامية دخل بها، ولا توجد سلطة لوزارة الاعلام فعليا على منح أو الغاء ترخيص لهذه الشركات المساهمة المصرية، وتنحصر مسؤولية وزارة الاعلام على مكاتب الاعلام الأجنبية في مصر.
وهنا قاطعتني الوزيرة فايزة أبو النجا قائلة: ان وزير الاعلام السابق أنس الفقي أغلق قناة أوربت، وهنا تدخل وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي في الحوار، قائلا: ان وزير الاعلام السابق أصدر قرارات باغلاق قنوات خاصة ولا توجد مشكلة في ذلك، فاقترحت صدور توصية من مجلس الوزراء بوقف اصدار التراخيص لفضائيات جديدة في الوقت الحالي لحين الاتفاق على شكل قانوني، خصوصا وأن هناك قنوات جديدة قد بدأت في العمل وحولها شكوك في مصادر التمويل.
وقالت الوزيرة أبوالنجا: انه يجب وقف تراخيص الفضائيات الجديدة، ويجب وضع أسلوب للتعامل مع القنوات الموجودة حاليا، أما قضية الجمعيات الأهلية الممولة فيرويها هيكل كما وردت على لسان الوزراء في اجتماعهم، وقال:«خلال الاجتماع نفسه طالب الدكتور جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعي باصدار قرار بغلق هذه الجمعيات، وأضاف وزير العدل: انه يجب أيضا أن يتضمن القرار مصادرة جميع الممتلكات والتحفظ عليها وتجميد أرصدتها بالبنوك.
واقترحت الوزيرة فايزة أبوالنجا حل الجمعيات الأهلية المرخصة أيضا التي تخالف القانون، وطلب وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي أن يكون قرار الغلق محددا بجمعيات محددة غير حاصلة على ترخيص، وليس جميع الجمعيات غير الحاصلة على ترخيص لأنها كثيرة جدا، وهنا انتبهت الوزيرة فايزة أبوالنجا الى أن وزير الداخلية لديه شعور بالقلق، فقالت يجب اتخاذ الاجراءات القانونية، التي تمكن وزير الداخلية من التعامل مع الجهات والمكاتب التي تمس الأمن القومي المصري، فرد وزير الداخلية: لا أريد تنفيذ قرار ضد مكتب تابع لدولة أجنبية وتكون هناك مناقضة من وزارة الخارجية فيما بعد.
فأوضحت أبوالنجا أن الخارجية أرسلت مذكرة لرئيس الوزراء وبالفعل أوصت فيها بغلق مكتبي المعهد الجمهوري والمعهد الديموقراطي غير المرخصين، وعندما قيل أن وزير الخارجية الأميركية في هذا التوقيت هيلاري كلينتون أبدت اعتراضها، قالت أبوالنجا انها «وقحة».
وفي اليوم التالي، تم عرض موقف المكاتب الاعلامية الخارجية عليّ، وفوجئت في التقرير المقدم أن هناك 6 مكاتب اعلامية خارجية تعمل دون ترخيص، 5 منها انتهت تراخيصها ولم تجددها، والحالة السادسة هي حالة الجزيرة - مباشر مصر التي ثبت أنها تعمل في مصر دون ترخيص، وحينما سألت عن سبب تركها، لم أجد اجابة محددة أكثر من أن أحدا لم يكن قادرا على المواجهة، فقمت بالتأشير على المذكرة «تطبق الاجراءات القانونية»، والتي تقضي بتوجيه انذار للمكاتب الخمسة، وكان الاجراء القانوني بالنسبة للمكتب الاعلامي الخارجي الخاص بالجزيرة مباشر مصر هو اخطار شرطة المصنفات الفنية لاغلاقها لأنها انتهكت السيادة الوطنية وعملت على أرض مصر دون ترخيص.
مذبحة ماسبيرو
في الفصل الرابع يتتبع هيكل كيف بدأت أحداث مذبحة ماسبيرو والى أين انتهت وتفاصيل اجتماع مجلس الوزراء عقبها، حيث كشف التقرير الأمني عن أن بعض المنظمات استثمرت حادث كنيسة الماريناب بتصعيد الموقف، وتم تحريض أبناء الطبقات الشعبية على تنظيم مسيرات احتجاج عقب قداس الأحد 9 أكتوبر 2011 للانضمام للمظاهرات أمام مبنى اتحاد الاذاعة والتلفزيون.
وتجمع ظهر ذلك اليوم أربعة آلاف مواطن بدوران شبرا بزعامة المحامي جبرائيل والقس فلوباتير والقس ماتيوس، وتم توزيع منشور بعنوان «دولة الحق والمساواة» يطالب باقالة محافظ أسوان واصدار قانون موحد لدور العبادة، وتقديم الضباط والمسؤولين عن اعتداءات كنيسة الماريناب الى المحاكمة.
التقرير الأمني ذكر أيضا أن اشتباكات حدثت في منطقة «الحكر» بالقللي وحدث تبادل للقذف بالزجاجات الفارغة والحجارة، واشعال النيران في بعض السيارات على جانبي الطريق، وعقب وصول المتظاهرين الى مبنى الاذاعة والتلفزيون الذين بلغ عددهم 8 آلاف شخص وقطعوا الطريق في الاتجاهين، وقذفوا الحجارة وزجاجات المولوتوف في اتجاه القوات المسلحة، لكن القوات المسلحة تصدت لهم لتفريقهم، وأطلقت أعيرة نارية في الهواء، فألقى المتظاهرون زجاجات مولوتوف على مدرعة للجيش وأتوبيس وسيارة جيب لقوات الأمن المركزي، وتعدوا على القوات بالأسلحة البيضاء، وسقط خلال الاشتباكات عدد من القتلى والجرحى، بينهم 3 جنود من أفراد القوات المسلحة.
وهنا تصدى 600 شخص من أهالي بولاق للمتظاهرين لحماية ممتلكاتهم، وتجمع نحو 500 شخص من الأهالي وتوجهوا للعباسية وقاموا باتلاف محل خمور، كما تم حرق 8 سيارات أمام المستشفى القبطي.
وتعرض التقرير لقناة «الطريق» القبطية التي يملكها المواطن المصري الأصل جوزيف نصر الله، ويتم بثها من الولايات المتحدة، وتقوم بتحريض الأقباط في مصر على الوجود في الشارع لاثارة الفتنة.
كما بثت اعلانا يتضمن التبرع بكروت شحن تلفون لمراسلي القناة حتى يتمكنوا من تغطية الأحداث، وانتهى التقرير التفصيلي بتحذير من توسيع نطاق الفتنة الطائفية، وقدم مقترحات عدة منها تحرك المحافظين على مستوى واسع لاحتواء الأزمة، وقيام مسؤول على مستوى عال بالاتصال بالبابا شنودة الثالث لحضه على توعية القيادات الدينية بالكنيسة. وتحقيق اتصال بالقيادات السلفية للتنبيه عليهم باحتواء المواقف، وعدم اثارة النعرة الطائفية بالبلاد، وتفعيل مبادرة بيت العائلة لمواجهة الأزمات الطائفية، وسرعة اصدار قانون دور العبادة الموحد والاتصال بوزير الأوقاف لحث أئمة المساجد على تهدئة التوتر الطائفي في خطبة الجمعة، ودراسة امكانية ضبط واحضار العناصر المحرّضة على الفتنة الطائفية واتخاذ الاجراءات القانونية ضدها، وذكر التقرير عددا من أسماء المحرضين الذين برأتهم تحقيقات النيابة في وقت لاحق.
ردود أفعال الوزراء
وكانت ردود أفعال الوزراء ازاء حادث «ماسبيرو» مختلفة وأحيانا متناقضة. حيث أعرب جودة عبد الخالق عن شعوره بالخزي والعار لوصول مصر الى حد أن تكون الديانة أساسا لتمييز عنصري، وقال، ان الدولة على المحك خصوصا في ظل وجود مخططات لتجزئة الوطن، وطالب بمزيد من الحسم في التعامل مع قضية الفتنة الطائفية، وأبدى اعتراضه على استعانة وزير الداخلية بالرموز الدينية في تهدئة الأحداث والتوترات في منطقة ماسبيرو لأنها قضية سياسية وليست دينية.
وبدأ منصور عيسوي وزير الداخلية والذي كان يجلس بالقرب مني في التوتر والضيق مما سمعه، خصوصا أنه لم يسترح منذ بداية الأحداث، ورد قائلا: ان قادة السلفيين لهم سلطة قوية على أعضاء الجماعات السلفية، وهذا ما دفعه للاتصال بهم. وقال ان المجلس العسكري ومجلس الوزراء لايتمتعان بهذه السلطة على السلفيين، ولو كان الاخوان المسلمون مشاركين في المظاهرات لا تصل بالمجلس العسكري أو بمجلس الوزراء للاتصال بهم.
وتدخلت الوزيرة فايزة أبوالنجا قائلة: ان الظروف التي تمر بها مصر حاليا قد تؤدي الى حرب أهلية، خصوصا اذا تكررت أحداث الفتنة الطائفية، وعلى الرغم من اختلاف منهج الحكومات المتتالية في حل هذه المشكلة، فانها اتفقت على ضرورة معالجة أسباب الأزمة من جذورها.
ونحن نتفق جميعا على وجود أجندات خاصة داخلية أو خارجية تستغل الظروف الراهنة التي تمر بها مصر في تحقيق هدفها وهو اسقاط الدولة بالكامل، وعلينا أن ندرك أن دور هذه الحكومة يفوق في أهميته جميع الحكومات السابقة، ولا يمكن القبول بالاجراء السهل وهو الاستقالة، ولكن علينا أن نتحمل مسؤولياتنا ونواجه الأزمة بكل تداعياتها. واعترضت «أبوالنجا» على عدم احتجاج الحكومة على تشكيل أحزاب سلفية، والتي وصفتها بـ «الرجعية» والتناول الاعلامي لبعض القنوات الفضائية المسيحية والاسلامية، والذي يتسم بالتحريض والاستفزاز ولاتتخذ الدولة أي اجراء ضدهم، واقترحت عقد اجتماع طارئ مشترك مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاصدار جميع القرارات المطلوبة، وتنفيذها فورا.
قلق في الحكومة
واختص الوزير الفصل الخامس من الكتاب تحت عنوان «قلق في مجلس الوزراء» بمناقشات الحكومة حول الانتخابات البرلمانية والمشكلات التي تتفجر قبل اجرائها، ويرصد أسامة هيكل أن الوزير (وقتها) هشام قنديل لم يتحدث الا قليلا، وكان يركز فقط على أهمية اجراء الانتخابات البرلمانية بأقصى سرعة، وفي اجتماع يوم الأربعاء 2 نوفمبر 2011، أثيرت قضايا عدة منها قضية على بساطتها الا أن مناقشاتها رسخت انطباعا جديدا بأن هناك مشكلة في اتخاذ القرار داخل الحكومة، لاسيما في ما يتعلق بالمشكلات الأمنية، فقد تم طرح قضية زيادة عدد الموتوسيكلات والتوك توك غير المرخصة، حيث كانت تظهر أعداداً كبيرة من الموتوسيكلات دون لوحات معدنية خلال الحوادث الكبيرة مثل حادث البالون وماسبيرو والسفارة الاسرائيلية، وكان واضحا أن لها دورا واستخداما من قبل المنفذين لأحداث العنف.
وحينما بدأت المناقشات، أعلن منصور العيسوي وزير الداخلية أن هناك تزايدا ملحوظا في أعداد التوك توك، والتي لم يتم ترخيص سوى 45490 توك توك منها فقط، وأن هناك أعدادا هائلة لم يتم ترخيصها، كما تم ضبط 9842 دراجة بخارية خلال الأيام العشرة التي سبقت الاجتماع منها 3732 غير مرخصة، فاقترحت فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي تحريز المضبوطات غير المرخصة، لكي تستفيد منها وزارة الانتاج الحربي.
فقال وزير الداخلية، ان هذا يعرض وزارة الداخلية للمسؤولية لأنه تصرف غير قانوني، وليس من حق الوزارة مصادرة هذه الموتوسيكلات، ولكن هذا حق المحكمة!! فطلبت خلال المناقشة اصدار تشريع يتم بموجبه مصادرة جميع الدراجات البخارية غير المرخصة ومنع استيراد الموتوسيكلات ثنائية الأشواط، ووقف استيراد التوك توك، وبعدها تبدأ حملات مكثفة لضبط هذه المركبات غير المرخصة، فقال وزير الداخلية: ان وزارته لا توجد بها أماكن تتسع لهذه الأعداد الضخمة من الموتوسيكلات التي يتم ضبطها.
وأكد على اقتراحي، كما يقول أسامة هيكل - باصدار تشريع يبيح مصادرة المركبات غير المرخصة حتى لا ترتكب الداخلية مخالفة قانونية، فاقترح رئيس الوزراء عمل ساحات تخزين لاستيعاب الأعداد الضخمة من الموتوسيكلات المضبوطة، وتكليف وزير العدل باصدار التشريع اللازم لمصادرة جميع الدراجات غير المرخصة ونقل ملكيتها للدولة، وكان هناك شبه اتفاق على هذا الاجراء، الا أن رئيس الوزراء تخوف من منع الاستيراد حتى لا يؤثر سلبا بردود أفعال يصعب مواجهتها، لكن «الدكتور عماد أبوغازي» وزير الثقافة رأى أن منع الاستيراد لن يحد من الظاهرة، خصوصا أن هذه الموتوسيكلات موجودة في جميع أرجاء الجمهورية منذ أحداث الثورة. وانتهت المناقشات بعد أكثر من ساعة بالاتفاق على اعداد تشريع للتعامل مع الموتوسيكلات والتوك توك غير المرخصة والمحتجزة في أقسام المرور، واحكام الرقابة عليها من خلال تنظيم وتقنين تسييرها، وكنت أرى أن الوصول الى هذه التوصيات لم يكن يتطلب كل هذه المناقشة، كما يرصد الفصل نفسه مناقشات مشكلات الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وحصار ميناء دمياط، وموقف الاخوان من وثيقة السلمي، وهنا يكشف هيكل عن تفاصيل مريعة توضح تآمر الاخوان منذ البداية للانفراد بكل شيء في البلد.
مليونية الجمعية
وفي الاجتماع نفسه، تمت مناقشة قضية مليونية الجمعة التالية، والتي أعلن الاخوان أنهم سينظمونها احتجاجا على وثيقة السلمي، فقالت الدكتور فايزة أبوالنجا: «يجب ألا نرتعش من مظاهرات الاخوان، ولا توجد مشكلة في نزولهم لأننا لو أظهرنا تخوفنا ستزداد ضغوطهم»، ورد عليها الدكتور هشام قنديل وزير الموارد المالية والري، والذي لم يكن يتدخل كثيرا في مناقشة الأمور السياسية قائلا: «بل يجب أن نرتعش من وجود مليوني مصري في التحرير. خصوصا مع صعوبة فتح ميناء دمياط».
فردت عليه الوزيرة: «يمكنك أن ترتعش بمفردك ولا أحد يمانع في التظاهر، ولكن لا ينبغي أن تظهر الحكومة تخوفها من هذه المظاهرات»، وتدخل وزير الداخلية منصور العيسوي قائلا: يجب التفاهم مع الاخوان، فقال وزير الاتصالات المهندس محمد سالم، ان الدكتور علي السلمي ومنير فخري عبدالنور ذهبا للاجتماع معهم، فرد وزير الداخلية انهما اجتمعا مع الدكتور وحيد عبدالمجيد، المحسوب على التيار الليبرالي وليس الاخوان.
فقال المهندس محمد سالم ان وحيد عبدالمجيد هو المتحدث باسم الاخوان في مليونية بعد غد.
والحقيقة أن قضية المبادئ الدستورية كانت تؤرق جميع المصريين، منذ صدور الاعلان الدستوري في 30 مارس 2011، والذي تحدد فيه وضع الدستور بعد الانتخابات البرلمانية. وظهرت فكرة وضع وثيقة مبادئ دستورية أساسية تكون ملزمة لأي لجنة مقبلة تضع الدستور، حتى تكون هذه الوثيقة ضمانة لمنع انفراد أي فصيل سياسي يفوز بأغلبية البرلمان بوضع مواد دستورية تناسب توجهاته فقط دون أن يكون معبرا عن جميع أبناء الشعب وطوائفه واتجاهاته.
وثيقة اخوانية
وكانت جماعة الاخوان، نفسها قد أعدت وثيقة تحت عنوان «معا نبدأ البناء.. مبادرة من أجل مصر» كما قامت أحزاب وائتلافات سياسية أخرى بوضع وثائق أخرى، ومع تزايد الجدل في المجتمع حول شكل الدستور المقبل، عقد اجتماع في 14 يونيو 2011 حضره ممثلو 12 حزبا سياسيا منها: الوفد و«الحرية والعدالة»، وتم الاتفاق على الالتزام بمدنية الدولة وسيادة القانون والمواطنة كأسس حاكمة وملزمة لأي حزب سياسي، ولا يكون من حقه التراجع عنها، وفي عصر الخميس 17 نوفمبر، عقد عصام شرف اجتماعا مع ممثلي الاخوان، وهما الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، والدكتور محمد عبدالمقصود ممثلا للجمعية الشرعية، لاثناء الاخوان عن تنظيم المليونية.
وقال شرف: انه تم سحب الوثيقة نهائيا، فاستحسن مرسي وعبدالمقصود الأمر، ولكنهما لم يتراجعا عن المليونية، وقالا ان موعد التراجع قد فات، ولن تكون مليونية ضد الحكومة، وكان هذا كلاما غير مريح، وانعقدت بالفعل مليونية حاشدة يوم الجمعة 18 نوفمبر 2011، وعرفت اعلاميا باسم مليونية «وثيقة السلمي» وتم خلالها رفض الوثيقة التي كان الاخوان على علم تام بأنها سحبت، كما تمت الدعوة لاسقاط الحكومة بسبب هذه الوثيقة.
المجلس العسكري
في الفصل الأخير تحت عنوان «في المجلس العسكري» يرصد هيكل في البداية كواليس اللقاءات التي كانت تدور بين قادة المجلس العسكري، وأكد أن المشير طنطاوي رفض طلبات عدة باطلاق النار على المتظاهرين في أحداث ماسبيرو والعباسية وغيرهما من الأحداث.
كما رصد هيكل كواليس استقالة حكومة عصام شرف، تحت ضغط الاخوان من جهة والثوار من جهة أخرى، رغم أن عصام شرف نفسه جاء رئيسا للوزراء من ميدان التحرير، ثم ترشيح الدكتور محمد البرادعي رئيس وكالة الطاقة الذرية سابقا، ورفض المشير طنطاوي لترشيحه، رغم أن من اقترحه هو الفريق سامي عنان، وكان هناك مرشحان آخران أيضا لتولي رئاسة الحكومة هما عمرو موسى وحازم الببلاوي وتم استبعادهما لأسباب مختلفة، ورجحت كفة الدكتور كمال الجنزوري الذي كنت أحد الذين اقترحوا اسمه لتولي الحكومة.
ولكن المفأجاة أن الجنزوري كان يحب الظهور الاعلامي منفردا وكان يشكو من عدم ظهور صورته بشكل جيد في الاعلام خلال فترة تشكيل الحكومة، ويتضمن الفصل تفاصيل محزنة عند تشكيل حكومة الجنزوري، حول أسباب استبعاد وزير الاعلام من التشكيل بعد تلقيه تهديدا من صفوت حجازي بحرق ماسبيرو لو ظل أسامة هيكل وزيرا للاعلام، وهو ما لقي هوى عند الجنزوري الذي كان يرفض أي نقد يوجه له بخصوص مشروع توشكى، وكان أسامة هيكل أحد الذين انتقدوه بشدة.