المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا كان الغدير؟ ولماذا عليٌّ دون غيره؟ (السيد فضل الله)



نمير العشق
01-24-2005, 08:06 PM
http://www.arab3.com/images13/62721649.jpg

سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله


كتاب نظرة اسلامية حول الغدير

تصـديـر

مما لا شكّ فيه أن مسألة الغدير، بكلّ إيحاءاتها وإشاراتها، تركت آثارها العميقة في الكيان الإسلامي العام، حيث استطاعت ـ في كل تفاعلاتها وكل المواقف السلبية والإيجابية منها ـ أن تختصر كل التاريخ الإسلامي في حركة التنوّع والاختلاف والصراع.

ومن هنا، فإننا لا نملك أن نقف منها موقفاً هامشياً، لأنها تظلّ تفرض نفسها علينا، تماماً ككل قضيّة من قضايا التاريخ التي تلقي بظلالها على الحاضر والمستقبل.

نعم، لا بدّ لنا من إبعاد المسألة عن العصبيّة المذهبية أو الطائفية، وأن تتم دراستها بطريقة موضوعية علمية، في عناصرها الداخلية، وفي الظروف المحيطة بها، في كل امتداد الواقع الإسلامي التاريخي، ومن خلال أنها تمثّل نقطة مفصلية من تاريخ الإسلام الذي لا بدّ لنا من دراسته وكشف النقاب عنه بكل تفاصيله.

وبغضّ النظر عن ذلك، فإن مسألة الغدير هي من المسائل المهمة، التي يفرض البحث العلمي أن يتمّ تناولها ـ بعلمية وموضوعية، وذلك لأن هناك تضافراً للروايات قد يبلغ حدّ التواتر، حيث يذكر العلامة الأميني في استقصاء علمي دقيق، أن مائة وعشرة من الصحابة قد رووا حديث الغدير بطرقٍ مختلفة، وكذلك الأمر في التابعين.

فقد أخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم قال: "نزلنا مع رسول الله(ص) بوادٍ يُقال له: "وادي خم"، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول الله(ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون؟ أولستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعاد من عاداه"(1).

وأخرج الحاكم في مناقب علي من مستدركه عن زيد بن أرقم من طريقين صحّحهما على شرط الشيخين، وفيه: "وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، ثم قال: "إن الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كل مؤمن ـ ثم أخذ بيد علي فقال: ـ من كنتُ مولاد فهذا وليُّه، اللهم والِ مَن والاه وعادِ من عاداه"(2). وقد روي هذا الحديث بنفس المضمون في مصادر عدة، كالطبراني الذي أخرجه بسند مجمع على صحته، والنسائي(3) وغيرهما...

وهذا الحديث متواتر عندنا، بل قد صرّح البعض من أهل السنة بتواتره، كما نقل السيد عبد الحسين شرف الدين في مراجعاته عن بعضهم، فقال: "وصاحب الفتاوى الحامدية ـ على تعنّته ـ يصرّح بتواتر الحديث في رسالته المختصرة الموسومة بالصلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة"، ثم قال(ره): "والسيوطي وأمثاله من الحفاظ ينصّون على ذلك، ودونك محمد بن جرير صاحب التفسير والتاريخ المشهورين، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، ومحمد بن أحمد بن عثمان الذهبـي، فإنهم تصدّوا لطرقه، فأفرد كل منه كتاباً على حدة، وقد أخرجه ابن جرير في كتابه من خمسة وسبعين طريقاً، وأخرجه ابن عقدة في كتابه من مئة وخمسة طرق، والذهبي ـ على تشدّده ـ صحّح كثيراً من طرقه..."(4).

ولهذا ذكرنا أن الكثير من إخواننا السنّة يناقشون في دلالة حديث الغدير ولا يناقشون في السند، وليس ذلك إلا لأن هذا الحديث هو من الأحاديث المروية بشكل مكثّف من السنّة والشيعة معاً.

لمـاذا الغديـر؟!

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: لماذا كان الغدير؟ ولماذا عليٌّ دون غيره؟

قال الله تعالى: {يا أيّها الرّسولُ بلِّغ ما أُنزِلَ إليكَ من ربِّك وإنْ لم تفعَل فما بلَّغتَ رسالتَه والله يعصِمُكَ منَ الناس} [المائدة:67]، حيث نعتقد أنها نزلت في علي(ع)، وهذا ما يؤكده جوّ الآية وسياقها، إضافةً إلى أسباب النـزول، حيث توحي بأن النبي(ص) كان قد بلّغ الكثير من الرسالة، أو بلّغ كل تفاصيلها، ولذا فما ذكره بعض المفسرين من أن الأولى حمل معنى الآية "على أنه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم"(5) وغير ذلك، أكثره لا يتناسب مع جوّ الآية الذي يوحي بأن هناك أمراً مهماً يتعلق بسلامة الرسالة، بحيث يعادل الامتناع عن تبيلغه الامتناع عن تبليغ الرسالة من الأساس، هذا مضافاً إلى أن مسألة الهيبة من اليهود والنصارى وقريش، منافية لموقفه الصلب في أداء الرسالة منذ عهد الدعوة وحتى مرحلة الهجرة التي نزلت الآية في آخرها.. وعلى ما قدمناه، يصبح كون الآية نازلة في ولاية علي(ع) أمراً واضحاً، وذلك لأن قرب علي(ع) من رسول الله(ص) من ناحية النسب والمصاهرة يفتح المجال للكثير من أقاويل السوء التي تربط الموقف بالعاطفة في قضية الولاية، ما يحتاج إلى الدفاع الإلهي الذي يتمثل في عصمة الله له عن ذلك كله.

وعلى ضوء ذلك كله، نفهم أن المتعيّن هو تفسير كلمة "المولى" في حديث الغدير بالولاية في خط القيادة، وبقرينة قوله(ص): "ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، وهو يعني أنه(ص) أراد أن يثبت لعلي ما هو ثابت لنفسه مما أخذ اعترافهم به، وهو كناية عن القيادة لا المحبة والنصرة، كما يذهب إليه بعض المفسرين، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، نلاحظ أن إعلان مودّة علي ونصرة الناس له ـ بناءً على من فسّر الولاية بالمحبة والنصرة ـ لا تحمل أيّ اساس للنقد وللكلام غير المسؤول من الناس، ليكون ذلك سبباً في الحديث عن عصمة الله له منه(6).

وللإجابة على التساؤل لماذا الغدير؟ ولماذا علي دون غيره، نقول:

هذا الأمر يتطلب أن نبحث أولاً في طبيعة المنصب، أي ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه خليفة النبي(ص)؟ وما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها الخليفة؟ ثم بعد ذلك نبحث في المسلمين عن الشخص الذي تتوفّر فيه هذه الصفات، والتي تمكنه من الاضطلاع بالمهمّة.


دور الرسول في حركة الرسالة

ليس دور الرسول هو مجرّد نقل رسالة الله عزّ وجلّ إلى الناس ليكون أشبه بساعي بريد ينقل رسالةً من دون أن تكون هناك حركة متبادلة في التأثير بين الرسول والرسالة في حركة الدعوة، وهذا ما نستوحيه من خلال قوله تعالى: {هو الّذي بعَثَ في الأميِّين رسولاً منهُم يتلُو عليهِم آياتِه ويُزكِّيهم ويُعلِّمُهُم الكتابَ والحِكْمةَ وإن كانُوا من قبلُ لَفي ضلالٍ مبين} [الجمعة:2]، حيث نفهم أن دور الرسول هو تحريك المفاهيم الإسلامية في عملية تغيير الواقع الداخلي للنفسية العامة للأمة، وهذا ما توحي به كلمة "التزكية"، وبالإضافة إلى ذلك، فإن له دور تعليم الأمة خطّ النظرية الإسلامية، على صعيد المنهج والمضمون، وخط التطبيق العملي للنظرية على أرض الواقع، ما يجعل العلم منفتحاً على حركة الواقع في حياة الإنسان، ويجعل الواقع منفتحاً على الكتاب، من خلال المفاهيم القرآنية التي تدخل الروح في المضمون المادي فيتروّح، وتدخل الحس في المضمون الروحي فلا يعيش في عالم التجريد بعيداً عن الواقع وعالم الحس.

ومن هنا، نحن نفهم أن شخصية النبي لا تنطلق على أساس تمثيل الرسالة في الكلمة فقط، بل إن الرسول يجسّد رسالته في الموقف والواقع العملي، فيرى الناس صورة القيمة الإسلامية في الواقع كما يسمعونها في الكلمة...

ولذلك، فقد كان رسول الله(ص) إسلاماً يتحرك على الأرض، فيفهم المسلمون الدعوة في سلوكه بعد أن يسمعوها في قوله، ما يوحي لهم بأنها ليست فكراً مثالياً يعيش في عالم المثال وفي آفاق الخيال، بل هي فكر متجسّد في الواقع العملي من خلال شخصية الداعية.

ومن هنا نجد أن القرآن الكريم قدّم لنا الرسول على أنه القدوة، فقال تعالى: {لقد كانَ لكُم في رسولِ الله أسوةٌ حسنةٌ لِمَن كانَ يرجُو الله واليومَ الآخِر وذَكَرَ الله كثيراً} [الأحزاب:21]، حيث كان يشدّهم هذا الخطاب إلى صورة النبي(ص) التي تمثل النموذج الأعلى للإنسان الرسالي المسلم، ليتحركوا على أساسها.

ونحن نعرف أنّ الإسلام لم ينطلق ويتحرك من خلال كلمات الرسالة في ما بلّغه رسول الله(ص) للناس فقط، بل ومن خلال التجسيد العملي للرسالة في أرض الواقع فيما كان يمثله رسول الله(ص)... فانطلق الإسلام من خلال عقله وقلبه وأسلوبه ونهجه وأخلاقه ودعوته، وقد شكّل الرسول الأكرم(ص) بذلك العنصر المكمّل للقرآن الكريم، لأنّ رسول الله(ص) كان هو القرآن الناطق، القرآن المتحرك في الواقع، حيث كان المسلمون عندما تنـزل الآية من القرآن يجدون تجسيد الآية عملياً في النبي(ص).

ولذلك نقول: لو أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب إلى الناس من دون أن يكون هناك شخصٌ يجسّد مضمون هذا الكتاب، لما استطاع أن يجتذب أحداً، لأن الناس كما يحتاجون إلى الكتاب الصامت، فإنّهم يحتاجون إلى الكتاب الناطق العملي المتحرّك، وهذا هو معنى الأسوة الذي كان يمثله النبي(ص).

طبيعة الخلافة

من خلال ما تقدم نقول: إن لخلافة النبي(ص) معنى يختلف عن أية خلافة أخرى، إذ ليست قضيّة الخلافة هنا هي قضية شخصٍ يُراد له أن يقود عشيرة من العشائر، أو أن يكون حاكماً إدارياً، كما هو طابع الحكم اليوم، بل إن خلافة النبي(ص) تحتاج إلى شخصٍ يكمِّل دور النبي، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسوله بهذا الدين من أجل أن يُدخل الإسلام في عقول الناس، وفي قلوبهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، فلا بد لخليفته أن يقوم بنفس الدور، وذلك بأن يحمل في عقله عقل رسول الله، وفي قلبه روح رسول الله، وفي حركته حركة رسول الله في المنهج والمضمون.

وهنا قد تسأل: إذا كان رسول الله(ص) قد أكمل الرسالة، وذلك قوله تعالى: {اليومَ أكملْتُ لكُم دينَكُم وأتْمَمْتُ عليكُم نِعمَتي ورضِيتُ لكُمُ الإسلام ديناً} [المائدة:3]، أو في قوله(ص): "إنه ما من شيء يقرّبكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وأمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم عن الجنة إلا ونهيتكم عنه"(7)، عند ذلك فما الحاجة إلى شخص يملك عناصر شخصيّة النبي بهذا المعنى؟

وللجواب عن ذلك، لا بدّ لنا من أن نتعرّف طبيعة المرحلة في عهد رسول الله(ص) وحتى وفاته، لأن ذلك هو الذي يلقي الضوء على طبيعة الحاجات التي تفرضها الظروف بعد رسول الله في ما يتصل بحركة الدعوة الإسلامية في الواقع.

كانت الخطّة الإسلامية في بداية حركة الدعوة هي أن يتمّ تحييد الناس عن الشرك، من إجل إدخالهم في المجتمع الإسلامي حتى يتنفّسوا الإسلام، ثم لتبدأ بعد ذلك عملية تجذيره في نفوسهم، فكان الشِّعار: "من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حقن بها ماله ودمه وعرضه"، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في كتابه، فقال: {قالتِ الأعرابُ آمنّا قُل لًمْ تُؤمِنوا ولكِن قولُوا أسْلَمْنا ولمّا يدخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُم} [الحجرات:14]. ولكن الحروب والمشاكل الداخلية التي عاشتها الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة من خلال المنافقين واليهود قد شغلت برنامجه في تعميق الإسلام في النفوس عن أن يتحرّك في الواقع، كما الظروف التي نشأت بعد النبي في عهد الخلافة لم تساعده على استكمال المشروع، وذلك على الرغم من الامتداد الكبير الذي شهده الإسلام في العالم، ولكنّه امتدادٌ على السطح، في حين أن الواقع كان بحاجة إلى الامتداد في العمق، هذه الحاجة التي لمسناها من خلال التحديات الفكرية والثقافية التي وقفت في وجه الواقع الإسلامي آنذاك، سواء من الداخل في ما يتصل بحركة التشريع، أو من الخارج في ما أثاره الكافرون من شبهات تحتاج إلى من يردّ عليها.

ولذلك فنحن نقول بأن النبي(ص) قد استطاع أن يبلّغ الرسالة للناس، ولكنّه لم يستطع أن يكمل برنامجه العملي في حركة الرسالة في الواقع، فكان يحتاج الأمر إلى من يقوم بهذه المهمة من بعده.

يتبع....

نمير العشق
01-24-2005, 08:13 PM
من هو المؤهـّل للخلافة؟

وعلى هذا الأساس، فلا بد أن يتم التفتيش بين المسلمين عن الشخصيّة التي تستطيع ملء الفراغ بعد رسول الله(ص) وتنطلق بالإسلام في امتداد العمق؛ ولا نجد غيرَ علي(ع) في هذا لمجال.

والسبب في ذلك، أننا عندما ندرس علياً بكلّه في عناصر شخصيته وفي حركته، فإننا نجد أنه وحده المؤهّل لخلافة النبي(ص) والقيام بدوره، وهذا ما نثيره من خلال العناوين التالية:

أ ـ البيئة الإسلامية:

إن كل المسلمين الذين دخلوا في الإسلام على يدي رسول الله(ص) كانوا قد عاشوا في بيئة الشرك ـ بطريقة وبأخرى ـ قبل أن يُسلموا، وقد تأثّروا بالكثير من مفاهيمها، بحيث أصبحت هذه المفاهيم تشكّل بعض الرواسب الخفيّة في داخل نفوسهم، الأمر الذي لا يمنع أن يكونوا مخلصين للإسلام، ولكن يمنع أن تكون شخصيّاتهم مجسّدة للإسلام بكل أبعاده وخصوصيّاته.

أما علي(ع) فإنه لم يعش في أيّة بيئة غير البيئة الإسلامية التي كفلها له رسول الله(ص)، فقد تولّى(ع) تربيته بعد أن اختاره من بين أخوته لعمّه أبي طالب، واحتضنه قبل أن يُبعث رسولاً، وأعطاه روحانيته وآفاقه وأخلاقه، ولعلّ علياً(ع) هو أفضل من يعبّر عن تلك المرحلة، حيث جاء في "نهج البلاغة" وهو يتحدّث عن نفسه: "ولقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنـزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير وإنك لعلى خير"(8).

وقد انطبعت شخصية علي(ع) بشخصية رسول الله(ص)، ولذلك كان عنوان علي(ع) صفتي الصدق والأمانة، كما هما عنوان رسول الله(ص)، وهذا ما جاء في حديث الإمام الصادق(ع)، وقد قال له أحد أصحابه: "علّمني شيئاً أبلغ به الحظوة عندك"، فقال(ع): "أنظر إلى ما بلغ به عليّ من الحظوة عند رسول الله فافعل، فإنه بلغ ذلك بالصدق والأمانة"(9). وكان علي يتعلّم من رسول الله أن يتأمل كما كان(ص) يتأمّل، وأن يتعبّد كما كان يتعبّد، وقد كان علي(ع) تلميذاً رائعاً وبارّاً، حيث يقول: "كنتُ أتّبعهُ اتّباع الفصيل أثر أمه"، فالفصيل ـ وهو ابن الناقة ـ لا يبتعد عن أمه، وإنما يخطو بخطواتها، وكان علي يقتفي أثر رسول الله(ص) اتّباعاً في الفكر والتأمل والروح والخُلق والعادات والسلوك.

ب ـ الطفولة الواعية:

ونستطيع أن نقول بأن طفولة علي(ع) كانت طفولة واعية منفتحة، وهي من صنع رسول الله(ص)، ولذلك لم يؤمن، عندما دعاه النبي(ص) للإيمان، إيمان الأطفال، كما يحاول بعض المؤرخين أن يصوّر المسألة ليقول بأن أوّل من آمن من الأطفال علي، لأن طفولة الطفل ليست طفولة سنّه وعمره، وإنما هي طفولة وعيه، وإنّ من الأطفال من هم رجال في عقولهم ووعيهم، وهناك من الشيوخ من هم أطفال في عقولهم ووعيهم، ولذلك فإنّ الطفولة الجسدية لا تستلزم دائماً الطفولة العقلية، وطفولة عليّ كانت طفولة واعية عاقلة شابة، فإن المعلم رسول الله، وما أعظمه من معلّم!.

ولذلك نجد أن بعض رواة السيرة ينقلون أن علياً سُئل عندما استجاب لدعوة النبي له بالإسلام، ولم يكن علي(ع) بعيداً عن الإسلام، فقد كان الإسلام في عقله معنىً قبل أن يكون الإسلام ديناً بمعنى الانتماء، لأن الإسلام كان في عقل النبي(ص) وروحه وإحساسه وشعوره قبل أن يُبعث.. ينقل هؤلاء الرواة أن علياً سئل: "هل استشرت أباك عندما آمنت؟"، وينقلون إجابته: "إن الله لم يستشر أبي عندما خلقني"، وهذه الرواية ـ على فرض صحتها ـ شاهدٌ على وعي علي للمسألة الإيمانية في أبعادها الفكرية والروحية.

وقد بقي علي(ع) ملازماً لرسول الله(ص)، وكان(ع) يقول وهو يتحدّث عن بدايات الدعوة: "ولم يجمع بيتٌ واحدٌ يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله(ص) وخديجة وأنا ثالثهما"، ولم يكن الرابط بين أفراد هذا البيت هو المسألة العائلية، بل المسألة الإسلامية، ولذلك يتابع علي(ع) قوله: ".. أرى نور الوحي والرسالة، وأشمُّ ريح النبوة"(10)، هذه المسألة الإسلامية التي يتحمّل الجميع مسؤوليّاتها: رسول الله(ص) بالدعوة، وخديجة(رض) بمالها ورعايتها للنبي، وعلي(ع) بإعداد قوته ليشهر سيفه دفاعاً عن الإسلام، وعقله دفاعاً عن الحق، وحركته في الخط الذي انطلق منه وليه.

وقد استمرّ البيت الرسالي الأوّل في البيت الثاني الذي كان يجمع علياً(ع) وفاطمة بنت رسول الله، حيث كان هذا البيت هو بيت رسول الله(ص)، وقد كان(ص) يأتي بيتَ علي وفاطمة(ع) قبل أن يأتي بيوت أزواجه عندما يكون في سفر، لأن هذا البيت مليء بأجواء رسالية عابقة بالإيمان والأخلاق.

ج ـ حركية الجهاد:

كانت أولى المحطات الأساسية في جهاد علي(ع) في حركة الدعوة الإسلامية، مبيته على فراش النبي(ص) ليلة الهجرة، وكان ذلك دليلاً صادقاً على أن حفظ رسول الله(ص) كان أكبر همّه، رسول الله الرسالة والخط، ولذلك فعندما كلّفه(ص) بذلك لم يحدّثه علي عن سلامته الشخصية كشاب في مقتبل العمر، بل سأله: "أوَ تسْلَم يا رسول الله؟ قال: "نعم"، فقال علي(ع): "اذهب راشداً مهدياً". حتى أنزل الله تعالى فيه: {ومِنَ النّاسِ مَنْ يشْرِي نفْسَهُ ابتِغاءَ مرضاةِ الله والله رؤوفٌ بالعِباد} [البقرة:207]، وهو يقدم لنا النموذج للإنسان الرسالي الذي يشعر أنه لا يملك نفسه، ولا يرى لها حرية بعيداً عن إرادة الله وطاعته، فيعيش رسالته في كل مظهار الحياة من حوله، بل يعيش حياته من أجل الرسالة في الخط المستقيم، فلا ينحرف أمام كلِّ محاولات الإغراء، ولا يستسلم لكل عوامل الضغط، بل يظلّ في الموقع الصلب فيما تفرضه مرضاة الله سبحانه وتعالى.

ثم كان المجاهد في كل مواقع الجهاد، في بدر وأُحُد والأحزاب وحنين وخيبر، وقد احتل كل هذه المعارك والتجارب الحربية الصدارة، فكان له ما لم يكن لغيره فيها من النتائج الكبيرة التي أعطت الفتح للإسلام والمسلمين، وقد تحدّث النبي(ص) يتحدّث عن جهاد علي(ع) في مواطن شتّى، فنقرأ في معركة الخندق قوله(ص): "برز الإيمان كلّه إلى الكفر كله"(11)، وقوله(ص): "ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين"(12)، ونقرأ في فتح خيبر قوله(ص): "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه"(13)، الأمر الذي يدل على أن رسول الله(ص) كان يؤكد دور علي الطليعي والكبير في عملية النصر.

ولكن شجاعة علي(ع) كانت شجاعة الإنسان الرسالي في حروبه كلها كما في سلمه، فلم تكن الحرب عنده تمثل مزاجاً ذاتياً، لأن مزاج علي(ع) انطبع بمزاج الإسلام، وهذا ما نجده في موقفه في معركة "صفّين"، وقد مضى عدّة أيام على مرابطة الجيش فيها، ولم يأذن علي له بالقتال، فبدأ العسكر يهمس بعضه لبعض: لقد جاء بنا عليّ لنحارب، فلماذا أبطأ في إذنه للقتال؟ أكان ذلك كراهية للموت أو كان شكاً في أهل الشام؟... فوقف فيهم خطيباً وقال: "أما قولكم إن ذلك كان كراهية الموت، فوالله ما أبالي أدخلتُ إلى الموت أو خرج الموت إليّ، وأما قولكم شكاً في أهل الشام، فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها"(14).

وفي هذه الواقعة، تبرز عظمة القائد في شخص علي(ع)، حيث لم يتعقد من الكلمات السلبية من بعض أتباعه، أو من التشكيك الذي قد يجول في أذهانهم، بل كان يسمعهم بسعة صدر، ويجيب بوعي الرسالة، لأن صاحب الرسالة يختلف عن صاحب الذات، فصاحب الذات يريد الناس لنفسه، وصاحب الرسالة يريدهم لرسالته، وقد عبّر عن ذلك بقوله: "ليس أمري وأمركم واحداً، إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"(15).

د ـ حديث النبي(ص) عن علي(ع):

إن رسول الله(ص) لم يتحدّث عن أحدٍ كما تحدث عن علي(ع)، وذلك في كل ما رواه المسلمون من أحاديث النبي(ص).

وقد نقل المسلمون عن رسول الله(ص) قوله: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"(16)، ونقلوا عنه(ص): "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"(17)، وقوله(ص): "أما ترضى أن تكون مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي"(18)، ومنـزلة هارون من موسى هي ما عبّر عنه القرآن الكريم: {واجْعَل لي وزيراً من أهْلي* هارون أخي* اشْدُد به أزري* وأشرِكْه في أمري} [طه:29ـ32].

والسؤال هنا: هل أنّ هذه الكلمات وغيرها تنطلق من منطلقات عاطفية لأنه ربّاه منذ الصغر؟ أو هل هي مسألة القرابة حيث كان علي ابن عمّ النبي؟

وهل أراد رسول الله(ص) من خلال حديثه أن يحبّ المسلمون علياً في الجانب العاطفي؟ من دون أن يكون هناك هدف كبير يرتبط بالإسلام كله في امتداداته ورساليته؟

إنّ المسألة ليست مسألة قرابة، وذلك لأن القرآن الكريم ألغى حساب القرابة في مسألة الموقع والقيمة، فقد تحدث الله سبحانه وتعالى عن أبي لهب، عمّ النبي، في الوقت الذي لم يتحدث فيه عن أبي جهل، وقد ذكر تعالى في كتابه المجيد قوله عزّ وجل رداً على سؤال إبراهيم(ع): {قال ومِن ذريّتي قال لا ينالُ عهْدِيَ الظالمين} [البقرة:124]، وفي قوله لنوح(ع): {قال يا نُوحُ إنّه ليس من أهْلِكَ إنّه عملٌ غير صالح} [هود:46]. ولذلك فمجرد القرابة في الرحم، أو في النسب والمصاهرة، لا تصلح أن تكون أساساً للموقع، بل لا بد أن تنطلق من خلال أسس واقعية فيما تفرضه حركة القيمة في الواقع.

ولذلك فإن حديث النبي(ص) عن علي(ع) لم ينطلق من هوى شخصي عاطفي، أو مراعاةً لقرابته منه، لأن هواه(ص) هو هوى رسالته وخطّه وإخلاصه وانفتاحه على كل ما يرضاه الله سبحانه وتعالى؛ وذلك قوله تعالى: {وما ينطِقُ عن الهوى* إنْ هُوَ إلا وحيٌ يوحى} [النجم:3ـ4].

ثم إنّ مسألة أن يدخل علي في قلوب المسلمين لا تتطلّب كلّ هذا الجهد، فعليّ يفرض حبّه على كل من عرفه، سواء كان شيعياً أو سنياً أو حتى مسيحياً أو غير ذلك، لأنك لا تملك إذا تطلّعت إلى علي في جميع آفاقه الروحية وإخلاصه وجهاده وعلمه إلا أن تخشع أمام هذه الشخصية، ولذا قال الشاعر المسيحي بولس سلامة:

جلجل الحقّ في المسيحي حتى عُدَّ مِن فرطِ حبّه علويـا

يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إنني ذكرتُ عليا

فإذا كنت تملك عقلاً منفتحاً، وقلباً واسعاً، ووعياً للإنسانية، فإنك لا تملك إلا أن تحبّ علياً، وهذا لا يحتاج إلى آية قرآنية، أو وصية نبوية؛ ومن هنا نحن نقول بأن النبي(ص) لم يكن يريد للمسلمين أن يحبّوا علياً لغرض عاطفي، لأن الذين في قلوبهم مرضٌ لا يحبّون رسول الله، بل ولا يحبّون الله، وأما من كان سليم القلب، فلا بدّ أن يتّجه نحو الحقيقة الصافية والعاطفة المخلصة، ولذا نفهم أن رسول الله(ص) كان يريد بكلماته هذه أن يعدّ علياً في عقول المسلمين من خلال أنه الشخص الذي يملك العلم كلّه، والذي ارتبط به الحق ارتباطاً عضوياً، بحيث لا يمكن أن تجد أية ثغرة بين الحق وعلي، ما يجعله تجسيداً للحق، فكما يمكنك أن تنظر صورة الحق الفكرية بعقلك، كذلك يمكنك أن تنظر صورة الحق العملية متمثّلة بعلي(ع).

هـ ـ حقانية علي(ع) على أرض الواقع:

لم يكن عنوان الحق الذي طرحه النبي(ص) بالنسبة لعلي(ع) مجرد عنوان وشعار، بل يمكنك أن ترى تجسيد ذلك كله في كل كلمة وكل حركة، سواء كان داخل الحكم أو كان خارجه..

ينقل المؤرّخون أن عمر بن الخطاب قال في حقّ علي(ع) وهو يتحدّث عن الشورى: "لو وليها علي لحملهم على المحجة البيضاء"(19).. ولعل سرّ المشاكل التي واجهت علياً(ع) في خلافته أنّه لم يكن حاكماً تقليدياً، بل كان حاكماً رسالياً، عمل على تجسيد رسالته من خلال ممارسته للحكم، لأنه أراد للإسلام أن يتعمق على مستوى التجربة والممارسة في حياة الأمة، ولذلك رفض كل الأساليب السياسية الملتوية التي تنحرف عن الخط الإسلامي الواضح، مما كان يريد مَن حوله أن يأخذ بأسبابه في مواجهة معاوية، ولذا قال: "قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين" (20)، لأن هذه الحيلة تمثل الحيلة في خط الباطل، وكان يقول: "والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس.."(21).

وقد قال لمن قال له: بيت المال بيدك، أعطِ منه لهؤلاء ـ أي لرؤساء العشائر ـ حتى يثبتوا حكمك، قال لهم: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وُليت عليه، والله لا أطور به ما سمر سمير وما أمَّ نجمٌ في السماء نجماً، لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله؟"(22).

ولكي ندخل إلى عمق ذلك، لا بد لنا من معرفة عمق مسألة الحكم عند الإمام علي(ع)..

لم يكن الحكم عند علي(ع) مسألة شهوة، بل إن الحكم ينطلق من عمق القضية الرسالية التي عاشها علي(ع) في قلبه وعقله وحركته، وليس الحكم والسلطة أكثر من وسيلة يحرك من خلالها الحق في حياة الأمة، ويدفع من خلالها الباطل، وينشر فيها الإسلام في كل فكره وثقافته وصفائه.. وهذا ما ينقله لنا ابن عباس بقوله: "دخلتُ على أمير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة له، فقال: والله لهي أحبُّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"(23). وقد كان يناجي ربه، وهو يشير إلى الصراع الذي كان يدور بينه وبين من جحدوه حقه وموقعه: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك"(24)، فتحقيق كل ذلك لا يتم من خلال كلمات تعظُ بها الناس، بل هو خطة تتصل بالاقتصاد والسياسة والاجتماع والأمن وغير ذلك...

ويوضح علي(ع) كل ذلك بقوله، وهو يعبّر عن عمق الألم الروحي والرسالي الذي كان يعانيه مع كل الواقع الذي لم يكن يفهمه جيداً: "لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز"(25)؛ هذا في جانب علي(ع).

وفي الجانب الآخر، كانت مسألة الحكم تتجّه اتجاهاً بعيداً عن الإسلام، وكأنّ الواقع الإسلامي لم يعرف من الإسلام حرفاً ولا طرفاً، وذلك ما عبّرت عنه كلمات المجتمعين في السقيفة في قولهم: "منا أمير ومنكم أمير"(26)، هذا المنطق الذي لو درسناه بعيداً عن كل الحساسيات المذهبية ـ ولسنا في مقام إثارتها، بل في مقام التحليل والتفكير بصوتٍ علمي موضوعي ـ هذا المنطق يجعلنا نتساءل: ما هو أساس الإمرة؟ هل هو أساس تقسيم المسألة بين المهاجرين والأنصار؟!

وممّا يبعث على الدهشة والتساؤل في آنٍ، أنه لنفرض أن علياً(ع) لم يكن هو المتعيّن للخلافة بنص الغدير، فعلى الأقل هو أحد الأشخاص البارزين في الصحبة والقرابة والجهاد والعلم، بل هو الأبرز، فهل من المعقول أن يتم حسم مسألة الخلافة من دون أن يُلتمس رأيُ علي(ع) في ذلك؟!

ثم لو أردنا أن نفلسف مسألة السقيفة على أساس الشورى، فهل إن ما جرى في السقيفة يمثل شورى حقيقية؟! وبعبارة أوضح نقول: لو أن أحداً في كل العالم المعاصر حاول أن يتحرك سياسياً بطريقة الشورى في مسألة الحكم، أو غيرها، وقد تمّ طرح شخص على أنه المؤهل لقيادة الأمة، ولخلافة النبي، بالطريقة التي جرت في سقيفة بني ساعدة، فهل يوافق علىمثل هذه الشورى؟!(27).

فليست المسألة هي أن يكون للمسلمين أميرٌ كيفما كان، ومن دون أساس واقعي، وليست المسألة مجرد تنظيم إداري، بل إن المسألة كانت هي حركة الرسالة في مستواها الثقافي والفكري والروحي والسياسي والاقتصادي والأمني وما إلى ذلك، بالمستوى الذي كان يمثله رسول الله(ص).

عليّ هو المتعيـّن

من خلال كلِّ ما قدّمناه، وحيث إنّ المطلوب أن يكون هناك قائدٌ يملك أن يكمل حركة الرسالة، وأن يكون له من العلم ما يستطيع أن يجيب به على كل أحد، كما كان رسول الله(ص)، وأن يكون له من الاكتفاء بحيث لا يحتاج في مواجهة التحديات التي تواجه الإسلام على كل المستويات إلى أحد، بل يحتاج كل الناس إليه، فإن علياً هو المتعيّن لذلك كلّه؛ فعلي(ع) هو الذي يمكن أن يجيب على كل سؤال، ويخطط لكل مرحلة، ويفتح أكثر من أفق.. وهذا ما عشناه واقعاً مع كل التراث الذي وصلنا إليه، من خلال ما جمعه الشريف الرضي، وهو ـ أي الشريف الرضي ـ مع كل شكرنا له، كان يستهدف الأسلوب الأدبي في نهج البلاغة، ولم يستهدف المسألة الثقافية المتنوعة عند علي(ع)، ولذلك اختصر الكثير من الخطب والكلمات، وكان الرضي يريد أن ينهج البلاغة في الوقت الذي كانت فيه الأمة بحاجة إلى أن تنتهج ثقافة علي(ع) كلها، وإن ضياع كلمة من كلمات علي خسارة للأمة والتاريخ، لأن كل كلمة كانت تحمل فكرة وتشير إلى خطّ ودرب.

وقد برهن الواقع بعد رسول الله(ص) ذلك، حيث نقرأ في التاريخ قول عمر بن الخطّاب: "لولا عليّ لهلك عمر"(28)، وقوله: "لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو الحسن"، وقوله: "قضيةٌ ولا أبا حسنٍ لها"(29).. وقد عبّر الخليل بن أحمد الفراهيدي عن هذه الحقيقة عندما قيل له: لمَ قدّمتَ علياً؟ فقال(ع): "احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل أنه إمام الكل"(30).

هذا بالإضافة إلى أنه لم يكن في المسلمين شخص ـ بحسب التاريخ ـ كعلي(ع) في الروحانية الفياضة التي كان يعيشها بينه وبين ربّه، كما تراه في دعائه الذي علّمه لكميل بن زياد يقول: "فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك".. ولم يكن فيهم كعلي في العلم، والجهاد، والإخلاص لله ولرسوله.

ولعلّنا ـ على أساس ذلك ـ نعرف عظمة علي(ع) في إحساسه بالمسؤولية عن الإسلام، وفي إخلاصه للرسالة، أنه عندما أبعد عن الخلافة ـ وهي حقّه ـ لم يقف موقفاً سلبياً عندما رأى الخطر قد تربّص بالإسلام وأهله، لأنه كان يرى أنه المسؤول عن الإسلام والمسلمين خارج الخلافة، بنفس القوة التي يعتبر نفسه مسؤولاً في داخلها، لأن قضيته هي قضية الإسلام.. ولعلّ أبلغ نص في ذلك هو ما جاء في كتابه لأهل مصر، حيث يقول: "فما راعني إلا انثيال الناس على فلان ـ ويقصد أبا بكر ـ يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه"(31).

وكان يقول في ولاية عثمان: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة"(32)؛ وكأن الإمام(ع) يقول: أنا واقع بين خيارين، إما أن أقف موقفاً سلبياً، لأن الولاية حقي، وأترك هؤلاء "يقلّعون شوكهم بأظافرهم" كما يُقال، وهذا ما قد يؤدي إلى أن يثلم في الإسلام ثلمٌ، أو ينهدم فيه هدم، وإما أن أحفظ الإسلام والمسلمين وأجمّد حقي في الخلافة، فانطلقت بموقف إيجابي، أعطي الرأي، وأشارك، وأعاون، وأساعد بكل ما عندي من طاقة، لأن الخطر ليس موجّهاً ضد هؤلاء الذين أبعدوني عن حقي، بل هو موجّه ضد الإسلام..

ولذلك نجد علياً في هذه المواقف يرتفع كما لم يرتفع أحد، حيث نجد إنساناً يُعزل ويُبعد عن حقّه، وحقّه هو حقّ الأمة لا حقّه الشخصي، ثم نراه عندما يحتاجه الذين أبعدوه لقضية تتصل بالواقع الإسلامي وبسلامة الإسلام، يقف ليعطي المشورة والنصيحة والعلم، وليجيب عن كل سؤال، حتى بلغ القمة في ذلك عندما استشاره عمر للشخوص بنفسه إلى قتال الفرس، بعد أن اشار عليه قائد المعركة بذلك، ولو كان علي(ع) يعيش الحقد في نفسه لقال ـ كما يقول الكثيرون ـ إنها الفرصة المؤاتية للخلاص من عمر، ولكنه(ع) كان رجل الإسلام، يفكر بالإسلام لا بالشخص، فقال لعمر ـ كما في نهج البلاغة ـ: "إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلّة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصرٌ جنده"، ثم قال(ع): "ومكان القيّم بالأمر مقام النظام من الخرز يجمعه ويضمّه، فإن انقطع النظام تفرق وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً"، وهذا كناية عن أن المسؤول الأوّل في الدولة هو بالنسبة إلى المسلمين كمثل الخيط الذي يجمع الخرز، فإذا سقط الخليفة يسقط المسلمون، ولا يكون هناك من يجمعهم، لأن العدو يكون قد نال منهم، ثم قال(ع): "والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصتَ من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ مما بين يديك..."(33).

ولذلك كله نقول، إن من الظلم والإجحاف أن نقيس علياً بالآخرين، مع احترامنا لكل الصحابة، لأن علياً(ع) بلغ من رسول الله(ص) ما لم يبلغه أحد، حتى إذا أردت أن تحدد المسافة بين علي وبين غيره، فقد تجد أنها تتسع للدنيا كلها، ويبقى لعلي(ع) ـ بعد رسول الله(ص) ـ مسافات شاسعة ليست لغيره.

ونحن إذ نقول ذلك، لا نقوله مدحاً لعلي(ع)، بل نقوله واقعاً يشهد به التاريخ، وهو الغني عن كل مدح، ولذا ترى المتنبي عندما سئل: لِمَ لم تمدح علياً؟ ـ وقد كان من الذين يلتزمون ولايته ـ فأنشأ يقول:

وتركت مدحي للوصيّ تعمّـداً إذ كـان نوراً مستطيـلاً شامـلا

وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

يتبع...

نمير العشق
01-24-2005, 08:15 PM
الحق الطبيعي

من خلال كل ما تقدم نقول بأن واقعة الغدير لم تكن حدثاً استثنائياً بالنسبة لعلي في الواقع، بل كان ذلك هو السياق الطبيعي لتاريخ علي(ع)، لأنه هو المؤمل الوحيد بين المسلمين جميعاً لأن يكمل الرسالة في العمق والامتداد، بل إننا نعتقد أن الغدير كان نهاية المطاف، لأننا نتساءل: ما هو السبب الذي يدفع النبي(ص) لأن يتحدث عن علي بكل ما سقناه من الكلمات من أنه باب مدينة علمه، ومع الحق، وأن الحق معه، وأنه منه بمنـزلة هارون من موسى، وما إلى ذلك من قضايا تمسّ المسؤولية ولا تقبل المجاملة؟

من الطبيعي أن لا تكون المسألة تعبيراً من النبي(ص) عن عاطفته تجاه علي(ع)، لأن هذا يأباه حال النبي(ص) ومضمون الكلام، بل كان(ص) يعبّر عن مسؤوليته في تعميق الفكرة عن علي(ع) بين المسلمين، فيما يملكه من الخصائص التي تعيّنه ليقود المسيرة الإسلامية من بعده.

ونحن عندما نريد أن نؤكد مسألة الولاية لعلي(ع)، وللأئمة من أهل البيت(ع)، فإننا لا ننطلق في المسألة على أساس إثارة النعرات المذهبية والحساسيات الطائفية، بل ننطلق من خلال الأسس الفكرية الموضوعية التي يركزها القرآن في قوله تعالى: {فإن تنازعتُم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، وذلك على أساس العلم والحجة والبرهان من خلال الثوابت التي نلتقي عليها.

ومسألة الخلافة في عقمها وحركيّتها ـ في واقعنا الحالي ـ هي في المصدر الذي نأخذ عنه معالم الدين، مما يمثل الحجة أمام الله سبحانه وتعالى، لأنّ علياً(ع) والآخرين قد انتقلوا عن هذه الدنيا، وعلى هذا الأساس، فإن الإخلاص للرسالة، والالتزام بالحجة، يفرض أن يبحث المسلمون جميعاً هذه المسألة، على أساس الحوار العلمي الهادىء، لأننا نرفض، من خلال التزامنا بالولاية، كل أسلوب في إثارة القضايا ـ حتى لو كانت حقاً ـ يمكن أن ينطلق في عملية فتنة أو تفرقة بين المسلمين، لأننا عندما نوالي علياً، فإننا نواليه من حيث عقله وهدفه الكبير، وأسلوبه ومنهجه في الحرب والسلم، من حيث أن علياً يمثل الإسلام في ذلك كله..

إنّ علياً(ع) يعلمنا أننا إذا وقفنا بين مصلحة الإسلام العليا، وبين خصوصياتنا فيما نلتزمه، فإن علينا أن نجمّد خصوصياتنا، وأن نراعي المصلحة الإسلامية العليا؛ ولا أقول هنا أن نلغي خصوصياتنا والتزاماتنا، لأن ذلك يعني أنك تتحرك في غير اتجاه مبادئك وقناعاتك في ما تفرضه مسألة الحجة بينك وبين الله عز وجل.

ونحن إذ نؤكّد على الحق في الغدير، فإن علينا أن ننهج نهج علي(ع) في الوحدة الإسلامية، وفي الحوار مع الذين اختلفوا معه، وأن نسلّم ما سلمت أمور المسلمين...


على هامش الغدير

علينا أن نذكر كل هذا الواقع الذي عاشه علي(ع) من أجل أن نتعلم منه، لأننا نزعم أن بعض الذين يلتزمون علياً(ع) في الولاية عنواناً، لم يتعلموا منه، ولم يقتربوا من عقله وروحه، بل تراهم ينظرون إليه من بعيد، ولذلك بقي التخلف معششاً بين هؤلاء وهم يهتفون باسمه صباح مساء... ولم يتعلموا من قلبه الذي اتّسع للإنسان كله، وبذلك بقيت قلوبهم مغلقة عن كل محبة، ولم يتعلموا من حركته في علمه وآفاقه الواسعة، ولذلك ظلوا يلتزمون التفاهات، ويعيشون في الأفق الضيق، وربما يصل الأمر بالبعض إلى أن يفرض تخلفه على علي(ع) ليعطيه صورته، بل ربما يفرض بعضنا تخلفه على الإسلام كذلك.

إن مشكلتنا في هذا العصر وفيما نعيشه من مراحل حياتنا، ليست مشكلة الذين يحاربون الإسلام فحسب، بل مشكلة الذين يتحركون في خطّ التخلف الذي يفرضونه على الإسلام، وإنّ الذين يتحدثون عن الإسلام من موقع الخرافة، إنما يتحدثون عن الهوامش بدلاً من الانطلاق إلى الساحة الواسعة والأفق الرحب.

من هنا نقول، لا بد أن نعمل لنأخذ بأسباب الثقافة، ولنعرف كيف نصوغ مفاهيمنا ونحددها على أساس الإسلام، وأن نعرف كيف ننفتح على الحياة كلها من خلال الإسلام في الصورة التي قدمها علي(ع) لنا عن الإسلام.. لأن المسألة ليست أن نزور علياً(ع) في التاريخ، بل لا بد أن ندعوه إلى أن يزورنا، لا زيارة الجسد، بل أن يدخل(ع) في فكرنا وسياستنا واقتصادنا وإدارتنا وعلاقتنا وأوضاعنا بكل ما تركه لنا من تراث انطلق من فكره وروحه وحركته في الحياة، لنسمو في مواقع سموّه، وهو الذي محلّه محل القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير.

ولذلك نحن نقول: إن الانتماء إلى علي(ع) يكلّف كثيراً، ويُتعب كثيراً، وذلك لأن حقيقة الانتماء له ليست عنواناً تتعنون به، أو شعاراً ترفعه، بل هو خط تسير عليه، وحركة تنفتح عليها بكل ما للحق من معنىً. ومن هنا نجد علياً(ع) يحدِّد لنا ميزان القيمة في الإسلام، فيقول:

"إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا"(34)، ثم تلا قوله تعالى: {إنّ أولى النّاس بإبراهيمَ للّذين اتّبعوهُ وهذا النبيُّ والذين آمنوا والله وليّ المؤمنين}[آل عمران:68]، فالانتماء ليس انتماء القرابة، ولكنه انتماء الرسالة والإيمان والمسيرة، ثم يقول(ع): "إن وليّ محمد(ص) مَن أطاع الله وإن بعُدَت لُحْمَتُه، وإن عدوّ محمد من عصى الله وإن قرُبَت قرابته"(35). إن القرابة هي قرابة الرسالة، وقرابة الخط والعمل، وهذا ما نجده في القرآن الكريم في الحوار الذي جرى بين نوح(ع) وبين ربّه: {ونادى نوحٌ ربّه فقال ربِّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحق وأنت أحكمُ الحاكمين* قال يا نوح إنّه ليس من أهلِكَ إنّه عملٌ غير صالح} [هود:45ـ46]، وقد قال الشاعر وهو يصور علاقة الرسالة بأهل البيت(ع):

كانت مودّة سلمان لهم رَحِماً ولم يكن بين نوح وابنِه رحِمُ(36)

حقيقة الانتماء

ونحبّ هنا أن نقف عند مسألة الانتماء إلى علي(ع)، لنحاول أن نركّز فيها الخط المتوازن في ميزان الحق والإسلام.

لقد عاش علي(ع) واقعاً إشكالياً في مسألة الانتماء، حيث كان ـ وما زال ـ هناك من يحبونه، وهناك من يبغضونه، بل إن هناك من انحرف في مسألة الحب حتى عاشوا الغلوّ في علي(ع) وهم يحسبون ذلك التزاماً بخط أهل البيت(ع).

يقول علي(ع): "لو ضربتُ خيشوم المؤمن ـ والخيشوم أقصى الأنف ـ بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها ـ والجمات جمع جمّة وهو مكان جمع الماء أو بجمعتها ـ على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك أنه قضي على لسان النبي الأميّ(ص) أنه قال: يا علي، لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق"(37).. فلماذا قال النبي(ص) هذه الكلمة؟ مع أن الحب والبغض مسألة تتصل بنبضات القلب، وهي عادة لا تعرف الخطوط المستقيمة أو المتوازنة، لأن القلب لا يملك قاعدة ثابتة يستقر عليها، وهو يتحرك في مسألة الحب والبغض دونما ارتباط بالأيديولوجيا، فربما ينبض قلبك بحب شخص يختلف معك، وربما ينبض قلبك ببغض من يتفق معك في المبدأ والخط.

وهكذا الأمر بالنسبة لحبّ علي(ع)، فإننا نجد أن علياً(ع) يمتلك كثيراً من الصفات الإنسانية التي يمكن للمنافق أن يحبّه من خلالها، فهو الشجاع البطل، والعالم العادل، فهل يكون هذا المنافق منتمياً لعلي(ع)؟ والجواب بالنفي، لأن عمق المسألة التي أراد النبي(ص) تركيزها لا تتصل بهذا المستوى، وإن كان ذلك واقعياً، بل هي مسألة تتصل بالعقل في عمق الوعي، لأن علياً(ع) كان إيماناً كله، حتى لم يعد في شخصيته مكان لأي شيء ذاتي، لأنه باع كلّه لله، وقد قال تعالى عنه: {ومِنَ النّاس من يشْرِي نفسهُ ابتِغاء مرضاةِ الله والله رؤوفٌ بالعباد} [البقرة:207]، وقد كان عقله عقل الإيمان، وقلبه قلب الإيمان، حركته حركة الإيمان، وشجاعته وزهده وعدله وعلمه، كل ذلك يتحرك في دائرة الإيمان. فالمؤمن الذي يعيش في نفسه عمق الإيمان لا بد أن يعيش الحب والانفتاح والولاية لكل من يجسّد الإيمان، وعلي(ع) كان التجسيد الحي والعميق للإيمان كله.

أمّا المنافق الذي اختزن الكفر في قلبه، ولم يتعلّق من الإيمان بشيء، بل كان إظهاره للإيمان بلسانه وسيلة من وسائل تغطية الخطط التي يخططها ليهدم الإيمان في العقيدة والشريعة والحياة، فكيف يمكن أن يحبّ علياً الذي يقف في قلب الساحة المواجهة؟!

مشكلة الغلوّ

ثم يقول علي(ع): "هلك فيَّ اثنان: محبٌ غالٍ ومبغضٌ قالٍ"(38)، فقد كان علي(ع) يحب الله ورسوله، ويتواضع لله ورسوله، ولا يريد لأحدٍ أن يقترب به من مقام الله عزّ وجل في أيِّ مجال من المجالات، وحتى أنه لا يريد لأحد أن يقترب به من مقام النبي(ص)، فكان يركِّز على عبوديته وتواضعه لله، وهذا ما عبّر عنه في دعاء كميل: "وأنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين"، فهو يعتزّ بعبوديته لله، ويرى أنّ عظمة الإنسان تكمن في العبودية الخالصة لله في العقل والقلب والحركة، فالإنسان كلما كان عبداً لله أكثر كلما اقترب منه أكثر وعاش العظمة في آفاق الله أكثر.

ولذلك فإن علياً(ع) في قوله هذا "هلك فيَّ رجلان..." كان يريد للمحبين أن يقفوا في خط التوازن فيما يريده الإسلام، وكذلك يريد للمبغضين أن يدرسوا المسألة على أساس الحق الذي يمثله علي(ع). فلا يحسب الذين يغالون في علي(ع)، أو في أبنائه من أئمة أهل البيت(ع)، أنهم يعيشون الإخلاص وحقيقة الانتماء إلى علي وأهل بيته، لأن عمق الإخلاص لهم يكون بالإخلاص لرسالتهم، إذ ليس عندهم شيء آخر غير الإسلام، وذلك قولهم: "من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع"(39). فعندما نريد أن نحبّهم فلا بد أن يكون ذلك على أساس المنهاج الذي رسموه لنا، وهو ما ورد في كلمة الإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع): "أحبّونا حبّ الإسلام"(40)، بمعنى أن يكون الحب في الدائرة الإسلامية، بأن لا يبتعد عن العقيدة في خطوطها الواردة في الكتاب والسنة.

هذا الأمر يفرض علينا أن ندقق فيما جاءنا عن النبي(ص) وأهل البيت(ع)، بأن ندرس صحة السند مضافاً إلى التدقيق في المضمون، وأن تكون لنا الحساسية العلمية تجاه الأحاديث التي وردت في الأمور العقائدية أو التاريخية، تماماً كالحسياسية التي نعيشها تجاه الأحاديث الشرعية، لأن بعض الناس قد كذبوا على الأئمة(ع)، لا في الجانب السلبي فقط، بل في جانب الغلو أيضاً، من أجل أن يوجدوا للأئمة(ع) في نظر الناس حالة سلبية من خلال الواقع الاجتماعي للمسلمين الذي كان يعيش حساسية مفرطة تجاه أي لونٍ من ألوان الغلو، خصوصاً بالنسبة لأهل البيت(ع).

وهذا ما ورد فيه الحديث عن الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، فعن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلتُ للرضا(ع): إن عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين(ع) وفضلكم أهل البيت، وهي من مخالفيكم، ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال: "يابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه، أن رسول الله(ص) قال: "من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس"، ثم قال(ع): "يابن أبي محمود، إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربويتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالبَ أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا"، وتابع الإمام(ع) يقول: "يابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا" ـ وهي الطريقة الوسطى ـ "فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه، إن أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة هي نواة، ثم يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه.."(41).

وفي هذا الحديث تصريح من الإمام(ع) أن أحاديث الغلوّ التي تخرج أهل البيت(ع) من إطار البشرية وتجعلهم قريبين من الربوبية ليست صادرة عنهم.

يتبع...

نمير العشق
01-24-2005, 08:31 PM
تساؤلات حول الغدير

س: هل تتوقف ولاية المعصوم وإمامته على قناعة الناس بها أم أنها تتجاوز ذلك؟
ج : لو كانت المسألة تحتاج إلى انتخابات لما نجح النبي في نبوته في أول عهد الدعوة الإسلامية، لأنه لم تكن له في ذلك الوقت الشعبية الكافية، بل لقد رفضه أكثر الناس، فإذا كان المعنى أن المعصوم ـ نبياً أو غير نبي ـ لا يصل إلى مقامه إلا بقناعة الناس لما وصل إليها أحد. نعم، قد يحتاج المعصوم من أجل أن تكون ولايته فعلية، أي مؤثرة في الناس أن يحصل على انقياد من قبلهم، ولعل ذلك هو ما تفيده مسألة البيعة، والله أعلم.

فالمسألة هنا هي أن الله سبحانه هو الذي يصطفي: {إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} [آل عمران:33]، فهو الذي يصطفي منهم رسلاً {الله يصطفي من الملائكة رُسُلاً} [الحج:75]، وكذلك الأمر بالنسبة للأئمة(ع)، فإن الولي وولايته ودوره أمرٌ إلهي أراد الله سبحانه وتعالى للناس أن يطيعوه فيه.

س : كيف يمكن إقناع الآخر غير الإمامي بأن آية إكمال الدين وإتمام النعمة دليل قرآني على بيعة النبي(ص) للإمام علي(ع)(42)؟
ج : إن الآية الكريمة عامة، وبالتالي فإن إفادتها لهذا الأمر لا بد أن تتم من خلال الرجوع إلى السنّة وكتب التفسير، لنعرف من خلال السيرة النبوية الشريفة ومن خلال الكثير من الأحاديث أن هذه الآية نزلت في يوم الغدير بعد أن بلّغ النبي(ص) الرسالة.

فالقضية ليست قضية إماميّ أو غير إمامي، بل هي قضية علميّة لا بدّ أن ننطلق فيها من دراسة النصوص الواردة في هذا الموضوع، ونحاول أن نقارن بين هذه النصوص والنصوص الأخرى التي تعارضها، حتى نستطيع الوصول إلى نتيجة إيجابية كأي بحث علمي يراد من خلاله الوصول إلى نتيجة حاسمة.

ومن الخطأ جداً أن ندخل الحوار على أساس أن هذا شيعي يريد أن يؤكد موقفه وأن هذا سني يريد أن يؤكّد موقفه بالعقلية الذاتية الفئوية، بل علينا أن نفتح عقولنا لله سبحانه وتعالى ونقرأ الآية: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، أي من خلال فهم الإسلام، وأن نُعذِر إلى الله سبحانه وتعالى في الموقف الإسلامي.

وعلينا أن ننطلق بعقلية الباحث عن الحقيقة، وقد رأينا كيف أن الله علّم رسوله في أسلوب الحوار بأن يقول: {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبين} [سبأ:24]، فلم يكن النبي(ص) شاكّاً في أنه على هدى وأنهم على باطل، وهو {والذي جاء بالصدْقِ وصدّق به} [الزمر:33]، لكن الله تعالى أراد في أسلوب الحوار أن توحي إلى مَن تختلف معه أنك تريد أن تبحث القضية معه كما لو كنت شاكاً، وأن يبحث القضية معك كما لو كان شاكاً، والنتيجة في نهاية المطاف هي أنكما تترافقان في رحلة البحث عن الحقيقة، لا أنك تريد أن تؤكد نفسك ويريد هو أن يؤكد نفسه، لأن العصبية تأتي من خلال ذلك.

س : هل لديكم (أنتم الشيعة) دليل على إمامة علي(ع) غير النصوص، فالبعض يذكر سيرته ونهجه، فهل هذا كافٍ لإثبات الإمامة؟
ج : عندما نتحدث عن الحكم الإسلامي وعن إسلامية أيّ موقف، فمن الطبيعي أن تكون النصوص هي الأساس، فلدينا كتاب الله وسنّة رسوله، والله يقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7]، فليس هناك أي معنى لأن نبحث عن عنوان إسلامي أو خط إسلامي بعيداً عن النصوص، هذا أولاً. وثانياً فإن ما ذكرناه من خصال علي(ع) يعطي عمقاً للمعنى الذي تمثله النصوص، بحيث لا تكون مجرد نصوص انطلقت من دون واقع يفرضها، ونستحضر في هذا المجال كلمة "الخليل بن أحمد الفراهيدي" مخترع علم العروض وصاحب أول قاموس لغوي وهو "العين"، عندما قيل له: لم قدمت علياً؟ قال: "احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل أنه إمام الكل"(43).

س : ما هو السر في الانجذاب السحري نحو شخصية علي(ع) عند بعض الناس، وما السر في البغض والنصب عند البعض الآخر لنفس الشخصية المقدسة لأمير المؤمنين(ع)؟
ج : أما كيف ينجذب الناس إيجاباً لعلي(ع) فلأنك لا تملك أمام علي إلا أن تنجذب إليه، لأنك لا تجد في عقله ولا في قلبه ولا في حياته إلا الإسلام والحق والعدل، حتى أثر عنه أنه قال: "ما ترك لي الحق من صديق"(44). فأنت لا تستطيع أن تجد في علي نقطة ضعف ـ بغضّ النظر عن عصمته ـ بل لا تملك إلا أن تنحني إجلالاً لمواقفه، فإنه عندما ينظر إلى نعله التي يخصفها بيده يخاطب ابن عباس قائلاً: "والله لهي أحبُّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"(45)، وكان يقول: "لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز"(46).

فكيف لا تنجذب لعلي الذي كان يقول بشأن كل الجدل الذي ثار حول الخلافة، وهو الذي يعتقد ـ كما نعتقد ـ أنه أحق بالخلافة، قال: "لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه"(47). فعندما تسمع علياً يقول: "يا دنيا: إليك عني، أبي تعرضت، أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك، هيهات غرّي غيري لا حاجة لي فيك قد طلّقتك ثلاثاً" (48)، ألا ترى فيه إنساناً خرج من الدنيا بالمعنى المادي لها، بعقله وقلبه وروحه وحياته، وعند ذاك كيف لا تحبه؟

ولكن، مع ذلك، لا يمكن أن تحب علياً(ع) وأن تنجذب إليه وأن تدخل في عمق شخصيته، ما لم تفهمه.

أما الذين يبغضونه وينصبون العداوة له، فهم كمن يبغض الورد ويحب الشوك، وكمن يبغض العطر ويحب النتانة، وكمن يبغض النور ويحب الظلمة، هؤلاء لا يعيشون معنى الإنسانية، لأنك لا يمكن أن تكون إنساناً وتبغض علياً، ونحن لا نقولها من موقع عاطفة، بل من موقع العقل الذي يحسب الأشياء بكل دقة.

س : هل هناك أسباب استدعت إخفاء حديث الغدير؟

ج : كل الأسباب والعناصر القلقة التي كانت موجودة في الواقع الإسلامي هي من بين الأسباب التي أوجبت ذلك، فعندما نسمع قول الخليفة الثاني: "لو وليها عليّ لحملهم على المحجة البيضاء"(49). وعندما نسمع أن علياً كان لا يزال شاباً، وأنه قد قتل صناديد قريش، وأن قريش لا تقبل بعلي(ع) وما إلى ذلك، نفهم كيف أخفي حديث الغدير، وكيف اختلطت الأوراق في هذا الموضوع.

ولعلّنا نعرف سرّ إخفاء الغدير عندما ندرس الواقع المعاصر الذي كانت فيه بعض القضايا واضحة كالشمس، ولكنها أخفيت بطريقة قلقة دخل فيها الكثيرون على الخط. فعندما ندرس كيف تتبدّل الأوضاع، وكيف تتغيّر الأفكار وكيف تختلط الأوراق، فإننا نجد بالتجربة الكثير من هذا في واقعنا، والسبب في ذلك هو أن المؤثرات التي يمكن أن تتحرك في الواقع الاجتماعي أمام أية قضية، لا تتحرك في المجرى الاجتماعي الذي يرضاه الناس أو يحبونه، بل تتحرك الكثير من الأساليب والوسائل من أجل إبعاد القضية عن خطها المستقيم ولو بالقول.

وعلى سبيل المثال: عندما ندرس قصة الحسن والحسين(ع)، نجد أن النبي(ص) ربّى لهما حباً في نفوس المسلمين، وقد استطاعا أن يعمقا هذا الحب من خلال سلوكهما وسيرتهما. وكدليل على ذلك، عندما انطلق الإمام الحسين(ع)، وقد بايعه أهل الكوفة، التقى الفرزدق في الطريق، فسأله الحسين(ع) عن أهل الكوفة، فقال له الفرزدق: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"(50). ونحن عشنا الكثير من هذا في العراق وعشناه في لبنان ونعيشه في أكثر من موقع في العالم، لأن مسألة الجماهير هي أنها تنطلق بانفعال وتتحرك بانفعال أيضاً، بحيث يتحوّل الحق باطلاً والباطل حقاً عند الكبار والصغار، وتنقلب الأمور رأساً على عقب في أمرٍ واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.

س : كان الشهيد الصدر(رض) يرى أن أهم وأشد الأمراض التي ابتلي بها المسلمون في عصر الإمام علي(ع) هو مرض الشك، فلماذا نشأ الشك، وكيف نشأ، مع أن الإمام علي(ع) يمثل أكمل مسلم بعد رسول الله(ص)؟
ج : يبقى الإنسان إنساناً، يأخذ من الإسلام ومن الإيمان بمقدار مختلف، فقد يأخذ الإسلام كله، وقد يأخذ ربعه أو نصفه و ما إلى ذلك، وتنطلق المؤثرات لتؤثر فيه سلباً.

فالشك كان في عهد رسول الله(ص)، حيث وقف "العباس بن مرداس" في "غزوة حنين" ورسول الله(ص) يقسِّم الغنائم بين المقاتلين، وكانت له حكمته في ذلك، فوقف العباس بن مرداس وهو يرى أنه يستحقّ أكثر من ذلك، قال: اعدل، فقال: ويحك ومَن يعدل إذا لم أعدل"(51)؟

وهكذا كنا نجد أن المنافقين من خلال طبيعة التعقيدات الموجودة في الواقع الإسلامي كانوا يعيشون الشك؛ وقد رأينا في أواخر حياة رسول الله(ص) وبعد رسول الله(ص) كيف انطلق الكثير من الناس في تعقيد الأمور بنحوٍ زرعوا من خلاله الشك، فلقد كان حديث "الغدير" أوضح الكلمات، ولكن رأينا كيف انطلقت كلمات تثير الهواجس من هنا وشكوكاً من هنا، وتبعد المسألة عن مدلولها هناك، حتى رأى النبي(ص) أن الناس تبتعد عما بيّنه لهم بوضوح من خلال الطريقة التي أصبحوا فيها يتناولون القضايا؛ ولذلك قال: "إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"(52)، ومع ذلك قال بعض من عنده: "إن النبي ليهجر" أو "غلبه الوجع" وما أشبه ذلك، حتى بذر الشك فيما يكتبه النبي(ص)، وهذا ما قاله النبي(ص) عندما قيل بعد ذلك، كما تنقل الرواية: هل نأتيك بالدواة والكتف، قال: أوَبعد الذي قلتم؟

وهكذا عاش المسلمون مشاكل كثيرة وتعقيدات حجبت وضوح الحقيقة عندهم، وهذا ما جعل الشكّ يثور في عهد علي(ع) أقوى مما ثار في عهد الرسول(ص)، فليست مسألة أن يشكّ إنسان أو لا يشك من خلال طبيعة الشخص الذي يعيش معه، ولكن من خلال التعقيدات الاجتماعية التي تخلط الأوراق وتبعد القضية عن وضوحها.

وهذا ما نلاحظه في كثيرٍ من الأوضاع والأحكام والشكوك التي قد تُثار حول الكثير من رجال الطليعة الإسلامية من خلال حقد هنا وحسدٍ هناك ومخابرات هنا وما إلى ذلك، ما يفقد الحق معه وضوحه، فيخيَّل للناس أن الحق باطل وأن الباطل حق، ويحاربون الحق باسم محاربتهم للباطل، ويدعمون الباطل باسم دعمهم للحق، وكم لهذه القضية من شواهد في عصرنا الحاضر.

س : تستدلّون على الإمامة الشرعية والسياسية بحديث الغدير الذي قاله رسول الله(ص)، هذا إذا كان قد صدر عن الرسول، وهذا الحديث على تقدير صحته لا يعطي هذا المعنى البعيد الذي تذهبون إليه؟
ج : حديث الغدير هو حديث مستفيض، بل متواتر عند السنة والشيعة، وإذا كان السائل يناقش في الدلالة فالدلالة واضحة، لأن النبي(ص) رجع من حجة الوداع وكان معه المسلمون حتى وصلوا إلى مفترق الطرق، فجمع الناس في وقت الظهر ورفع يد علي عالياً حتى بان بيان إبطيهما للناس ثم قال: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: "اللهم بلى" قال: "اللهمّ اشهد" ثم قال: "مَن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه"(53). وهنا يفسّر بعض كلامه أن من كنت محبّه فعلي محبّه، لأن المولى يطلق على المحب ويطلق على الناصر ويطلق على ولي الأمر؛ فإذا كان اللفظ محتملاً لكل هذه المعاني فلا يمكن الاستدلال عليه بكون المراد منه الولاية والحاكمية.

وتعليقاً على ذلك نقول: أولاً عندما ندرس طبيعة الحادثة وكيف جمع(ص) الناس في ذلك الوقت القائظ، هل لمجرد أن يقول لهم إن الذي أحبه أنا يحبه علي أيضاً، أو أن الذي يحبني لا بد أن يحبّ علياً أيضاً، إن هذا لا معنى له من خلال طبيعة الموضوع، ثم إن قوله: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم" يعطي معنى الولاية والحاكمية، بقرينة الاستشهاد بالآية القرآنية قبلها، وهذا يعني أن المراد بها "الأولى بالمؤمنين من أنفسهم"، أي الولي والحاكم، وهذا ما يستدل به على الإمامة من حديث الغدير.

س : إنّ تواتر الأخبار عن يوم الغدير يقطع الشك ويعطي اليقين بهذا العيد الإسلامي الكبير، ولكن يتحدث البعض عن عدم استخدام الإمام هذا الحدث في المطالبة بحقه في الخلافة بشكل واضح، فما هو رأيكم؟

ج : يقول علي(ع): "أما والله لقد تقمّصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير"(54)، ما يبيّن أنه تحدث عن ذلك بطريقة الرمز، هذا من جانب. ومن جانب آخر، ينقل التاريخ أن علياً تحدث بهذا الأمر فيما ينقل عنه بالصراحة، فقد نقل المؤرخون أن علياً جمع الناس في الرحبة أيام خلافته فقال: "أنشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله(ص) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع، ولا يقم إلا من رآه بعينه وسمعه بأذنيه، فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً، فشهدوا أنه أخذه بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، قال(ص): "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ ما عاداه"(55).

ولم يقم ثلاثة للشهادة، ومنهم أنس بن مالك، فقال له علي(ع): ما لك لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سمعته يومئذ منه؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت سنّي ونسيت. فقال علي(ع): إن كنت كاذباً فضربك الله ببياضٍ لا تواريها العمامة، فما قام حتى ابيضّ وجهه برصاً، فكان بعد ذلك يقول: أصابتني دعوة العبد الصالح.. وقد ذكر هذا الإمام ابن قتيبة الدينوري، ويشهد له ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في الجزء الأول من مسنده، حيث قال: "فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا فأصابتهم دعوته". فلقد تحدث الإمام في أكثر من موقع بطريق الرمز تارةً وبطريقة الإشارة أخرى وبطريق الصراحة ثالثة، لأنه كان يواجه القضايا بالحكمة وبما فيه المصلحة للإسلام والمسلمين.

س : البعض يرى أن بيعة الغدير انتهت عندما بايع عليٌّ الخليفة الأول، ومن هنا يرون عدم وجود ضرورة حتى لإحياء هذه المناسبة نظراً لانتفاء الموضوع؟

ج : عندما ندرس الإمام علي(ع) في الخطبة الشقشقية، نجد أنه ـ حتى مرحلة حكمه ـ كان يرى أن حقه هو الحق، وأن الظروف التي أحاطت به لم تجعله يتراجع عن حقه، لأن مثل هذه القضية التي كانت الولاية فيها من الله بتنفيذ من الرسول(ص) لا يمكن أن يتنازل عنها، إذ لا معنى للتنازل في هذا المجال، لأن الأمر لا يملكه عليّ بشخصه، بل هو أمر يتعلق بالإسلام في حركيته وحيويته وأصالته.

ونحن عندما نذكر علياً(ع)، لا نريد أن نتنازع لنـزيل الذين تقدموه ونضع علياً مكانهم، فقد أصبح علي ومن تقدمه في رحاب الله، إنما القصة هي قصة خط علي الفكري والمنهجي والروحي والجهادي، وهو معنى حركتنا في خط الولاية.

س : لقد ورد في حديث الغدير أن رسول الله(ص) قد حشد الآلاف من المسلمين عندما ولّى علياً، والسؤال أين كان هذا الحشد بعد وفاة رسول الله من المبايعة لعلي؟

ج : لقد أحيط الواقع الذي أعقب واقعة الغدير بأسلوب نفسي جعل الجميع يغفلون عن القضية تماماً، وإذا كان البعض يتعجب من ذلك أو يستبعده، فإن عندنا في الواقع الذي عشناه في تاريخنا في بيعة الناس للحسين(ع) مثلاً آخر، فلقد كانت قلوبهم معه وسيوفهم عليه، كما نجد في تاريخنا المعاصر كثيراً من القيادات التي التفّ حولها المسلمون ثمّ كيف لم تجد ناصراً واحداً أو صوتاً واحداً عندما اضطهدت بطريقة وبأخرى.

س : تحدّث أحد الخطباء عن الفتنة التي حدثت في خلافة الإمام علي(ع) فقال: إنه رجل فقيه وشجاع وذو علم ولكن تنقصه السياسة، ولذلك قامت الحروب في زمنه، فهل هذا صحيح؟
ج : إن بعض الناس لا يفهم السياسة في خط الرسالة بعمق. نعم، قد لا يكون الإمام علي(ع) سياسياً بمعنى السياسي الذي يحافظ على حكمه ويتشبث به كيفما كان، كمثل من يريد أن يصبح حاكماً ولو بالتعامل مع الشيطان، وتراه ـ إذا حكم ـ يظلم النّاس ويفسد في الأرض ويستحلّ كل شيء حتى يبقى في الحكمِ؛ في حين أن عظمة الإمام علي(ع) هي أنه اعتبر أن دوره هو أن يعطي للرسالة واقعيتها، وأن يثبت أنه حاكم يريد أن يطبق الإسلام حتى لو كان ذلك على حسابه الشخصي وبقائه في الحكم، وقد كان يقول: "قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين"(56).

وكان يقول رداً على من كان يقول في ذلك الوقت إن معاوية أدهى منه: "والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس"(57). فالإمام علي(ع) يريد للسياسة أن تتحرك من أجل أن تعمق للناس القضايا الكبرى، ولا يريد للسياسة أن تتحرك من أجل أن تزوّر روحية الناس وتقودهم إلى أن يجعلوا السياسة لعبة لمصلحة الذات. فالإمام كان يقول: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"(58).

ونحن نعتقد أن الخلافة حقٌ لعليّ(ع)، لأنه هو المسلم الوحيد الذي عاش الإسلام كله، وعرف الإسلام كله، وانفتح على روحانية الإسلام كلها، وعاش مع النبي(ص) الذي لم يستطع بفعل الحروب والأوضاع والمشاكل أن يكمل مشروعه في تركيز القيم الإسلامية في نفوس الناس، فكان يحتاج إلى شخصٍ هو كنفسه لإكمال الشوط، وليس هناك إلا علي(ع)، ولذلك كانت الخلافة هي الحق الطبيعي له، وكان دوره(ع) أن يحمي الإسلام، وهذا هو الذي يفسر تعاونه مع الخلفاء الذين سبقوه مع أنهم أبعدوه عن حقه، لأنه يعتبر نفسه مسؤولاً خارج الخلافة وداخلها، فدور الإمامة هنا هو دور النبوّة بدون نبوّة، كما قال عنه رسول الله(ص): "أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي"(59)، فدور الإمام علي(ع) هو أن يؤكد الحق حتى يعطي الناس فكرةً عن الحكم الإسلامي، وكيف يؤصِّل القيم الإسلامية في تجربته حتى على حساب الكثير من الأوضاع في حياته.

س : ينقل عنكم أنكم ذكرتم في مقابلة صحفيّة مع جريدة (الحياة) أن ولاية علي(ع) لا تصل إلى حدّ القطع؟
ج : هذا ليس صحيحاً، فنحن نقول إنه ثبت لدينا بالقطع أن النبي(ص) ولّى علياً(ع) بنصّ من الله سبحانه وتعالى في يوم الغدير وفي غير يوم الغدير، ولكننا كنا نتحدث عن أن هذه المسألة هي من المسائل النظرية التي هي محلّ خلاف بين السنة والشيعة، فالشيعة يقطعون بذلك والسنة لا يقطعون به، ولذلك وُضِعَت هذه المسألة موضع الجدل، وثمة فرق بين من يقول إنها من القضايا البديهية التي لا يمكن لأحد من المسلمين أن يناقش فيها، وبين من يقول إنها من القضايا النظرية.. فكل العلماء يقولون إنها من القضايا النظرية التي لا بد من تقديم البرهان عليها من قبل علمائنا، وأن يقدّم علماء السنة البرهان النافي والسلبي لها، وهذا لا ينافي أن الشيعة يقطعون بذلك.

س : ما هو دور الإمام أمير المؤمنين(ع) في الـ(25) سنة من معاصرة الخلفاء؟

ج : كان دوره أعظم دور، لأن الإمام علي(ع) يعتبر نفسه أنه أمير المؤمنين خارج الخلافة كما هو أمير المؤمنين داخل الخلافة، وأنه مسؤول عن الإسلام كله، سواء كان هو على رأس المسؤولية أو لم يكن، ولذلك وقف الإمام علي(ع) مع الذين أبعدوه عن الخلافة وغصبوا حقه ليعطيهم المشورة كلها والنصيحة كلها، وليحلّ لهم المشاكل التي تواجههم من دون أية عقدة، لأنّ الفرق بين الإمام علي(ع) وبين الآخرين من الصحابة هو أن علياً كان إسلامياً كلّه، وكانت مسؤوليته عن الإسلام كمسؤولية الرسول(ص)، ولكن من دون نبوة، ولذلك قال: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة"(60)، ولهذا نجد أنه نصح كل الخلفاء الذين تقدموه في سيرته، وينقل أنه دافع عن عثمان وأرسل ولديه للدفاع عنه، وليس معنى ذلك أنه ترك أو تنازل عن حقه، ولكنه كان يراعي مصلحة الإسلام العليا..

إنّ علينا أن نتعلم من علي(ع) سعة الأفق، فنفكر بالإسلام وبرحابة الصدر واستقامة الخط، لأن علياً علّمنا ذلك قبل خلافته وبعد خلافته.

س : تقول نظرية الشيعة في الإمامة: إنّ الإمامة هي تكليف من الله عزّ وجل باعتبارها امتداداً للنبوة. إذاً كيف ترك الإمام علي(ع) حقّه في الخلافة في الوقت الذي لا يسمح للنبي بترك دعوته، أليس هذا مثل ذاك؟
ج : إن الإمام(ع) لم يلغ حقه ولم يتنازل عنه، ولكنه جمّد المطالبة به، لأن لم يكن ليتمّ له ذلك من خلال طبيعة الظروف الموضوعية، وقد بيّن السبب في ذلك عندما قال: "حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم"(61)، وحتى أن الأنبياء(ص) عندما يواجهون التحديات والصعوبات التي تمنعهم من أداء التكليف يقفون ـ لا اختياراً ـ بل لأن الظروف لم تسمح لهم بذلك.

س : هل يعتبر "حديث الغدير" نصاً من السماء أو هو مجرد إعداد وترشيح كان على المسلمين إمضاؤه؟

ج : ليس ترشيحاً بل هو تعيين، قال تعالى: {يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزِلَ إليكَ من ربِّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس} [المائدة:67]، ففي القضية جانب إلزامي وتعيين، ثم قال تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة:3]، فالإمام علي(ع) متعين من قبل الله تعالى ومن قبل رسول الله(ص) ومن قبل الحق والحقيقة.

س : من أسباب إنكار بعض الباحثين لكون "نهج البلاغة" من كلمات الإمام علي(ع) هو هذا العلم الجسيم في مختلف المجالات، سواء في العلوم أو في المعنويات، حيث يقول هذا البعض إن هذا العلم لم يجمعه أيُّ صحابي فكيف جمعه الإمام علي(ع)، ويعتبرون ذلك دليلاً على أن "نهج البلاغة" وضع في فترة متأخرة عن عصر الإمام؟

ج : إن الذين يتحدثون بهذه الطريقة لا يفهمون علياً، لأنهم يتحدثون عن علي(ع) كما يتحدثون عن أيِّ صحابي، وعليٌّ ليس كذلك، لأن علياً(ع) كان كل رسول الله(ص) في علمه، وقد ورد الحديث عن رسول الله(ص): "أنا مدينة العلم وعلي بابها"(62)، وقد تحدث عن هذا العلم في كلمته المشهورة "علمني رسول الله ألف باب من العلم"، والباب يمثل المنطقة التي تشتمل على خطوط العلم الواسعة، والإمام لم يكن يتلقى العلم فحسب، بل كان ينتجه عندما كان يتعلّم من رسول الله(ص) كل ما أعطاه، فإنه كان ينتج من ذلك علماً جديداً، ولذا عقّب بقوله: "يفتح لي من كل باب ألف باب"(63).

ونحن نعرف أن علياً(ع) كان تلميذ القرآن كما هو تلميذ رسول الله(ص)، وقد وعى القرآن في نزوله كما لم يَعِه أحد إلا رسول الله(ص) الذي قال: "إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع ولكنك لست بنبي"(64)، وكان مع رسول الله(ص) ليله ونهاره، ولذا كان يعرف كل آية أين نزلت وفيمن نزلت. ونحن نعرف أن القرآن الكريم يمثل الكتاب الذي لا يزال الناس، مع كلِّ هذه القرون، ينفتحون عليه ويستلهمونه ويستوحونه ويفهمونه كما لو كان كتاباً نزل حديثاً، فهو يتجدد باستمرار ويجري مجرى الليل والنهار والشمس والقمر، فكلّ جيل من الأجيال يرى أن القرآن يتحدث عن قضاياه كلها كما لو كان نزل عليه، وكان يقول في أواخر أيامه: "سلوني قبل أن تفقدوني، فإني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض"(65)، وقال: "إن ههنا ـ ويشير إلى صدره ـ لعلماً جماً لو أصبت له حملة"(66)، وعلي(ع) هو الذي قال وهو يتحدث عن معرفته بالله: "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"(67).

فعليّ(ع) شيء آخر غير هؤلاء الناس ـ مع احترامنا لكل الناس ـ وهو بشر وليس بنبي، كما قال له النبي(ص): "أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"(68). هذا عندما نتحدث عن علي(ع) في الحالة الطبيعية، وأما عن الفيوضات التي أفاضها الله عليه(ع)، فهناك آفاق وامتدادات لا يعرفها الناس.

لذلك أن يتحدث علي(ع) عن المستقبل وعما لا يألفه الناس من المعنويات ومن القضايا الأخرى، فهذا أمر لا غرابة فيه، لأن الناس كانوا لا يعرفون الكثير، حتى أن بعض المفسرين لنهج البلاغة يتحدثون عن أنّ علياً خطط لكثير من العلوم والخطوط التي تحرك الناس فيها بعد ذلك.


يتبع...

نمير العشق
01-24-2005, 08:32 PM
س : تحاورت مع أخٍ لي حول موضوع خلافة الإمام علي(ع)، وقال لي إن كل ما ورد في خلافة علي(ع) بعد الرسول(ع) غير صحيح، لأنه يناقض القرآن، فالقرآن يقول: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحيٌ يوحى}، وهناك أشياء كثيرة قالها الرسول في حياته وذكر أنها ستتحقق في المستقبل وقد تحققت فعلاً بعد وفاته. لكن خلافة الإمام علي بعد الرسول لم تتحقق، ما يدل على أن الرسول لم يقل شيئاً من هذا القبيل، فلو قاله لتحقق؟

ج : هذا الرجل لا يفهم المسألة كما ينبغي، لأن أكثر ما جاء به النبي(ص) في حق علي(ع) متواتر بين السنّة والشيعة، و"حديث الغدير" أيضاً متواتر عن السنة والشيعة من خلال من رووا من الصحابة والتابعين، لكنّ هناك نقاشاً في دلالته من قِبَل أهل السنة وليس في أصل صدوره، فهو صدر يقيناً عن النبي(ص)، أما قوله: {وما ينطق عن الهوى} فهو يؤكّد أن النبي(ص) نطق بخلافة علي(ع) من جهة التكليف الإلهي لا من جهة أنه ابن عمه، أما أنه لم يتحقق فهذا ليس فقط في خلافة علي بل في الإسلام كله... فالنبي(ص) مأمور بالتبليغ، قال تعالى: {وقل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف:29]، فلم يتحقق الإسلام كله، ولم يؤمن كل الناس بالنبيّ، هذا فضلاً عن أن النبي(ص) لم يطلق الروايات في حق الإمام علي(ع) على نحو النبوءات لنقول إنها تحققت أو لم تتحقق، بل كان يثبت حقاً لصاحب حق ومن موقع الأهلية والكفاءة والأرجحية، فعلى صاحبك أن يعيد النظر في ثقافته وفهمه للأشياء.

س : يحاول بعض الباحثين فهم النصوص الواردة حول إمامة علي(ع) بأنها لا تعني الإمامة السياسية، وإنما تعني الإمامة الفكرية، فما هو تعليقكم على ذلك؟

ج : إن للنبي في قوله تعالى: {فذكّر إنما أنت مذكِّر* لست عليهم بمسيطر} [الغاشية:21ـ22] شخصية الداعية، وله أيضاً شخصية الرسول وشخصية المبشِّر.. {إنا أرسلناك شاهداً ومبشِّراً ونذيراً* وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} [الأحزاب:45ـ46]، وشخصية أخرى في قوله تعالى: {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة:2]، وهي شخصية الإضاءة الفكرية والإضاءة الروحية.

وهناك شخصية الحاكمية، وهذه هي الشخصية السياسية للنبي(ص)، والتي تتجلى في قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب:6]. في كلِّ المجالات، وقد أعطى النبي(ص) هذه الصفة ـ الحاكمية ـ لعلي(ع) عندما قال(ص): "أولست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ـ قالوا: بلى ثم قال: ـ من كنت مولاه ـ أي من كنت أولى به من نفسه ـ فعليٌّ مولاه"، أي أولى به من نفسه. وهذه الكلمات وردت في روايات نقلها السنّة والشيعة ومن طرق عديدة كثيرة. ولقد جاء في قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} [المائدة:67]، حيث جاء في التفسير أنها نزلت في مسألة ولاية علي(ع)، وبعد أن عيّن النبي(ص) علياً إماماً بأمر من الله نزلت الآية الكريمة: {اليوم أكملتُ لكُم دينَكُم وأتمَمْتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة:3].

إذاً فالإمامة التي نعتقد بها هي إمامة فكرية وروحية وسياسية في كل المجالات، لأن عصمته(ع) تعني أن فكره حق، وأن حكمه هو الحق، وقد قال فيه النبي(ص): "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"(69).

B]]س : هل إن تعيين الإمام علي(ع) للخلافة من قِبَل النبي في "غدير خم" كان أمراً متغيراً أم ثابتاً، أي هل إن تعيين الإمام قام على أمر ثابت أم كان يمكن أن تكون الخلافة لأي شخص آخر كأمر متغير؟[/B]ج : عندما يثبت لدينا أن علياً(ع) نصّبه النبي(ص) بأمر من الله في قوله: {يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزِل إليك} فهو أمر ثابت وليس متغيراً، لأن القضية ليست مجرد ترشيح أو مجرد أمر ينطلق من ظروف آنية، حتى إذا تبدلت تبدل الأمر والحكم، بل هي بحسب ما عندنا من أدلة اختيار الله له؛ وليس ذلك إلا من جهة أن الله قد رأى فيه الكفاءة لذلك، وأراد للنبي(ص) أن يؤكد ذلك. فالمسألة هي من المسائل الثابتة بحسب طبيعتها وبحسب الدليل عليها، وهي ثابتة عندنا بثبات الحق، لكن المسلمين عندما اختلفوا في ذلك أصبحت المسألة مثار جدل.

س : ما هي الدروس المستفادة من "بيعة الغدير"؟ وماذا يفيدنا الغدير في وقتنا الحاضر؟
ج : الدرس الذي نستفيده هو الانطلاق من الفكر الأصيل لعلي(ع) الذي ينبغي أن تعيش القيادة مفردات قيادتها بوحي منه في عقلها وروحها وحركتها، وأن تجسّد الإسلام بوحيٍ منه، وأن ننطلق من فكرةِ تقديمِ الأفضل في موقع القيادة، وأن نعيش في داخل شخصية النبي محمد(ص) عندما واجه التحديات السلبية التي من الممكن أن توجه إليه في ولاية الإمام علي(ع) لأنه ابن عمه وصهره، فلم تأخذه في الله لومة لائم أمام الحق، وفي داخل شخصية الإمام علي(ع) في المستوى المميز الذي تمثلت به حياته في كل القضايا الشائكة التي عاشت في كل واقعه قبل الحكم وبعده.

س : هل هناك من لزوم للبيعة بعد النطق بالشهادتين لمن يعتنق الإسلام كما نشاهده لدى بعض الطوائف الإسلامية، وكذلك بعض التنظيمات الإسلامية في أفريقيا، حيث يستندون إلى البيعة أو البيعات التي حصلت للنبي(ص) في عصر الرسالة، فهم يتقدمون بالبيعة لعلماء الطوائف؟ج : البيعة ليست شرطاً في الإسلام، فمن قال: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" كان مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولكن النبي(ص) كان يأخذ البيعة ليؤكد للمسلمين التزامهم العملي به، فالنبي هو نبي أولاً، وهو قائدٌ حاكم ثانياً {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب:6]. والبيعة تعني الالتزام بالقيادة التي قد تزيد الإنسان إحساساً بالمسؤولية، ولهذا كان النبي(ص) يأخذ البيعة من كل من أسلم من النساء والرجال ليؤكد التزامهم، وليحتج عليهم بالتزامهم من خلال البيعة كما يحتجُّ عليهم من خلال إسلامهم، فللنبي شخصيتنان: شخصية الرسول وشخصية القائد، وشخصية الرسول تتقبل الشهادتين، وإلا لما كان المرء مسلماً وشخصية القائد تتقبل البيعة، ولذلك فالبيعة للقيادة، فإذا كانت هناك قيادة إسلامية فالبيعة تؤكد التزام الأمة بهذه القيادة.

س : في إطار علم علي(ع)، نرى أنه تحرك في خطين: طرح علماً لعامة الناس، وطرح للخاصة من أصحابه كـ"عمار" و"أبي ذر" و"كميل" وغيرهم علماً آخر. حول النقطة الثانية، ما هي توجيهاتكم حول التربية الخاصة؟
ج : من الطبيعي بأن كل عالم يعطي بحسب ما يحتاج الجوّ العام في خطوطه العامة وفي الخطوط التفصيلية التي يتحملها المستوى الثقافي العام للناس، وهناك أشخاص بلغوا مستوى جيداً من العلم والثقافة، فلا بد أن يكون عطاؤه لهم أكثر وأعمق وأدق من عطائه لأولئك، كمعلم الثانوية الذي يعطي الطلاب غير ما يعطيه معلم الجامعة، وهذا شيء طبيعي، لأن هؤلاء لهم مستوى وأولئك لهم مستوى آخر، ولكن قد لا يكون الحديث عن اختلاف في العلم دقيقاً، بل هو اختلاف في المستوى وبعض المفردات، والله العالم.

س : لقد سمعت بعض الخطباء يقول: "لولا علي لما خُلق رسول الله"، أليس هذا كفراً؟

ج : هذا كلام غير مفهوم، لأن علياً كما نعلم هو تلميذ رسول الله، وعلي تربية رسول الله(ص)، والنبي هو سيد ولد آدم بما فيهم علي(ع). لذلك فبعض الناس يغالون في أحاديثهم، وعليّ يرفض ذلك كله، اقرأوا "نهج البلاغة" وسوف تعرفون كيف يعظّم علي رسول الله، اقرأوا كيف كان علي يتحدث عن شجاعة رسول الله: "كنا إذا اشتدّ البأس لذنا برسول الله ولم يكن أحد أقرب إلى العدو منه"(70). ولذلك فمشكلة الكثيرين أنهم لا يعرفون عظمة رسول الله.

إن رسول الله(ص) هو الأصل وهو القاعدة وهو المنطلق وهو الأستاذ وهو المربي، ومن عظمته أنه ربّى علياً، فكانت شخصيته من صنع رسول الله، وكل ما عند علي هو من روح رسول الله ومن فكره وعلمه، وهذا ما عبر عنه(ع) بقوله: "علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كلّ باب ألف باب"(71).

س : يقول تعالى: {يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}، ويقال في تفسير هذه الآية إنها تهديدٌ لرسول الله من ربِّه لكي يبلّغ الناس أن الإمام علي(ع) هو الخليفة من بعده، ولربما يسمع إنسان هذا التفسير فتحدثه نفسه أن الرسول قد أمر بهذا التبليغ من قبل، ولكنه هو نفسه قد سكت عن هذا التبليغ، وهذا ينافي قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى}؟
ج : هذا ليس تهديداً، ولكن الله أراد أن يبين بأن هذه المسألة تبلغ من الأهمية بحيث إنها لو لم تحصل لسقطت الرسالة، لأن عملية القيادة مربوطة بحركة الرسالة بالاتجاه الصحيح؛ فهي ليست خطاباً موجهاً إلى النبي بمعنى أنه لم يبلّغ الرسالة، بل إن الله يريد أن يقول له: بلِّغ ما أنزل إليك من ربك في هذه المسألة التي تمثل العنصر الحيوي الأساس الذي لولاه لضاعت الرسالة، لأنّ الرسالة تحتاج إلى من يتعقبها ويرعاها في الاتجاه الصحيح.

س : لماذا لم يرد الرسول(ص) أن يبلغ الولاية لعلي(ع) كما نفهم من الآية: {وإن لم تفعل..}، علماً أن في إبلاغه إكمالاً للدين وإتماماً للنعمة؟

ج : من قال إنه لم يرد ذلك وقد أمره الله تعالى به؟! ولكن الله عزّ وجلّ بيّن له في الآية المذكورة أن هناك مشاكل قد تحدث فتعترض سبيل إبلاغه بأمر الولاية، ولكنه سيعصمه منها، فليس معنى ذلك أن النبي(ص) كان ممتنعاً وأن الله تعالى هدده بعدم التبليغ، كما قد يفهم البعض ذلك خطأً.

س : الاستدلال بحديث الغدير على ولاية علي بن أبي طالب(ع) يتوقف على صحة الحديث سنداً والإجماع عليه، فهل يتفق أهل السنة على ذلك؟ وهل هناك تشكيكٌ من أحد في سنده؟

ج : عندما ندرس كتب الحديث فإننا نجد أن هناك إجماعاً من الشيعة، وشهرة لدى السنة حول حديث الغدير، بل إن بعض أهل السنّة يعدّه متواتراً(72)، لهذا فإن سند حديث الغدير ثابت لا شك فيه، وإذا كان هناك بعض المناقشة فهو في بعض الكلمات مثل: "اللهم اخذل من خذله وانصر من نصره"، حيث يقول بها بعض الرواة في الوقت الذي لا يصححها رواة آخرون.

ومن المضحك المبكي أن كثيراً من الناس ينسبون إليّ أنني أشكك في سند الغدير، لأنهم قرأوا بعض كلماتي في كتاب "الندوة"(73) بأحقادهم ولم يقرأوها بتقواهم، فلقد كنت أقول "إن السنة لم يشككوا في السند، وينبغي أن ندرس ذلك أيضاً"، وكنت أقصد في "ذلك" هو هذا السؤال الذي وجه إليّ في هذه المسألة، أنه إذا كان السائل يتساءل: كيف تقولون إن هناك 120 ألف شخص شهدوا الغدير ثم أصبحوا أربعة أو خمسة، فقلت إن حديث الغدير لا إشكال فيه وينبغي أن تدرس هذه الشبهة، إذ كيف أصبح الـ(120) ألفاً أربعة أو خمسة، ولكنهم أرجعوا إسم الإشارة إلى السند، ولم يرجعوه إلى موضوع البحث، ولم يقرأوا نفس الكتاب. ومهما يكن من أمر، فإن سند الغدير لم يختلف في مشهور رجال الحديث من المسلمين، وإنما كان الجدال حول تفسير كلمة "المولى".

س : في يوم الغدير يحتفل المسلمون الشيعة، بينما نجد المسلمين السنة لا يحتفلون به، بل لا يلمحون حتى إلى الواقعة، ونحن نرى أن الشيعة يحبون "الإمامة" وأهل السنة يحبون "الخلافة"، وهذا الموضوع يمتد إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ولم نجد أي فريق يقترب من الآخر بسبب ذلك، فكيف تستطيع المذاهب المتفرقة أن تتوحد ليعيش المسلمون، بحيث يحب بعضهم بعضاً، خاصة وأن المشكل الأكبر اليوم هو أنه لا الخلافة للسنة ولا الإمامة للشيعة، فلماذا نتحدث عن الغدير ولا نتحدث عن الوحدة؟
ج : منذ خمسين سنة ونحن ندعو للوحدة الإسلامية انقياداً واتّباعاً لنصوص القرآن وأحاديث الرسول والأئمة(ع)، ولكن المشكلة هي أن الوحدة الإسلامية ـ بحسب الواقع ـ لا تنطلق من قاعدة إسلامية ثابتة، بمعنى أن يبحث المسلمون في خلافاتهم بطريقة علمية موضوعية في المواقع الثقافية ذات الاهتمام بمثل هذا الأمر، لا في المواقع الشعبية التي غالباً ما تطرح المسألة في إطارها العاطفي البعيد عن الموضوعية، وهنا نقول: لا بد من أن تتحرك مسألة الوحدة من ذهنية علمية موضوعية، لأن بقاء هذه العناصر التي تثير الخلافات بين المسلمين تكون كالدمامل التي قد تتفجر في أكثر من موقع.

لذلك فعلى العلماء والمثقفين أن يدرسوا هذه المسألة دراسة علمية، لأننا لا نشجع الخلاف بالطريقة الغوغائية، أو بالطريقة العصبية، أو بالطريقة الشعبية غير العلمية، لأن الناس لا يملكون إمكانات البحث العلمي لهذه المسائل، وقد ركّز الله سبحانه وتعالى منهج المعالجة لها، من خلال العودة إلى كتابة أهل العلم، وهو ما تبيّنه الآية الكريمة: {فإن تنازعتُم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً} [النساء:59]، ولكننا في الوقت نفسه، عندما نختلف في بعض القضايا وندعو المسلمين في خط الوحدة إلى الحوار، نقول: إن هناك قضايا أساسية لا بد أن نلتقي عليها، فنحن مثلاً لا نختلف في توحيد الله ولا في نبوة رسول الله ولا في كتاب الله عزّ وجلّ، ولا في اليوم الآخر، ولا في أركان الإسلام العبادية ولا في أكثر المفاهيم الإسلامية، بل ولا نختلف في المصلحة الإسلامية العليا على المستوى السياسي والاقتصادي، فلماذا ندخل هذه المسألة بنحو تكون حاجزاً فيما بيننا؟

لقد جرّب المسلمون الوحدة في الاختلاف والتنوّع، فالسنّة فِرَق، فالمعتزلة سنة، والأشاعرة سنة، والحنفية سنة، والشافعية والحنبلية والظاهرية كلها فرق سنية، ومع ذلك لا نجد هذا الحقد في هذا التعدد، والشيعة كذلك مختلفون باختلاف الاجتهادات، فبالإمكان ـ والحال هذه ـ أن نرتفع إلى درجة الوعي بأن ننفتح على القضايا الكبرى معاً، لأن الاستكبار العالمي لا يريد رأس السنّة وحدهم ولا رأس الشيعة وحدهم، بل يريد رأس الإسلام كله..

س : هل عهد في الديانات السابقة التمرد على النصوص الدينية كما حدث في التمرد على حديث الغدير الذي هو حديث ثابت وذو سند واضح الدلالة؟

ج : قد لا تكون هناك تجربة مثل هذه التجربة في الديانات السابقة، وربما كان التمرد على النصوص في الديانات الأخرى من جهة تحريفها والتلاعب بها.

س : لماذا تكرر في نصوص عديدة تشبيه الإمام علي(ع) بهارون(ع)؟ هل هذا من جهة النيابة وإتمام خط القيادة، أو من جهة تمرد الأتباع على قائدهم؟
ج : بل إن المقصود هو قوله تعالى: {واجعَل لي وزيراً من أهلي* هارون أخي* أشدُد به أزري* وأشرِكهُ في أمري* كي نسبّحك كثيراً* ونذكرك كثيراً} [طه:29ـ34]، فلم يقصد النبي عدم اتباع الناس لهارون، ولذا قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي"(74)، فأنت ـ يا علي ـ لست نبياً، ولكنك وزير، والوزارة هنا تعني الخلافة.

س : أنا من أخوانكم من المذهب الحنفي، أتساءل: إذا كان الإمام علي(ع) هو أحقّ بالخلافة، فلماذا لم ينهض من أجل هذا الحق، ألم يكن سكوته مخالفة؟

ج : كان الإمام(ع) يقول: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة"(75)، فكان(ع) يريد أن يحافظ على وحدة المسلمين آنذاك، لأن أية حركة يقوم بها الإمام علي في ذلك الوقت كان يمكن أن تحدث اهتزازاً في الواقع الإسلامي، بل ربما تقضي على كيان الإسلام برمّته، وهذا قوله(ع): "فما راعني إلا انثيال الناس على فلان ـ ويقصد أبا بكر ـ يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه"(76)، فالإمام علي(ع) سكت من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين.

س : في أحد كتبكم ذكرتم أن الإمام علي(ع) هو شخص مثلنا، وهو يمكن أن يخطىء، فماذا تريدون بذلك؟
ج : لم أقل ذلك، ولكنني ذكرت أن الإمام(ع) قال في بعض خطبه: "فلا تكفوا عن مشورة بحقّ أو مقالة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطىء إلا أن يكفي الله مني ذلك"، وهذا وارد في "نهج البلاغة". وقلت ـ معقباً على قوله(ع) ـ :وهو فوق أن يخطىء، لأنه معصوم كما نعتقد، ولكنه أراد أن يشجع الناس على أن يتابعوا تجربته في الحكم، وهي التجربة التي لا خطأ فيها، حتى يتعلموا نقد من يأتي من بعده ممن لا يكون معصوماً، وإلا فنحن نعتقد أن علي بن أبي طالب(ع) معصومٌ بكله.

س : الإمام علي(ع) كان صديقاً وصاحباً لأهل العلم والمعرفة، وكان خصماً لأهل الجهل والهمج الرعاع وحاربهم بسيفه، أما أنت فتقول دائماً حاورهم و{ادفع بالتي هي أحسن}[فصلت:34]؟
ج : ومَن مثل علي كرجل حوار؟ إن علياً(ع) لم يحارب الخوارج لأنهم كانوا جاهلين، بل حاربهم لأنهم أساءوا للنظام عندما قتلوا "خبّاب" وزوجته وقطعوا طريق المسلمين، ثم قال لنا بعد ذلك ـ كما في نهج البلاغة ـ: "لا تقاتلوا الخوارج من بعدي، فإنه ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه"(77). فلقد دخل عليٌّ في حوار مع الخوارج، حتى أنه ناقش كل طروحاتهم، وكان يقول لهم إذا كنت قد أخطأت ـ وهو فوق الخطأ ـ فلِمَ تضلّلون أمة محمد(ص)؟ ولماذا تحاربون الأمة كلها؟ فأي حواريّ يمكن أن يصل إلى هذا المستوى من الحوار؟

إن عظمة علي(ع) هي أنه كان الحواري الأول بعد رسول الله(ص)، وكانت عظمته أنه فتح عقله لرعاية الإسلام، وفتح قلبه لرعاية المسلمين، لكن مشكلة الكثيرين من الناس أنهم ما زالوا يعتبرون الإمام علياً(ع) ضراب سيف وطعان رمحٍ، وأنه يقدّ الفارس نصفين، وهو يقول في كلماته: "والله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها"(78).

فعلي لم يعش شهوة الحرب، ولكنه كان يعيش الرغبة بنشر الوعي، والهداية للضالين عن الطريق، ولذلك كانت حربه حرب ضغط من أجل أن تأتي الناس إلى الإسلام الذي يمثله. فافهموا علياً جيداً، لأن الكثيرين لا يفهمون علياً، ولعل الكثير من مجتمعات علي بالأمس هي مجتمعاته اليوم، أليست الكثير من الأسئلة التي تقدم لمن يحمل بعض علم علي هي من قبيل: كم شعرة في رأسي؟!(79).

س : قلتم إن الذين يلتزمون علياً في خط الولاية لم يتعلموا من علي(ع)؟
ج : كنت أتحدث عن الذين ينبغي أن يتعلموا من علي(ع) حجم الآفاق التي كان يعيشها ولم يتعلموا ذلك منه، لأن المشكلة هي أنك ترى الآفاق الضيقة التي يعيشها بعض الناس الذين يتحركون من خلال العصبيات والعقد النفسية والاجتماعية، في حين أن علي بن أبي طالب(ع) كان يناقش الذين كانوا يتحدّثون عنه بالضلال الواقعي، فلقد ناقش الخوارج وناقش طلحة والزبير، فالإمام(ع) عندما كان يختلف معه أحد بفكرةٍ ما، وكان يعرف أن الفكرة باطلة، كان يقف ليناقشه، ولذلك نقول: ليس من حقك ـ لمجرد اختلافك مع شخصٍ ما بفكرةٍ ما ـ أن تزندقه وتكفّره وتضلّله، فهذا هو شأن الضعفاء والمعقّدين والمتعصّبين، وإلا فأي منا حدثت معه مشكلة كمشكلة الخوارج مع علي؟ وأي منّا كانت له مشكلة مثل مشكلة علي بن أبي طالب(ع) مع أبي بكر وعمر وعثمان ومع طلحة والزبير ومع معاوية؟ ومع ذلك فإنك تجد علياً(ع) واسع العقل منفتح الآفاق يحاور بهدوء ويتكلم بعقلانية وموضوعية... فكم عندنا من أمثال علي(ع)؟ ألا ترون أنّنا لمجرد أن أحداً يختلف معنا ببعض المسائل نخرجه من الإسلام؟! فالمقصود من الكلام هو أن نتعلم من علي(ع) الإسلام في رحابته وسعته.

س : قول النبي(ص): "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"، هل هو خاص بعليّ(ع) أم ينسحب على الرسول(ص) وباقي الأنبياء والأئمة أيضاً؟
ج : علي هو رمز للإسلام، وعندما يكون القول موجّهاً إليه: "لا يحبك إلا مؤمن"، فبلحاظ عنوانه الرمزي للإسلام، باعتبار أنّ المؤمن يتحرك ليحب بعقله وقلبه وحياته من يجسد الإيمان خير وأروع وأكمل تجسيد، فكل من يجسد الإيمان يكون هذا الحب متعلقاً به.

س : نرى أن الإمام علياً(ع) يتعرض للسلطة بأسلوبين: أسلوب يرى فيه أن السلطة أهون من نعله البالي، وأسلوب يتحسر فيه على فوات السلطة، وأن محله منه محل القطب من الرحى ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، فما هو تفسيركم لهذين الأسلوبين؟

ج : هو أسلوب واحد ذو شقين، ففي الأول يخاطب ابن عباس بقوله: "يابن عباس، أترى لهذه النعل ـ وكان يخصفها لأنها بالية ـ إنها أعظم من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"(80). وقال أيضاً: "لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز"(81). فهي ـ أي السلطة ـ كالنعل البالي عندما تكون ذاتاً، وهي كالقطب من الرحى عندما تكون حقاً.

س : يقول بعض علماء السنة: حتى لو سلمنا معكم ـ أيها الشيعة ـ بأن النبي قد نصّب الإمام علياً في يوم الغدير، إلا أن بيعة الإمام للخلفاء السابقين تدل على شرعية خلافتهم، فلماذا تصرون دائماً على التمسك بالنص ولا تتجاوزونه إلى دلالة بيعة الإمام لمن سبقه؟ وإذا كان صاحب الحق بالخلافة قد تنازل عن حقه، فلماذا تصرّون أنتم عليه؟
ج : عندما ندرس تصريح الإمام علي(ع) في الخطبة الشقشقية وفي سؤاله عمّا جرى من جدال في السقيفة: "وما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت منا أمير ومنكم أمير، قال(ع): فهلاّ احتججتم عليهم بأن رسول الله(ص) وصّى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟ فقال(ع): لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم. ثم قال(ع): فماذا قالت قريش؟ قالوا: احتجّت بأنها شجرة الرسول(ص). فقال(ع): احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة"(82). فهذا يعني أن الإمام(ع) لم يسلّم إطلاقاً بشرعية ما جرى، وإذا ثبت أنه بايع فمدلول البيعة سياسي واقعي(83) أكثر منه إثباتاً للشرعية.

س : يناقش المؤرّخون جدلية الثورة والدولة في انطباقها على مرحلة ما بعد رسول الله، بأنّ علياً ما كان له أن ينجح في إدارة الدولة، وذلك باعترافه أن يكون وزيراً خير من أن يكون أميراً، فما هو
رأيكم بذلك؟ وهل أراد الرسول(ص) مجرد إدانة بعض الصحابة بإثبات ولاية عليّ، أم أنّه أراد أن يضع آليةً للفرز المستقبلي للمخلص منهم ليبقى القلائل فقط مع عليّ(ع)؟
ج : نحن نناقش هؤلاء في مسألة جدلية الثورة والدولة، فعندما ندرس فكر الإمام علي(ع) وإخلاصه، وندرس كيف أن شخصيته مطابقة لشخصية رسول الله، بمعنى لو أن علياً استمر في مواصلة التجربة لاستمرّ أسلوب رسول الله في إدارة الدولة واستمرّت أخلاقية رسول الله في التعامل، واستمرّ وعي الإسلام تماماً كما كان الأمر على عهد رسول الله(ص).

ثم إننا عندما ندرس الذهنية الإدارية التي كان الإمام علي(ع) يتمتع بها من خلال عهده لـ"مالك الأشتر"(84)، وندرس طريقته في محاسبة عماله، نعرف أن علياً لو تسلّم الخلافة لنجح نجاحاً باهراً، ولوضع الأمة على المحجة البيضاء، كما أنه لم تكن هناك أية مشاكل على مستوى الواقع الإسلامي، فلم نجد أن أحداً من المسلمين على مستوى الرأي العام الإسلامي آنذاك ناقش مسألة ولاية علي(ع). فالذين ناقشوا ذلك هم بعض الصحابة الذين ذكرهم التأريخ، والذين كانت لهم مصلحة في مناقشتها، فلم يسمع أي صوت شعبي يرفض ولاية علي.

ولذلك نجد في سيرة الزهراء(ع) أنها تحدثت مع نساء المهاجرين والأنصار اللاتي جئن يعدنها في مرضها، عن حق علي(ع) بقولها: "أصبحت عائفة لدنياكنّ قالية لرجالكنّ"(85)، فنقلت النساء ذلك إلى رجالهنّ، فقالوا لفاطمة(ع): "لو أن علياً تقدم إلينا قبل أن نبايع لكنّا بايعناه"، الأمر الذي يعني أنه لم تكن هناك مشكلة في بيعة الإمام علي(ع). والنبي(ص) لم يكن يريد إدانة بعض الصحابة، بل أراد أن يركز الولاية في امتدادها في الواقع الإسلامي.

نمير العشق
01-24-2005, 08:34 PM
الهوامش:

(1) مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص:372. طبع دار صادر، بيروت.

(2) المستدرك، الحاكم: ج3، ص:109. طبع دار المعرفة، بيروت، عام 1406، تحقيق الدكتور يوسف المرعشلي.

(3) سنن النسائي، 3/45، طبع دار الكتب العلمية، بيروت 1991م.

(4) المراجعات، ص289ـ290.

(5) الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج12، دار إحياء التراث العربي، ط3، ص50.

(6) يتعرض سماحته فيما بعد إلى أن حبّ علي(ع) يفرض نفسه على كل صاحب نفس إنسانية فضلاً عن المؤمنين، ولا يحتاج إلى تدخل مباشر من النبي(ص)، كما أنه(ص) لا ينطلق إلا من خلال ما تقتضيه الرسالة الإسلامية، لا من هوى الذات.

(7) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج2، ص74، رواية2.

(8) نهج البلاغة، الخطبة192، وتسمى القاصعة.

(9) الكافي للكليني، ج2، باب الصدق والأمانة، حديث5.

(10) نهج البلاغة، المصدر السابق.

(11) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج20، ص215، باب17، رواية2.

(12) ذكر هذا المعنى بألفاظ متعددة، واختلافات بسيطة، راجع ما ذكره السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة، ج1، ص264.

(13) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج8، ص351، رواية548.

(14) نهج البلاغة، من كلام له(ع) وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفّين، خ55.

(15) نهج البلاغة، من كلام له(ع) في أمر البيعة، تحت رقم136

(16) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج10، ص120، باب8، ح1.

(17) بحار الأنوار، ج10، ص422، باب26، ح12.

(18) بحار الأنوار، ج2، ص226، باب29، رواية3.

(19) الاحتجاج للطبرسي، 1/220، "إن أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء".

(20) شرح نهج البلاغة، (م.س)، ج2، باب41، ص312.

(21) م.ن، ج10، باب193، ص211.

(22) نهج البلاغة، من كلام له(ع) لما عوتب على التسوية في العطاء، خ126.

(23) نهج البلاغة، من كلامٍ له عند خروجه لقتال أهل البصرة مع ابن عباس، رقم33.

(24) نهج البلاغة، من كلام له يبين فيه سبب طلب الحكم، رقم(2).

(25) نهج البلاغة، من خطبته المعروفة بالشقشقية، رقم (3).

(26) مسند الإمام أحمد، 1/22.

(27) راجع تاريخ الطبري في أحداث السنة العاشرة للهجرة.

(28) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 1/141.

(29) م.ن. ج1/18، وفيه "لا بقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن".

(30) المسترشد في إمامة أمير المؤمنين(ع) للطبري الإمامي:590.

(31) نهج البلاغة، من كتاب لأهل مصر تحت رقم62.

(32) نهج البلاغة خطب أمير المؤمنين(ع): رقم74.

(33) نهج البلاغة، من قوله(ع) لما استشاره عمر بالشخوص بنفسه لقتال الفرس.

(34) نهج البلاغة، الخطبة:96.

(35) نهج البلاغة، الخطبة:96.

(36) الغدير، ج3، ص:401.

(37) نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم45.

(38) نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم:469 و117.

(39) الكافي، 2/75.

(40) الإرشاد للمفيد، 2/141.

(41) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4/ ص504، ط2، 404هـ/منشورات جماعة قم/إيران.

(42) المقصود هو قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.

(43) تقدم مصدره سابقاً.

(44) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2، باب43، ص58.

(45) نهج البلاغة، الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص38، خ33.

(46) نهج البلاغة: ص16، خ3.

(47) نهج البلاغة، ص61، خ74.

(48) نهج البلاغة، ص363، قصار الحكم77.

(49) تقدم مصدره في ص21.

(50) دلائل الإمامة للطبرسي الإمامي: 182 ـ طبع قم 1413، تحقيق مؤسسة البعثة.

(51) بحار الأنوار، ج33، باب22، ص326، رواية572.

(52) بحار الأنوار، ج16، باب6، ص135، رواية57.

(53) راجع مصدره في ص:5.

(54) نهج البلاغة، خ3 والمعروفة بالشقشقية.

(55) راجع الغدير 1/183، والمراجعات:388.

(56) بحار الأنوار، ج75، ب:72، ج11، ص278.

(57) بحار الأنوار، ج33، ب:17، ر:483، ص197.

(58) بحار الأنوار، ج33، ب:11، ر:19، ص33.

(59) بحار الأنوار، ج5، ب:2، ر:1، ص69.

(60) نهج البلاغة، من كلام له(ع) في ولاية عثمان.

(61) نهج البلاغة، من كلام له في كتابه إلى أهل مصر.

(62) المستدرك للحاكم النيسابوري 3/127، طبع دار المعرفة، بيروت، 1406هـ، تحقيق الدكتور يوسف المرعشلي.

(63) بحار الأنوار 30/672.

(64) نهج البلاغة، الخطبة 192، وتسمى بالقاصعة.

(65) نهج البلاغة، الخطبة:189.

(66) م.ن. من كلامه لكميل بن زياد، رقم147.

(67) مناقب آل أبي طالب، ج1/317.

(68) صحيح مسلم 7/120.

(69) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري، 98، تاريخ بغداد 14/322، وبحار الأنوار ج30/352.

(70) نهج البلاغة، من غرائب كلامه(ع) رقم9.

(71) بحار الأنوار، 30/672.

(72) مثل الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673ـ748هـ) الذي ألّف رسالة حول طرق حديث: "من كنت مولاه.." وصرّح في مقدمتها بتواتره وكونه قطعياً (راجع رسالة طرق حديث "من كنت مولاه" تحقيق السيد عبد العزيز الطبطبائي ص11.

(73) كتاب الندوة هو سلسلة ندوات الحوار الأسبوعية التي يقيمها سماحة السيد في دمشق، وهو يحتوي على م حاضرات، ومسائل في العقيدة والتربية والفقه والسيرة، وقد صدر منها ـ عن دار الملاك ـ حتى الآن ثمانية مجلدات من القطع الكبير.

(74) بحار الأنوار، م.سابق، ج2، ص226، باب29، رواية3.

(75) بحار الأنوار، من كلام له في ولاية عثمان.

(76) نهج البلاغة، من خطبته المعروفة بالشقشقية.

(77) بحار الأنوار 33/434.

(78) نهج البلاغة، الخطبة:55.

(79) إشارة إلى أن علياً عندما كان يقول وهو على فراش الموت: "سلوني قبل أن تفقدوني"، انبرى له شخص ليسأله: "كم شعرة في رأسي؟"، وهذا يشير ـ بشكل وآخر ـ إلى أن كثيراً من القيادات تحاول أن تأخذ بيد الأمة في خط الوعي، ولكن الكثيرين لا يعيشون هذه الروحية، ولا ينتهزون فرصة وجودهم بين هذه القيادات.

(80) نهج البلاغة، من كلام له يبين فيه سبب طلبه للحكم.

(81) نهج البلاغة، الخطبة3، المعروفة بالشقشقية.

(82) نهج البلاغة، من كلام له(ع) عندما انتهت إليه أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله(ص)، رقم67.

(83) أي انطلق من مصلحة الواقع الإسمية آنذاك.

(84) هو عهد الإمام علي(ع) لمالك الأشتر لما ولاّه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، نهج البلاغة، تحت رقم53.

الاحتجاج للطبرسي، ص108، وروي في معاني الأخبار، ص354 للصدوق، وأمالي الشيخ الطبرسي، ص:374، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج16، ص:233.

المصدر (http://www.bayynat.org/www/arabic/ahlalbeit/Al-gadir3.htm)