المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عودة إلى الحديث عن إيران



خير النساء
02-08-2013, 02:18 PM
http://www.alqabas.com.kw:82//sites/default/files/imagecache/original_image/article/original/2013/02/07/425062.jpg (http://www.alqabas.com.kw/sites/default/files/article/original/2013/02/07/425062.jpg)

فخري شهاب


http://www.alqabas.com.kw:82//sites/default/files/imagecache/authorblock/authors/49468.jpg


الاسم: فخري شهاب

(1)
كان حديثي الجمعة الماضية عن ايران؛ إلا أني كنت تحدثت عنها في إطار الحياة السياسية الأميركية. ولكن «المشكلة الإيرانية» أكثر تعقيدا من ذلك؛ وغرضي اليوم أن أعرض جوانب من هذه «المشكلة» غمضت، أو تناساها الباحثون، لأسباب مختلفة، وهي مهمة لفهم الموقف الإيراني وموقف العرب منه ودور اسرائيل في هذا كله.


الاسم الأكثر تردداً
تحتل ايران، وبرنامجها النووي، محل الصدارة في السياسة الخارجية العالمية، والأميركية ووسائل الاعلام الغربي على الأخص؛ وتقول جريدة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) المعروفة، إن اسم ايران قد تجاوز ذكره في حملة الانتخابات الأميركية الأخيرة اسم اسرائيل! وقد رددت دول الخليج العربية صدى ما دار في اميركا من قلق، واحتلت ايران وأخبارها مكانا ملحوظا في صحفنا ووسائل إعلامنا، مما استدعى صدور تعليقات رسمية خليجية تعكس ما يخامر جارات ايران العرب من وساوس وقلق قِبَلَ نشاطها النووي؛ فما هي الحقائق التي ينبغي تذكرها (وبعضها مما يكتنفه الغموض، ويسوده المكر والمراوغة عمدا)، لإبقاء النقاش موضوعيا، متزنا، وفي حدود الأدب واللياقة التي يستدعيها حسن الجوار؟


(2)
هناك بعض الحقائق يُسْتحْسَنُ عرضها سريعا: فايران دولة أعرق منا حضارة بمراحل، وهي جارة، فلابد لنا من التعايش معها تعايشا مسالما متحضرا؛ وتربطنا بإيران أواصر جمة غير الجوار: فهي دولة مسلمة اعتنقت الإسلام منذ الغزو الاسلامي، واشتركت وايانا في تاريخ طويل اتحدت فيه الحضارتان، واختلطتا: في العلوم والآداب والريازة والفنون، ومهارات صناعية وعلمية متعددة أخرى، وعمّ تنقل العلماء وطلابهم، والتجار وغيرهم بين «بلاد فارس»، والجزء العربي من الامبراطورية الاسلامية بحرية تامة، قضى عليها ظهور العثمانيين على مسرح الأحداث في تاريخ المنطقة.


لماذا النفرة والخصومة؟
فإذا كانت هذه طبيعة العلاقات بيننا وبين ايران، فما سبب النفرة والخصومة المقنعة اليوم؟ جوابي على هذا السؤال كما يلي: إنه يمكن تقسيم هذا الخصام الى قسمين، أولهما موروث من العصر العثماني – القاجاري، وهو صراع مضى وانقضى منذ عشرات السنين، كان من مخلفاته تراجع المذاهب السنية في ايران، وإحلال المذهب الجعفري محلها؛ وهو اختلاف عقائدي، من الطيش اعطاؤه بعدا سياسيا، وجعله سببا للنفرة بين جيران في عصر ينادي فيه الناس ودعاة الديموقراطية خاصة الى فصل السياسة عن الدين.
أما السبب الثاني والأهم، فأعقد من ذلك، وهو الذي من أجله اكتب هذه المقالة: السبب الثاني هو مخاوف العرب من نشاط الجمهورية الاسلامية النووي الذي كثر الحديث عنه أخيرا، وهي مخاوف طالما كررتها، وشاركتْ العربَ فيها الدولُ الغربية وتزعمته اسرائيل. وأنا أميل الى الحذر والاحتراس في كل ما يخص «الدولة اليهودية» (كما قرر الصهاينة تسميتها أخيرا)؛ وهذا ما سأتصدى له فيما تبقى من حديث اليوم.


(3)
من الحقائق التي يتناساها هذا الجيل أن برنامج ايران النووي لم يبدأ في عهد «الجمهورية الاسلامية»، بل في عهد «الأمبراطور» الشاه محمد رضا بهلوي، وأنه (البرنامج لا الشاه) أنشئ بالتعاون مع الولايات المتحدة، وإذْ كانت العلاقات بين ايران واسرائيل ودية يومئذ، فمن المحتمل جدا أن تكون اسرائيل من أوائل المطلعين على ما كان جاريا لروابطها الوثقى بكل من ايران والولايات المتحدة معا؛ فإذا كان الأمر كما ذكرت، فلماذا لم يعلن العالم مخاوفه يومئذ، ولِمَ لمْ تجزع دول الخليج، ولمْ تتعالَ الشكاوى من كل حدب وصوب يومئذ؟ أليس لإيران الحق أن تسأل العالم عما أثار هذه الضجة الكبرى التي تصم الآذان، حين تغير نظام الحكم فيها، واختارت ايران سياسة خارجية مستقلة عن كل من أميركا واسرائيل؟


القيم الإنسانية
وثمة حقيقة أخرى يجهلها الجيل الحالي عن ايران، ولا يراد تذكيره بها عمدا، وهي أن قيادة «الجمهورية الاسلامية» بعد الثورة، (المرشد الأعلى) هي التي قررت ذات يوم (عام 1981) من تلقاء نفسها، تجميد برنامج ايران النووي لمخالفته القيم الانسانية العليا، مما يدل على أن البرنامج القديم كان أقيم لأغراض عسكرية؛ والغريب أن هذه القيادة الدينية نفسها، الملتزمة بالمثل العليا التي دعتها الى تجميد البرنامج حينئذ، تنفي اليوم نفيا قاطعا أن يكون للبرنامج الحالي أهداف عسكرية ــ فلا يصغي لها ولا يصدقها أحد! أليس بين العرب من رجل رشيد يطرح هذه الأسئلة ويطلب الرد عليها؟ أم إنّا لا نصدق من البيانات والأخبار إلا ما يختاره ويفسره لنا «الموساد» كما يشتهي؟
وإذا بلغ أسماعنا الكثير مما ارتفع من استنكار الغرب ومخاوفه، وهيستريا اسرائيل وتهديداتها، عن برنامج ايران النووي، وأيّد حملة الاستنكار هذه السياسيون العرب، ووسائل الإعلام عندنا، فلِمَ لمْ نسمع الا النزر اليسير مما قالته دول أخرى، لها قناعات أخرى في الأمر؟ يذكر كاتب هذه السطور بوضوح كيف مرت وسائل الاعلام العربي والغربي مرور الكرام بأخبار مؤتمر دول عدم الانحياز (الذي يرمز له بالأحرف N.A.M. والذي تسكن دوَلَهُ مجموعةٌ من أكثر سكان المعمورة عددا)، والذي اجتمع في طهران في شهر آب (أغسطس) الماضي، وما دار فيه، وما اتُخِذَ فيه من قرارات ذات مساس مباشر بالموضوع. ما تفسير حملة الصمت الذي قوبلت به أعمال المؤتمر وتوصياته؟


(4)
قبل التصدي للمؤتمر المذكور وقراراته، دعني أفشي سرا عن السياسة العربية: تروي احدى شركات استطلاع الرأي الأميركية أن عامة العرب لا ينظرون الى ايران نظرة الارتياح عموما، لأنهم يرونها من «عدسة اسرائيلية»، وعلى الرغم من هذا فإنهم لا يرونها الخطر المداهم، الذي يرونه متمثلا في اسرائيل والولايات المتحدة. ومن المدهش حقا أن عددا من المطلعين على خفايا الأمور في أميركا يؤيدون هذه النظرة العربية! ومصدري في دعم دعواي هذه خبير أميركي لا ترقى اليه شبهة ولا شك، وهو الجنرال جورج لي بتلر George Lee Butler ، وقد كان شغل بعض أهم المناصب العسكرية في خدمة بلاده، آخرها منصب آمر الخدمات الاستراتيجية في وزارة الدفاع الأميركية، ثم تقاعد عام 1994. ولو وصفت خلفيته (وهي موجودة على «الإنترنت» لمن أراد البحث) لملأتُ صفحة كاملة من صفحات هذه الجريدة!


حق إيران بالتخصيب
أعود الآن الى مؤتمر دول «عدم الانحياز»، وبعض ما اتُخِذَ فيه من توصيات تخص المشروع النووي الإيراني: فهناك قراران مهمان لعلاقتهما بما نتحدث عنه هنا - أولهما تأكيد المؤتمر حق ايران المطلق في الاستمرار في برنامجها المعني بـ«تخصيب اليورانيوم»؛ وهذا غير ما نادى به البرفيسور كنث والتز (الأميركي أيضا) الذي مر ذكره في مقال سابق. أما القرار الثاني فهو ضرورة «تخفيف خطر انتشار الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل» او «مَحْوِها» من الشرق الأوسط، وخلق «منطقة حرة من اسلحة الدمار الشامل» فيه؛ فما الذي آلت اليه هاتان التوصيتان؟ ولم أهملهما الغرب ووسائل إعلامه؟ والدولة، المستضعفة، المحفوفة بالأخطار، المهددة بالزوال، التي لا يزيد مخزونها النووي عن 500 قنبلة ذرية فقط، هذه الدولة الديموقراطية المسالمة، اسرائيل، ما ذا كان موقفها من المؤتمر وقراراته؟
للردود على هذه الأسئلة الحيوية التي لا يخطر للإعلام الغربي، ولا للإعلام العربي الوقوف عندها أو متابعتها، خلفية يجب تعريف القارئ الكريم بها، لتكتمل عنده الصورة وتتضح العراقيل والردود.


(5)
المكر الإسرائيلي

في سنة 1968 أبرمت 189 دولة معاهدة غرضها حظر انتشار الأسلحة النووية، ثم التخلص منها نهائيا، وجُدِّدَتْ هذه المعاهدة في عام 1970، كما مُدِّد سريانها الى الأبد. وامتنعت عن التوقيع، مع الاعتراف بملكية طاقات نووية، كل من الهند والباكستان وكوريا الشمالية؛ أما اسرائيل فقد امتنعت عن التوقيع، وتركت ما تخزنه من هذه الأسلحة سرا مفتوحا يكتنفه بعض الغموض. وهذه نقطة بدء المكر الاسرائيلي.
تنص المعاهدة المذكورة في أحد بنودها على تعهد الدول الموقعة أن تسعى سعيا جاهدا (in good faith)، للاضطلاع بمسؤولياتها، كما وردت في المعاهدة، فتمنع بكل الوسائل انتشار الأسلحة النووية؛ ثم أكدت أحكامَ النص هذا المحكمةُ الدولية عام 1996، حين قالت: «إن هناك واجبا يحتم (على الدول الموقعة) انهاء المفاوضات المؤدية الى نبذ الأسلحة النووية بأنواعها المختلفة تحت رقابة دولية صارمة فاعلة». فما الذي حصل؟
كان أهم ردود الفعل على الاتفاقية إعلان الولايات المتحدة في عام 2002 (في آخر أيام الرئيس جورج بوش وفي ضوء نصح بطانته من أساطين الصهاينة؟) عدم التزامها بأحكام المعاهدة، أي أنها نقضت المعاهدة، وأنها لذلك لن تلتزم بالتخلص من اسلحتها النووية.
وفي النصف الثاني من العام المنصرم اتجهت النية الى عقد مؤتمر في العاصمة الفنلندية «هلسنكي»، لمتابعة نزع الأسلحة النووية، فلما وُجِّهتْ الدعوة للدول الأعضاء لم تستجب لها سوى «المؤسسات غير الحكومية»، فاضطلعت بمهمة تنظيم المؤتمر مؤسسة أهلية (لا الحكومة الفنلندية)، تدعى «اتحاد السلام في فنلندا»؛ أما المؤتمر الأصلي فقد الغي ببيان من الحكومة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك إثر قبول ايران الدعوة للإسهام فيه والاعلان عن عزمها على الحضور.


نتانياهو يطلب المزيد
وموقف ادارة اوباما الحالية الرسمي اليوم هو تكرار ما تذرعت به سابقا، وهو أن «الظروف غير مناسبة ما لم تسهم دول المنطقة (الشرق الأوسط) كلها فيه»، ثم أردف الرد الأميركي ذلك بالجملة التالية: «ولن تسمح الولايات المتحدة بأن تكون المنشآت النووية الاسرائيلية موضع تفتيش دولي، كما أن الولايات المتحدة لن تفشي أي معلومات عن طبيعة (هذه) المنشآت ونطاقها أو فعاليتها»! ـ هذا وما فتئ نتانياهو يطلب المزيد من الدعم.
وهكذا تجري المهزلة: تمتنع اسرائيل عن التعاون مع المؤتمر فلا تدعى اليه، ويضير الولايات المتحدة ذلك، فتخف لنصرتها، وتصر الولايات المتحدة على عدم الالتزام بأحكام المعاهدة، وتفض المؤتمر قبل انعقاده لغياب اسرائيل عنه، وترفض اذاعة ما تعرف من خفايا ما تصنعه سرا، وان خالف أحكام المعاهدة، ويحتفظ كل منهما بما عنده من اسلحة التدمير، ولكن تفرض على ايران أقصى العقوبات لما لم ترتكب من جرائم، وترصد حركاتها وسكناتها وتحمي الولايات المتحدة ربيبتها من أي فحص أو تفتيش، وتنطلي المهزلة على آل يعرب فيهتفون: فلتحيا العدالة الدولية وليحيا القانون!
***
قارئي الكريم! أربأ بك أن تقبل ما ادعي من غير برهان؛ فاسمع إذا ما ورد في الموضوع من مصدرين اميركيين يشار اليهما بالبنان: أما الأول، وهو من أبرز أساتذة العلوم السياسية في أميركا، واسمه كَنِثْ والتز Kenneth Waltz، وقد ورد اسمه قبل هذا، كما اقتطفت مما كتب عن ايران وبرنامجها النووي ما فيه الكفاية، فلا داعي للاستشهاد به ثانية. فإذا لم تقنعك شهادة هذا الرجل، فما رأيك في البيّنة الثانية، وهي الآتية: في منتصف سنة 2012 صدرت جريدة «النيويورك تايمز» (طبعة آخر الأسبوع)، وفيها صفحة كاملة تحمل إعلانا موقعا من عشرين جنرالا أميركيا متقاعدا، يحذرون فيه بلادهم من التورط في قصف ايران، او الاشتباك معها في حرب ما! وقد تبرعوا بهذه النصيحة لما شهدوا من التهجمات الصهيونية التي تؤلب الرأي العام في أميركا للاعتداء على ايران.
لماذا ترى لم تتابع وسائل إعلامنا هذه الأحداث مكتفية بنشر ما يحلو للمخططين الصهيونيين فقط؟ وما بال محللينا السياسيين ساكتين عنها؟ والمنادون بـ«الشفافية»، أما آن لهم أن يستيقظوا من سباتهم العميق؟ ونظرا لمؤامرة الصمت المخيم على الأمة العربية الخائبة، فسأضطلع أنا بالرد على هذه الأسئلة في مناسبة أخرى، فتفسيرها مستفيض. أليس في هذه الأمة المغلوب على أمرها من رجل رشيد؟


بقلم فخري شهاب

http://www.alqabas.com.kw/node/738024

تشكرات
02-09-2013, 11:29 AM
اعتقد ان مشكلة العرب والمسلمين ليست غياب الحقائق وانما التعصب ضد كل ما هو شيعي