المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـحـمل في عـهـدة الذئــاب



جمال
01-24-2005, 11:18 AM
د.احمد بشارة

قرار مجلس الوزراء الأخير بتخصيص خمسة ملايين ونصف المليون دينار لوزارة الأوقاف لدعم لجنة معالجة أسباب التطرف كمن يودع الحمل أمانة عند الذئاب. فليعذرنا السيد وزير الأوقاف من عدم الثقة بوزارته وغالبية القائمين عليها وهيئاتها المختلفة. فقد بينت أحداث السنوات الطويلة، وخاصة منذ أن تربع عليها السيد احمد باقر وأسس لخلايا جماعاته السلفية فيها، أن وزارة الأوقاف صارت مرتعاً للفكر السلفي المتخلف، ومخزناً للفكر الإخواني الذي يدس السم في العسل، ومصدر رزق لكل من أراد راتباً دون عمل مفيد.

وأبرز أسباب بلاء البلاد بالتطرف والتعصب والانغلاق يكمن في تخلف الفكر الديني الذي يروج له أئمة الوزارة ومشايخها ومريدوهم، وتوزيع مساجد الدولة كحصص بين الجماعات الدينية المختلفة، والتسييس الواسع للدين الذي يقوم عليه «علماء» الوزارة. فالسواد الأعظم من أئمة المساجد، كما تشهد عليه خطبهم ومواعظهم، لا يعرفون عن الحياة الحديثة إلا النزر اليسير جداً. ويرددون خطاباً سمجاً ومتخلفاً لم ينفع في عهد انحطاط دولة المسلمين.. فما بالك في عصر العلم والاتصالات والانفتاح. فتعليم غالبيتهم لا يتجاوز الثانوية الدينية، وثقافتهم لا تتعدى كتاتيب الريف السعودي، بينما هم مكلفون بتوجيه المصلين والمسلمين الذين هم في غالبيتهم طلبة الجامعات والأساتذة ورجال الأعمال والمهندسون والأطباء والمحامون وغيرهم من قادة المجتمع. هل يعقل أن يستفيد هؤلاء وأمثالهم من هؤلاء الخطباء؟

أما لجنة معالجة أسباب التطرف التي كافأها مجلس الوزراء بهبة إضافية فهي لجنة ميتة أساساً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. لماذا؟ لأن غالبية القائمين عليها أساساً موظفون في مؤسسات (الإعلام والتربية والأوقاف) يتهمها المجتمع بالفشل، وبالتالي فهم مسؤولون بحكم مناصبهم عما وصلت إليه حالة المجتمع من تطرف وتعصب وتكفير وشعوذة. ولا هم يرون الفرق بين الإرهاب والتطرف الفكري، ولا يدرون عن دور خطاب التوجيه المنغلق في تكوين التعصب. ولا يدركون أن الخطاب الديني الذي تروج له وزارة الأوقاف عبر مشايخها وخطبائها وأئمتها ومطبوعاتها هو أس البلاء. وحال اللجنة كمن يوكل العلاج للمريض أو يأتمن الذئب على الحمل. والدليل أن اللجنة لم تجتمع إلا مرة واحدة حسب ما ورد في الصحافة المحلية. ولم تقم بأي عمل يذكر. ثم على أي أساس قدر مجلس الوزراء حاجة اللجنة لهذا المبلغ الضخم وبهذه السرعة؟

وعودة إلى بدء. فبعد كل مأساة منسوبة إلى الإرهابيين الإسلاميين تمر بها البلاد تخرج إلينا الأحزاب الدينية ومشايخها ومنظماتها المختلفة بثوب البراءة والتنكر مما حصل! وداعية الدولة إلى تسليمها دور توجيه الشباب وحمايتهم من الفكر المتطرف. هاتوا بغيرها ! فأنتم من أسس للتطرف في الفكر الإسلامي، الذي قاد اليوم إلى التكفير والإرهاب والعنف. هل من داع للتذكير بكتابات مؤسس الإرهاب الأول، الإخواني المدعو سيد قطب، الذي كفر المجتمع ووصمه بالجاهلية وأسس للحاكمية، ودعا إلى العنف كأداة للتغيير؟ وبالمناسبة هذا الإرهابي الأول ينعته كُتاب الإخوان المسلمين في الكويت «بالشهيد»، وكتبه تعد مرجعاً لهم. أو نذكر بالإخواني الثاني عبدالله عزام الذي أسس للقاعدة مع بن لادن؟ أو بطاقم السلفيين والوهابيين أمثال العودة والعمر وغيرهما الذين يحشون عقول الشباب بفكر الموت والتطرف والبغضاء وعرضوا خدماتهم للتوسط بين السعودية والإرهابيين فيها؟ والآن يخرج إلينا مشايخ محليون ممن يدعون للتوسط بين أمن الدولة والإرهابيين الكويتيين!!.

الأحزاب الدينية ومشايخها ومنظماتها الذين يطالبون اليوم برعاية الشباب وكفالة توجيههم لحمايتهم من «الانحراف» كانوا ومازالوا مسؤولين عن برامج تعبئة النشء بالفكر المسيس والانعزالي عبر الأنشطة المختلفة والمخيمات ورحلات «الصحبة الصالحة» وسنابل الخير ومراكز تحفيظ القرآن والاعتكاف بالمساجد، والبرامج التلفزيونية والإذاعية التي تؤسس للتطرف. فماذا جنى المجتمع من هذه الأنشطة غير انغلاق الشباب والعزلة وشيوع التزمت والفهم الضيق للدين ونبذ الحياة؟ لقد بشرتنا الأحزاب الدينية وزعماؤها ومشايخها «بالصحوة الإسلامية» التي تحولت إلى وباء عارم ينهش بأحشاء المجتمع. وها هو المجتمع يجني ثمار هذه «الصحوة» بصورة شباب ينشد الموت وعلى استعداد لقتل أهله وتدمير وطنه، ومثله الأعلى صناع أحزمة الموت وانتحاريو حماس والجهاد والقاعدة والزرقاوي.

فمنحة مجلس الوزراء الإضافية لوزارة الأوقاف ستذهب مع الريح كما ذهبت المخصصات السخية في السابق. وقد تصب في جيوب مروجي التطرف ومن حيث لا يدري المسؤولون. فالمزيد من الإعلانات الملونة في الشوارع وعلى ظهر الحافلات أو المطويات والبوسترات التي أغرقتنا بها الوزارة لن يستفيد منها إلا متعهدو الإعلانات من جماعاتهم. ولن تجدي أي جهود إضافية للوزارة إن لم يفتت احتكار الأحزاب الدينية لهيئات الوزارة، ويسرح المتزمتون من أجهزتها، وتلغى لجنة تطبيق الشريعة، ويبنى الخطاب الديني على أسس إسلامية تنويرية حديثة.

هل هذا ممكن؟ نعم ممكن إن وجدت الإرادة لدى مؤسسة الحكم. ولا خيار لها في ذلك. فلا يكفي أن يهتم الحكم بوزارتي الداخلية والدفاع والحرس الوطني، بينما تجدف مؤسسات التوجيه في الأوقاف والإعلام والتربية عكس مصالح الدولة والحكم.