المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدام حسين وفرويد ورامسفيلد..هل العراق غلاية الشاي المسروقة؟



مجاهدون
01-23-2005, 10:29 AM
الفيلسوف سلافوج زيزيك في محاولة لتحليل وتفكيك الخطاب السياسي الأميركي


الفيلسوف سلافوج زيزيك تناول موضوعة الحرب الأميركية على العراق كمدخل لتحليل وتفكيك الخطاب السياسي الأميركي الذي أخذ بعدا جديدا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على برجي مبنى التجارة العالمي في نيويورك وعلى مقر وزارة الدفاع الأميركية بواشنطن.

وتشكل الحرب التي قادت إلى احتلال العراق مدخلا مناسبا بالنسبة لزيزيك المولود في دولة سولوفينيا (من يوغوسلافيا السابقة) ومادة مناسبة للحفر بوسائل نظرية وعملية في بنية وطبقات الخطاب السياسي الأميركي الذي أخذ بعدا جديدا على يد المحافظين الجدد في إدارة جورج بوش. ويكشف في ثنايا الكتاب عن البعد الأيديولوجي المنظم لهذا الخطاب الذي يبدو للوهلة الأولى غامضا ومجهولا مع الأخذ في الاعتبار تنوع وتعدد الذرائع والدوافع لشن هذه الحرب على العراق.

يستعير الكاتب عنوان الكتاب من طرفة قديمة كان يرددها سيغموند فرويد لإزالة الغموض عن منطق الحلم وتسرد على النحو التالي (1) لم أسرق غلاية الشاي منك (2) أرجعتها إليك غير مكسورة (3) إن غلاية الشاي كانت مكسورة عندما أخذتها منك. وبالتأكيد أن هذه الطرفة تؤكد من خلال النفي حقيقة السرقة، والنهاية تكون «أعدت غلاية الشاي إليك مكسورة» وتشخص، من وجهة نظره، الذرائع المتناقضة لشن الحرب على العراق في بداية عام 2003 ومن بينها أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل.

وإذا لم يكن ممكناً التأكد من عدم وجود أسلحة الدمار الشامل، هناك مبرر آخر هو الصلة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة التي كانت وراء هجمات 11 سبتمبر. وعندما لا يمكن البرهنة على وجود مثل هذه الصلة إذن يمكن القول إن الحرب شنت بسبب الاحتياط النفطي الهائل في العراق. وإذا لم يكن هذا السبب مقنعا إذن لا يمكن سوى القول إن التخلص من صدام حسين الطاغية ضرورة إنسانية لتحرير الشعب العراقي والدول المجاورة من تهديداته المستمرة. وأخيرا من الممكن تبرير الحرب لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروع الديمقراطية وتحرير المنطقة من أنظمتها المستبدة.

ويقتبس زيزيك تصريحا من وزير الدفاع من دونالد رامسفيلد ادلى به في آذار/ مارس عن العلاقة بين المعلوم والمجهول يقول فيه إن هناك معلوما نعرفه، ونعرف أن هناك مجهولا لا نعرفه وفي نفس الوقت هناك مجهول لا نعرفه وأن هناك أشياء لا نعرفها. ويعلق الكاتب بأن رامسفيلد نسي أن يضيف بأن هناك أشياء لا نعرف أننا نعرفها وهذا بالضبط منطق اللاوعي الفرويدي. ويجازف رامسفيلد بالاعتقاد أن الخطر الأكبر في المواجهة مع نظام صدام حسين هو المجهول الذي لا نعرفه والذي حتى لا يمكن التكهن فيه ولكن مع ذلك تقتضي المغامرة لمواجهة هذا التهديد المجهول.

ويشكل هذا المدخل مادة للحفر في ثنايا طبقات الخطاب السياسي للأقلية المتنفذة في السياسة الأميركية وهو المدخل للتعرف على الافتراضات والمعتقدات التي تنكرنا لها وفي الوقت ذاته عدم الإدراك بأننا مخلصون بالولاء لها. وقبل استعراض الكتاب يبدو من المناسب التعرف على منهج سلوفيج زيزيك والمرجعية الفكرية التي يستند إليها. فقد فرض حضوره في الأوساط الأكاديمية والثقافية في أميركا وفي أوروبا لما تميز من أصالة فكرية وطراوة في الأسلوب خصوصا في فرنسا وألمانيا، وهو أستاذ زائر لعدد من الجامعات الأميركية على رأسها جامعة كولومبيا وبرنستون ونيويورك وجامعة ميشغان.

ويتميز منهجه الفكري بالجمع ما بين عالم النفس الفرنسي جاك لاكان وكارل ماركس وعمانوئيل كانط، وبين المخرج السينمائي الفريد هتشكوك وديفيد لينج. وقد استخدم عمل لاكان لتقديم قراءة جديدة للثقافة الشعبية وكتب في مواضيع عدة منها مفهوم التسامح عند الأصولية والطبقة البرجوازية، وكذلك عن الفساد السياسي وعن العولمة وعن حقوق الإنسان إضافة إلى كتاب عن أسطورة لينين، وكتب أيضا دراسات عن الفضاء الكومبيوتري وعن ما بعد الحداثة وعن التعددية الثقافية وقدم دراسات شيقة عن الفريد هتشكوك وعن أعمال ديفيد لينج. والمحور الأساسي في جميع نصوصه وحتى كتابه الأخير يدور حول مسألة تشكل الهوية /الهويات وعلاقات التغيير ما بينهما مع الأخذ بنظر الاعتبار الشبكات المحيطة بها التي تساهم في تشكيل ما هو الحقيقي المدفوع حسب قوله من ما هو رمزي ومتخيل. ويتأسس منهجه النقدي على الكشف عن الخيط الذي يربط بين ما يسميه بالثلاثي المتكون من الحقيقي والرمزي والمتخيل وهو أساس ما يقوم عليه تحليل لاكان النفسي.

والرمزي بالنسبة له يتمثل بالنظام الاجتماعي الذي يطلق عليه لاكان بالأخر الكبير بمعنى أن هذا الأخر يقوم بتنظيم نظام رمزي في الوقت ذاته يبقي هذا الأخر نفسه بعيدا عن النظام. ومن مصطلحاته الرئيسية التي تشكل مفتاحاً لفهم رؤيته، مصطلح الفيتشية، أي الصنمية. إن الصنم Fetish هو تجسيد لكذبة لتمكننا من احتمال الحقيقة القاسية وهو في نهاية الأمر النظام الاجتماعي ( الرمز ) الذي يسعى إلى تمكين الفرد من خلق مسافة بينه وبين واقع الحياة اليومية.

ويجادل زيزيك بأن بنية كل ما هو رمزي تحتوي على عنصر يجسد ما هو غير ممكن لتنظيمه. وأن غير الممكن هذا يبدو في الوقت ذاته حقيقياً. هذه المقدمة كانت ضرورية لفهم كتابه الأخير (العراق :غلاية الشاي المسروقة)، الصادر في نيويورك ولندن عن دار النشر (فيرسو) لأنه ينطلق في تحليل بنية وتفكيك الخطاب السياسي الأميركي من هذه النظرية. في الفصل الأول من الكتاب يستعير حكاية (ماكوفين) MacGuffin من الفريد هيتشكوك الذي يستخدمها كذريعة لتبرير وضع حكايات الرعب في أفلامه.

وتتحدث الحكاية عن رجلين يلتقيان في قطار أحدهما يدهش من حقيبة كبيرة يحملها الرجل الثاني. ويبادره بسؤال عن الحقيبة غير العادية التي يحملها معه فيرد الثاني قائلا أنه «ماكوفين«، ويسأله الأول «ما الماكوفين؟» فيرد الأخر أنه متفجر يستخدم لقتل النمور في يراري اوسكتلندا. فيرد الرجل الأول قائلا إنه لا توجد نمور في براري اوسكتلندا، ويجيب الثاني حسنا إذن ليس هناك ماكوفين.

وعلى أساس هذه الحكاية يقوم زيزيزك بتحليل الخطاب السياسي الذي برر شن الحرب على العراق ويمضي بعيدا في تحليل البنية السياسية للولايات المتحدة خصوصا في مرحلة ما بعد الحرب. ويسعى بأسلوبه الدقيق إلى تفنيد ما هو معلن من أسباب وذرائع للحرب وينطلق من فرضية أساسها أن الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة لم تتصرف كإمبراطورية كما كانت تتصرف إمبراطوريات العصر القديم، ويرى أنها لا زالت تتصرف كدولة لها مصالح، بدليل إصرارها على شن الحرب على العراق لوحدها بالرغم من معارضة المحور الأوروبي المتمثل بألمانيا وفرنسا.

ويستنتج بأن واشنطن قبل شن الحرب كانت مدركة وعارفة تماما أن العراق خال من أسلحة الدمار الشامل. والدليل على ذلك أن الخطة العسكرية التي لجأت إليها في احتلال العراق تمثلت بإرسال قوات برية على الأرض حتى وصلت العاصمة بغداد. ويقول لو كان لديها أي شك في وجود أسلحة دمار شامل لما لجأت إلى هذه الخطة. ويرى أن الولايات المتحدة كانت تدرك جيدا أن مرحلة صدام حسين قد انتهت عمليا، ونتيجة لخوفها من أن تسيطر القوى الإسلامية على النظام في العراق قررت أخذ المبادرة بيدها قبل فوات الأوان. لقد كانت هذه الحرب، كما يقول، هي أول حرب مع أوروبا العجوز بعد انتهاء الحرب الباردة، دفاعاًعن مصالح أميركا في المناطق التي تعتبر جزءاً من نفوذها.

ولا يفوت الكاتب السخرية من المحور الأوروبي خصوصا من فرنسا التي لا زالت تقاتل بشراسة عن مستعمراتها في أفريقيا. ومن هذه الأرضية يحاول تفكيك بنية النظام السياسي القائم سواء في أميركا أو في أوروبا ويذكر القارئ بالدور الذي لعبته أوروبا خصوصا فرنسا وألمانيا في حرب البلقان الأخيرة وبالتحديد في كوسوفو وفي يوغوسلافيا السابقة. والأرضية الأخرى التي ينطلق منها الكاتب هو الأثر الذي خلفته كارثة الحادي عشر من سبتمبر في إنعاش الأيديولوجية (اليوتوبيا) في المعسكر الأميركي. ويشير على كتاب فوكوياما عن نهاية التاريخ الذي نشر مباشرة بعد انتهاء الحرب الباردة، والذي بشر فيه بانتصار النظام الديمقراطي والسوق الحرة بعد موت آخر يوتوبيا في التاريخ المعاصر متمثلة بانهيار النظام الشيوعي في روسيا وأوروبا الشرقية. ويجادل زيزيك بأن أحداث 11 سبتمبر ساهمت في تلاشي اثر فوكوياما، وأيقظت حلم اليوتوبيا الجديد وأبرزت مفكري ومنظري المحافظين الجدد إلى الواجهة للتسويق لأديولوجيا السوق الحرة والديمقراطية وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروع الديمقراطية الكبير.

وبما ان زيزيك يستخدم عدة أدوات في تحليل النظام الديمقراطي السائد في أميركا وفي أوروبا وينتقل ما بين التحليل النفسي إلى الفلسفة وعلم التاريخ والنقد الأدبي والفني، وبالرغم من سلاسة أسلوبه غير أن تنوع مصادره المعرفية تضفي نوعا من الغموض على كتاب ضم حوالي 200 صفحة، لأنه يؤمن، كما يقول في مقابلة معه، «إن الفلسفة لا تجعل الأشياء سهلة، بل تجعلها أكثر صعوبة وأكثر تعقيدا».

ولم يقتصر تحليله لبنية الخطاب الرسمي وإنما يتناول بالنقد اليسار والليبرالية الأميركية، وينطلق من أن الرأسمالية الحالية تعيش حالة من الانقسام ما بين الرأسمالية التقليدية التي تقوم على الصناعة الثقيلة والتجارة الحرة، ورأسمالية ما بعد الحداثة التي تنطلق من الثورة التقنية. ويرى أن حتى الأحزاب اليمنية لم تعد تخضع لصرامة المنطق الماركسي، فالحزب الجمهوري يستهدف عينيات معينة من الطبقة الغنية وفي الوقت ذاته يستهدف عينيات أخرى من الطبقات المتدنية.

ويرى أن اليسار حتى الآن عاجز عن رؤية هذه المتغيرات الكثيرة في العالم الغربي. وبالرغم من المرارة التي يشع بها تجاه مواقف اليسار إزاء ما حدث في أوروبا الشرقية، غير أنه في الوقت ذاته يسلط نقدا حادا على التحول الديمقراطي السريع الذي حدث أوروبا الشرقية بعد أن تبنت السوق الحرة والانفتاح الاقتصادي الذي ساهمت بشكل ما في زيادة بؤس الأغلبية من سكان هذه البلدان. وفي إحدى فصول الكتاب يتحدث عن القوى السياسية المتصارعة في دول أوروبا الشرقية التي تترامح مواقفها ما بين اليمين على تبني الديمقراطية المسيحية. ويرى أن الصراع السياسي الحقيقي قد بدأ بين إعادة بناء النظام الاجتماعي والسياسي على الصعيد العالمي وبين الذين لا مكان لهم في هذا النظام. وينتقد بشكل ساخر الأدوات والسياسات التي تستخدمها الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب. والاستنتاج أو الدرس السياسي الذي يخرج فيه ليس في جعل ما هو واقعي غامضا ورشه بأصباغ مزيفة، بل في تصعيد وتسامي مفهوم يوتوبيا العدالة والتسامح والديمقراطية لتكون ممارسة حقيقية لكل كائن على الأرض.