د. حامد العطية
01-31-2013, 09:37 PM
الحرب الأهلية والخطوط الحمراء في العراق
د. حامد العطية
عندما يخططون للمستقبل، ويقررون للحاضر، يبنون على التفاؤل، ويفترضون احتمالاً متدنياً للأزمات، من دون اهمالها، العراق هو الاستثناء، فلا أحد يفكر بالمستقبل، لأن الحاضر والماضي جاثمان على الصدور والعقول، ولو قسنا المستقبل على الحاضر والماضي لتوجب البناء على التشاؤم لا التفاؤل، وكل أيامه مضطربة بالأزمات.
الحرب أسوء الأزمات غير الطبيعية، وأبشع صنوف الحروب الأهلية منها، واخطر أنواعها الطائفية والعرقية، إذ أشد ما يتمناه المرء لأعدائه أن يجعل الله بأسهم بينهم، والخشية أن تكون عذاباً ربانياً: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} ﴿الأنعام:٦٥﴾
لا يطرد شبح الحرب بالتعويذات والبخور، ولكن بالثلاث: التعقل والعدالة والرخاء، وكلهم شبه مفقودين، فالرخاء لأصحاب السلطة والمختلسين والمرتشين، والقليل المتبقي من العدالة والمسائلة قيد الإلغاء، وكل يوم تتكرر الدعوات للتعقل والحكمة، ولا من مجيب.
ماذا عن الرعب المتبادل الرادع؟ أي أن تردع قوة خصمين عن التقاتل، في الحرب الأهلية المحدودة اختبر الشيعة والسنة قوتيهما وخرجا بدون نتيجة، بسبب تدخل القوات الأمريكية المحتلة، واليوم تشي تصرفات السنة ونبرة خطابهم الاستفزازي بأنهم يرون أنفسهم قادرين على اسقاط الحكومة التي يرأسها شيعي ولو تطلب ذلك أكثر من العصيان وقتل بعض الجنود، الأكراد أيضاً نازعوا الحكومة المركزية حول الأراضي والنفط والبشمركة وغيرها وكانوا هم الأعلون في كل مرة، أما الشيعة فقد تنازلوا للسنة والأكراد، وكانت ردود أفعالهم على الإرهاب فاترة، وهم مختلفون ومنقسمون، وفي القاموس البدائي للجماعات المبهورة بالقوة والتسلط تفسر هذه الصفات بأنها دلائل ضعف وتخاذل، إذن الرعب المتبادل مفقود أيضاً.
غياب التعقل والعدالة والرخاء واختلال ميزان الرعب المتبادل ترسخ نظرة التشاؤم حول نتيجة الأزمة الحالية، ولا أظن أحداً سيندهش ويتعجب لو بدأت حرب أهلية في العراق، ولكن قبل أن يتعجل المتلهفون على اشعالها ظناً منهم بأنهم سينجحون في حسمها عليهم أن ينتبهوا إلى الخطوط الحمراء.
في عالمنا اليوم خطوط حمراء كثيرة، الحكومات الغربية تضع خطاً أحمراً على امتلاك إيران الإسلامية للسلاح النووي، أما الكيان الصهيوني فقد رسم خطاً أحمراً على تخصيب إيران لليورانيوم فوق مستوى محدد، وللسعودية وشركائها الخليجيون خطاً أحمراً حول الاطاحة بالنظام الحاكم في البحرين، وهم يذودون عنه بالجنود والسلاح والمال والدبلوماسية، ولعل أكثر الخطوط الحمراء اليوم في سورية، كان الفيتو الروسي والصيني على التدخل العسكري الأجنبي تعبيراً عن خط أحمر، ولأمريكا والكيان الصهيوني خط أحمر على انتقال الأسلحة الكيماوية من سورية إلى حزب الله، ويكرر المسؤولون الإيرانيون بأنهم هم أيضاً يحيطون النظام السوري المقاوم ورئيسه ضمن دائرة حمراء، فهل هنالك خطوط أو دوائر حمراء في العراق ينبغي أخذها في الحسبان؟
حتى اليوم لا أثر لخطوط حمراء، على خارطة العراق السياسية، أمريكا التي خصت منطقة الأكراد بخط أحمر بعد حرب الكويت صامتة، و لا تشمل اتفاقيتها الاستراتيجية مع الحكومة العراقية الحرب الأهلية، وفرنسا التي أرسلت قواتها للتدخل في مالي لا تبدي أي اهتمام بالشأن العراقي، وكذلك بقية الدول الأوروبية، وليس لروسيا حليف في العراق كما هو حال سورية، لذا لا خط أحمر أمريكي أو أوروبي، وحتى تركيا التي تحذر في العلن من حرب أهلية وتشجع عليها في السر ستكتفي على الأغلب بإمداد حلفائها بالسلاح والمتطوعين ولن تضع خطاً أحمراً حولهم، والدليل دورها في الصراع السوري، ومعظم الدول العربية والإسلامية منشغلة بأزماتها الداخلية وتعزيز بقائها في السلطة، وبالتالي لا تضع خطوطاً حمراء إلا حول نظمها السياسية، ولكن ماذا عن إيران؟
العراق أسوء جيران إيران، ولا ألومهم لو تمنوا بلداً آخراً مكانه، ولو بدون شيعة، تصوروا حال إيران من دون حرب الثمان سنوات، وبسبب العراق قدمت القوات الأمريكية للمنطقة مرتين ، وفي المرة الثانية احتلوا العراق، ولقي الشيطان الأكبر الترحيب من قادة الشيعة الذين وفرت لهم إيران من قبل المآوى والدعم، وتصوروا حزن ومرارة الإيرانيين عند توقيع رئيس الوزراء الشيعي الاتفاقية الاستراتيجية مع أمريكا وتوجسهم من سفارة أمريكا الماموثية في بغداد، وصدمتهم لتصريح مستشار المالكي بأنهم أقرب لأمريكا منه إلى إيران، ولا بد أن إيران الداعية لتجاوز الخلافات الطائفية وتوحيد الصف الإسلامي محرجة أيضاً من طائفية النظام السياسي العراقي وأزماته المتواصلة، وبالتأكيد فإن حزب الله وحتى النظام السوري العلماني أقرب لإيران من العراق، لذا فلن تأسف إيران على اختفاء بعض قادة الشيعة الذين خذلوها وتبنوا سياسات مناهضة لثوابتها ومصالحها، فلا خطوط حمراء اليوم أو غداً حول هؤلاء الساسة واحزابهم وأنصارهم.
كتب أحد مناصري رئيس الوزراء في موقع خاص بهم معبراً عن خشيته من سقوط بغداد لأن الوضع اليوم قد تغير بعد رحيل القوات الأمريكية، وقد وافقه بعض المعلقين، وهو موقف يبعث على الرثاء والحزن، ولو تحقق أسوء السيناريوهات بالنسبة للشيعة وانحل الجيش العراقي ونجح تحالف القوى السنية والكردية في السيطرة على مناطق هامة من بغداد فلن تهرع القوات الإيرانية لنجدتهم، لأن سكان وسط وجنوب العراق وهم الأكثرية يتحملون وحدهم مسؤولية الدفاع عن مناطقهم.
هل ستكتفي إيران بالتفرج على انكسار شيعي كبير في العراق؟ من المحتمل أن يتوقف الزحف السني والكردي عند العاصمة، ولكن للقاعدة والبعثيين طموحات تتعدى السيطرة على بغداد، ومن المؤكد بأن إيران لن تقبل بنشوء ازمة لاجئين ضخمة على حدودها ولن ترضى بسيطرة غير الشيعة على مراقدهم الدينية في الوسط والجنوب، وستكون مستعدة للتدخل بفاعلية لاستعادة التوازن، وبعد استبعاد أو هروب أو مقتل القيادات الشيعية المتخاذلة سيحين الوقت لاستنساخ تجربة حزب الله أو تنظيم مشابه، ينتظم سكان الوسط والجنوب في صفوفه، ويتولى صد المعتدين على مناطق الشيعة، ولن يتوقف عند العاصمة بل سيتخطاها للسيطرة على كافة مناطق العراق، وبالتالي ستخسر الاطراف المعادية للشيعة مكاسبها الضخمة التي تحققت لها نتيجة التنازلات الشيعية، ويوأد حلم برزاني بإمبراطورية لآل برزان من جبال كردستان إلى سواحل البحر المتوسط، وتخرج إيران منتصرة.
هنالك بصيص من أمل بتحكيم العقل في معالجة الأزمة الحالية ومنع انجراف العراق إلى آتون حرب أهلية سيكون مثيروها وأعداء إيران أكبر الخاسرين فيها وسيندمون.
30 كانون الثاني 2013م
د. حامد العطية
عندما يخططون للمستقبل، ويقررون للحاضر، يبنون على التفاؤل، ويفترضون احتمالاً متدنياً للأزمات، من دون اهمالها، العراق هو الاستثناء، فلا أحد يفكر بالمستقبل، لأن الحاضر والماضي جاثمان على الصدور والعقول، ولو قسنا المستقبل على الحاضر والماضي لتوجب البناء على التشاؤم لا التفاؤل، وكل أيامه مضطربة بالأزمات.
الحرب أسوء الأزمات غير الطبيعية، وأبشع صنوف الحروب الأهلية منها، واخطر أنواعها الطائفية والعرقية، إذ أشد ما يتمناه المرء لأعدائه أن يجعل الله بأسهم بينهم، والخشية أن تكون عذاباً ربانياً: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} ﴿الأنعام:٦٥﴾
لا يطرد شبح الحرب بالتعويذات والبخور، ولكن بالثلاث: التعقل والعدالة والرخاء، وكلهم شبه مفقودين، فالرخاء لأصحاب السلطة والمختلسين والمرتشين، والقليل المتبقي من العدالة والمسائلة قيد الإلغاء، وكل يوم تتكرر الدعوات للتعقل والحكمة، ولا من مجيب.
ماذا عن الرعب المتبادل الرادع؟ أي أن تردع قوة خصمين عن التقاتل، في الحرب الأهلية المحدودة اختبر الشيعة والسنة قوتيهما وخرجا بدون نتيجة، بسبب تدخل القوات الأمريكية المحتلة، واليوم تشي تصرفات السنة ونبرة خطابهم الاستفزازي بأنهم يرون أنفسهم قادرين على اسقاط الحكومة التي يرأسها شيعي ولو تطلب ذلك أكثر من العصيان وقتل بعض الجنود، الأكراد أيضاً نازعوا الحكومة المركزية حول الأراضي والنفط والبشمركة وغيرها وكانوا هم الأعلون في كل مرة، أما الشيعة فقد تنازلوا للسنة والأكراد، وكانت ردود أفعالهم على الإرهاب فاترة، وهم مختلفون ومنقسمون، وفي القاموس البدائي للجماعات المبهورة بالقوة والتسلط تفسر هذه الصفات بأنها دلائل ضعف وتخاذل، إذن الرعب المتبادل مفقود أيضاً.
غياب التعقل والعدالة والرخاء واختلال ميزان الرعب المتبادل ترسخ نظرة التشاؤم حول نتيجة الأزمة الحالية، ولا أظن أحداً سيندهش ويتعجب لو بدأت حرب أهلية في العراق، ولكن قبل أن يتعجل المتلهفون على اشعالها ظناً منهم بأنهم سينجحون في حسمها عليهم أن ينتبهوا إلى الخطوط الحمراء.
في عالمنا اليوم خطوط حمراء كثيرة، الحكومات الغربية تضع خطاً أحمراً على امتلاك إيران الإسلامية للسلاح النووي، أما الكيان الصهيوني فقد رسم خطاً أحمراً على تخصيب إيران لليورانيوم فوق مستوى محدد، وللسعودية وشركائها الخليجيون خطاً أحمراً حول الاطاحة بالنظام الحاكم في البحرين، وهم يذودون عنه بالجنود والسلاح والمال والدبلوماسية، ولعل أكثر الخطوط الحمراء اليوم في سورية، كان الفيتو الروسي والصيني على التدخل العسكري الأجنبي تعبيراً عن خط أحمر، ولأمريكا والكيان الصهيوني خط أحمر على انتقال الأسلحة الكيماوية من سورية إلى حزب الله، ويكرر المسؤولون الإيرانيون بأنهم هم أيضاً يحيطون النظام السوري المقاوم ورئيسه ضمن دائرة حمراء، فهل هنالك خطوط أو دوائر حمراء في العراق ينبغي أخذها في الحسبان؟
حتى اليوم لا أثر لخطوط حمراء، على خارطة العراق السياسية، أمريكا التي خصت منطقة الأكراد بخط أحمر بعد حرب الكويت صامتة، و لا تشمل اتفاقيتها الاستراتيجية مع الحكومة العراقية الحرب الأهلية، وفرنسا التي أرسلت قواتها للتدخل في مالي لا تبدي أي اهتمام بالشأن العراقي، وكذلك بقية الدول الأوروبية، وليس لروسيا حليف في العراق كما هو حال سورية، لذا لا خط أحمر أمريكي أو أوروبي، وحتى تركيا التي تحذر في العلن من حرب أهلية وتشجع عليها في السر ستكتفي على الأغلب بإمداد حلفائها بالسلاح والمتطوعين ولن تضع خطاً أحمراً حولهم، والدليل دورها في الصراع السوري، ومعظم الدول العربية والإسلامية منشغلة بأزماتها الداخلية وتعزيز بقائها في السلطة، وبالتالي لا تضع خطوطاً حمراء إلا حول نظمها السياسية، ولكن ماذا عن إيران؟
العراق أسوء جيران إيران، ولا ألومهم لو تمنوا بلداً آخراً مكانه، ولو بدون شيعة، تصوروا حال إيران من دون حرب الثمان سنوات، وبسبب العراق قدمت القوات الأمريكية للمنطقة مرتين ، وفي المرة الثانية احتلوا العراق، ولقي الشيطان الأكبر الترحيب من قادة الشيعة الذين وفرت لهم إيران من قبل المآوى والدعم، وتصوروا حزن ومرارة الإيرانيين عند توقيع رئيس الوزراء الشيعي الاتفاقية الاستراتيجية مع أمريكا وتوجسهم من سفارة أمريكا الماموثية في بغداد، وصدمتهم لتصريح مستشار المالكي بأنهم أقرب لأمريكا منه إلى إيران، ولا بد أن إيران الداعية لتجاوز الخلافات الطائفية وتوحيد الصف الإسلامي محرجة أيضاً من طائفية النظام السياسي العراقي وأزماته المتواصلة، وبالتأكيد فإن حزب الله وحتى النظام السوري العلماني أقرب لإيران من العراق، لذا فلن تأسف إيران على اختفاء بعض قادة الشيعة الذين خذلوها وتبنوا سياسات مناهضة لثوابتها ومصالحها، فلا خطوط حمراء اليوم أو غداً حول هؤلاء الساسة واحزابهم وأنصارهم.
كتب أحد مناصري رئيس الوزراء في موقع خاص بهم معبراً عن خشيته من سقوط بغداد لأن الوضع اليوم قد تغير بعد رحيل القوات الأمريكية، وقد وافقه بعض المعلقين، وهو موقف يبعث على الرثاء والحزن، ولو تحقق أسوء السيناريوهات بالنسبة للشيعة وانحل الجيش العراقي ونجح تحالف القوى السنية والكردية في السيطرة على مناطق هامة من بغداد فلن تهرع القوات الإيرانية لنجدتهم، لأن سكان وسط وجنوب العراق وهم الأكثرية يتحملون وحدهم مسؤولية الدفاع عن مناطقهم.
هل ستكتفي إيران بالتفرج على انكسار شيعي كبير في العراق؟ من المحتمل أن يتوقف الزحف السني والكردي عند العاصمة، ولكن للقاعدة والبعثيين طموحات تتعدى السيطرة على بغداد، ومن المؤكد بأن إيران لن تقبل بنشوء ازمة لاجئين ضخمة على حدودها ولن ترضى بسيطرة غير الشيعة على مراقدهم الدينية في الوسط والجنوب، وستكون مستعدة للتدخل بفاعلية لاستعادة التوازن، وبعد استبعاد أو هروب أو مقتل القيادات الشيعية المتخاذلة سيحين الوقت لاستنساخ تجربة حزب الله أو تنظيم مشابه، ينتظم سكان الوسط والجنوب في صفوفه، ويتولى صد المعتدين على مناطق الشيعة، ولن يتوقف عند العاصمة بل سيتخطاها للسيطرة على كافة مناطق العراق، وبالتالي ستخسر الاطراف المعادية للشيعة مكاسبها الضخمة التي تحققت لها نتيجة التنازلات الشيعية، ويوأد حلم برزاني بإمبراطورية لآل برزان من جبال كردستان إلى سواحل البحر المتوسط، وتخرج إيران منتصرة.
هنالك بصيص من أمل بتحكيم العقل في معالجة الأزمة الحالية ومنع انجراف العراق إلى آتون حرب أهلية سيكون مثيروها وأعداء إيران أكبر الخاسرين فيها وسيندمون.
30 كانون الثاني 2013م