عابدون
01-20-2005, 05:28 PM
رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين أثناء زيارة رسمية في ليبيا في رمضان المبارك 1398هـ الموافق آب 1978 م على يد أكبر طاغية في عهده ، يزيد عصرنا هذا ، حاكم الصحراء قذافي ليبيا
بسم الله الرحمن الرحيم
"واذ يمكر بك الذين كفروا ... ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "
[الانفال،30]
صدق الله العظيم
لكلمته الصولة
قديما قيل: للباطل جولة وللحق صولة، وما كان للباطل أن تقر جولاته، وليس أمام الحق إلا أن يصمد ليحقق صولاته، وهذا شأن قضايا الحرية مع أعدائها على مدى التاريخ، فلا هم أدركوا أن الحرية ليست أشخاصاً وأفراداً تنتهي بإبعادهم عن الساح، ولا هي تملك ألا تكون، لأنها ليست هي صانعة نفسها. وإن كانت الأجرام نتيجة تفجرات كونية انبثقت عنها كواكب أخذ كل كوكب دوره في حركة الكون، فقضايا الحرية تفجرات طموح الإنسان ليحقق ذاته في مدى التطلع.
أعداء الحرية يجولون، يغيِّبون، يغتالون، يحجزون، يخطفون، يرهبون، يعرقلون، يؤخرون، يعطلون، ثم ماذا؟ هل توقف قضية عادلة عن التحقق، وإن طال المدى؟ وقديماً قيل: لا بد من صنعا وإن طال السفر.
ربما كان الظن أن القضايا التي طرحها هي قضاياه الشخصية فغيّبوه، ولكن بعضاً من القضايا تحقق، وبعضاً ما زال بين الجولة والصولة، وليس هذا فحسب، فحيث تدجنت قيادات، تصدت الحجارة للقيادة، وإذ صار هو إحدى قضايا الحرية، فكلمته سيكون لها الصولة.
ولا بد من صنعا وإن طال السفر.
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب وظروف زيارة سماحة الإمام إلى ليبيا:
تجاه اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوبي لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته اثر الاجتياح في 14/3/1978 والتي حالت دون تمكين الدولة اللبنانية من إخضاع هذه المنطقة لسلطتها لرفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة الحدودية وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 425 وذلك من أجل خلق وضع يخدم مخططاتها،
وجد سماحة الإمام السيد موسى الصدر، قياماً منه بمهام مسؤولياته، أن الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية ذات الاهتمام والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع.
وفي هذا الإطار، قام سماحة الإمام بجولة شملت كلاّ من الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، داعياً لعقد مؤتمر قمة عربي محدود سعياً لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبه، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديثه لصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية والذي نقلت خلاصته صحيفة "النهار" في 24/7/1978.
في الجزائر، أجرى سماحته محادثات مع سيادة الرئيس هواري بومدين ومع السيد محمد صلاح يحياوي ومع مسؤولين آخرين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وفي إحدى جلسات هذه المحادثات، أُشير على سماحته بزيارة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لما لقادتها من تأثير على مجريات الوضع العسكري والسياسي على الساحة اللبنانية إكمالا ًلجولته وخدمة لأهدافها القومية والوطنية. وأبدى سماحته أن زيارته الوحيدة لليبيا تمت عام 1975 وذلك للمشاركة بمؤتمر إسلامي عام وأنه سيلبي دعوة توجه إليه من سلطاتها للقيام بهذه الزيارة والاجتماع برئيسها وقادتها.
بتاريخ 28/7/78 استقبل سماحته في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية، لزيارة الجماهيرية والاجتماع بسيادة الأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي متمنياً بدء الزيارة في 19 أو 21 آب 1978.
قَبِل سماحة الإمام هذه الدعوة، وتريث في تحديد موعد بدء الزيارة.
بتاريخ 20/8/1978 أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في أن تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978 واضطراره إلى أن يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978 من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تُعالج في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة. كما أبلغه أسماء أعضاء الوفد المرافق لسماحته.
قدمت سفارة الجماهيرية العربية الليبية في لبنان لسماحته، تذاكر سفره مع عضوي الوفد المرافقين الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدرالدين. وقد تم حجز مقاعد لحساب السفارة بالدرجة الأولى في الطائرة بموجب كتابها إلى شركة طيران الشرق الأوسط رقم 4/3/430 تاريخ 24/8/1978.
يوم الجمعة بتاريخ 22 رمضان 1398 هـ الموافق 25 آب 1978، سافر سماحة الإمام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي الأستاذ عباس بدر الدين (صاحب وكالة أخبار لبنان) إلى الجماهيرية الليبية، وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت القائم بالأعمال الليبي السيد محمود بن كورة. ولدى وصوله مطار طرابلس الغرب استقبله عن السلطات الليبية رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام السيد أحمد الشحاتي.
أقام سماحة الإمام الصدر ومرافقاه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب، ضيوفاً على سلطات الجماهيرية الليبية.
أغفلت وسائل إعلام الجماهيرية الليبية أية إشارة إلى قدوم زائرها الرسمي سماحة الإمام الصدر، كما أغفلت أي خبر عنه خلال إقامته بضيافتها، لدرجة أن القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب الأستاذ نزار فرحات لم يعلم بوجوده في هذه المدينة إلا عندما اتصل به الأستاذ عباس بدر الدين بتاريخ 28 آب 1978 م، وذلك وفقاً لمضمون التقرير الرسمي المحفوظ في وزارة الخارجية اللبنانية.
انقطاع أخبار الإمام وبدء التحرك الرسمي:
ومنذ وصول سماحة الإمام الصدر إلى ليبيا، وطيلة الأيام اللاحقة، لم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان(1)، وذلك خلاف عادته في أسفاره. وكذلك حال مرافقيه، علماً بأن أحدهما الأستاذ بدر الدين صَحب الإمام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية أخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.
بعد أن تأخرت عودة الإمام الصدر ومرافقيه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعاً، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398هـ الموافق 6 أيلول 1978 معلومات في الموضوع، فماطل في إجابة الطلب أربعة أيام عرض بعدها المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ10 أيلول 1978م وأكد له الطلب رسمياً وبصورة مستعجلة. فأجابه ظهر اليوم التالي "أن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398 هـ الموافق 31 آب 1978م إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية ( الرحلة رقم 881)."
نظراً لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفياً بالقذافي، لاستيضاحه في الموضوع وإبلاغه أن ضيوفه لم يصلوا إلى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مراراً في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب في طرابلس الغرب كان يجيب أن القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقماً آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...
أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفياً في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادئ الأمر للإجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكرراً الجواب الذي قدّمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفاً "إن الإمام لم يكن راضياً وغادر ليبيا دون إعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسمياً. وأن أحد الموظفين السيد أحمد الحطاب شاهد سماحة الإمام صدفة أثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودّعه".
لدى استقصاء أخبار سماحة الإمام، بسؤال العائدين من ليبيا (منهم السادة بشارة مرهج، اسعد المقدم، طلال سلمان، منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، محمد سلمان إضافة إلى نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا) بعد حضورهم احتفال"الفاتح من سبتمبر"، تبين:
* أنه كان في استقبال سماحته عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب السيد أحمد الشحاتي رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.
* أن سماحته مع مرافقيه حلّوا ضيوفاً على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.
* أن السيد أحمد الشحاتي أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26و27 آب 1978، وفي إحدى جلسات هذه المباحثات أجرى التلفزيون الليبي تصويراً وسجل حديثاً لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.
* أنه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في إذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا أن إذاعة هذا الحديث منعت.
* أنه منذ وصول سماحته إلى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978 كان ينتظر إبلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر إلى باريس قبل 1/9/1978.
* إن مرافقي سماحة الإمام كانا ينويان السفر إلى باريس. ولذا طلب أحدهما السيد عباس بدرالدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978 تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا. أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.
* ان سماحته ومرافقيه شوهدوا معا يخرجون من فندق الشاطئ حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978 ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعداً لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وأن الاجتماع لم يتم وأن سيادته أُبلغ أن سماحته سافر.
انتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية، ولوحظ أنه في هذا التاريخ أوردت إحدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان "هل لأحداث إيران علاقة بهذا اللغز" وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر أسباباً تعلل بها التوجه نحو إمكانية علاقة القضية بأحداث إيران. كما لوحظ أن وكالة الأنباء الكويتية أوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته أن الإمام الصدر موجود منذ بضعة أيام في إيران، ونسبت هذا الخبر إلى مصادر رسمية ليبية، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.
ملاحظات حول البيان الليبي الرسمي:
تفاعلت القضية على الصعيد الشعبي في لبنان، وعلى الأصعدة الرسمية محلياً وفي الخارج، لبنانياً وعربياً وإسلامياً، طوال الأيام اللاحقة، وتعددت الاتصالات من مراجع عدة بالقذافي، وبقيت السلطات الليبية ساكته لا تولي القضية أي اهتمام، إلى أن اضطرت تحت ضغط المراجعات والرأي العام العالمي وبعد تحرك بعثة التحقيق اللبنانية(راجع ص : 29) وأجهزة التحقيق الإيطالية إلى إصدار بيان رسمي نشر بتاريخ 18 أيلول 1978م (راجع نص البيان ص :40)، تزعم فيه "أن الجماهيرية تولي الأمر اهتماماً كبيراً" و "أن الجماهيرية تلقي بكامل ثقلها مع القوى الإسلامية والتقدمية لمعرفة مصير الإمام موسى الصدر وإنقاذ حياته وحياة رفيقيه" (هذه الأقوال والتعهدات بقيت كلاماً دون أي تنفيذ).
وهذا البيان الليبي الرسمي، الذي أكد مجدداً أن الإمام الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس الغرب في الساعة الثامنة والربع مساء 31 آب 1978 م متجهين إلى روما بطائرة "اليطاليا" (الرحلة 881)، تضمن مغالطات عدة، منها:
1- القول إن الإمام الصدر "زار الجماهيرية مرات عدة من قبل": هذا الكلام غير صحيح لأن الإمام الصدر لم يزر ليبيا من قبل سوى مرة وحيدة في أواخر شهر آب 1975 م للمشاركة في مؤتمر فكري إسلامي.
2- القول في مطلع البيان الرسمي إن الإمام الصدر "تربطه بالجماهيرية علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام"، وتكراره في ختام البيان بالقول "تؤكد أمانة الخارجية أن الإمام الصدر تربطه بالجماهيرية علاقات أخوية متينة وتكن له كل احترام وتقدير".
هذا القول عن العلاقات لا أساس له من الصحة، لأنه لم تقم بين الإمام وبين الجماهيرية الليبية أية علاقة، من أي نوع كان.
أما القول عن التقدير والاحترام، فتدحضه ممارسة عبد السلام جلود الذي أقام في لبنان أكثر من /45/ يوماً خلال شهري حزيران وتموز 1976، في ظروف القتال، عقد أثناءها اجتماعات ولقاءات مع مختلف القادة والزعماء ورؤساء الفعاليات والأحزاب والتنظيمات في لبنان، واستمع إلى وجهات نظر الجميع، من مختلف الفرقاء، دون أن يجتمع مع الإمام الصدر. وعندما التقيا صدفة في دمشق بتاريخ 12/7/76 وعد جلود الإمام بالاجتماع به في بيروت عند عودتهما إليها، وحصلت هذه العودة بتاريخ 14/7/76 واستمر جلود في بيروت مدة أسبوعين بعدها متابعاً اجتماعاته واتصالاته الواسعة دون أن ينفذ وعده.
3- أما الأقوال والوقائع الأخرى التي أوردها البيان الليبي الرسمي المنشور بتاريخ 18/9/78 م، فتدحضها التحقيقات القضائية التي ستعرض نتائجها لاحقاً.
تصريح القذافي لوفد العلماء:
بتاريخ 21/9/78م توجهت مسيرة شعبية كبرى، من بيروت إلى دمشق حيث كان يعقد "مؤتمر قمة الصمود والتصدي" لإثارة قضية الإمام الصدر في هذا المؤتمر.
وبطلب من القذافي، تمّ اجتماع خاص بينه وبين وفد من المسيرة تألف من العلماء أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الأمير قبلان، الشيخ أحمد الزين، الشيخ عبد الحليم الزين والشيخ خليل شقير.
وفي هذا الاجتماع صرّح القذافي:
1- أنه كان حدّد موعداً للاجتماع بالإمام الصدر في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 31/8/78 م، إلا أن الإمام لم يحضر وقيل للقذافي انه سافر. هذا القول يثير السؤالين الآتيين:
أ- لماذا لا يحضر الإمام الصدر هذا الاجتماع وهو الذي جاء إلى ليبيا من أجله، ومكث فيها أياماً ينتظر موعده الذي حدّد قبل ست ساعات وخمس وأربعين دقيقة من التوقيت المحدد في البيان الليبي لإقلاع الطائرة التي قيل أن الإمام سافر بواسطتها إلى روما، علماً بأن الطائرة أقلعت بعد ثلاثة أرباع الساعة من هذا التوقيت.
ب- أين كان الإمام الصدر في ليبيا خلال الفترة الواقعة بين موعد الاجتماع بالقذافي وبين الموعد الفعلي لإقلاع الطائرة، وهي فترة بلغت سبع ساعات ونصف.
ولماذا لم تجر السلطات الليبية تحقيقاً في هذا الأمر بعد انتشار نبأ الإخفاء؟
إلا أن المعلومات المتوافرة من مصادر عدة، تؤكد حصول الاجتماع ووقوع نقاش حاد خلاله وتباين شديد في وجهات النظر بمسألة محنة لبنان والدور الليبي.
وتأيد ذلك بشكل خاص في حديث الملك خالد والملك فهد بتاريخ 25/2/1979 للوفد الذي زار السعودية بموضوع الإمام وكان في عداده النائبان الأستاذان محمود عمار ومحمد يوسف بيضون.
وتوالت معلومات من مصادر دولية وخاصة ومنها أقوال صرح بها سراً وزير الخارجية الليبي السابق التريكي تفيد أن الإمام ورفيقيه احتجزوا بعد الاجتماع.
2- كما صرّح أن سفر الإمام الصدر ومرافقيه حصل دون إعلام السلطات الليبية. وأن أحد الموظفين الليبين السيد أحمد الحطاب تعرّف عليه في المطار فقام بتوديعه. هذا القول يثير أيضاً سؤالين:
أ - لماذا يغادر الإمام الصدر ليبيا وهو بضيافتها الرسمية، دون إعلام السلطة المضيفة؟
ب- كيف يتيسّر للإمام ومرافقيه مغادرة الفندق مع حقائبهم باتجاه المطار، قاصدين السفر، دون أن تتمكن السلطة الليبية من معرفة هذا الواقع في حينه وهي التي تعتمد نظاماً صارماً في المراقبة، لا سيما وأن الأمر يتعلق بضيف رسمي وبشخصية كبرى؟
3- وصرح أيضاً بأنه يعتبر قضية إخفاء الإمام الصدر إهانة عربية وإسلامية لليبيا نظراً لحرمة الضيف، ولذا فإنه يهتم بها ويضع كل إمكانياته لكشفها واتخذ إجراءات للتحقيق وأوفد بعثة إلى إيطاليا وأنه سيبلغ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالنتائج.
برقية أمانة الخارجية الليبية:
هذا القول لم يقترن بأي عمل سوى كتاب وحيد أرسلته السفارة الليبية في بيروت بتاريخ 28/9/78م إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وفيه تورد نص برقية أمانة الخارجية الليبية المتضمنة أن المخابرات الإيطالية أكدت حضور الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب إلى فندق "هوليداي إن" في روما بتاريخ 1/9/78 م، وأن حقائبهما سُلمت إلى النيابة العامة الإيطالية، وأن "جميع وسائل الإعلام الإيطالية تُجمع على أن الدلائل تثبت وصوله ( أي الإمام الصدر) إلى روما، وأن اختفاءه قد يكون وراؤه أجهزة المخابرات المختلفة الإيرانية والإسرائيلية والأميركية وكذلك الكتائب الحمر والمنظمات الألمانية المتطرفة".
ملاحظات حول البرقية:
فضلاً عن الاستخفاف الظاهر في سرد هذه المعلومات ومضمونها، فإن هذه المعلومات الرسمية الليبية تتنافى مع المعلومات الصحيحة التي توصلت إليها آنذاك أجهزة التحقيق الإيطالي التي كانت استجوبت :
1) عناصر الشرطة والجمارك في مطار فيوميتشينو- روما بتاريخ 20/9/78 .
2) طاقم الطائرة الإيطالية للرحلة 881 التي غادرت طرابلس الغرب مساء 31/8/78م بتاريخ 24/9/78.
3) ركاب الدرجة الأولى في هذه الطائرة، بتاريخ 25/9/78.
4) مستخدمي وعمال فندق "هوليدي إن"بتاريخ 26/9/78.
والذين توافقت إفاداتهم جميعاً- بعد إطلاعهم على صورة وأوصاف كل من الإمام الصدر ورفيقيه- وكشفوا حقيقة أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يكونوا في عداد ركاب الطائرة المذكورة ولا في عداد الواصلين إلى مطار فيوميشينو، وأن الشخصين اللذين حجزا غرفتين في الفندق المذكور باسم الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب وتركا فيه حقائبهما مع جوازي سفرهما، لم يكونا الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب المميزة أوصافهما. وهذه التحقيقات كانت أبلغت قبل 28/9/78 م إلى جميع المراجع القضائية والأمنية والحكومية المختصة في روما، بتقرير المفوض رئيس شرطة الحدود في مطار فيوميشينو تاريخ 25/9/78 م وتقرير رئيس شرطة روما تاريخ 27/9/78 م.
شركة الخطوط الإيطالية
حسمت شركة "اليطاليا" المسألة بالنسبة إليها، ببلاغ صدر عنها وبثه التلفزيون الإيطالي مساء يوم 25/9/78 متضمنا ًأن سماحة الإمام السيد موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحفي السيد عباس بدرالدين، لم يكونوا بذواتهم وأشخاصهم في طائرة الشركة المذكورة (الرحلة رقم 881) التي أقلعت مساء يوم 31/8/78 من مطار طرابلس الغرب إلى روما.
وبث التلفزيون الإيطالي، بعد هذا البلاغ مباشرة، مقابلة شخصية مع قائد الطائرة للرحلة المذكورة، أعلن فيها أنه بعد اطلاع طاقم الطائرة على صور سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدرالدين، أكدوا جميعاً أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا على متن الطائرة في رحلتها هذه، لا بالملابس الدينية ولا بالملابس المدنية.
بسم الله الرحمن الرحيم
"واذ يمكر بك الذين كفروا ... ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "
[الانفال،30]
صدق الله العظيم
لكلمته الصولة
قديما قيل: للباطل جولة وللحق صولة، وما كان للباطل أن تقر جولاته، وليس أمام الحق إلا أن يصمد ليحقق صولاته، وهذا شأن قضايا الحرية مع أعدائها على مدى التاريخ، فلا هم أدركوا أن الحرية ليست أشخاصاً وأفراداً تنتهي بإبعادهم عن الساح، ولا هي تملك ألا تكون، لأنها ليست هي صانعة نفسها. وإن كانت الأجرام نتيجة تفجرات كونية انبثقت عنها كواكب أخذ كل كوكب دوره في حركة الكون، فقضايا الحرية تفجرات طموح الإنسان ليحقق ذاته في مدى التطلع.
أعداء الحرية يجولون، يغيِّبون، يغتالون، يحجزون، يخطفون، يرهبون، يعرقلون، يؤخرون، يعطلون، ثم ماذا؟ هل توقف قضية عادلة عن التحقق، وإن طال المدى؟ وقديماً قيل: لا بد من صنعا وإن طال السفر.
ربما كان الظن أن القضايا التي طرحها هي قضاياه الشخصية فغيّبوه، ولكن بعضاً من القضايا تحقق، وبعضاً ما زال بين الجولة والصولة، وليس هذا فحسب، فحيث تدجنت قيادات، تصدت الحجارة للقيادة، وإذ صار هو إحدى قضايا الحرية، فكلمته سيكون لها الصولة.
ولا بد من صنعا وإن طال السفر.
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب وظروف زيارة سماحة الإمام إلى ليبيا:
تجاه اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوبي لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته اثر الاجتياح في 14/3/1978 والتي حالت دون تمكين الدولة اللبنانية من إخضاع هذه المنطقة لسلطتها لرفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة الحدودية وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 425 وذلك من أجل خلق وضع يخدم مخططاتها،
وجد سماحة الإمام السيد موسى الصدر، قياماً منه بمهام مسؤولياته، أن الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية ذات الاهتمام والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع.
وفي هذا الإطار، قام سماحة الإمام بجولة شملت كلاّ من الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، داعياً لعقد مؤتمر قمة عربي محدود سعياً لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبه، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديثه لصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية والذي نقلت خلاصته صحيفة "النهار" في 24/7/1978.
في الجزائر، أجرى سماحته محادثات مع سيادة الرئيس هواري بومدين ومع السيد محمد صلاح يحياوي ومع مسؤولين آخرين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وفي إحدى جلسات هذه المحادثات، أُشير على سماحته بزيارة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لما لقادتها من تأثير على مجريات الوضع العسكري والسياسي على الساحة اللبنانية إكمالا ًلجولته وخدمة لأهدافها القومية والوطنية. وأبدى سماحته أن زيارته الوحيدة لليبيا تمت عام 1975 وذلك للمشاركة بمؤتمر إسلامي عام وأنه سيلبي دعوة توجه إليه من سلطاتها للقيام بهذه الزيارة والاجتماع برئيسها وقادتها.
بتاريخ 28/7/78 استقبل سماحته في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية، لزيارة الجماهيرية والاجتماع بسيادة الأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي متمنياً بدء الزيارة في 19 أو 21 آب 1978.
قَبِل سماحة الإمام هذه الدعوة، وتريث في تحديد موعد بدء الزيارة.
بتاريخ 20/8/1978 أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في أن تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978 واضطراره إلى أن يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978 من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تُعالج في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة. كما أبلغه أسماء أعضاء الوفد المرافق لسماحته.
قدمت سفارة الجماهيرية العربية الليبية في لبنان لسماحته، تذاكر سفره مع عضوي الوفد المرافقين الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدرالدين. وقد تم حجز مقاعد لحساب السفارة بالدرجة الأولى في الطائرة بموجب كتابها إلى شركة طيران الشرق الأوسط رقم 4/3/430 تاريخ 24/8/1978.
يوم الجمعة بتاريخ 22 رمضان 1398 هـ الموافق 25 آب 1978، سافر سماحة الإمام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي الأستاذ عباس بدر الدين (صاحب وكالة أخبار لبنان) إلى الجماهيرية الليبية، وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت القائم بالأعمال الليبي السيد محمود بن كورة. ولدى وصوله مطار طرابلس الغرب استقبله عن السلطات الليبية رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام السيد أحمد الشحاتي.
أقام سماحة الإمام الصدر ومرافقاه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب، ضيوفاً على سلطات الجماهيرية الليبية.
أغفلت وسائل إعلام الجماهيرية الليبية أية إشارة إلى قدوم زائرها الرسمي سماحة الإمام الصدر، كما أغفلت أي خبر عنه خلال إقامته بضيافتها، لدرجة أن القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب الأستاذ نزار فرحات لم يعلم بوجوده في هذه المدينة إلا عندما اتصل به الأستاذ عباس بدر الدين بتاريخ 28 آب 1978 م، وذلك وفقاً لمضمون التقرير الرسمي المحفوظ في وزارة الخارجية اللبنانية.
انقطاع أخبار الإمام وبدء التحرك الرسمي:
ومنذ وصول سماحة الإمام الصدر إلى ليبيا، وطيلة الأيام اللاحقة، لم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان(1)، وذلك خلاف عادته في أسفاره. وكذلك حال مرافقيه، علماً بأن أحدهما الأستاذ بدر الدين صَحب الإمام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية أخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.
بعد أن تأخرت عودة الإمام الصدر ومرافقيه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعاً، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398هـ الموافق 6 أيلول 1978 معلومات في الموضوع، فماطل في إجابة الطلب أربعة أيام عرض بعدها المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ10 أيلول 1978م وأكد له الطلب رسمياً وبصورة مستعجلة. فأجابه ظهر اليوم التالي "أن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398 هـ الموافق 31 آب 1978م إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية ( الرحلة رقم 881)."
نظراً لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفياً بالقذافي، لاستيضاحه في الموضوع وإبلاغه أن ضيوفه لم يصلوا إلى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مراراً في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب في طرابلس الغرب كان يجيب أن القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقماً آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...
أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفياً في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادئ الأمر للإجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكرراً الجواب الذي قدّمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفاً "إن الإمام لم يكن راضياً وغادر ليبيا دون إعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسمياً. وأن أحد الموظفين السيد أحمد الحطاب شاهد سماحة الإمام صدفة أثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودّعه".
لدى استقصاء أخبار سماحة الإمام، بسؤال العائدين من ليبيا (منهم السادة بشارة مرهج، اسعد المقدم، طلال سلمان، منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، محمد سلمان إضافة إلى نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا) بعد حضورهم احتفال"الفاتح من سبتمبر"، تبين:
* أنه كان في استقبال سماحته عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب السيد أحمد الشحاتي رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.
* أن سماحته مع مرافقيه حلّوا ضيوفاً على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.
* أن السيد أحمد الشحاتي أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26و27 آب 1978، وفي إحدى جلسات هذه المباحثات أجرى التلفزيون الليبي تصويراً وسجل حديثاً لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.
* أنه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في إذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا أن إذاعة هذا الحديث منعت.
* أنه منذ وصول سماحته إلى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978 كان ينتظر إبلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر إلى باريس قبل 1/9/1978.
* إن مرافقي سماحة الإمام كانا ينويان السفر إلى باريس. ولذا طلب أحدهما السيد عباس بدرالدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978 تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا. أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.
* ان سماحته ومرافقيه شوهدوا معا يخرجون من فندق الشاطئ حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978 ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعداً لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وأن الاجتماع لم يتم وأن سيادته أُبلغ أن سماحته سافر.
انتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية، ولوحظ أنه في هذا التاريخ أوردت إحدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان "هل لأحداث إيران علاقة بهذا اللغز" وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر أسباباً تعلل بها التوجه نحو إمكانية علاقة القضية بأحداث إيران. كما لوحظ أن وكالة الأنباء الكويتية أوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته أن الإمام الصدر موجود منذ بضعة أيام في إيران، ونسبت هذا الخبر إلى مصادر رسمية ليبية، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.
ملاحظات حول البيان الليبي الرسمي:
تفاعلت القضية على الصعيد الشعبي في لبنان، وعلى الأصعدة الرسمية محلياً وفي الخارج، لبنانياً وعربياً وإسلامياً، طوال الأيام اللاحقة، وتعددت الاتصالات من مراجع عدة بالقذافي، وبقيت السلطات الليبية ساكته لا تولي القضية أي اهتمام، إلى أن اضطرت تحت ضغط المراجعات والرأي العام العالمي وبعد تحرك بعثة التحقيق اللبنانية(راجع ص : 29) وأجهزة التحقيق الإيطالية إلى إصدار بيان رسمي نشر بتاريخ 18 أيلول 1978م (راجع نص البيان ص :40)، تزعم فيه "أن الجماهيرية تولي الأمر اهتماماً كبيراً" و "أن الجماهيرية تلقي بكامل ثقلها مع القوى الإسلامية والتقدمية لمعرفة مصير الإمام موسى الصدر وإنقاذ حياته وحياة رفيقيه" (هذه الأقوال والتعهدات بقيت كلاماً دون أي تنفيذ).
وهذا البيان الليبي الرسمي، الذي أكد مجدداً أن الإمام الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس الغرب في الساعة الثامنة والربع مساء 31 آب 1978 م متجهين إلى روما بطائرة "اليطاليا" (الرحلة 881)، تضمن مغالطات عدة، منها:
1- القول إن الإمام الصدر "زار الجماهيرية مرات عدة من قبل": هذا الكلام غير صحيح لأن الإمام الصدر لم يزر ليبيا من قبل سوى مرة وحيدة في أواخر شهر آب 1975 م للمشاركة في مؤتمر فكري إسلامي.
2- القول في مطلع البيان الرسمي إن الإمام الصدر "تربطه بالجماهيرية علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام"، وتكراره في ختام البيان بالقول "تؤكد أمانة الخارجية أن الإمام الصدر تربطه بالجماهيرية علاقات أخوية متينة وتكن له كل احترام وتقدير".
هذا القول عن العلاقات لا أساس له من الصحة، لأنه لم تقم بين الإمام وبين الجماهيرية الليبية أية علاقة، من أي نوع كان.
أما القول عن التقدير والاحترام، فتدحضه ممارسة عبد السلام جلود الذي أقام في لبنان أكثر من /45/ يوماً خلال شهري حزيران وتموز 1976، في ظروف القتال، عقد أثناءها اجتماعات ولقاءات مع مختلف القادة والزعماء ورؤساء الفعاليات والأحزاب والتنظيمات في لبنان، واستمع إلى وجهات نظر الجميع، من مختلف الفرقاء، دون أن يجتمع مع الإمام الصدر. وعندما التقيا صدفة في دمشق بتاريخ 12/7/76 وعد جلود الإمام بالاجتماع به في بيروت عند عودتهما إليها، وحصلت هذه العودة بتاريخ 14/7/76 واستمر جلود في بيروت مدة أسبوعين بعدها متابعاً اجتماعاته واتصالاته الواسعة دون أن ينفذ وعده.
3- أما الأقوال والوقائع الأخرى التي أوردها البيان الليبي الرسمي المنشور بتاريخ 18/9/78 م، فتدحضها التحقيقات القضائية التي ستعرض نتائجها لاحقاً.
تصريح القذافي لوفد العلماء:
بتاريخ 21/9/78م توجهت مسيرة شعبية كبرى، من بيروت إلى دمشق حيث كان يعقد "مؤتمر قمة الصمود والتصدي" لإثارة قضية الإمام الصدر في هذا المؤتمر.
وبطلب من القذافي، تمّ اجتماع خاص بينه وبين وفد من المسيرة تألف من العلماء أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الأمير قبلان، الشيخ أحمد الزين، الشيخ عبد الحليم الزين والشيخ خليل شقير.
وفي هذا الاجتماع صرّح القذافي:
1- أنه كان حدّد موعداً للاجتماع بالإمام الصدر في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 31/8/78 م، إلا أن الإمام لم يحضر وقيل للقذافي انه سافر. هذا القول يثير السؤالين الآتيين:
أ- لماذا لا يحضر الإمام الصدر هذا الاجتماع وهو الذي جاء إلى ليبيا من أجله، ومكث فيها أياماً ينتظر موعده الذي حدّد قبل ست ساعات وخمس وأربعين دقيقة من التوقيت المحدد في البيان الليبي لإقلاع الطائرة التي قيل أن الإمام سافر بواسطتها إلى روما، علماً بأن الطائرة أقلعت بعد ثلاثة أرباع الساعة من هذا التوقيت.
ب- أين كان الإمام الصدر في ليبيا خلال الفترة الواقعة بين موعد الاجتماع بالقذافي وبين الموعد الفعلي لإقلاع الطائرة، وهي فترة بلغت سبع ساعات ونصف.
ولماذا لم تجر السلطات الليبية تحقيقاً في هذا الأمر بعد انتشار نبأ الإخفاء؟
إلا أن المعلومات المتوافرة من مصادر عدة، تؤكد حصول الاجتماع ووقوع نقاش حاد خلاله وتباين شديد في وجهات النظر بمسألة محنة لبنان والدور الليبي.
وتأيد ذلك بشكل خاص في حديث الملك خالد والملك فهد بتاريخ 25/2/1979 للوفد الذي زار السعودية بموضوع الإمام وكان في عداده النائبان الأستاذان محمود عمار ومحمد يوسف بيضون.
وتوالت معلومات من مصادر دولية وخاصة ومنها أقوال صرح بها سراً وزير الخارجية الليبي السابق التريكي تفيد أن الإمام ورفيقيه احتجزوا بعد الاجتماع.
2- كما صرّح أن سفر الإمام الصدر ومرافقيه حصل دون إعلام السلطات الليبية. وأن أحد الموظفين الليبين السيد أحمد الحطاب تعرّف عليه في المطار فقام بتوديعه. هذا القول يثير أيضاً سؤالين:
أ - لماذا يغادر الإمام الصدر ليبيا وهو بضيافتها الرسمية، دون إعلام السلطة المضيفة؟
ب- كيف يتيسّر للإمام ومرافقيه مغادرة الفندق مع حقائبهم باتجاه المطار، قاصدين السفر، دون أن تتمكن السلطة الليبية من معرفة هذا الواقع في حينه وهي التي تعتمد نظاماً صارماً في المراقبة، لا سيما وأن الأمر يتعلق بضيف رسمي وبشخصية كبرى؟
3- وصرح أيضاً بأنه يعتبر قضية إخفاء الإمام الصدر إهانة عربية وإسلامية لليبيا نظراً لحرمة الضيف، ولذا فإنه يهتم بها ويضع كل إمكانياته لكشفها واتخذ إجراءات للتحقيق وأوفد بعثة إلى إيطاليا وأنه سيبلغ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالنتائج.
برقية أمانة الخارجية الليبية:
هذا القول لم يقترن بأي عمل سوى كتاب وحيد أرسلته السفارة الليبية في بيروت بتاريخ 28/9/78م إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وفيه تورد نص برقية أمانة الخارجية الليبية المتضمنة أن المخابرات الإيطالية أكدت حضور الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب إلى فندق "هوليداي إن" في روما بتاريخ 1/9/78 م، وأن حقائبهما سُلمت إلى النيابة العامة الإيطالية، وأن "جميع وسائل الإعلام الإيطالية تُجمع على أن الدلائل تثبت وصوله ( أي الإمام الصدر) إلى روما، وأن اختفاءه قد يكون وراؤه أجهزة المخابرات المختلفة الإيرانية والإسرائيلية والأميركية وكذلك الكتائب الحمر والمنظمات الألمانية المتطرفة".
ملاحظات حول البرقية:
فضلاً عن الاستخفاف الظاهر في سرد هذه المعلومات ومضمونها، فإن هذه المعلومات الرسمية الليبية تتنافى مع المعلومات الصحيحة التي توصلت إليها آنذاك أجهزة التحقيق الإيطالي التي كانت استجوبت :
1) عناصر الشرطة والجمارك في مطار فيوميتشينو- روما بتاريخ 20/9/78 .
2) طاقم الطائرة الإيطالية للرحلة 881 التي غادرت طرابلس الغرب مساء 31/8/78م بتاريخ 24/9/78.
3) ركاب الدرجة الأولى في هذه الطائرة، بتاريخ 25/9/78.
4) مستخدمي وعمال فندق "هوليدي إن"بتاريخ 26/9/78.
والذين توافقت إفاداتهم جميعاً- بعد إطلاعهم على صورة وأوصاف كل من الإمام الصدر ورفيقيه- وكشفوا حقيقة أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يكونوا في عداد ركاب الطائرة المذكورة ولا في عداد الواصلين إلى مطار فيوميشينو، وأن الشخصين اللذين حجزا غرفتين في الفندق المذكور باسم الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب وتركا فيه حقائبهما مع جوازي سفرهما، لم يكونا الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب المميزة أوصافهما. وهذه التحقيقات كانت أبلغت قبل 28/9/78 م إلى جميع المراجع القضائية والأمنية والحكومية المختصة في روما، بتقرير المفوض رئيس شرطة الحدود في مطار فيوميشينو تاريخ 25/9/78 م وتقرير رئيس شرطة روما تاريخ 27/9/78 م.
شركة الخطوط الإيطالية
حسمت شركة "اليطاليا" المسألة بالنسبة إليها، ببلاغ صدر عنها وبثه التلفزيون الإيطالي مساء يوم 25/9/78 متضمنا ًأن سماحة الإمام السيد موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحفي السيد عباس بدرالدين، لم يكونوا بذواتهم وأشخاصهم في طائرة الشركة المذكورة (الرحلة رقم 881) التي أقلعت مساء يوم 31/8/78 من مطار طرابلس الغرب إلى روما.
وبث التلفزيون الإيطالي، بعد هذا البلاغ مباشرة، مقابلة شخصية مع قائد الطائرة للرحلة المذكورة، أعلن فيها أنه بعد اطلاع طاقم الطائرة على صور سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدرالدين، أكدوا جميعاً أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا على متن الطائرة في رحلتها هذه، لا بالملابس الدينية ولا بالملابس المدنية.