على
01-20-2005, 01:18 PM
فاضل تنى العجمى
ليس غريبا ان تتطرف مجموعة معينة داخل مجتمع من المجتمعات لان التطرف ليس له بلد يقيم فيه ولا جنسية يتمثل فيها وانما هو حالة استثنائية تخالف الاصول العامة والخطوط العريضة للعقل البشري السوي.
ولا أخفيكم أنه من الخطورة بمكان التهوين من شأن هذا المفهوم أعني التطرف، كما ان من الخطورة بمكان أكبر ايضا المبالغة في تصوير الامر وكأنه حالة عامة ايذانا باستمرار مسلسل خلط الاوراق وتجيير الاحداث لتحقيق بعض الغايات في نفوس اصحاب بعض الاقلام.
ليست هناك مناسبة يتحتم فيها استخدام سلاح العقل وراية الحكمة أكثر من هذه المناسبة، وصدقوني لن نجني من التشنج والانفعال والتهويل شيئا سوى المزيد من سكب الزيت على النار، وبصراحة ما آلمني أكثر أن كثيرا من الكتابات تناولت هذا الموضوع على خلفية تجاذبات الصراع الدائر بين القوى السياسية دون الأخذ بعين الاعتبار أننا بازاء حالات تهدد استقرار مجتمع بأكمله أكثر من كونها ساحة لتبادل الاتهامات واقامة مآتم لطم الخدود والنواح المزعوم من قبل من تصف نفسها بالقوى التقدمية التي لن تجد افضل من هذه المآتم لممارسة نواحها القديم وتوسيع نطاق شق الجيوب.
الكل يجمع على أن التطرف صناعة قديمة في كل الاعراق والديانات بل انه حتى في القرن الاول الهجري الذي يقع ضمن نطاق القرون الفاضلة الاولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية، ومع ذلك فقد وقع فيها التطرف وتحديدا في زمن الامام علي بن ابي طالب الخليفة الراشدي الرابع اذ ظهرت فئة استحلت دماء مخالفيها وادعوا احتكار الصواب المطلق وكفروا كل من خالفهم.
كيف واجه الامام علي هذه الفتنة؟ لقد وظف قدرات عبدالله بن عباس العلمية خصوصا انه ترجمان القرآن الذي دعا له النبي صلى الله وعليه وسلم بقوله (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
لقد ذهب اليهم عبدالله بن عباس ليحاورهم ويحاول ازالة الشبهات العالقة في عقولهم الناتجة عن سوء فهمهم للنصوص الذي اوصلهم لهذه الحالة.
لقد كانوا يرون - وفقا لفهمهم القاصر - أن علياً حين قبل التحكيم بينه وبين معاوية رضي الله عنهما فإنه يكون قد حكّم الرجال في كتاب الله، وأنه كان عليه ان يسبي نساء من قاتلهم من الخارجين عليه من البغاة، وكفّروا علياً كذلك لأنه قد قَبِلَ أن يمحو عنه صفة أمير المؤمنين حين كانت المفاوضات جارية بين الجيشين, هذه كانت ثلاث شبه رئيسية تفتك بعقليات الخوارج المتطرفين فبماذا رد عليهم عبدالله بن عباس؟
لقد ابتدأ بتفنيد شبهاتهم واحدة تلو الأخرى، أما الشبهة الاولى فالجواب عنها ان القرآن قد حكّم الرجال في دماء الصيد في الحرم فقال تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم)، فاختار اثنين من المسلمين العدول لتقويم قيمة الصيد - الذي لا مثل له - اذا قتله المحرم، فأيهما أولى بالتحكيم في دمائه: مجرد صيدٍ أم دمُ المسلم الذي يعتبر زوال الكعبة أهون عند الله من قطرة دم تراق منه بغير حق؟! وهكذا زالت الشبهة الاولى على يد ابن عباس.
وأما أن أمير المؤمنين علياً لم يسب - بسكون السين وكسر الباء - نساء من قاتلوه فمعلوم أن عائشة أم المؤمنين كانت في جيش طلحة والزبير يوم الجمل، فوجه ابن عباس لهم هذا السؤال: فهل تريدون من أمير المؤمنين أن يسبي أم المؤمنين؟ فنزلت عليهم هذه العبارة كالصاعقة ولم يصنعوا لها جوابا، والآن بقيت شبهة اخيرة وهي تنازل علي رضي الله عنه عندما طلب منه الفريق الآخر محو صفة أمير المؤمنين اثناء المفاوضات بينهما.
هنا رجع ابن عباس الى وقائع السيرة النبوية مسترشدا ومستشهدا بما حدث في مفاوضات صلح الحديبية حين أصر سهيل بن عمرو- الذي أرسلته قريش ليفاوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على محو كلمة (رسول الله) وقال: لو أعلم أنك رسول الله ما حاربتك، وتردد علي رضي الله عنه في محوها - وكان هو الذي باشر كتابة بنود الصلح بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبتدئا الوثيقة بالعبارة التالية: (هذا ما صالح عليه رسول الله,,, الخ) فاستبدلها النبي عليه الصلاة والسلام ـ بعبارة (هذا ما صالح عليه محمد,,, الخ) مستجيبا لاعتراض سهيل الذي أسلم فيما بعد وحسن اسلامه.
وأمام هذه القدرات الحوارية الهائلة التي مارسها ابن عباس مع المتطرفين متسلحا بالعلم ومفندا شبهاتهم التي رانت على عقولهم رجع كثيرون منهم الى وعيهم فتابوا الى الله وتبرأوا من فكرهم المنحرف بينما ظلت فئة على ما هي عليه.
واستعمال الحكمة هنا لا يعني اللين أبدا، بل الحزم شقيق الحكمة، ولا تساهل أبدا فيما يمس أمن البلاد والعباد، ولكن ما أردنا التنبيه اليه هو التدرج في المعالجة والقضاء على الأسباب وليس التعامل مع الافرازات فقط وهذا في الحقيقة يحتاج الى جهود المؤسسات الحكومية والشعبية لأن المسؤولية جماعية، فالمجتمع مجتمعنا، والامن أمننا، والبلاد بلادنا,
ليس غريبا ان تتطرف مجموعة معينة داخل مجتمع من المجتمعات لان التطرف ليس له بلد يقيم فيه ولا جنسية يتمثل فيها وانما هو حالة استثنائية تخالف الاصول العامة والخطوط العريضة للعقل البشري السوي.
ولا أخفيكم أنه من الخطورة بمكان التهوين من شأن هذا المفهوم أعني التطرف، كما ان من الخطورة بمكان أكبر ايضا المبالغة في تصوير الامر وكأنه حالة عامة ايذانا باستمرار مسلسل خلط الاوراق وتجيير الاحداث لتحقيق بعض الغايات في نفوس اصحاب بعض الاقلام.
ليست هناك مناسبة يتحتم فيها استخدام سلاح العقل وراية الحكمة أكثر من هذه المناسبة، وصدقوني لن نجني من التشنج والانفعال والتهويل شيئا سوى المزيد من سكب الزيت على النار، وبصراحة ما آلمني أكثر أن كثيرا من الكتابات تناولت هذا الموضوع على خلفية تجاذبات الصراع الدائر بين القوى السياسية دون الأخذ بعين الاعتبار أننا بازاء حالات تهدد استقرار مجتمع بأكمله أكثر من كونها ساحة لتبادل الاتهامات واقامة مآتم لطم الخدود والنواح المزعوم من قبل من تصف نفسها بالقوى التقدمية التي لن تجد افضل من هذه المآتم لممارسة نواحها القديم وتوسيع نطاق شق الجيوب.
الكل يجمع على أن التطرف صناعة قديمة في كل الاعراق والديانات بل انه حتى في القرن الاول الهجري الذي يقع ضمن نطاق القرون الفاضلة الاولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية، ومع ذلك فقد وقع فيها التطرف وتحديدا في زمن الامام علي بن ابي طالب الخليفة الراشدي الرابع اذ ظهرت فئة استحلت دماء مخالفيها وادعوا احتكار الصواب المطلق وكفروا كل من خالفهم.
كيف واجه الامام علي هذه الفتنة؟ لقد وظف قدرات عبدالله بن عباس العلمية خصوصا انه ترجمان القرآن الذي دعا له النبي صلى الله وعليه وسلم بقوله (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
لقد ذهب اليهم عبدالله بن عباس ليحاورهم ويحاول ازالة الشبهات العالقة في عقولهم الناتجة عن سوء فهمهم للنصوص الذي اوصلهم لهذه الحالة.
لقد كانوا يرون - وفقا لفهمهم القاصر - أن علياً حين قبل التحكيم بينه وبين معاوية رضي الله عنهما فإنه يكون قد حكّم الرجال في كتاب الله، وأنه كان عليه ان يسبي نساء من قاتلهم من الخارجين عليه من البغاة، وكفّروا علياً كذلك لأنه قد قَبِلَ أن يمحو عنه صفة أمير المؤمنين حين كانت المفاوضات جارية بين الجيشين, هذه كانت ثلاث شبه رئيسية تفتك بعقليات الخوارج المتطرفين فبماذا رد عليهم عبدالله بن عباس؟
لقد ابتدأ بتفنيد شبهاتهم واحدة تلو الأخرى، أما الشبهة الاولى فالجواب عنها ان القرآن قد حكّم الرجال في دماء الصيد في الحرم فقال تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم)، فاختار اثنين من المسلمين العدول لتقويم قيمة الصيد - الذي لا مثل له - اذا قتله المحرم، فأيهما أولى بالتحكيم في دمائه: مجرد صيدٍ أم دمُ المسلم الذي يعتبر زوال الكعبة أهون عند الله من قطرة دم تراق منه بغير حق؟! وهكذا زالت الشبهة الاولى على يد ابن عباس.
وأما أن أمير المؤمنين علياً لم يسب - بسكون السين وكسر الباء - نساء من قاتلوه فمعلوم أن عائشة أم المؤمنين كانت في جيش طلحة والزبير يوم الجمل، فوجه ابن عباس لهم هذا السؤال: فهل تريدون من أمير المؤمنين أن يسبي أم المؤمنين؟ فنزلت عليهم هذه العبارة كالصاعقة ولم يصنعوا لها جوابا، والآن بقيت شبهة اخيرة وهي تنازل علي رضي الله عنه عندما طلب منه الفريق الآخر محو صفة أمير المؤمنين اثناء المفاوضات بينهما.
هنا رجع ابن عباس الى وقائع السيرة النبوية مسترشدا ومستشهدا بما حدث في مفاوضات صلح الحديبية حين أصر سهيل بن عمرو- الذي أرسلته قريش ليفاوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على محو كلمة (رسول الله) وقال: لو أعلم أنك رسول الله ما حاربتك، وتردد علي رضي الله عنه في محوها - وكان هو الذي باشر كتابة بنود الصلح بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبتدئا الوثيقة بالعبارة التالية: (هذا ما صالح عليه رسول الله,,, الخ) فاستبدلها النبي عليه الصلاة والسلام ـ بعبارة (هذا ما صالح عليه محمد,,, الخ) مستجيبا لاعتراض سهيل الذي أسلم فيما بعد وحسن اسلامه.
وأمام هذه القدرات الحوارية الهائلة التي مارسها ابن عباس مع المتطرفين متسلحا بالعلم ومفندا شبهاتهم التي رانت على عقولهم رجع كثيرون منهم الى وعيهم فتابوا الى الله وتبرأوا من فكرهم المنحرف بينما ظلت فئة على ما هي عليه.
واستعمال الحكمة هنا لا يعني اللين أبدا، بل الحزم شقيق الحكمة، ولا تساهل أبدا فيما يمس أمن البلاد والعباد، ولكن ما أردنا التنبيه اليه هو التدرج في المعالجة والقضاء على الأسباب وليس التعامل مع الافرازات فقط وهذا في الحقيقة يحتاج الى جهود المؤسسات الحكومية والشعبية لأن المسؤولية جماعية، فالمجتمع مجتمعنا، والامن أمننا، والبلاد بلادنا,