جمال
01-20-2005, 11:35 AM
مـؤرخ عربي يفنــد مزاعـم الرحـالة مـاركـو بـولــو في كتـاب جديــد
2000/11/15
يعتقد المؤرخ العربي المعاصر فراس المناصير في كتابه الجديد "ماركو بولو النصاب" ان الرحالة الاوروبي الاشهر قام بأكبر عمليات التلفيق في التاريخ وانه في سبيل تثبيت صحة رحلاته الى الشرق كذب على لسان البابا غريغوري العاشر، وزعم ان قبلاي خان عينه مستشارا له. وفي الكتاب الذي يصدر قريبا بالعربية في بيروت عشرات المزاعم عن رحلة يعتقد المناصير انها وهمية ويقدم في سبيل تدعيم رأيه العديد من الادلة والبراهين. وفي ما يلي ملخص لبعض هذه الادلة:
1 ـ يدعي كتاب بولو بأن رحلته الى الصين كانت بتكليف رسمي من البابا غريغوري العاشر في عام 1271. لا توجد أي اشارة الى هذا التكليف في ارشيف الفاتيكان، ولم يتطرق اليه أي كاتب من معاصري بولو.
2 ـ يدعي الكتاب ان بولو عمل مستشارا خاصا للامبراطور قبلاي خان وكذلك عُين محافظا لاقليم يانغ شاو. لا توجد أي اشارة الى ذلك في الارشيف الصيني، علما بأن التلفزيون الياباني انتج شريطا وثائقيا قبل سنوات عن قبلاي خان، عُرض في انحاء العالم، ولم يعثر الباحثون اليابانيون على أي اشارة الى بولو. اضف الى ذلك ان القائمة التي تحتوي على اسماء محافظي اقليم يانغ شاو ما زالت موجودة ولا تتضمن اسم بولو. مقابل ذلك، احتوى الفيلم الوثائقي الياباني على مقابلة مع سليل المستشار المالي المسلم في حكومة قبلاي، وذلك في بيته في بكين، وما زال هذا السليل على دين سلفه.
3 ـ لا يوجد أي ذكر لبولو في كتب المؤرخين الصينيين، واول مرة سمع به الصينيون كانت عندما ترجم كتابه الى اللغة الصينية في أوائل القرن العشرين.
4 ـ يقول بولو إنه قبل أن يغادر الصين عائدا الى ايطاليا، حمله الامبراطور رسائل الى البابا وملوك اوروبا. هذه الرسائل لم يعثر عليها في أي مكان، ولا توجد اشارة اليها في الارشيفات الملكية في اوروبا.
الأدلة التاريخية
1 ـ يقول بولو انه قابل البابا غريغوري العاشر في عكا. هذا البابا لم يكن في عكا، فعكا آنذاك كانت محاصرة من قبل السلطان بيبرس وليس من المعقول ان يتخذ زعيم الكنيسة الكاثوليكية مدينة مسلمة محاصرة مقرا له.
2 ـ يقول بولو انه غادر عكا الى القدس ليجلب الزيت المقدس من كنيسة القيامة، وهذه كذبة مفضوحة، اذ ان القدس كانت بيد بيبرس، وبيبرس لم يكن رحيما مثل صلاح الدين الايوبي يفتح القدس ليدخلها الصليبيون متى ما شاءوا.
3 ـ يدعي بولو انه ورفاقه سافروا عبر سورية الى ارمينيا في قيليقية (بالقرب من انطاكيا)، لكنه لا يذكر كلمة واحدة عن ظروف سفره، بل انه لا يذكر تاريخ مغادرته الى عكا، ولا يوضح كيف سمح له جيش بيبرس بمغادرة عكا المحاصرة برا.
4 ـ لا يتفوه بولو بكلمة واحدة عن الحرب الصليبية التي كانت آنذاك تمر في مرحلتها النهائية، بل يتصرف وكأن سورية التي يخترقها مسافرا يعمها السلم والامان، لكنه فجأة عند وصوله الى ارمينيا يقول ان بيبرس غزا تلك البلاد اثناء وجوده فيها وامعن في قتل سكانها وعاث في ارضها فسادا. هنا نجد كذبة أخرى، فمع ان بولو لم يذكر تاريخ مغادرته لعكا، إلا انه اوقع نفسه في الفخ عندما اعلن ان مغادرته لتلك المدينة المحاصرة وقعت بعد فترة يسيرة من انتخاب غريغوري العاشر بابا جديدا. اننا نعلم ان هذا البابا اعتلى المنصب عام 1271 وبأن هجوم بيبرس على انطاكيا وارمينيا وقع عام 1266، وليس عام 1271. أي ان بولو قدم هجوم بيبرس خمسة اعوام ليبرز زعمه بأن الراهبين اللذين ارسلهما البابا لمرافقته الى الصين دبّ بهما الذعر وهربا من المنطقة بسبب مذابح بيبرس. وطبعا لا توجد أي اشارة الى هذين الراهبين المزعومين في ارشيفات الفاتيكان وهما طبعا من اختراعات بولو العديدة.
5 ـ لا يتحدث بولو مطلقا عن خط رحلته ولا يدخل في أي تفاصيل. كما لا يبين كيف انه اثناء الحروب الصليبية سمح المسلمون لإفرنجي ان يسافر آمنا وادعا في اراضيهم بينما كانت المعارك الطاحنة تدور في فلسطين وسورية.
6 ـ بغداد تصبح باوداس في كتابه، ومع انه يذكر خطأ انها سقطت بيد المغول عام 1255 (الصحيح هو 1258) إلا انه يتحدث عنها وكأنها ما زالت مقر الخلفاء العباسيين ولا يتطرق بكلمة واحدة للخراب الفظيع فيها، وهو الخراب الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته الى بغداد بعد خمسين عاما من رحلة بولو المزعومة.
7 ـ يكتفي بولو بوصف بغداد بسطر واحد فقط، وهو انها مدينة كبيرة تقع على نهر كبير (لا يذكر اسمه)، لكنه يكرس خمس صفحات لسرد اسطورتين سنرد على ذكرهما في باب الاساطير في كتابه.
8 ـ واضح من كتاب بولو أنه لا يعلم بوجود خليج فارس، اذ يتحدث عن النهر الذي يشق بغداد بأنه يؤدي الى مدينة اسمها قيس. علما بأن قيس هي جزيرة في الخليج، بينما هو يتحدث عنها وكأنها مدينة واقعة برا.
9 ـ بولو يزعم انه زار تبريز الواقعة في اقليم يدعى العراق (على حد زعمه) ومع انه يذكر في مطلع رحلته أن البابا غريغوري حمله رسالة الى اباكا، خان المغول في المشرق، إلا انه من الواضح ان بولو لا يعلم بأن تبريز هي عاصمة دولة المغول في المشرق وبالتالي مقر اباكا، بل انه لا يذكر اسم هذه الدولة المغولية التي كانت تدعى دولة الايلخانات.
10 ـ بولو يذكر ديرا قريبا من تبريز يدعى دير برسوما. وفي الواقع كان هذا الدير يقع في شمال سورية التاريخية وفي منطقة يقطنها الارمن.
11 ـ من الواضح ان بولو لا يعلم بأن بلاد فارس او ايران كانت هي دولة الايلخانات، اذ يقول إن فارس مقسمة الى عشر ممالك، ويبدأ في وصفها. وسنأتي على ذكر الخرافات التي يرويها في باب الخرافات والاساطير.
12 ـ ومع ان القارئ الملم بتاريخ المنطقة يتوقع بأن يتجه بولو الى النقطة التي يمتد منها طريق الحرير الشهير الذي يربط بين الصين وحوض البحر المتوسط، وذلك ليواصل سفره الى الصين، إلا انه من الواضح ان صاحبنا لم يسمع بهذا الطريق التاريخي الشهير، اذ لا يوجد أي ذكر له. وبدلا من ان يرحل شمالا، يتجه الى الجنوب الى ميناء هرمز، ذاكرا انه يقع على المحيط الهندي (مع انه بالطبع يقع على الخليج).
13 ـ لماذا اتجه بولو جنوبا في سفره المزعوم يصبح واضحا عندما يصف الطريقة التي كان العرب يصنعون السفن بها. هذا الوصف مسروق بحذافيره من وصف ابن جبير للسفينة "الجِلاب" التي أقلته من ميناء عيذاب المصري على البحر الأحمر إلى الميناء القريب من مكة. ابن جبير كان طبعاً قد نشر كتابه المعروف قبل مائة سنة من ميلاد بولو. وما يثير الضحك أن كتاب بولو يتسم بالاضطراب الشديد في معلوماته، فإن ابن جبير كان قد كتب بأن أهالي عيذاب هم من السودان، وهذا ما جعل بولو يكتب بأن أهالي هرمز هم سود! أي أنه خلط بين البحر الأحمر والخليج، وبين العرب والفرس، وبين أهالي عيذاب وأبناء هرمز. أضف إلى ذلك أن الفرس لم يصنعوا سفنهم بالطريقة التي كانت تُصنع بها السفن في عيذاب، لكن بالنسبة لبولو بما أن الجميع مسلمون، فهم سواء في كل شيء!
14 ـ في سياق حديثه عن إيران، يروي بولو قصة "شيخ الجبل والحشاشين" وهي قصة هوليوودية مثيرة، لكنها في الواقع تورية بالرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقولون إنه أغرى أتباعه بالنساء والحشيشة كي يرسلهم لقتل أعدائه. هذه القصة الرمزية دخلت الذهن الأوروبي، ومنها اشتقت كلمة Assassin. علماً أنه واضح من كتاب فيليب حتي الشهير عن تاريخ العرب بأن الإسماعيليين اكتسبوا اتباعهم بالدعاية السياسية وليس بواسطة الحشيشة، فالحشيشة مادة مخدرة تُنوّم من يتناولها بدلا من أن تدفعه إلى القتل والاغتيال، والحديث عن الجنة التي أقامها "شيخ الجبل" في قلعته المقامة على قمة جبل، هذه الجنة التي تخترقها أنهار اللبن والعسل هي في الواقع تورية بالإسلام وبوصف القرآن للجنة.
15 ـ يقول بولو إنه زار في إيران الضريح الذي يضم جثث الملوك الثلاثة الذين حملوا الهدايا إلى المسيح الطفل في بيت لحم، علماً أن هؤلاء الملوك المجوس الثلاثة هم شخصيات أسطورية مائة في المائة.
16 ـ يقول بولو إنه في تلك المنطقة يتوارث العرش ملوك من صلب الاسكندر الأكبر، كل منهم يحمل لقب "ذو القرنين". فهل يصح أن يحمل سلطان مسلم لقباً مثل "ذو القرنين"؟
17 ـ خلافا لما يظنه من لم يقرأ كتاب بولو، فهذا الكتاب ليس مثل مؤلفات الرحالة المسلمين أمثال ابن بطوطة وابن جبير وأبو حامد وغيرهم. فهو ليس كتاباً سردياً يتناول تجارب الرحالة ومشاهداته، يقول فيه مثلا: إني صادفت فلاناً وقلت له كذا وقال لي كذا، ففي كتاب بولو من أوله إلى آخره، لا يوجد إلا حديث واحد، مع قبلاي خان، سنأتي على ذكره في ما بعد، وكل الكتاب هو وصف مدن وأقاليم، وهذا الوصف عام وباهت اللون ولا ينم عن تجربة شخصية، بل يبدو أنه منقول عن مصادر أخرى مثل النقل عن ابن جبير. ففي المقدمة، نعلم أن بولو عمل مستشاراً لقبلاي خان، لكن لا توجد كلمة واحدة عن عمله هذا، ولا عن اختباراته في الرحلات التي ادعى أنه قام بها كسفير لقبلاي في الأقطار المجاورة. كل ما نجده في كتابه هو وصف لمدن معظمها يحمل أسماء غير واردة في كتب التاريخ والأطالس. بل إنه نفسه نادراً ما يظهر على صفحات كتابه. ثم إنه لا يتحدث عن خط سيره، بل يكتفي بالقول: المدينة الفلانية، إنها كبيرة وسكانها يعملون بالتجارة والصناعة. وبعد أن يروي أسطورة وقعت، على حد زعمه، في تلك المدينة، ينتقل ليذكر غيرها.. وهلم جرا.
الأساطير والخرافات
1 ـ كتاب بولو مليء بالأساطير والخرافات. فهو أولا يتحدث عن الشخصية الأسطورية المعروفة، والمدعوة "القسيس يوحنا" التي كانت بظن أوروبا العصور الوسطى، شخصية حقيقية في آسيا، يتحدث عنها بولو وكأنها شخصية لا يرقى الشك إليها، فيدعي مثلا أن جنكيز خان خطب ابنة القسيس يوحنا (ولا يوضح صاحبنا كيف أن قسيساً يمكن أن يتزوج وتكون له ابنة)، ولما رفض يوحنا أن يوافق على إعطاء ابنته لجنكيز خان، شن عليه الأخير حرباً. ثم يصف بولو المعارك الوهمية التي دارت بين الاثنين التي ادعى أن القسيس يوحنا سقط صريعاً فيها، وبعد ذلك يتحدث عن سلالة القسيس الذين توارثوا الحكم بعده وكلهم من نسج الخيال.
2 ـ أثناء مروره بآسيا الصغرى (تركيا)، يذكر بولو أنه توجد بحيرة في تلك المنطقة لا يظهر فيها السمك إلا أثناء شهر الصوم المسيحي الذي يسبق عيد الفصح الذي يُحرم فيه على المسيحي تناول لحوم الحيوانات البرية. لكن الأسماك تختفي حال انتهاء شهر الصوم ولا تعود إلى البحيرة إلا في العام التالي.
3 ـ يروي خرافة عن خليفة عباسي لا يذكر اسمه قال إنها وقعت عام 1225 عندما هدد هذا الخليفة المسيحيين بالإبادة إذا لم يعتنقوا الإسلام، وإذا بمعجزة تقع أمام أنظار الخليفة وجماهير غفيرة من المسلمين والمسيحيين عندما ينتقل جبل كامل من مكانه إلى مكان آخر، فيعتنق الخليفة المسيحية بسبب هذه المعجزة، وعند وفاته يعثر على صليب حول عنقه، فيدفن بعيداً عن قبور أسلافه.
4 ـ يروي خرافة عن آخر خليفة عباسي (لا يذكر اسمه) وكيف أن المغول حبسوه داخل حجرة كنوزه إلى أن مات جوعاً وعطشاً، علماً أن هذه الخرافة مستقاة من قصة ميداس الشهيرة من التاريخ القديم.
5 ـ يروي أسطورة عن ملك كرمان في إيران الذي يكتشف أن التربة لها أثر في تكوين شخصية وأخلاق الناس الذين يقيمون فوقها، والأسطورة طويلة ولا مجال لسردها كلها.
6 ـ يذكر بولو أن الريح في منطقة هرمز تصبح سامة في موسم الصيف، ويروي كيف أنها أبادت جيشاً كاملاً أرسله أحد السلاطين ضد ملك هرمز.
7 ـ يذكر بولو أنه توجد عصابات من المجرمين في إيران بإمكانها أن تحول النهار إلى ليل دامس وذلك بواسطة السحر كي تتمكن من اقتراف الجرائم كقتل الناس وخطف النساء والأطفال.
8 ـ يقول بولو إن قبلاي خان يحيط نفسه بالسحرة الذين يتحكمون بالمناخ فوق قصره، ويمنعون عنه الأمطار والعواصف.
9 ـ يقول بولو إن السحرة حول قبلاي خان يجعلون الكؤوس المليئة بالخمر تطير في الهواء إلى أن تصل الى يد الامبراطور ليشرب منها.
10 ـ يقول بولو إن جيش الامبراطور هم من أكلة لحوم البشر ولا يمر يوم من دون أن يذبحوا مواطناً صينياً ويطبخوه.
11 ـ يقول بولو إنه توجد شجرة في إحدى جزر آسيا ينسكب منها النبيذ بنوعيه الأحمر والأبيض فيستقي منه أهالي تلك المنطقة.
12 ـ يقول بولو إنه توجد جزيرة أشجارها تنبت أرغفة الخبز.
13 ـ يقول بولو إنه توجد جزيرة أهاليها لهم أجسام البشر ووجوه القرود.
14 ـ يقول بولو إنه توجد جزيرة أهاليها جميعاً من النساء، وجزيرة أخرى أهاليها جميعاً من الرجال، ولا يتجمع الجنسان إلا مرة واحدة في السنة. فإذا كان نتيجة الوصال أنثى، التحقت بجزيرة النساء، وإذا كانت ذكراً، انتمى إلى جزيرة الرجال.
15 ـ يروي بولو قصة مفادها أن قبلاي خان سمع أن ملك سيلان يحتفظ بأسنان وشعر آدم، كذلك صحن طعامه، فيبعث بسفارة إلى سيلان لشراء هذه التحف للتبرك بها.
16 ـ يروي بولو معجزة قام بها القديس توماس في الهند بعد قرون على وفاته.
17 ـ يدعي بولو أنه شاهد الرخ بعينيه في افريقيا، وأن بإمكان الرخ حمل فيل بمخالبه ويطير به.
18 ـ يتحدث بولو عن الخرافة التي نجدها في كتاب "ألف ليلة وليلة" عن الطريقة التي كان فيها أهالي منطقة معينة يحصلون على الماس بواسطة الصقور في واد مليء بالأفاعي. هذه الأسطورة يرويها على أنها حقيقة شاهدها.
19 ـ يتحدث بولو عن نوع غريب من القماش مدفون في جوف الأرض، وغرابته أن تنظيف هذا القماش عندما يتسخ لا يتم بواسطة الماء والصابون، إنما بإلقائه في النار، فيخرج من اللهيب أكثر بياضاً من غسيل "الاومو". ثم يضيف قائلا إن قبلاي خان أرسل قطعة من هذا النسيج النادر الغالي هدية إلى البابا، وأن البابا استعمل القطعة كغطاء لفوطة المائدة التي كان المسيح يستعملها أثناء تناوله الطعام.
العقلية التي أنتجت كتاب بولو هذه الأساطير التي يحفل بها الكتاب الهدف منها تسلية القارئ في القرون الوسطى، لكن الغاية هي إلصاق كل ما هو مشين ومقيت بالإسلام، إذ لا تكاد تخلو صفحة واحدة من التهجم على المسلمين والإسلام، وكل مرة يرد فيها ذكرهم، يصفهم الكتاب بأنهم "عبَدة محمد"، بل إنه يختلق حرباً مزعومة يقول إنها وقعت بين عدن والحبشة في القرن الثالث عشر كي يشفي غليله بالقول إن الأحباش ذبحوا الآلاف من المسلمين "الكلاب" وانتقموا بذلك للمسيحية منهم.
هذه الغاية الواضحة لم تغرب عن أذهان الإيطاليين في عصر بولو، لذا سخروا منه ومن كتابه وأطلقوا عليه لقب "صاحب مليون كذبة" ILMilione، وظل هذا اللقب لاحقاً ببيته حتى منتصف القرن التاسع عشر. وبين الحقائق الخفية التي أكشف النقاب عنها في كتابي معارضة الشعب الإيطالي في ذلك الحين للحروب الصليبية لأنها أعاقت تجارته مع المشرق، وبالتالي لم تنطل الأكاذيب على ذلك الشعب، ولم يصدق أن بولو اخترق الأراضي الإسلامية آمناً ومن دون خوف في عهد شهد فيه هزيمة الصليبيين والمغول على أيدي السلاطين المماليك، بدءا بالظاهر بيبرس ومروراً بخليفته قلاوون، وابن قلاوون السلطان الأشرف خليل الذي في عهده سقط آخر معقل صليبي، أي عكّا. أي أن الكتاب الذي تقنع بقناع الرحلات والأسفار كان في الحقيقة والواقع هو انتقام روما من المسلمين، انتقاما جاء على الورق وليس على صعيد الفعل والعمل. وهذا الكتاب الذي طغى عليه ضباب النسيان في القرون اللاحقة، فأهمله المؤرخون وسخروا منه، لم ينبعث إلى الوجود إلا في أواسط القرن التاسع عشر عندما تبناه مؤرخون معينون انتابتهم النعرة القومية بسبب الشهرة التي نالها كتاب ابن بطوطة الذي سمي كتاب "رحالة الإسلام"، علما أن هذه الشهرة جاءت في عهد امتد فيه نفوذ الغرب لينبسط على آسيا القصوى، وهو عهد شهد الحروب بين الصين والغرب، وهي حروب الأفيون المعروفة، وكان من الضروري أن يمنح تقدير الأسبقية في "اكتشاف الصين" لشخص أوروبي ليتم ترسيخ الفكرة في الأذهان القائلة إن الحضارة الغربية هي الأعلى والأسمى في العالم، وإن "الرجل الأبيض" هو حامل هذه الحضارة ورسالتها إلى الشعوب الأدنى.
لهذا كله، لا بد من الاستنتاج والقول إن كتاب بولو يتمتع بأهمية بالغة بسبب الأثر الذي تركه في أذهان الشعوب والأقوام عبر العالم، إلا أنه أثر سلبي عنصري لا بد من فضحه بأسلوب علمي رزين رصين يعتمد على الأدلة والبراهين التي لا يمكن دحضها ونفيها.
2000/11/15
يعتقد المؤرخ العربي المعاصر فراس المناصير في كتابه الجديد "ماركو بولو النصاب" ان الرحالة الاوروبي الاشهر قام بأكبر عمليات التلفيق في التاريخ وانه في سبيل تثبيت صحة رحلاته الى الشرق كذب على لسان البابا غريغوري العاشر، وزعم ان قبلاي خان عينه مستشارا له. وفي الكتاب الذي يصدر قريبا بالعربية في بيروت عشرات المزاعم عن رحلة يعتقد المناصير انها وهمية ويقدم في سبيل تدعيم رأيه العديد من الادلة والبراهين. وفي ما يلي ملخص لبعض هذه الادلة:
1 ـ يدعي كتاب بولو بأن رحلته الى الصين كانت بتكليف رسمي من البابا غريغوري العاشر في عام 1271. لا توجد أي اشارة الى هذا التكليف في ارشيف الفاتيكان، ولم يتطرق اليه أي كاتب من معاصري بولو.
2 ـ يدعي الكتاب ان بولو عمل مستشارا خاصا للامبراطور قبلاي خان وكذلك عُين محافظا لاقليم يانغ شاو. لا توجد أي اشارة الى ذلك في الارشيف الصيني، علما بأن التلفزيون الياباني انتج شريطا وثائقيا قبل سنوات عن قبلاي خان، عُرض في انحاء العالم، ولم يعثر الباحثون اليابانيون على أي اشارة الى بولو. اضف الى ذلك ان القائمة التي تحتوي على اسماء محافظي اقليم يانغ شاو ما زالت موجودة ولا تتضمن اسم بولو. مقابل ذلك، احتوى الفيلم الوثائقي الياباني على مقابلة مع سليل المستشار المالي المسلم في حكومة قبلاي، وذلك في بيته في بكين، وما زال هذا السليل على دين سلفه.
3 ـ لا يوجد أي ذكر لبولو في كتب المؤرخين الصينيين، واول مرة سمع به الصينيون كانت عندما ترجم كتابه الى اللغة الصينية في أوائل القرن العشرين.
4 ـ يقول بولو إنه قبل أن يغادر الصين عائدا الى ايطاليا، حمله الامبراطور رسائل الى البابا وملوك اوروبا. هذه الرسائل لم يعثر عليها في أي مكان، ولا توجد اشارة اليها في الارشيفات الملكية في اوروبا.
الأدلة التاريخية
1 ـ يقول بولو انه قابل البابا غريغوري العاشر في عكا. هذا البابا لم يكن في عكا، فعكا آنذاك كانت محاصرة من قبل السلطان بيبرس وليس من المعقول ان يتخذ زعيم الكنيسة الكاثوليكية مدينة مسلمة محاصرة مقرا له.
2 ـ يقول بولو انه غادر عكا الى القدس ليجلب الزيت المقدس من كنيسة القيامة، وهذه كذبة مفضوحة، اذ ان القدس كانت بيد بيبرس، وبيبرس لم يكن رحيما مثل صلاح الدين الايوبي يفتح القدس ليدخلها الصليبيون متى ما شاءوا.
3 ـ يدعي بولو انه ورفاقه سافروا عبر سورية الى ارمينيا في قيليقية (بالقرب من انطاكيا)، لكنه لا يذكر كلمة واحدة عن ظروف سفره، بل انه لا يذكر تاريخ مغادرته الى عكا، ولا يوضح كيف سمح له جيش بيبرس بمغادرة عكا المحاصرة برا.
4 ـ لا يتفوه بولو بكلمة واحدة عن الحرب الصليبية التي كانت آنذاك تمر في مرحلتها النهائية، بل يتصرف وكأن سورية التي يخترقها مسافرا يعمها السلم والامان، لكنه فجأة عند وصوله الى ارمينيا يقول ان بيبرس غزا تلك البلاد اثناء وجوده فيها وامعن في قتل سكانها وعاث في ارضها فسادا. هنا نجد كذبة أخرى، فمع ان بولو لم يذكر تاريخ مغادرته لعكا، إلا انه اوقع نفسه في الفخ عندما اعلن ان مغادرته لتلك المدينة المحاصرة وقعت بعد فترة يسيرة من انتخاب غريغوري العاشر بابا جديدا. اننا نعلم ان هذا البابا اعتلى المنصب عام 1271 وبأن هجوم بيبرس على انطاكيا وارمينيا وقع عام 1266، وليس عام 1271. أي ان بولو قدم هجوم بيبرس خمسة اعوام ليبرز زعمه بأن الراهبين اللذين ارسلهما البابا لمرافقته الى الصين دبّ بهما الذعر وهربا من المنطقة بسبب مذابح بيبرس. وطبعا لا توجد أي اشارة الى هذين الراهبين المزعومين في ارشيفات الفاتيكان وهما طبعا من اختراعات بولو العديدة.
5 ـ لا يتحدث بولو مطلقا عن خط رحلته ولا يدخل في أي تفاصيل. كما لا يبين كيف انه اثناء الحروب الصليبية سمح المسلمون لإفرنجي ان يسافر آمنا وادعا في اراضيهم بينما كانت المعارك الطاحنة تدور في فلسطين وسورية.
6 ـ بغداد تصبح باوداس في كتابه، ومع انه يذكر خطأ انها سقطت بيد المغول عام 1255 (الصحيح هو 1258) إلا انه يتحدث عنها وكأنها ما زالت مقر الخلفاء العباسيين ولا يتطرق بكلمة واحدة للخراب الفظيع فيها، وهو الخراب الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته الى بغداد بعد خمسين عاما من رحلة بولو المزعومة.
7 ـ يكتفي بولو بوصف بغداد بسطر واحد فقط، وهو انها مدينة كبيرة تقع على نهر كبير (لا يذكر اسمه)، لكنه يكرس خمس صفحات لسرد اسطورتين سنرد على ذكرهما في باب الاساطير في كتابه.
8 ـ واضح من كتاب بولو أنه لا يعلم بوجود خليج فارس، اذ يتحدث عن النهر الذي يشق بغداد بأنه يؤدي الى مدينة اسمها قيس. علما بأن قيس هي جزيرة في الخليج، بينما هو يتحدث عنها وكأنها مدينة واقعة برا.
9 ـ بولو يزعم انه زار تبريز الواقعة في اقليم يدعى العراق (على حد زعمه) ومع انه يذكر في مطلع رحلته أن البابا غريغوري حمله رسالة الى اباكا، خان المغول في المشرق، إلا انه من الواضح ان بولو لا يعلم بأن تبريز هي عاصمة دولة المغول في المشرق وبالتالي مقر اباكا، بل انه لا يذكر اسم هذه الدولة المغولية التي كانت تدعى دولة الايلخانات.
10 ـ بولو يذكر ديرا قريبا من تبريز يدعى دير برسوما. وفي الواقع كان هذا الدير يقع في شمال سورية التاريخية وفي منطقة يقطنها الارمن.
11 ـ من الواضح ان بولو لا يعلم بأن بلاد فارس او ايران كانت هي دولة الايلخانات، اذ يقول إن فارس مقسمة الى عشر ممالك، ويبدأ في وصفها. وسنأتي على ذكر الخرافات التي يرويها في باب الخرافات والاساطير.
12 ـ ومع ان القارئ الملم بتاريخ المنطقة يتوقع بأن يتجه بولو الى النقطة التي يمتد منها طريق الحرير الشهير الذي يربط بين الصين وحوض البحر المتوسط، وذلك ليواصل سفره الى الصين، إلا انه من الواضح ان صاحبنا لم يسمع بهذا الطريق التاريخي الشهير، اذ لا يوجد أي ذكر له. وبدلا من ان يرحل شمالا، يتجه الى الجنوب الى ميناء هرمز، ذاكرا انه يقع على المحيط الهندي (مع انه بالطبع يقع على الخليج).
13 ـ لماذا اتجه بولو جنوبا في سفره المزعوم يصبح واضحا عندما يصف الطريقة التي كان العرب يصنعون السفن بها. هذا الوصف مسروق بحذافيره من وصف ابن جبير للسفينة "الجِلاب" التي أقلته من ميناء عيذاب المصري على البحر الأحمر إلى الميناء القريب من مكة. ابن جبير كان طبعاً قد نشر كتابه المعروف قبل مائة سنة من ميلاد بولو. وما يثير الضحك أن كتاب بولو يتسم بالاضطراب الشديد في معلوماته، فإن ابن جبير كان قد كتب بأن أهالي عيذاب هم من السودان، وهذا ما جعل بولو يكتب بأن أهالي هرمز هم سود! أي أنه خلط بين البحر الأحمر والخليج، وبين العرب والفرس، وبين أهالي عيذاب وأبناء هرمز. أضف إلى ذلك أن الفرس لم يصنعوا سفنهم بالطريقة التي كانت تُصنع بها السفن في عيذاب، لكن بالنسبة لبولو بما أن الجميع مسلمون، فهم سواء في كل شيء!
14 ـ في سياق حديثه عن إيران، يروي بولو قصة "شيخ الجبل والحشاشين" وهي قصة هوليوودية مثيرة، لكنها في الواقع تورية بالرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقولون إنه أغرى أتباعه بالنساء والحشيشة كي يرسلهم لقتل أعدائه. هذه القصة الرمزية دخلت الذهن الأوروبي، ومنها اشتقت كلمة Assassin. علماً أنه واضح من كتاب فيليب حتي الشهير عن تاريخ العرب بأن الإسماعيليين اكتسبوا اتباعهم بالدعاية السياسية وليس بواسطة الحشيشة، فالحشيشة مادة مخدرة تُنوّم من يتناولها بدلا من أن تدفعه إلى القتل والاغتيال، والحديث عن الجنة التي أقامها "شيخ الجبل" في قلعته المقامة على قمة جبل، هذه الجنة التي تخترقها أنهار اللبن والعسل هي في الواقع تورية بالإسلام وبوصف القرآن للجنة.
15 ـ يقول بولو إنه زار في إيران الضريح الذي يضم جثث الملوك الثلاثة الذين حملوا الهدايا إلى المسيح الطفل في بيت لحم، علماً أن هؤلاء الملوك المجوس الثلاثة هم شخصيات أسطورية مائة في المائة.
16 ـ يقول بولو إنه في تلك المنطقة يتوارث العرش ملوك من صلب الاسكندر الأكبر، كل منهم يحمل لقب "ذو القرنين". فهل يصح أن يحمل سلطان مسلم لقباً مثل "ذو القرنين"؟
17 ـ خلافا لما يظنه من لم يقرأ كتاب بولو، فهذا الكتاب ليس مثل مؤلفات الرحالة المسلمين أمثال ابن بطوطة وابن جبير وأبو حامد وغيرهم. فهو ليس كتاباً سردياً يتناول تجارب الرحالة ومشاهداته، يقول فيه مثلا: إني صادفت فلاناً وقلت له كذا وقال لي كذا، ففي كتاب بولو من أوله إلى آخره، لا يوجد إلا حديث واحد، مع قبلاي خان، سنأتي على ذكره في ما بعد، وكل الكتاب هو وصف مدن وأقاليم، وهذا الوصف عام وباهت اللون ولا ينم عن تجربة شخصية، بل يبدو أنه منقول عن مصادر أخرى مثل النقل عن ابن جبير. ففي المقدمة، نعلم أن بولو عمل مستشاراً لقبلاي خان، لكن لا توجد كلمة واحدة عن عمله هذا، ولا عن اختباراته في الرحلات التي ادعى أنه قام بها كسفير لقبلاي في الأقطار المجاورة. كل ما نجده في كتابه هو وصف لمدن معظمها يحمل أسماء غير واردة في كتب التاريخ والأطالس. بل إنه نفسه نادراً ما يظهر على صفحات كتابه. ثم إنه لا يتحدث عن خط سيره، بل يكتفي بالقول: المدينة الفلانية، إنها كبيرة وسكانها يعملون بالتجارة والصناعة. وبعد أن يروي أسطورة وقعت، على حد زعمه، في تلك المدينة، ينتقل ليذكر غيرها.. وهلم جرا.
الأساطير والخرافات
1 ـ كتاب بولو مليء بالأساطير والخرافات. فهو أولا يتحدث عن الشخصية الأسطورية المعروفة، والمدعوة "القسيس يوحنا" التي كانت بظن أوروبا العصور الوسطى، شخصية حقيقية في آسيا، يتحدث عنها بولو وكأنها شخصية لا يرقى الشك إليها، فيدعي مثلا أن جنكيز خان خطب ابنة القسيس يوحنا (ولا يوضح صاحبنا كيف أن قسيساً يمكن أن يتزوج وتكون له ابنة)، ولما رفض يوحنا أن يوافق على إعطاء ابنته لجنكيز خان، شن عليه الأخير حرباً. ثم يصف بولو المعارك الوهمية التي دارت بين الاثنين التي ادعى أن القسيس يوحنا سقط صريعاً فيها، وبعد ذلك يتحدث عن سلالة القسيس الذين توارثوا الحكم بعده وكلهم من نسج الخيال.
2 ـ أثناء مروره بآسيا الصغرى (تركيا)، يذكر بولو أنه توجد بحيرة في تلك المنطقة لا يظهر فيها السمك إلا أثناء شهر الصوم المسيحي الذي يسبق عيد الفصح الذي يُحرم فيه على المسيحي تناول لحوم الحيوانات البرية. لكن الأسماك تختفي حال انتهاء شهر الصوم ولا تعود إلى البحيرة إلا في العام التالي.
3 ـ يروي خرافة عن خليفة عباسي لا يذكر اسمه قال إنها وقعت عام 1225 عندما هدد هذا الخليفة المسيحيين بالإبادة إذا لم يعتنقوا الإسلام، وإذا بمعجزة تقع أمام أنظار الخليفة وجماهير غفيرة من المسلمين والمسيحيين عندما ينتقل جبل كامل من مكانه إلى مكان آخر، فيعتنق الخليفة المسيحية بسبب هذه المعجزة، وعند وفاته يعثر على صليب حول عنقه، فيدفن بعيداً عن قبور أسلافه.
4 ـ يروي خرافة عن آخر خليفة عباسي (لا يذكر اسمه) وكيف أن المغول حبسوه داخل حجرة كنوزه إلى أن مات جوعاً وعطشاً، علماً أن هذه الخرافة مستقاة من قصة ميداس الشهيرة من التاريخ القديم.
5 ـ يروي أسطورة عن ملك كرمان في إيران الذي يكتشف أن التربة لها أثر في تكوين شخصية وأخلاق الناس الذين يقيمون فوقها، والأسطورة طويلة ولا مجال لسردها كلها.
6 ـ يذكر بولو أن الريح في منطقة هرمز تصبح سامة في موسم الصيف، ويروي كيف أنها أبادت جيشاً كاملاً أرسله أحد السلاطين ضد ملك هرمز.
7 ـ يذكر بولو أنه توجد عصابات من المجرمين في إيران بإمكانها أن تحول النهار إلى ليل دامس وذلك بواسطة السحر كي تتمكن من اقتراف الجرائم كقتل الناس وخطف النساء والأطفال.
8 ـ يقول بولو إن قبلاي خان يحيط نفسه بالسحرة الذين يتحكمون بالمناخ فوق قصره، ويمنعون عنه الأمطار والعواصف.
9 ـ يقول بولو إن السحرة حول قبلاي خان يجعلون الكؤوس المليئة بالخمر تطير في الهواء إلى أن تصل الى يد الامبراطور ليشرب منها.
10 ـ يقول بولو إن جيش الامبراطور هم من أكلة لحوم البشر ولا يمر يوم من دون أن يذبحوا مواطناً صينياً ويطبخوه.
11 ـ يقول بولو إنه توجد شجرة في إحدى جزر آسيا ينسكب منها النبيذ بنوعيه الأحمر والأبيض فيستقي منه أهالي تلك المنطقة.
12 ـ يقول بولو إنه توجد جزيرة أشجارها تنبت أرغفة الخبز.
13 ـ يقول بولو إنه توجد جزيرة أهاليها لهم أجسام البشر ووجوه القرود.
14 ـ يقول بولو إنه توجد جزيرة أهاليها جميعاً من النساء، وجزيرة أخرى أهاليها جميعاً من الرجال، ولا يتجمع الجنسان إلا مرة واحدة في السنة. فإذا كان نتيجة الوصال أنثى، التحقت بجزيرة النساء، وإذا كانت ذكراً، انتمى إلى جزيرة الرجال.
15 ـ يروي بولو قصة مفادها أن قبلاي خان سمع أن ملك سيلان يحتفظ بأسنان وشعر آدم، كذلك صحن طعامه، فيبعث بسفارة إلى سيلان لشراء هذه التحف للتبرك بها.
16 ـ يروي بولو معجزة قام بها القديس توماس في الهند بعد قرون على وفاته.
17 ـ يدعي بولو أنه شاهد الرخ بعينيه في افريقيا، وأن بإمكان الرخ حمل فيل بمخالبه ويطير به.
18 ـ يتحدث بولو عن الخرافة التي نجدها في كتاب "ألف ليلة وليلة" عن الطريقة التي كان فيها أهالي منطقة معينة يحصلون على الماس بواسطة الصقور في واد مليء بالأفاعي. هذه الأسطورة يرويها على أنها حقيقة شاهدها.
19 ـ يتحدث بولو عن نوع غريب من القماش مدفون في جوف الأرض، وغرابته أن تنظيف هذا القماش عندما يتسخ لا يتم بواسطة الماء والصابون، إنما بإلقائه في النار، فيخرج من اللهيب أكثر بياضاً من غسيل "الاومو". ثم يضيف قائلا إن قبلاي خان أرسل قطعة من هذا النسيج النادر الغالي هدية إلى البابا، وأن البابا استعمل القطعة كغطاء لفوطة المائدة التي كان المسيح يستعملها أثناء تناوله الطعام.
العقلية التي أنتجت كتاب بولو هذه الأساطير التي يحفل بها الكتاب الهدف منها تسلية القارئ في القرون الوسطى، لكن الغاية هي إلصاق كل ما هو مشين ومقيت بالإسلام، إذ لا تكاد تخلو صفحة واحدة من التهجم على المسلمين والإسلام، وكل مرة يرد فيها ذكرهم، يصفهم الكتاب بأنهم "عبَدة محمد"، بل إنه يختلق حرباً مزعومة يقول إنها وقعت بين عدن والحبشة في القرن الثالث عشر كي يشفي غليله بالقول إن الأحباش ذبحوا الآلاف من المسلمين "الكلاب" وانتقموا بذلك للمسيحية منهم.
هذه الغاية الواضحة لم تغرب عن أذهان الإيطاليين في عصر بولو، لذا سخروا منه ومن كتابه وأطلقوا عليه لقب "صاحب مليون كذبة" ILMilione، وظل هذا اللقب لاحقاً ببيته حتى منتصف القرن التاسع عشر. وبين الحقائق الخفية التي أكشف النقاب عنها في كتابي معارضة الشعب الإيطالي في ذلك الحين للحروب الصليبية لأنها أعاقت تجارته مع المشرق، وبالتالي لم تنطل الأكاذيب على ذلك الشعب، ولم يصدق أن بولو اخترق الأراضي الإسلامية آمناً ومن دون خوف في عهد شهد فيه هزيمة الصليبيين والمغول على أيدي السلاطين المماليك، بدءا بالظاهر بيبرس ومروراً بخليفته قلاوون، وابن قلاوون السلطان الأشرف خليل الذي في عهده سقط آخر معقل صليبي، أي عكّا. أي أن الكتاب الذي تقنع بقناع الرحلات والأسفار كان في الحقيقة والواقع هو انتقام روما من المسلمين، انتقاما جاء على الورق وليس على صعيد الفعل والعمل. وهذا الكتاب الذي طغى عليه ضباب النسيان في القرون اللاحقة، فأهمله المؤرخون وسخروا منه، لم ينبعث إلى الوجود إلا في أواسط القرن التاسع عشر عندما تبناه مؤرخون معينون انتابتهم النعرة القومية بسبب الشهرة التي نالها كتاب ابن بطوطة الذي سمي كتاب "رحالة الإسلام"، علما أن هذه الشهرة جاءت في عهد امتد فيه نفوذ الغرب لينبسط على آسيا القصوى، وهو عهد شهد الحروب بين الصين والغرب، وهي حروب الأفيون المعروفة، وكان من الضروري أن يمنح تقدير الأسبقية في "اكتشاف الصين" لشخص أوروبي ليتم ترسيخ الفكرة في الأذهان القائلة إن الحضارة الغربية هي الأعلى والأسمى في العالم، وإن "الرجل الأبيض" هو حامل هذه الحضارة ورسالتها إلى الشعوب الأدنى.
لهذا كله، لا بد من الاستنتاج والقول إن كتاب بولو يتمتع بأهمية بالغة بسبب الأثر الذي تركه في أذهان الشعوب والأقوام عبر العالم، إلا أنه أثر سلبي عنصري لا بد من فضحه بأسلوب علمي رزين رصين يعتمد على الأدلة والبراهين التي لا يمكن دحضها ونفيها.