جبار
01-18-2005, 11:36 AM
· الانتخابات العراقية فرصة أخيرة لدول التحالف لانسحاب مشرف
· لا مبرر للتخوف من اندلاع حرب أهلية لأن ما يحدث في العراق اليوم هو كذلك
· العراقيون قادرون على التعايش مع بعضهم إذا خرج الأمريكيون
بقلم: وليام بفاف
من الواضح أن الوقت قد حان لانسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من العراق، لقد دخلت قوات التحالف مرحلة من الاضطراب العميق بشأن الهدف الذي يفترض تحقيقه من وراء التدخل في العراق، واضطراب أكبر بشأن شرعية الوسائل العسكرية والسياسية المستخدمة هناك·
ومع ذلك، فإن الانتخابات المقرر إجراؤها في الثلاثين من يناير الحالي تقدم فرصة للانسحاب في ظروف غير كارثية، وربما تكون الفرصة الأخيرة، ولكن واشنطن ولندن تتجاهلان اقتناصها·
إن البديل من الانسحاب سيكون قاتما ودمويا، فالتصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارة بوش ترجح بقاء قوات التحالف في العراق لفترة تتراوح بين 4 و10 سنوات، وقد قارن الرئيس بوش الوضع في العراق في تصريح له أوائل الشهر الماضي، بالحرب العالمية الثانية وقال إن الحرب يجب أن تستمر حتى تحقيق النصر·
ويعترف مسؤولون في قوات التحالف بأن الوضع في تدهور مستمر، والاضطراب حول طول فترة البقاء في العراق يشير الى وجود خلافات بين واشنطن ولندن حول الظرف المناسب للانسحاب (بمنأى عن "النصر" الذي يريده بوش بالطبع)·
وليس هناك اتفاق أيضا حول السبب الذي يدفع هذا العدد الكبير من العراقيين للقتال من أجل إجبار قوات التحالف على الرحيل، فالرواية المتفق عليها بين الجانبين لعرضها على الرأي العام الغربي تستثني إمكانية أن يكون الدافع للتمرد هو وجود الاحتلال·
والهدف المعلن للتحالف هو ضبط الاستقرار أو تهدئة الأوضاع في العراق، ذلك البلد الذي يتجاوز عدد سكانه الثلاثة والعشرين مليون نسمة، فوفقا لاستطلاعات الرأي أو تقييمات الرأي العام، فإن غالبية العراقيين يريدون إنهاء الاحتلال، وكانت ممارسة الأمريكيين للترويع الجماعي ضد الشعب العراقي من خلال تدمير مدينة الفلوجة، علامة على اليأس، تماما كما هي الشكوك التي يتم التعبير عنها هنا وهناك إزاء إجراء الانتخابات في موعدها·
فرضية لا مصداقية لها
لقد كان الأمر في البداية يبدو سهلا لجورج بوش كما لطوني بلير، حيث سيؤدي تدخلهما العسكري الى إسقاط نظام صدام وتحرير العراقيين وتشكيل حكومة جديدة بسرعة كي تصبح جزءاً من نظام الأمن العالمي الذي يشمل إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق (بل واحتمال انضمام العراق الى الناتو)، وهذا سيفتح الاقتصاد والصناعة أمام الأسواق والاستثمارات العالمية وسيجلب الرخاء والسعادة للجميع·
ولكن مهما يكن شعور العراقيين بالعرفان لتحريرهم من دكتاتورية صدام، إلا أنهم يرفضون الاحتلال العسكري الأمريكي والتحالف مع الولايات المتحدة على أسس وطنية، حيث يعتقدون أن السيادة الوطنية تمثل عنصرا أساسيا في الحرية، وهذا ما أصر على تجاهله المخططون العسكريون لدول التحالف، ولهذا السبب يواصل التحالف الادعاء، على العكس من كل الأدلة، بأن المشكلة هي فقط في الإرهابيين الأجانب و"الجهاديين" وفلول النظام السابق·
ولكن هذه الفرضية فقدت مصداقيتها حين أدى الهجوم الأمريكي الأول على مدينة الفلوجة ذات الأغلبية السنية في شهر أبريل الماضي، الى اندلاع انتفاضة في أوساط المقاتلين الشيعة في بغداد ومدن الجنوب·
ويفترض في الانتخابات أن تسفر عن انتخاب أعضاء المجلس الوطني الذي سيتولي صياغة الدستور، ثم تعقب ذلك انتخابات أخرى لاختيار أعضاء البرلمان والحكومة، ومن المفترض أن تكون النتيجة هي هيكل سياسي يزعم امتلاك شرعية واسعة وقادر على تشكيل قوات شرطة وقوات أمن موالية وفعالة، وهو الأمر الذي لم تنجح في تحقيقه قوات التحالف ولا الحكومة الموقتة·
وتمثل هذه الانتخابات - إذا ما أجريت - الفرصة المنطقية لقوات التحالف لمغادرة العراق وفقا لشروط تنسجم مع المسوغ الدولي الذي قدمته هذه القوات لوجودها هناك، أي أن الانتخابات قد جرت تحت مظلة الأمم المتحدة، وسوف يتعين اختيار جمعية وطنية موقتة جـديدة وإطلاق عملية دستورية·
وتلقى فرضية أن دول التحالف - حينئذ - ستعمل على إصدار جدول زمني لانسحاب سريع وكامل، بالتنديد من الجميع في حكومات دول التحالف المنتخبة وذلك لاعتبارين:
الأول يتعلق بالسياسات الداخلية لدول التحالف، فزعماء حكومات هذه الدول بحاجة الى نجاح واضح كي يتمكنوا من تبرير اتخاذ قرارات أدت الى مقتل الآلاف من العراقين الذين هم في معظمهم من الأبرياء الذين لم يرتكبوا أي جرائم ضد الولايات المتحدة أو بريطانيا أو بولندا أو إيطاليا أو هولنداأو الدنمارك أو كوريا الجنوبية أو أي دولة أجنبية أخرى، فضلا عن مقتل وجرح المئات من جنود التحالف·
المغالطة الأخطر
والثاني وهو التنبؤ الاستقرائي أو المفترض باندلاع حرب أهلية في العراق إذا انسحبت قوات التحالف، فمن المؤكد أنه أمر ممكن وربما محتمل، ولكن مثل هذه الحرب إذا وقعت فسيكون السبب هو تدخل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي دمر النظام السابق (الدكتاتوري ولكن المستقر) وقوض مؤسسات النظام المدني وقضى على معظم إن لم يكن كل هياكل البنية التحتية المادية للعراق·
وعلي أية حال، هناك شكل من أشكال الحرب الأهلية تدور في العراق الآن، ولكن قوات التحالف تخوض الجزء الأكبر من المعارك، وأقل ما يمكن أن يقال هو أن حربا أهلية دون مشاركة أمريكية وبريطانية ستكون أفضل للجميع بما في ذلك العراق، فإذا انسحبت قوات التحالف، فإن المسؤولية عن استمرار العنف ستقع على عاتق العراقيين كليا·
ولعل المغالطة الأخطر في الفرضيات التي تطرحها دول التحالف هي الزعم بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يجب أن يظلوا في العراق من أجل ضبط الاستقرار وأنهم قادرون على ذلك، فالفكرة القائلة بأن دول التحالف التي دمرت النظام (السابق) يمكنها الآن استعادته، تنقضها حقيقة أن التمرد مستمر منذ أكثر من عام ونصف العام ولا يزال، كما أنها تستند الى افتراض يتسم بالغطرسة والتقليل من شأن الآخر، وهو أن العراقيين عاجزون عن تولي أمورهم بأيديهم·
لقد تعايشت الطوائف التي يتكون منها العراق اليوم معا منذ ثلاثة آلاف سنة، وقد قاوم الشيعة إبان الحقبة الإسلامية، الذوبان في الحضارة الفارسية لإيران التي ينحدر مذهبها الشيعي، في الواقع، من العراق·
وقد حافظ شيعة العراق علي التصاقهم بجذورهم في بلاد ما بين النهرين التي يشتركون فيها مع مواطنيهم السنة والأكراد الذين هم سنة في معظمهم·
فالشعب العراقي موجود منذ القدم من خلال استمرارية المجتمع والمؤسسات الموجودة منذ بدء لغة وحضارة البحر المتوسط، والمجتمع العراقي موجود منذ ما قبل حضارة روما وقبل أن يستوطن الأوروبيون سواحل فيرجينيا وماساتيوشتس، وإنها لحماقة من الأوروبيين والأمريكيين أن ينكروا أن قدرة العراقيين على صوغ وجودهم السياسي يعتمد اليوم على شروط يختارها العراقيون بأنفسهم، حتى لو كان العنف واحدا من خياراتهم·
" عن الأوبزرفر "
· لا مبرر للتخوف من اندلاع حرب أهلية لأن ما يحدث في العراق اليوم هو كذلك
· العراقيون قادرون على التعايش مع بعضهم إذا خرج الأمريكيون
بقلم: وليام بفاف
من الواضح أن الوقت قد حان لانسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من العراق، لقد دخلت قوات التحالف مرحلة من الاضطراب العميق بشأن الهدف الذي يفترض تحقيقه من وراء التدخل في العراق، واضطراب أكبر بشأن شرعية الوسائل العسكرية والسياسية المستخدمة هناك·
ومع ذلك، فإن الانتخابات المقرر إجراؤها في الثلاثين من يناير الحالي تقدم فرصة للانسحاب في ظروف غير كارثية، وربما تكون الفرصة الأخيرة، ولكن واشنطن ولندن تتجاهلان اقتناصها·
إن البديل من الانسحاب سيكون قاتما ودمويا، فالتصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارة بوش ترجح بقاء قوات التحالف في العراق لفترة تتراوح بين 4 و10 سنوات، وقد قارن الرئيس بوش الوضع في العراق في تصريح له أوائل الشهر الماضي، بالحرب العالمية الثانية وقال إن الحرب يجب أن تستمر حتى تحقيق النصر·
ويعترف مسؤولون في قوات التحالف بأن الوضع في تدهور مستمر، والاضطراب حول طول فترة البقاء في العراق يشير الى وجود خلافات بين واشنطن ولندن حول الظرف المناسب للانسحاب (بمنأى عن "النصر" الذي يريده بوش بالطبع)·
وليس هناك اتفاق أيضا حول السبب الذي يدفع هذا العدد الكبير من العراقيين للقتال من أجل إجبار قوات التحالف على الرحيل، فالرواية المتفق عليها بين الجانبين لعرضها على الرأي العام الغربي تستثني إمكانية أن يكون الدافع للتمرد هو وجود الاحتلال·
والهدف المعلن للتحالف هو ضبط الاستقرار أو تهدئة الأوضاع في العراق، ذلك البلد الذي يتجاوز عدد سكانه الثلاثة والعشرين مليون نسمة، فوفقا لاستطلاعات الرأي أو تقييمات الرأي العام، فإن غالبية العراقيين يريدون إنهاء الاحتلال، وكانت ممارسة الأمريكيين للترويع الجماعي ضد الشعب العراقي من خلال تدمير مدينة الفلوجة، علامة على اليأس، تماما كما هي الشكوك التي يتم التعبير عنها هنا وهناك إزاء إجراء الانتخابات في موعدها·
فرضية لا مصداقية لها
لقد كان الأمر في البداية يبدو سهلا لجورج بوش كما لطوني بلير، حيث سيؤدي تدخلهما العسكري الى إسقاط نظام صدام وتحرير العراقيين وتشكيل حكومة جديدة بسرعة كي تصبح جزءاً من نظام الأمن العالمي الذي يشمل إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق (بل واحتمال انضمام العراق الى الناتو)، وهذا سيفتح الاقتصاد والصناعة أمام الأسواق والاستثمارات العالمية وسيجلب الرخاء والسعادة للجميع·
ولكن مهما يكن شعور العراقيين بالعرفان لتحريرهم من دكتاتورية صدام، إلا أنهم يرفضون الاحتلال العسكري الأمريكي والتحالف مع الولايات المتحدة على أسس وطنية، حيث يعتقدون أن السيادة الوطنية تمثل عنصرا أساسيا في الحرية، وهذا ما أصر على تجاهله المخططون العسكريون لدول التحالف، ولهذا السبب يواصل التحالف الادعاء، على العكس من كل الأدلة، بأن المشكلة هي فقط في الإرهابيين الأجانب و"الجهاديين" وفلول النظام السابق·
ولكن هذه الفرضية فقدت مصداقيتها حين أدى الهجوم الأمريكي الأول على مدينة الفلوجة ذات الأغلبية السنية في شهر أبريل الماضي، الى اندلاع انتفاضة في أوساط المقاتلين الشيعة في بغداد ومدن الجنوب·
ويفترض في الانتخابات أن تسفر عن انتخاب أعضاء المجلس الوطني الذي سيتولي صياغة الدستور، ثم تعقب ذلك انتخابات أخرى لاختيار أعضاء البرلمان والحكومة، ومن المفترض أن تكون النتيجة هي هيكل سياسي يزعم امتلاك شرعية واسعة وقادر على تشكيل قوات شرطة وقوات أمن موالية وفعالة، وهو الأمر الذي لم تنجح في تحقيقه قوات التحالف ولا الحكومة الموقتة·
وتمثل هذه الانتخابات - إذا ما أجريت - الفرصة المنطقية لقوات التحالف لمغادرة العراق وفقا لشروط تنسجم مع المسوغ الدولي الذي قدمته هذه القوات لوجودها هناك، أي أن الانتخابات قد جرت تحت مظلة الأمم المتحدة، وسوف يتعين اختيار جمعية وطنية موقتة جـديدة وإطلاق عملية دستورية·
وتلقى فرضية أن دول التحالف - حينئذ - ستعمل على إصدار جدول زمني لانسحاب سريع وكامل، بالتنديد من الجميع في حكومات دول التحالف المنتخبة وذلك لاعتبارين:
الأول يتعلق بالسياسات الداخلية لدول التحالف، فزعماء حكومات هذه الدول بحاجة الى نجاح واضح كي يتمكنوا من تبرير اتخاذ قرارات أدت الى مقتل الآلاف من العراقين الذين هم في معظمهم من الأبرياء الذين لم يرتكبوا أي جرائم ضد الولايات المتحدة أو بريطانيا أو بولندا أو إيطاليا أو هولنداأو الدنمارك أو كوريا الجنوبية أو أي دولة أجنبية أخرى، فضلا عن مقتل وجرح المئات من جنود التحالف·
المغالطة الأخطر
والثاني وهو التنبؤ الاستقرائي أو المفترض باندلاع حرب أهلية في العراق إذا انسحبت قوات التحالف، فمن المؤكد أنه أمر ممكن وربما محتمل، ولكن مثل هذه الحرب إذا وقعت فسيكون السبب هو تدخل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي دمر النظام السابق (الدكتاتوري ولكن المستقر) وقوض مؤسسات النظام المدني وقضى على معظم إن لم يكن كل هياكل البنية التحتية المادية للعراق·
وعلي أية حال، هناك شكل من أشكال الحرب الأهلية تدور في العراق الآن، ولكن قوات التحالف تخوض الجزء الأكبر من المعارك، وأقل ما يمكن أن يقال هو أن حربا أهلية دون مشاركة أمريكية وبريطانية ستكون أفضل للجميع بما في ذلك العراق، فإذا انسحبت قوات التحالف، فإن المسؤولية عن استمرار العنف ستقع على عاتق العراقيين كليا·
ولعل المغالطة الأخطر في الفرضيات التي تطرحها دول التحالف هي الزعم بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يجب أن يظلوا في العراق من أجل ضبط الاستقرار وأنهم قادرون على ذلك، فالفكرة القائلة بأن دول التحالف التي دمرت النظام (السابق) يمكنها الآن استعادته، تنقضها حقيقة أن التمرد مستمر منذ أكثر من عام ونصف العام ولا يزال، كما أنها تستند الى افتراض يتسم بالغطرسة والتقليل من شأن الآخر، وهو أن العراقيين عاجزون عن تولي أمورهم بأيديهم·
لقد تعايشت الطوائف التي يتكون منها العراق اليوم معا منذ ثلاثة آلاف سنة، وقد قاوم الشيعة إبان الحقبة الإسلامية، الذوبان في الحضارة الفارسية لإيران التي ينحدر مذهبها الشيعي، في الواقع، من العراق·
وقد حافظ شيعة العراق علي التصاقهم بجذورهم في بلاد ما بين النهرين التي يشتركون فيها مع مواطنيهم السنة والأكراد الذين هم سنة في معظمهم·
فالشعب العراقي موجود منذ القدم من خلال استمرارية المجتمع والمؤسسات الموجودة منذ بدء لغة وحضارة البحر المتوسط، والمجتمع العراقي موجود منذ ما قبل حضارة روما وقبل أن يستوطن الأوروبيون سواحل فيرجينيا وماساتيوشتس، وإنها لحماقة من الأوروبيين والأمريكيين أن ينكروا أن قدرة العراقيين على صوغ وجودهم السياسي يعتمد اليوم على شروط يختارها العراقيون بأنفسهم، حتى لو كان العنف واحدا من خياراتهم·
" عن الأوبزرفر "