فاتن
12-23-2012, 09:27 PM
الجمعة, 21 ديسمبر 2012
http://www.shafaqna.com/arabic/media/k2/items/cache/d831b16d898e33b1048065cebc2bcc5d_M.jpg (http://www.shafaqna.com/arabic/media/k2/items/cache/d831b16d898e33b1048065cebc2bcc5d_XL.jpg)
الإمام السيد موسى الصدر. الرجل الذي تحولت قضيته لغزا معقدا لم تستطع الأيام والسنون طمسها. لم يتسرب اليأس يوما الى قلوب الأهل. حقيقة مصيره أصبحت بمثابة حلم يراود كل محبي الرجل بعدما لاحت بارقة أمل تمثلت برحيل نظام معمر القذافي.
كثيرة هي الشائعات والاخبار والروايات التي نسجت حول الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وتناقلتها وسائل الاعلام المحلية والعالمية.. وآخرها كان خبر العثور على جثة رجل قيل أنها تعود للصدر في احد برادات الموتى في ليبيا.
الخبر الذي أثار الرأي العام اللبناني كان كافيا لأن تتوجه اللجنة الرسمية المكلفة بمتابعة قضية الصدر برئاسة وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، إلى ليبيا فورا لاستيضاح الأمر ومعاينة الجثة لقطع الشك باليقين وبالتالي الخروج من نفق التحليلات والتكهنات.
رحلة البحث عن حقيقة الجثة المكتشفة التي قامت بها اللجنة، كما يرويها مصدر مطلع لـ«السفير»، سلكت مسارات متعددة بدءا من لبنان مرورا بليبيا وصولا الى البوسنة والهرسك.
بعضها كان محفوفا بالمخاطر، تجاوزت خلالها اللجنة الكثير من المطبات والمعوقات التي وضعت في طريقها. أما إشارة الانطلاق فقد كانت التأكد من نقطتين: الأولى، ان قضية الصدر أصبحت اولوية بالنسبة الى الليبيين الذين وضعوا نصب اعينهم الاحتمالات كافة. أي انه بعد نقاش وحوار مطول معهم تبين أنهم لا ينطلقون في تحقيقاتهم من فرضية الوفاة لسبب بسيط وهو انه لم تثبت بعد حقيقة هذا الأمر.
الثانية، العمل على تمحيص المصادر الرئيسية للروايات التي تحدثت عن الوفاة، وكان مصدرها اما وسائل الإعلام أو نقلا عن بعض المسؤولين في النظام السابق وإما الموقوفين او الفارين.
تناقض روايات الوفاة
الحال ان اللجنة خرجت بنتيجة مفادها وجود قواسم مشتركة بينها وهي:
أولا: الجميع يروي عن مصدر معين، وبعد التدقيق يتبين ان هذا الشخص هو اما صديق أو رفيق. أي انه لا يوجد رواية نقلت عن أي شخص معني بالقضية.
ثانيا: ليس ثمة أي رواية مكتملة على هذا الصعيد.
ثالثا: أنها جميعها أيضا كانت تفتقر الى إثبات أو قرينة أو شاهد موثوق أو دليل مادي.
رابعا والاهم: ان الروايات كافة وحتى عن المصدر نفسه تكون متناقضة والمثال على ذلك هو عبد المنعم الهوني عضو مجلس قيادة الثورة السابق وسفير الحكومة الحالية لدى جامعة الدول العربية، والذي أطلق رواية مفادها ان «عديله المقدم الطيار اليازجي هو الذي نقل الجثث الثلاث للإمام ورفيقيه بالطائرة من طرابلس الى سبها لدفنها..». ويضيف الهوني انه تم قتل اليازجي من قبل القذافي. وأكد ان عائلة الطيار يعرفون هذا السر.
لاحقا تبين ان اليازجي توفي في حادثة طائرة في العام 1982 أي بعد أربع سنوات من اختطاف الإمام ورفيقيه. كما ان العائلة لا تعلم شيئا عن قضية الصدر. وعندما سقطت هذه الرواية، اختلق أخرى مقرا انه يجمعها من هنا وهناك.
وانه يستغل قضية الصدر للإضاءة على قضايا تخص شخصيات أخرى مقتولة أو مفقودة في ليبيا.
أما الروايات الأخرى والتي تضمنت إخبارا عن اغتيال فوري للصدر فهي متعددة النسخ. واحدة تقول انه «ألقي في البحر، وأخرى في الصحراء، وبعضها يشير الى وسائل أخرى كتشييد بناء فوق قبره! وهنا يطرح السؤال كم مرة قتل الصدر ورفيقاه؟
بعد زيارة لجنة المتابعة الرسمية برئاسة منصور الى طرابلس الغرب في كانون الثاني الماضي، والتي رافقه فيها للمرة الاولى نجل الصدر، صدر الدين، عمل الجانب اللبناني عبر المنسق القضائي القاضي العدلي حسن الشامي، على متابعة هذا الملف بشكل متواصل، وذلك من خلال التنسيق المشترك، وتزويد الليبيين بالمعلومات والخيوط التي قد تفيد في التحقيق.
كان الجانب اللبناني حينها ينطلق من مسلمات وثوابت أهمها أن الصدر ورفيقيه أحياء يجب تحريرهم من مكان احتجازهم المجهول. تقوم هذه الفرضية على ان هناك أماكن في ليبيا لم تقع تحت سيطرة الثوار مطلقا. وقد تتواجد فيها مجموعات تحتجز شخصيات سلمها إليها القذافي سابقا، تبعا لغرابة أطواره..
وعلى خط مواز أيضا ركز الجانب اللبناني على الشق القضائي للملف العالق امام المجلس العدلي اللبناني. ووجه إنذارا الى القضاء الليبي باعتبار أن مسرح الجريمة في ليبيا. كما انه اتفق مع الجانب الليبي على المعادلة التالية: الجريمة حصلت في ليبيا والصدر شخصية لبنانية رفيعة وهذا يستوجب تعاونا وتكاملا يعودان على القضية بالإفادة قبل كل شيء خصوصا وان عامل الوقت يلعب دورا حاسما في جرائم الخطف.
الجثة المكتشفة ورحلة الـD N A
استمرت حالة المراوحة حتى نيسان الماضي حين فوجئ الجانب اللبناني بطلب ليبي لحضور نبش قبر جماعي اعتقد المحققون الليبيون أن جثة ما فيه تعود للصدر وفقا لإفادات حراس السجن الذي وجدت فيه الجثة.
سافر وفد من اللجنة فورا الى ليبيا للوقوف على حقيقة الأمر وتم الكشف على الجثة وأجريت الفحوصات الأولية لها بحضور الوفد اللبناني. الجثة لم تكن مهترئة بالكامل بسبب حفظها في براد الموتى. لكن الرأس كان مشوها الى حد كبير لا يمكن معه تحديد الملامح. هنا كانت المفاجأة التي وقعت على الجانب الليبي كالصاعقة.
الفحوصات أظهرت بعد عملية قياس عظمة الفخذ وجود فوارق كبيرة في الطول والعمر. وان الجثة تعود لشخص طوله 180 سم في حين ان طول الصدر 197 سم. كما أن صاحبها توفي في عمر تراوح ما بين 40 و50 عاما. بينما الصدر من مواليد 1928 أي كان عمره حينها نحو 84 عاما.
وبالرغم من ذلك وبناء على طلب ليبي ولقطع الطريق على أي تأويل وضرورة البت نهائيا بهذا الخيط، وافق الجانب اللبناني على إجراء فحوصات حمض نووي D NA في دولة البوسنة والهرسك التي اختارها الجانب الليبي لوجود مختبر عالمي وعريق مختص بهذه القضايا هناك.
تم الاتفاق على أن يقوم الليبيون بأخذ عينة من الجثة المكتشفة وحملها الى سراييفو على ان تقوم اللجنة اللبنانية بالمقابل، بأخذ عينة من نجل صدر الدين صدر. كما تضمن الاتفاق أيضا تسليم الجانب اللبناني حقيبة فيها ثياب وأغراض قيل أنها تعود للجثة المذكورة، وفوض الجانب اللبناني بإجراء الفحوصات بشــأنها فـي لبنان.
بعد حوالي أسبوع ابلغ الجانب اللبناني الليبيين انه انجز ما هو مطلوب منه. إذ تم اخذ بصمة صدر الدين وانتهت الفحوصات على الثياب بنتيجة سلبية أي أنها لا تعود للإمام الصدر.
بعدها جاء دور الجانب الليبي في انجاز الخطوة الحاسمة التي بقيت. وهي المطابقة في سراييفو بين بصمة صدر الدين، وعينة من الجثة. تلا ذلك تأخير غير مبرر، وانتظر الجانب اللبناني خلالها حتى تموز الماضي لكي يلتقي الطرفان في البوسنة، بعد تدخل مرجعية لبنانية رفيعة مع رئيس «المجلس الوطني السابق» آنذاك مصطفي عبد الجليل. مساء 16 تموز الماضي وبعد جهود جبارة ومفاوضات شاقة ومعقدة صدرت النتيجة، وكانت سلبية أيضا. الجثة لا تعود للإمام الصدر إطلاقا. حينها استجاب الجانب اللبناني لطلب ليبي تمثل بعدم الإعلان عن هذه الخطوة فورا، وذلك بهدف تعزيز أواصر التعاون.
في المقابل، تمسكت اللجنة اللبنانية أثناء مفاوضات سراييفو بضرورة أن يأخذ الليبيون باقتراحاتها للتعويض عن فترة الـ7 أشهر الضائعة.
والتي نصت على بلورة آلية تعاون جديدة ودقيقة وفق جدول زمني كانت العائلات الثلاث طالبت به مرارا. ودعت اللجنة اللبنانية الليبيين الى إقرار خطة لتفتيش الأماكن المجهولة إياها. لكن ذلك لم ينفذ.
الجدير بالذكر أن وسائل إعلام ليبية ذكرت ان الجثة تعود الى وزير الخارجية الاسبق منصور الكيخي الذي اختطفه القذافي من مصر في العام 1993 .
لم يكتفِ الجانب اللبناني بالوعود الليبية، بل انه عمل على متابعة خطوات لا تقل أهمية وفي مقدمتها ملاحقة الفارين من أركان نظام القذافي الى الخارج اينما وجدوا. وقام بزيارات الى دول يتواجد فيها هؤلاء، خصوصا موريتانيا التي لجأ إليها رئيس المخابرات العسكرية السابق عبدالله السنوسي، الذي وضع فيها قيد الاقامة الجبرية.
الموافقة على زيارة اللجنة اللبنانية للسنوسي، لم تتم إلا في 2 أيلول الماضي. اما السبب فيعود إلى ان الموريتانيين كانوا يحضّرون في السر لتسليمه إلى السلطات الليبية. لكنهم نزولا عند رغبة الجانب اللبناني الممثل بالوزير منصور الذي تربطه علاقة صداقة مع رئيس الحكومة الموريتانية، إضافة الى الاحترام الذي يكنه رئيس الجمهورية الموريتانية محمد ولد عبد العزيز لقضية الصدر، وافقت السلطات الموريتانية على حصول الزيارة قبل تسليمه الى ليبيا بساعات.
لقاء الوفد اللبناني مع السنوسي الذي ضم منصور والمدير العام للمغتربين هيثم جمعة والقاضي الشامي، امتد لساعات، وكان مضمونه مفيدا لناحية الاستفادة من تقاطع المعلومات.
وفي تشرين الأول الماضي زار وفد من اللجنة طرابلس الغرب ومكث فيها اكثر من أسبوع في مسعى لتكريس التعاون وتسريع إجراءات التحقيق وتبادل المعلومات. وشدد الوفد خلال الزيارة على ضرورة البدء بتنفيذ خطة تفتيش في الأماكن المجهولة. وقد توجت بلقاء مسؤولين رفيعي المستوى في القضاء الليبي إضافة الى رئيس «المؤتمر الوطني العام» محمد يوسف المقريف الذي أبدى تعاطفا كبيرا مع قضية الصدر ورفيقيه، خصوصا بعد الرسالة التي وجهها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الى المقريف بصفته رئيس برلمان منتخب، وسلمها اليه القاضي الشامي، والتي أفضت الى وعد ليبي بفتح أبواب التعاون بعد انجاز بعض الاستحقاقات الدستورية.
أما الشائعات التي أطلقت في الآونة الأخيرة حول وفاة مشتبه بهم واكتشاف مدافن، فانها لم تكن دقيقة. كما تبين عدم صحة ما اثير عن عقد صفقات مالية، سواء على صعيد عائلة الصدر او قيادة حركة «أمل» أو لجنة المتابعة. ويشير متابعون للقضية ان ذلك كله كان مجرد فبركات إعلامية، وقد هدف بعضها الى الحصول على مكاسب مالية. ويشيرون الى أن عائلة الصدر طالبت أمام المجلس العدلي بليرة لبنانية واحدة لكي يسمح لها باتخاذ صفة الادعاء الشخصي..
ويستغرب المصدر الحملة التي تطال عمل اللجنة كاتهامها بالتقصير خصوصا وان اللجنة تتابع عن كثب ملفات الفارين المشتبه بهم من اركان النظام السابق إلى الدول العربية والغربية، وهي أنجزت بعض الخطوات التي بقيت طي الكتمان، لأن السرية أول واهم قواعد التحقيق.
علي دربج- صحيفة السفير اللبنانية
انتهى
http://www.shafaqna.com/arabic/media/k2/items/cache/d831b16d898e33b1048065cebc2bcc5d_M.jpg (http://www.shafaqna.com/arabic/media/k2/items/cache/d831b16d898e33b1048065cebc2bcc5d_XL.jpg)
الإمام السيد موسى الصدر. الرجل الذي تحولت قضيته لغزا معقدا لم تستطع الأيام والسنون طمسها. لم يتسرب اليأس يوما الى قلوب الأهل. حقيقة مصيره أصبحت بمثابة حلم يراود كل محبي الرجل بعدما لاحت بارقة أمل تمثلت برحيل نظام معمر القذافي.
كثيرة هي الشائعات والاخبار والروايات التي نسجت حول الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وتناقلتها وسائل الاعلام المحلية والعالمية.. وآخرها كان خبر العثور على جثة رجل قيل أنها تعود للصدر في احد برادات الموتى في ليبيا.
الخبر الذي أثار الرأي العام اللبناني كان كافيا لأن تتوجه اللجنة الرسمية المكلفة بمتابعة قضية الصدر برئاسة وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، إلى ليبيا فورا لاستيضاح الأمر ومعاينة الجثة لقطع الشك باليقين وبالتالي الخروج من نفق التحليلات والتكهنات.
رحلة البحث عن حقيقة الجثة المكتشفة التي قامت بها اللجنة، كما يرويها مصدر مطلع لـ«السفير»، سلكت مسارات متعددة بدءا من لبنان مرورا بليبيا وصولا الى البوسنة والهرسك.
بعضها كان محفوفا بالمخاطر، تجاوزت خلالها اللجنة الكثير من المطبات والمعوقات التي وضعت في طريقها. أما إشارة الانطلاق فقد كانت التأكد من نقطتين: الأولى، ان قضية الصدر أصبحت اولوية بالنسبة الى الليبيين الذين وضعوا نصب اعينهم الاحتمالات كافة. أي انه بعد نقاش وحوار مطول معهم تبين أنهم لا ينطلقون في تحقيقاتهم من فرضية الوفاة لسبب بسيط وهو انه لم تثبت بعد حقيقة هذا الأمر.
الثانية، العمل على تمحيص المصادر الرئيسية للروايات التي تحدثت عن الوفاة، وكان مصدرها اما وسائل الإعلام أو نقلا عن بعض المسؤولين في النظام السابق وإما الموقوفين او الفارين.
تناقض روايات الوفاة
الحال ان اللجنة خرجت بنتيجة مفادها وجود قواسم مشتركة بينها وهي:
أولا: الجميع يروي عن مصدر معين، وبعد التدقيق يتبين ان هذا الشخص هو اما صديق أو رفيق. أي انه لا يوجد رواية نقلت عن أي شخص معني بالقضية.
ثانيا: ليس ثمة أي رواية مكتملة على هذا الصعيد.
ثالثا: أنها جميعها أيضا كانت تفتقر الى إثبات أو قرينة أو شاهد موثوق أو دليل مادي.
رابعا والاهم: ان الروايات كافة وحتى عن المصدر نفسه تكون متناقضة والمثال على ذلك هو عبد المنعم الهوني عضو مجلس قيادة الثورة السابق وسفير الحكومة الحالية لدى جامعة الدول العربية، والذي أطلق رواية مفادها ان «عديله المقدم الطيار اليازجي هو الذي نقل الجثث الثلاث للإمام ورفيقيه بالطائرة من طرابلس الى سبها لدفنها..». ويضيف الهوني انه تم قتل اليازجي من قبل القذافي. وأكد ان عائلة الطيار يعرفون هذا السر.
لاحقا تبين ان اليازجي توفي في حادثة طائرة في العام 1982 أي بعد أربع سنوات من اختطاف الإمام ورفيقيه. كما ان العائلة لا تعلم شيئا عن قضية الصدر. وعندما سقطت هذه الرواية، اختلق أخرى مقرا انه يجمعها من هنا وهناك.
وانه يستغل قضية الصدر للإضاءة على قضايا تخص شخصيات أخرى مقتولة أو مفقودة في ليبيا.
أما الروايات الأخرى والتي تضمنت إخبارا عن اغتيال فوري للصدر فهي متعددة النسخ. واحدة تقول انه «ألقي في البحر، وأخرى في الصحراء، وبعضها يشير الى وسائل أخرى كتشييد بناء فوق قبره! وهنا يطرح السؤال كم مرة قتل الصدر ورفيقاه؟
بعد زيارة لجنة المتابعة الرسمية برئاسة منصور الى طرابلس الغرب في كانون الثاني الماضي، والتي رافقه فيها للمرة الاولى نجل الصدر، صدر الدين، عمل الجانب اللبناني عبر المنسق القضائي القاضي العدلي حسن الشامي، على متابعة هذا الملف بشكل متواصل، وذلك من خلال التنسيق المشترك، وتزويد الليبيين بالمعلومات والخيوط التي قد تفيد في التحقيق.
كان الجانب اللبناني حينها ينطلق من مسلمات وثوابت أهمها أن الصدر ورفيقيه أحياء يجب تحريرهم من مكان احتجازهم المجهول. تقوم هذه الفرضية على ان هناك أماكن في ليبيا لم تقع تحت سيطرة الثوار مطلقا. وقد تتواجد فيها مجموعات تحتجز شخصيات سلمها إليها القذافي سابقا، تبعا لغرابة أطواره..
وعلى خط مواز أيضا ركز الجانب اللبناني على الشق القضائي للملف العالق امام المجلس العدلي اللبناني. ووجه إنذارا الى القضاء الليبي باعتبار أن مسرح الجريمة في ليبيا. كما انه اتفق مع الجانب الليبي على المعادلة التالية: الجريمة حصلت في ليبيا والصدر شخصية لبنانية رفيعة وهذا يستوجب تعاونا وتكاملا يعودان على القضية بالإفادة قبل كل شيء خصوصا وان عامل الوقت يلعب دورا حاسما في جرائم الخطف.
الجثة المكتشفة ورحلة الـD N A
استمرت حالة المراوحة حتى نيسان الماضي حين فوجئ الجانب اللبناني بطلب ليبي لحضور نبش قبر جماعي اعتقد المحققون الليبيون أن جثة ما فيه تعود للصدر وفقا لإفادات حراس السجن الذي وجدت فيه الجثة.
سافر وفد من اللجنة فورا الى ليبيا للوقوف على حقيقة الأمر وتم الكشف على الجثة وأجريت الفحوصات الأولية لها بحضور الوفد اللبناني. الجثة لم تكن مهترئة بالكامل بسبب حفظها في براد الموتى. لكن الرأس كان مشوها الى حد كبير لا يمكن معه تحديد الملامح. هنا كانت المفاجأة التي وقعت على الجانب الليبي كالصاعقة.
الفحوصات أظهرت بعد عملية قياس عظمة الفخذ وجود فوارق كبيرة في الطول والعمر. وان الجثة تعود لشخص طوله 180 سم في حين ان طول الصدر 197 سم. كما أن صاحبها توفي في عمر تراوح ما بين 40 و50 عاما. بينما الصدر من مواليد 1928 أي كان عمره حينها نحو 84 عاما.
وبالرغم من ذلك وبناء على طلب ليبي ولقطع الطريق على أي تأويل وضرورة البت نهائيا بهذا الخيط، وافق الجانب اللبناني على إجراء فحوصات حمض نووي D NA في دولة البوسنة والهرسك التي اختارها الجانب الليبي لوجود مختبر عالمي وعريق مختص بهذه القضايا هناك.
تم الاتفاق على أن يقوم الليبيون بأخذ عينة من الجثة المكتشفة وحملها الى سراييفو على ان تقوم اللجنة اللبنانية بالمقابل، بأخذ عينة من نجل صدر الدين صدر. كما تضمن الاتفاق أيضا تسليم الجانب اللبناني حقيبة فيها ثياب وأغراض قيل أنها تعود للجثة المذكورة، وفوض الجانب اللبناني بإجراء الفحوصات بشــأنها فـي لبنان.
بعد حوالي أسبوع ابلغ الجانب اللبناني الليبيين انه انجز ما هو مطلوب منه. إذ تم اخذ بصمة صدر الدين وانتهت الفحوصات على الثياب بنتيجة سلبية أي أنها لا تعود للإمام الصدر.
بعدها جاء دور الجانب الليبي في انجاز الخطوة الحاسمة التي بقيت. وهي المطابقة في سراييفو بين بصمة صدر الدين، وعينة من الجثة. تلا ذلك تأخير غير مبرر، وانتظر الجانب اللبناني خلالها حتى تموز الماضي لكي يلتقي الطرفان في البوسنة، بعد تدخل مرجعية لبنانية رفيعة مع رئيس «المجلس الوطني السابق» آنذاك مصطفي عبد الجليل. مساء 16 تموز الماضي وبعد جهود جبارة ومفاوضات شاقة ومعقدة صدرت النتيجة، وكانت سلبية أيضا. الجثة لا تعود للإمام الصدر إطلاقا. حينها استجاب الجانب اللبناني لطلب ليبي تمثل بعدم الإعلان عن هذه الخطوة فورا، وذلك بهدف تعزيز أواصر التعاون.
في المقابل، تمسكت اللجنة اللبنانية أثناء مفاوضات سراييفو بضرورة أن يأخذ الليبيون باقتراحاتها للتعويض عن فترة الـ7 أشهر الضائعة.
والتي نصت على بلورة آلية تعاون جديدة ودقيقة وفق جدول زمني كانت العائلات الثلاث طالبت به مرارا. ودعت اللجنة اللبنانية الليبيين الى إقرار خطة لتفتيش الأماكن المجهولة إياها. لكن ذلك لم ينفذ.
الجدير بالذكر أن وسائل إعلام ليبية ذكرت ان الجثة تعود الى وزير الخارجية الاسبق منصور الكيخي الذي اختطفه القذافي من مصر في العام 1993 .
لم يكتفِ الجانب اللبناني بالوعود الليبية، بل انه عمل على متابعة خطوات لا تقل أهمية وفي مقدمتها ملاحقة الفارين من أركان نظام القذافي الى الخارج اينما وجدوا. وقام بزيارات الى دول يتواجد فيها هؤلاء، خصوصا موريتانيا التي لجأ إليها رئيس المخابرات العسكرية السابق عبدالله السنوسي، الذي وضع فيها قيد الاقامة الجبرية.
الموافقة على زيارة اللجنة اللبنانية للسنوسي، لم تتم إلا في 2 أيلول الماضي. اما السبب فيعود إلى ان الموريتانيين كانوا يحضّرون في السر لتسليمه إلى السلطات الليبية. لكنهم نزولا عند رغبة الجانب اللبناني الممثل بالوزير منصور الذي تربطه علاقة صداقة مع رئيس الحكومة الموريتانية، إضافة الى الاحترام الذي يكنه رئيس الجمهورية الموريتانية محمد ولد عبد العزيز لقضية الصدر، وافقت السلطات الموريتانية على حصول الزيارة قبل تسليمه الى ليبيا بساعات.
لقاء الوفد اللبناني مع السنوسي الذي ضم منصور والمدير العام للمغتربين هيثم جمعة والقاضي الشامي، امتد لساعات، وكان مضمونه مفيدا لناحية الاستفادة من تقاطع المعلومات.
وفي تشرين الأول الماضي زار وفد من اللجنة طرابلس الغرب ومكث فيها اكثر من أسبوع في مسعى لتكريس التعاون وتسريع إجراءات التحقيق وتبادل المعلومات. وشدد الوفد خلال الزيارة على ضرورة البدء بتنفيذ خطة تفتيش في الأماكن المجهولة. وقد توجت بلقاء مسؤولين رفيعي المستوى في القضاء الليبي إضافة الى رئيس «المؤتمر الوطني العام» محمد يوسف المقريف الذي أبدى تعاطفا كبيرا مع قضية الصدر ورفيقيه، خصوصا بعد الرسالة التي وجهها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الى المقريف بصفته رئيس برلمان منتخب، وسلمها اليه القاضي الشامي، والتي أفضت الى وعد ليبي بفتح أبواب التعاون بعد انجاز بعض الاستحقاقات الدستورية.
أما الشائعات التي أطلقت في الآونة الأخيرة حول وفاة مشتبه بهم واكتشاف مدافن، فانها لم تكن دقيقة. كما تبين عدم صحة ما اثير عن عقد صفقات مالية، سواء على صعيد عائلة الصدر او قيادة حركة «أمل» أو لجنة المتابعة. ويشير متابعون للقضية ان ذلك كله كان مجرد فبركات إعلامية، وقد هدف بعضها الى الحصول على مكاسب مالية. ويشيرون الى أن عائلة الصدر طالبت أمام المجلس العدلي بليرة لبنانية واحدة لكي يسمح لها باتخاذ صفة الادعاء الشخصي..
ويستغرب المصدر الحملة التي تطال عمل اللجنة كاتهامها بالتقصير خصوصا وان اللجنة تتابع عن كثب ملفات الفارين المشتبه بهم من اركان النظام السابق إلى الدول العربية والغربية، وهي أنجزت بعض الخطوات التي بقيت طي الكتمان، لأن السرية أول واهم قواعد التحقيق.
علي دربج- صحيفة السفير اللبنانية
انتهى