المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سياسة تهويد المسيحية



جليل
01-17-2005, 07:38 AM
عبدالله خلف
(1 - 2)

حرصت على اقتناء فكر هذا الرجل وأنا في معرض بيروت العربي الدولي في أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر الماضيين حيث كتب رضا هلال بوضوح عن الجانب الأصولي اليهودي الذي يسعى للسيطرة على الفكر الديني المسيحي في قلعة الغرب الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والخريطة الاوروبية الغربية والشرقية - حتى ختم حملته الفكرية بكتابه القيم: «المسيح اليهودي ونهاية العالم - المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا»..

يد إسرائيل الطولى قد امتدت إليه وهو في عقر وطنه مصر.. وهكذا هي يد إسرائيل في كل مكان تجوب الوطن العربي بشخوص يتحدثون اللغة العربية وبلهجات أوطانهم السابقة التي خرجوا منها. ويتنقلون كما شاؤوا بوثائق سفر عديدة، أوروبية وشرقية وغيرهما.. كتاب رضا هلال الذي أثار غضب إسرائيل وهو يتحدث عن أسطورة (المسيح اليهودي) في الثقافة والسياسة الأمريكية، الأسطورة التي حولت المسيح (الناصري) من هذه الأرض الفلسطينية حيث كان المسيح عليه السلام، شعار الحب والسلام والزهد في الدنيا الى مسيح يهودي منتظر ليقود حرب نهاية التاريخ ويحكم العالم من صهيون رغم قوله الكريم: «مملكتي ليست من هذا العالم»..

ويستعرض هذا الكتاب المنظمات الأصولية وجماعات وميليشيات العنف المقدس «جيش الله» ويحلل دور المسيحية السياسية الأصولية في السياسة الخارجية الأمريكية وينبه إلى أن الانحياز الامريكي لإسرائيل أساسه لاهوتي وثقافي «اليهومسيحية» وليس أساسه الصوت اليهودي - ولإقناع الجيل أن الصهيونية المسيحية قد سبقت الصهيونية اليهودية وزودتها بالتبرير اللاهوتي والسياسي - لقد نشط تيار (المسيحية اليهودية) في مرحلتي الاصلاح والنهضة في أوروبا، وتمثل الدور التاريخي الذي لعبه اليهود في أنهم مع بداية القرن السادس عشر، أدخلوا ضمن السجالات الدينية الاعتقاد بأن هناك خطة إلهية بمجيء المسيح مع بداية الألف عام السعيدة (عقيدة الألفية المللية)..

وظهر في حينها العديد من التأويلات الجديدة لسفر دانيال (العهد القديم) وسفر الرؤيا (العهد الجديد) تشير إلى مجيء المسيح ليحكم العالم في الألف السعيدة وتسبقه خطوتان عظيمتان هما عودة اليهود الى صهيون (أورشليم) واعادة بناء الهيكل.. في سنة 2000 جاءت شاحنة كبيرة تحمل كتلة ضخمة من الحجر الجرانيت لوضع حجر الزاوية للهيكل، ولكن ثورة الانتفاضة بددت المشروع وعادت الشاحنة حيث أتت.. وهناك حركات باسم الإصلاح الديني قامت في القرن السادس عشر كالبروتستانتية، كتب مارتن لوثر عام 1533 كتابه الشهير «المسيح ولد يهوديا» الذي أعاد فيه الاعتبار لليهود باعتبارهم هم الأصل وأبناء الرب.

وعندما انفصلت بريطانيا عن الكنيسة الكاثوليكية بأمر الملك هنري الثاني عام 1538، انتعشت البروتستانتية البريطانية (المسيحية اليهودية المتهودة) بعد أن كانت بريطانيا لا تسمح بوجود قانون لليهود.. واعتبرت نفسها صاحبة مهمة مقدسة في بعث اليهود وقيادتهم الى أورشليم كخطوة تسبق المجيء الثاني للمسيح ليحكم العالم من صهيون في الألف عام السعيدة.. وهذه تسير مع الخطة السياسية التي أعلنت في المؤتمر اليهودي في المجر عام 1975 ووضع فيه جدولا زمنيا يتم فيه السيطرة على كل العالم..
وبعد ذلك يشيررضا هلال في كتابه المسيح اليهودي الى انصار الحركة الصهيونية واطماعها في فلسطين للاستيلاء عليها فيقول:

جون لوك (واضع النظرية ا لليبرالية) ورسو (فيلسوف العقد الاجتماعي) والفيلسوف كانت، وملتون، قد تحمسوا لفكرة بعث إسرائيل... وكان في قمة المخطط نابليون بونابرت عند احتلاله لمصر توجهه نحو الشام ووقوفه على أسوار عكا ولما تعذر عليه دخولها لوجود خصومه الانجليز في فلسطين قام بإلقاء (الخطبة العبقرية) والتي أشار فيها إلي حقوق اليهود في العودة الى فلسطين واقامة دولة اليهود عليها، بعد أن جر معه آلاف المصريين كجنود ليحصدوا في المعركة إن هي نشبت بين القوات الفرنسية والانجليزية وعندما حلت الأمراض بالجنود المصريين قام بذبحهم دون علاج.. في جريمة مازالت الأضواب تحجب عنها أبعاد الحقيقة كما درسناها في مناهجنا المدرسية من الثقافة العربية السائدة التي أظهرت نابليون بالرجل المنقذ لمصر والذي آمن بالشريعة الاسلامية كما كان يوهم رجال الازهر وهو يخطب من على منبر الازهر بجبة وعمامة إسلاميتين حتى قال عنه لمشايخ ان لديه كرامة من الله جعلته ينتصر في معظم حروبه.

استمرت ثقافة التهويد في المنطقة الثقاقية الأوروبية، ومع حلول القرن الثامن عشر أصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي في فلسطين يشكل جانبا مهما من اللاهوت البروتستانتي الامريكي، واحتلت عقيدة الألفية الميللية (أي عودة المسيح ليحكم العالم من صهيون في الألف عام السعيدة).

وفي أربيعينيات القرن الثامن عشر وفي زخم الصحوة الدينية التي شهدتها أمريكا وقتئذ أطلقت المسيحية اليهودية الأمريكية كحركة صهيونية مسيحية سبقت الصهيونية اليهودية التي نشأت في مؤتمر بازل سنة 1897 وأمرت بالاستيطان في فلسطين واحتلالها.. لكي تعرف أيها القارىء الكريم سبب اختفاء رضا هلال اقرأ (المسيح اليهودي).

جليل
01-17-2005, 07:39 AM
سياسة تهويد المسيحية
( 2 - 2)

الكتاب الذي قضى على صاحبه، فاختطف من قلب وطنه مصر، او قتل بطريقة غامضة هو كتاب «المسيح اليهودي» الذي تغلغل فكره في امريكا ودول الغرب حتى ساد اعتقاد بأن المرجعية الاصولية للمسيحية هي اليهودية واليهود هم الذين سيحكمون العالم باسره من صهيون.

ومما جاء في كتاب «المسيح اليهودي ونهاية العالم» هذه المقولة:
«التوراة في المعتقدات الامريكية هي مصدر الايمان ولغتها وخيالاتها وتوجيهاتها الاخلاقية وتشكل جزءا لا يتجزأ من الشخصية الامريكية والانبياء والكفار والملوك والعامة الذين عاشوا في اسرائيل القديمة منذ قرون عديدة وقد نهضوا للقيام بادوار معاصرة في التاريخ الامريكي».

وهذه المقولة من موشى دافيز في كتابه «امريكا والارض المقدسة» في عام 1978 .. حتى اصبح دافيز احد المرشحين الجمهوريين لرئاسة الولايات المتحدة في سنة .1996
ومن المؤشرات الثقافية الصهيونية في امريكا ما قاله الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر عن الاساس اللاهوتي والثقافي للانحياز الامريكي لاسرائيل، وجاء في حديث له في الكنيست الاسرائيلي بمناسبة توقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية في مارس 1979:
لقد آمن واظهر سبعة من رؤساء الجمهورية ان علاقة امريكا باسرائيل اكثر من علاقة خاصة فهي علاقة متأصلة في وجدان واخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الامريكي نفسه اننا نتقاسم معكم تراث التوراة».

وقد جاءت شهادة كارتر هذه في خضم معركة الإحياء الديني التي شهدتها امريكا في الربع الاخير من القرن العشرين، فقد شهدت الولايات المتحدة ابتداء من عام 1976 بعد توسع دولة اسرائيل من احتلالها لاوطان عربية، ارتفاع صوت الدعوة المسيحية السياسية الاصولية او ما اصطلح على تسميته «اليمين المسيحي» وكان من مظاهر هذا الفكر الديني الجديد ان دخل ما بين 1/3 الامريكيين تجربة العمادة من جديد وكأنهم ولدوا من جديد لتجدد عمادتهم باعتقاد انها افضل من العمادة الاولى وتزايدت اعداد الاصولية، وانتشرت الشبكات التلفزيونية المبشرة باسم «الكنائس التلفزيونية» وانتشرت دعوة «الاغلبية الاخلاقية» و«الائتلاف المسيحي» و «الاحياء الاصولي» و «مجلس ابحاث العائلة» وجمعية «التركيز على العائلة» و«ائتلاف القيم الثقافية».

والاعتقاد بعودة المسيح القريبة المنتظرة بعد ذلك يطرح رضا هلال هذا السؤال : هل امريكا علمانية ام متدينة؟
لقد عرفت امريكا الفصل بين الكنيسة والدولة منذ اقرار دستور فرجينيا عام 1777 «قبل الثورة الفرنسية» حين تقدم توماس جيفرسون الرئيس الثالث فيما بعد للولايات المتحدة بلائحة الحرية الدينية التي تضمنت انه لا دين رسميا ولا كنيسة رسمية للدولة.

وتضمن الدستور الفيدرالي انه لا اختيار دينيا سيكون مطلوبا لشغل اي منصب فيدرالي وانه لا اشتراط لحلف اليمين وانه لا تحديد لمرجع ديني وخلال الموافقة على الدستور خلت ديباجة الدستور من الاشارة الى الحرية الدينية.
ان فكرة اندماج اليهوية بالمسيحية قديمة جدا وتهديد المسيحية الامريكية يرجع في الاصل الى ما سمي «المسيحية اليهودية» التي كانت قد توارت مع ظهور القديس بولس المؤسس الثاني للمسيحية بعد اليسوع ولكنها عادوت الظهور والنمو في فترة الاصلاح والنهضة في اوروبا، وأدت دورا مهما بعد الاسترداد المسيحي لا سبانيا من خلال اليهود المتحولين الى المسيحية يهود «المارانو» مثل اليهود الذين تغلغلوا في الدول الاسلامية وتظاهروا بانهم قد اعتنقوا الاسلام واطلق عليهم «الدونما».

ومع بداية القرن السادس عشر قاد تأثير المسيحية اليهودية الى انتشار فكر الالفية اللاحقة او السابقة لظهور المسيح وعندما وصل المهاجرون الاوروبيون الاوائل الى العالم الجديد «امريكا» كانت اساطير اليهود تشير الى ارض الميعاد هناك لتكوين دولة بني اسرائيل في امريكا كلها.
ووصل فكر تهويد المسيحية ذروته مع الثورة «البيوريتانية» في القرن السابع عشر اذ غالى اصحاب هذه الثورة في اجلال العهد القديم وطالبوا الحكومة البريطانية بان تعلن التوراة دستورا للبلاد واستعاضوا بالعادات اليهودية عن المسيحية ونشروا اللغة العبرية في صلواتهم واجتماعاتهم الخاصة فانتشرت في العالم الجديد المسيحية اليهودية ومع حلول القرن الثامن عشر اصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي في فلسطين يشكل جانبا مهما سادت فكرة البروتستانتي الامريكي حيث سادت فكرة نهاية العالم ليحكم بعد ذلك من قبل ابناء الرب اليهود.

قال المؤرخ جون فيسك:
حيث ترى تاريخا يصنع في امريكا تجده تاريخا امريكيا يهوديا».
اما مارتن لوثر الذي كنا ندرسه في مدارسنا العربية كمصلح وباني الفكر الديني الحديث في اوروبا قال في كتابه «المسيح وليد يهوديا».
ان اليهود هم ابناء الرب ونحن الضيوف الغرباء. وعلينا ان نرضي بان نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط عليها من فتات مائدة اسيادها، تماما كالمرأة الكنعانية.
وهكذا كان كثير من مفكري النهضة الاوروبية يسعون لالحاق المسيحية باليهودية لارجاع العهد الجديد الي العهد القديم لذلك تضمنا في مجلد واحد ليمثل دينا مشتركا متحدا وهو الدين المسيحي اليهودي.

وهكذا كان مارتن لوثر يدعو الى الدخول في البروتستانتية الجامعة للعقيدتين وتبنت البروتستانتية فكرة توطين اليهود في فلسطين.
وعبر الاب البروتستانتي جون كوتون في موعظة له لانشاء مستعمرة «ما ساشوستسي» بقوله «ان الرب حين خلقنا ونفخ في روحنا قد اعطانا ارض الميعاد «امريكا» وما دمنا الان في ارض جديدة فلا بد من بداية جديدة للحياة نعمل فيها من اجل مجد بني اسرائيل يرون في امريكا الوطن اليهودي الاكبر، ويرون في فلسطين قاعدة البعث الروحي لتسود اليهودية العالم باسره بعد حين.