Osama
01-16-2005, 11:37 AM
أحدهم: في الحرب العبثية مع إيران قتل الآلاف مجانا والاقتراع يستحق 100- 200 شهيد
بغداد: أنتوني شديد*
بين رواد مقهى الشاهبندر التاريخي في بغداد ، كان هناك ثلاثة أشخاص يدخنون ويحتسون الشاي ويناقشون ما تعنيه الانتخابات المقبلة بالنسبة للبلد الذي أصابه التشوه على يد نظام استبدادي استمر لثلاثة عقود.
قال الكاتب علي دنيف، 45 سنة، «الذهاب إلى مراكز الاقتراع انتصار للشعب العراقي»، بينما أصر صديقه المتحمس في الكلام جمال كريم على أن «الانتخابات أهم من المرشحين». ولكي لا يشعر سهيل ياسين بأنه هزم أمام إصرار الاثنين قال متحمسا «إنها إحدى أمنياتي أن أموت عند باب احد المراكز الانتخابية...أريد أن أكون شهيد صندوق الاقتراع».
وتبدو الانتخابات العراقية التي تتميز بالتنافس الواسع فيها وتجري بعد عقود من الكبت قضية مهمة. فالعنف يهدد العملية التي ستنتهي بانتخاب برلمان جديد يوم 30 الشهرالحالي. ولم يتم نشر كل أسماء المرشحين خوفا من اغتيالهم. كذلك لم يجر سوى عدد قليل من التجمعات الجماهيرية ، وغالبا ما تتعرض ملصقات القوائم المشاركة في الانتخابات للتمزيق. كذلك فإنه من الصعب لأي شخص أن يصف برنامج أي من الأحزاب المشاركة بالانتخابات وبالتأكيد أقل من ذلك أسماء مرشحيه.
لكن في مقهى الشاهبندر الذي ظل لأكثر من قرن القلب الثقافي لهذه المدينة الخائفة، حيث يتجمع الرجال في حلقات صغيرة ويخوضون في ما بينهم جدلا حادا، تجد هناك مناخا من التفاؤل المعلن حول الانتخابات التي يراها الحاضرون نقطة تحول بالنسبة لهم بعد ما يقرب من عامين على الاحتلال. وللكثير من الرجال المتجمعين هنا تحت صور بغداد القديمة تشكل الانتخابات أهمية أكبر من المرشحين. قال الكاتب كاظم حسان، 37 سنة «من دون انتخابات سيكون هناك نظام استبدادي».
تسللت حزمة من ضوء الشمس في تلك الساعة المتأخرة من صباح الخميس الماضي وانتشرت على الحضور. اعتبر حسان الجالس على كنبة خشبية الانتخابات أنها «لحظة تاريخية»، ثم تلبس وجهه قدرا من صرامة الحروب والكوارث التي ولد العراقيون خلالها، وقال «يشعر الكثير من الناس أنهم يعيشون في العتمة. لقد حان الوقت كي نخرج للضوء».
ومقهى الشاهبندر بسقفه المقبب وجدرانه القرميدية الصفراء والذي اعتبره البعض تمثيلا لوقت أكثر تحضرا عاشته بغداد في السابق قبل أن يصبح الاختطاف وباء وقبل ان تتعمق مشاعر الإحباط بسبب انقطاع الكهرباء المتواصل وقبل بروز ظاهرة الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود والتي تمتد لأميال.
لكن عبد الرحمن عباس، 60 سنة، الموظف السابق في البلدية له رأي آخر «أنا غير مقتنع بالانتخابات. فالاميركيون قادرون على أن يفعلوا ما يشاؤون وهم قد قرروا ما سيقومون به».
ويشعر عباس بالقلق. فهو يشارك الكثير من العراقيين في شكوكهم تجاه الأحزاب السياسية التي كان الكثير من أفرادها يعيشون في المنفى أثناء حكم صدام حسين. وقال إنه لا يرى في الانتخابات إلا انها ستثير الانقسامات الطائفية بالرغم من أن هذه الانقسامات لم تحدث بعد رغم العدد الكبير من العمليات الاستفزازية. ثم أعطى صوته الذي يتردد في هذا المقهى للعهد الملكي الذي سقط عام 1958 وكان حكما جيدا مثل أي حكومة جيدة .
لكن صوت عباس هو الوحيد ضد تأييد الانتخابات. كذلك فإن الآخرين يعتقدون أن الانتخابات ستتم بشكل سلمي والقليل يتوقع وقوع أعمال عنف، لكن الكثير من الكتّاب والمنتقدين والمثقفين يرون أن ثمن إجراء الانتخابات يستحق دفعه.
وقال بائع الكتب حيدر محمد، 37 سنة، «لو أنهم بدأوا بالانتخابات أولا فإنها كانت قد أوقفت من تدهور الوضع كي يصل إلى ما عليه الآن. لو جرت انتخابات لكان الناس رضوا بالحكومة منذ البدء».
وقال محمد «البلد لن يحقق تقدما من دون تضحيات». ثم أشار إلى معركة جرت خلال الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988 للاستيلاء على شبه جزيرة الفاو. وخلالها قتل آلاف من العراقيين «لم تكن تلك سوى لحظة جنون من لحظات صدام حسين وبالنسبة لنا اذا استشهد 100 أو 200 أثناء الانتخابات فإن الامر يستحق هذه التضحية».
وأضاف الشاعر محمد ثامر «هذه هي الضريبة التي يجب أن ندفعها. نحن لا نملك أي خيار آخر أو أي حل آخر».
وعند مدخل المقهى يتصادم ماضي وحاضر العراق ببعضهما البعض، فعلى الجدران هناك صور لتاريخ العراق: صور فوتوغرافية لفريق المصارعة ملتقطة عام 1936 وبلاط الملك فيصل الاول بعد الحرب العالمية الأولى، وجنازة الملك غازي عام 1939. وخارج الباب هناك بوسترات خاصة بالانتخابات وأحدها كان يحمل هذه العبارة «الانتخابات تساوي الأمن والاستقرار» وردد شعار آخر: «العراق أولا».
من جانب آخر سعت السفارة الأميركية أقصى ما يمكن لتقليص حضورها في الانتخابات. ومن المتوقع أن يظل الجيش الأميركي بعيدا عن المراكز الانتخابية في يوم الاقتراع. فمع الأخذ بنظر الاعتبار مستوى الخيبة والتشكك بالولايات المتحدة في العراق قد يكون ذلك الإجراء أفضل ما يمكن القيام به لضمان «شرعية» الانتخابات.
وقال الناقد الأدبي ياسين «أحيانا حينما يقول لنا الأميركيون صباح الخير نشعر بالريبة». لكن ليس هناك غضب مهول تجاه الاحتلال مثلما ذلك الذي شوهد في أماكن مثل «مدينة الصدر» التي يقيم فيها الكثير من أتباع رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر أو المناطق ذات الأغلبية السنية مثل الأعظمية. بدلا من ذلك أبدى الرجال الثلاثة الجالسون معا، دنيف وكريم وياسين، استعدادهم لانتظار خروج الاميركيين. وقال ياسين «عاجلا أم آجلا سينتهي الاحتلال... التاريخ يقول هكذا».
بغداد: أنتوني شديد*
بين رواد مقهى الشاهبندر التاريخي في بغداد ، كان هناك ثلاثة أشخاص يدخنون ويحتسون الشاي ويناقشون ما تعنيه الانتخابات المقبلة بالنسبة للبلد الذي أصابه التشوه على يد نظام استبدادي استمر لثلاثة عقود.
قال الكاتب علي دنيف، 45 سنة، «الذهاب إلى مراكز الاقتراع انتصار للشعب العراقي»، بينما أصر صديقه المتحمس في الكلام جمال كريم على أن «الانتخابات أهم من المرشحين». ولكي لا يشعر سهيل ياسين بأنه هزم أمام إصرار الاثنين قال متحمسا «إنها إحدى أمنياتي أن أموت عند باب احد المراكز الانتخابية...أريد أن أكون شهيد صندوق الاقتراع».
وتبدو الانتخابات العراقية التي تتميز بالتنافس الواسع فيها وتجري بعد عقود من الكبت قضية مهمة. فالعنف يهدد العملية التي ستنتهي بانتخاب برلمان جديد يوم 30 الشهرالحالي. ولم يتم نشر كل أسماء المرشحين خوفا من اغتيالهم. كذلك لم يجر سوى عدد قليل من التجمعات الجماهيرية ، وغالبا ما تتعرض ملصقات القوائم المشاركة في الانتخابات للتمزيق. كذلك فإنه من الصعب لأي شخص أن يصف برنامج أي من الأحزاب المشاركة بالانتخابات وبالتأكيد أقل من ذلك أسماء مرشحيه.
لكن في مقهى الشاهبندر الذي ظل لأكثر من قرن القلب الثقافي لهذه المدينة الخائفة، حيث يتجمع الرجال في حلقات صغيرة ويخوضون في ما بينهم جدلا حادا، تجد هناك مناخا من التفاؤل المعلن حول الانتخابات التي يراها الحاضرون نقطة تحول بالنسبة لهم بعد ما يقرب من عامين على الاحتلال. وللكثير من الرجال المتجمعين هنا تحت صور بغداد القديمة تشكل الانتخابات أهمية أكبر من المرشحين. قال الكاتب كاظم حسان، 37 سنة «من دون انتخابات سيكون هناك نظام استبدادي».
تسللت حزمة من ضوء الشمس في تلك الساعة المتأخرة من صباح الخميس الماضي وانتشرت على الحضور. اعتبر حسان الجالس على كنبة خشبية الانتخابات أنها «لحظة تاريخية»، ثم تلبس وجهه قدرا من صرامة الحروب والكوارث التي ولد العراقيون خلالها، وقال «يشعر الكثير من الناس أنهم يعيشون في العتمة. لقد حان الوقت كي نخرج للضوء».
ومقهى الشاهبندر بسقفه المقبب وجدرانه القرميدية الصفراء والذي اعتبره البعض تمثيلا لوقت أكثر تحضرا عاشته بغداد في السابق قبل أن يصبح الاختطاف وباء وقبل ان تتعمق مشاعر الإحباط بسبب انقطاع الكهرباء المتواصل وقبل بروز ظاهرة الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود والتي تمتد لأميال.
لكن عبد الرحمن عباس، 60 سنة، الموظف السابق في البلدية له رأي آخر «أنا غير مقتنع بالانتخابات. فالاميركيون قادرون على أن يفعلوا ما يشاؤون وهم قد قرروا ما سيقومون به».
ويشعر عباس بالقلق. فهو يشارك الكثير من العراقيين في شكوكهم تجاه الأحزاب السياسية التي كان الكثير من أفرادها يعيشون في المنفى أثناء حكم صدام حسين. وقال إنه لا يرى في الانتخابات إلا انها ستثير الانقسامات الطائفية بالرغم من أن هذه الانقسامات لم تحدث بعد رغم العدد الكبير من العمليات الاستفزازية. ثم أعطى صوته الذي يتردد في هذا المقهى للعهد الملكي الذي سقط عام 1958 وكان حكما جيدا مثل أي حكومة جيدة .
لكن صوت عباس هو الوحيد ضد تأييد الانتخابات. كذلك فإن الآخرين يعتقدون أن الانتخابات ستتم بشكل سلمي والقليل يتوقع وقوع أعمال عنف، لكن الكثير من الكتّاب والمنتقدين والمثقفين يرون أن ثمن إجراء الانتخابات يستحق دفعه.
وقال بائع الكتب حيدر محمد، 37 سنة، «لو أنهم بدأوا بالانتخابات أولا فإنها كانت قد أوقفت من تدهور الوضع كي يصل إلى ما عليه الآن. لو جرت انتخابات لكان الناس رضوا بالحكومة منذ البدء».
وقال محمد «البلد لن يحقق تقدما من دون تضحيات». ثم أشار إلى معركة جرت خلال الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988 للاستيلاء على شبه جزيرة الفاو. وخلالها قتل آلاف من العراقيين «لم تكن تلك سوى لحظة جنون من لحظات صدام حسين وبالنسبة لنا اذا استشهد 100 أو 200 أثناء الانتخابات فإن الامر يستحق هذه التضحية».
وأضاف الشاعر محمد ثامر «هذه هي الضريبة التي يجب أن ندفعها. نحن لا نملك أي خيار آخر أو أي حل آخر».
وعند مدخل المقهى يتصادم ماضي وحاضر العراق ببعضهما البعض، فعلى الجدران هناك صور لتاريخ العراق: صور فوتوغرافية لفريق المصارعة ملتقطة عام 1936 وبلاط الملك فيصل الاول بعد الحرب العالمية الأولى، وجنازة الملك غازي عام 1939. وخارج الباب هناك بوسترات خاصة بالانتخابات وأحدها كان يحمل هذه العبارة «الانتخابات تساوي الأمن والاستقرار» وردد شعار آخر: «العراق أولا».
من جانب آخر سعت السفارة الأميركية أقصى ما يمكن لتقليص حضورها في الانتخابات. ومن المتوقع أن يظل الجيش الأميركي بعيدا عن المراكز الانتخابية في يوم الاقتراع. فمع الأخذ بنظر الاعتبار مستوى الخيبة والتشكك بالولايات المتحدة في العراق قد يكون ذلك الإجراء أفضل ما يمكن القيام به لضمان «شرعية» الانتخابات.
وقال الناقد الأدبي ياسين «أحيانا حينما يقول لنا الأميركيون صباح الخير نشعر بالريبة». لكن ليس هناك غضب مهول تجاه الاحتلال مثلما ذلك الذي شوهد في أماكن مثل «مدينة الصدر» التي يقيم فيها الكثير من أتباع رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر أو المناطق ذات الأغلبية السنية مثل الأعظمية. بدلا من ذلك أبدى الرجال الثلاثة الجالسون معا، دنيف وكريم وياسين، استعدادهم لانتظار خروج الاميركيين. وقال ياسين «عاجلا أم آجلا سينتهي الاحتلال... التاريخ يقول هكذا».