بركان
11-10-2012, 07:23 AM
من قلم : د. عمر ظاهر
كاتب واستاذ جامعي
جريدة عرب تايمز
http://www.arabtimes.com/portal/authors/omardahir%20116x1601.jpg
22 October 2011
يُروى، والعهدة على الراوي، أن مجموعة من ظرفاء العرب كانوا بحاجة إلى بعض المال، ففكروا بطريقة لكسبه تتلاءم مع كونهم ظرفاء، أي أن تكون طريقة نظيفة ولكن لا تخلو من الظرافة. ويُروى أنهم بعد ليال من سمر الندامى، وجولات من شحذ الذهن، اهتدوا إلى فكرة لطيفة، إنما يحتاج تنفيذها إلى خطة محكمة لأنها لا تخلو من بعض الخطورة إن تركوا فيها ثغرات، ولو بسيطة.
وهذه الفكرة تفتق عنها ذهن أحدهم، وكان في سالف الأيام قد قرأ قصة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن عن إمبراطور مغرور أراد ذات مرة أن يلبس ثيابا جديدة لم يلبس أحد مثلها في البلاد. وقد قيض الله له مجموعة من الظرفاء تعهدوا بأن يخيطوا له الثياب التي يحلم بها. وملخص ما فعله أولئك الظرفاء هو أنهم أوهموا الإمبراطور بأنهم يخيطون له ثيابا من قماش سحري لا يُرى ولا يُلمس. وظلوا هم مع عدتهم مشغولين بمشروع الثياب العجيبة لزمن طويل. وحين جهزوا الثياب الوهمية ألبسوها إياه، وأخرجوه من قصره، شبه عار، يتبختر بثيابه التي لا تُرى، ليستعرض جماهير شعبه المتشوق إلى رؤية تلك الثياب التاريخية.
وقد استوحى هذا فكرته من القصة بينما هم يتحدثون عن المآسي التي يتعرض لها إخوتهم في سورية، ويضعون اللوم على "الإخوة" العرب الذين يسترخصون الدم السوري، وعلى بعض السوريين الذين يتاجرون بدم أبناء بلدهم. قال أحدهم إن أقذر دور يلعبه في هذه المؤامرة الخبيثة على سورية هو هذا الشيخ المتخلف عقليا في قطر. وعند ذاك صاح صاحب الفكرة "وجدتها .. وجدتها".
ثم عرض الفكرة على الآخرين، قائلا "هذا الشيخ هو أضحوكة، فلا بأس من الضحك عليه. وهناك موقع العرب تايمز الذي من جهة لا يترك فرصة إلا ويستهزء فيها بالشيخ وموزته، ومن جهة أخرى يقف إلى جانب الشعب السوري في محنته. إذاً لا بد من خطة تربط بين العرب تايمز، والربيع العربي، وشيخ قطر، نخيط بها ثوبا (دشداشة) للشيخ المغرور المعتوه بنفس مواصفات ثياب الإمبراطور في القصة المذكورة".
استمع الآخرون إلى الفكرة، واستحسنوها، وقال أحدهم "والله أحسن فكرة. يعني هل برهان غليون أذكى منا؟ أم سيدا يساوي الفلوس التي يسحبها من هذا الشيخ الأبله؟ على الأقل نحن سنفعل ذلك دون أن تتلطخ أيدينا بدماء الأبرياء". وصاروا يخططون. وبعد بضعة أيام انتهوا من الخطة، وكانت أولى الخطوات فتح مكتب وهمي على الإنترنيت بإسم "مركز الربيع العربي الدولي للدراسات الميدانية في الإعلام الفضائي"، ووضعوا على الزاوية اليمنى من موقعهم صورة للشيخ المعتوه، وبضع مقالات قصيرة تشيد بدوره في قيادة النهضة الديمقراطية في العالم العربي، وتصفه بأنه مهندس الربيع العربي والعقل المدبّر وراء كل ثوراته. ثم قاموا بجهد كبير لجذب إنتباه السفارات القطرية في أوروبا إلى الموقع حتى نجحوا في الحصول على مقابلة مع الشيخ الذي يعاني من التوحد.
ويقول الراوي إنهم في لقائهم بالشيخ المعتوه، وبعد أن أثنوا (وهم يضحكون في دواخلهم) على جهوده في الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، وبإدخال الديمقراطية إلى ليبيا، وحرصه على أن يحصل السوريون على نفس الديمقراطية التي يهنأ بها الليبيون، عرّجوا على التحديات التي تواجه الربيع العربي، فذكروا أولا ما يعرفه الشيخ المتخلف عقليا: موقف الروس والصينيين في مجلس الأمن، والدعم الإيراني، وحزب الله، وبسالة (استخدموا عبارة شراسة) الجيش السوري، وأضافوا بحذر تحديا آخر أثار حفيظة الشيخ، فقد ذكروا موقع العرب تايمز كعامل خطير في تعثر "الثورة" السورية.
وتماما كما كانوا يتوقعون أصيب الشيخ بنوبة من الضيق لأنه لم يكن يطيق أصلا سماع إسم العرب تايمز، حتى قبل بدء الربيع العربي. وبعد أن أعطوه الفرصة لينفس عن تياسته، راحوا يوضحون له خطورة الدور الذي يلعبه موقع العرب تايمز في إفشال "الربيع الـ ..." وكاد أحدهم يقول "... البنغالي" بدلا من العربي. قالوا: "خطورة العرب تايمز تأتي أولا من أن رئيس تحريره ليس سوريا، فلا يمكن اتهامه بأنه من أبواق النظام السوري، بل إنه أصلا مغضوب عليه من قبل سورية من زمن بعيد.
وهذا يعطي الموقع مصداقية كبيرة. ثم إن مما يزيد الطين بلة أن معظم الكتاب على الموقع، والذين يؤيدون بشار الأسد، ليسوا سوريين أيضا مما يعطي إنطباعا بأن معظم العرب يقفون إلى جانب النظام في سورية. ثم إن هذا الموقع يتابعه العرب على الكرة الأرضية كلها." وكاد أحدهم أن يضيف بأن رئيس تحرير الموقع عنده أيضا معلومات موسوعية عن حكام الخليج، وعن خبايا حياتهم الشخصية والعائلية. لكنه تذكر أنهم اتفقوا على أن لا يقولوا شيئا يثير حفيظة الشيخ أكثر من اللازم.
ويروى أن الشيخ أصابته مع ذلك نوبة هستيرية، فهدد بإرسال جهاديين وإنتحاريين إلى هنا وهناك للتخلص من هذا الموقع ورئيس تحريره، بل ومن الكتاب الذين يكتبون فيه. وتأكد لمجموعة الظرفاء أن الخطة تسير حسب المرسوم لها، فبادر أحدهم بقوله "لا يا جناب الشيخ. هذا الموضوع يجب التعامل معه بديمقراطية وبمراعاة لحقوق الإنسان، وأنتم معروفون في العالم بأنكم رمز لهذه القيم، وحتى الرئيس الأمريكي أوباما يعترف بذلك، ويعتبركم رائد الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي، مع أن أوباما يحب أن يكون ساخرا أحيانا وكأنه الكاتب الإنجيليزي برنارد شو.
ثم إنك أطحت بقادة مثل حسني مبارك والقذافي، فهل يصعب عليك أسامة فوزي؟ اترك الموضوع لنا. نحن سنتعامل مع العرب تايمز. نحن أصلا لو كانت عندنا إمكانيات مالية لمسحنا الموقع من الوجود بما لدينا من أفكار. نحن سنضع خطة متكاملة، بل قل مجموعة خطط تبدأ بالخطة ألف ولا تنتهي إلا بالخطة ياء".
ويُروى أن الشيخ كان في الثواني الأخيرة ساهما كأنه يفكر في شيء. وكان ذلك حقا، إذ إنه نهض من مكانه واعتذر لأنه مضطر للغياب لدقيقة واحدة. كان الشيخ المعتوه قد أطربته عبارات الثناء على دوره في الربيع العربي، لكن ذكر إسم برنارد شو جعله يتضايق، فخرج ليأمر حاشيته بأن يُحجب خبر هذا الموقع العظيم عن برنارد ليفي، وذلك حتى يتجنب أية شكاوى قانونية محتملة من جانب هذا الأخير إذا اعترض على سرقة الشيخ لجهوده وأتعابه واللقب الذي يستحقه هو كمهندس للربيع العربي والعقل المدبر لثوراته.
وحين عاد الشيخ الأهبل إلى الإجتماع تساءل فجأة عما إذا كانت قناة الجزيرة عاجزة عن مواجهة العرب تايمز، أو أن إعلاميا فطحلا مثل فيصل القاسم لا يستطيع إخراج العرب تايمز من الساحة الإعلامية بالضربة القاضية في برنامجه "الإتجاه المعاكس"، أو أن الفيلسوف اللامع عزمي بشارة لا يستطيع أن يلتفت إلى العرب تايمز ويتفرغ له، ويثبت للعالم كون هذا الموقع يقف في الصف المعادي للفكر الديمقراطي القطري، فأجابوه بأنه ليس من السهل الإجابة بنعم أو لا، ذلك لأن الأمر يحتاج إلى دراسات ميدانية فضائية عنكبوتبة حول فيصل القاسم وعزمي بشارة، بل وحول كل طاقم الجزيرة، لكن النتيجة ستكون خيرا بحول الله، وبوجود دعم مالي قطري. وهنا انبسطت أسارير الشيخ المعتوه، وقال لهم "توكلوا على الله. نحن نصرف كل هذه المليارات على نشر الديمقراطية، فهل نريد أن نوفر هنا؟"
نجحت الخطة. طلبوا من الشيخ الأهبل أن يمهلهم ثلاثة إلى أربعة أسابيع للقيام بالدراسات الميدانية الفضائية العنكبوتبة لوضع خطة لمواجهة العرب تايمز، ومحو تأثيره على الربيع العربي. ووعدوا بأن يبدأوا أولا بدراسة إمكانات طاقم الجزيرة. وكانت الدراسات تحتاج، طبعا، إلى جولات حول العالم، والإستعانة بخبراء، وفنيين، وستراتيجيين، والإتصال بكتّاب ومؤلفين ومحللين، ونقاد.
يُروى أن الشيخ أمر فورا بفتح حساب مصرفي بإسم أحد الظرفاء في مجموعة "مركز الربيع العربي الدولي للدراسات الميدانية في الإعلام الفضائي"، وأعطى أيضا توجيها بتسهيل إتصال المجموعة به.
وعلى ذمة الراوي فإن مجموعة الظرفاء وفور خروجهم من قصر الشيخ الأهبل انفجروا في موجة من الضحك حتى أدمعت عيونهم، ثم حين سكتوا قال أحدهم "يا رجل! إن الإنسان يتصور أنه يعرف أن هذا الشيخ غبي، لكن الواحد لن يعرف أن هذا الشيخ يلفه غباء كوني حتى يتكلم معه وجها لوجه. والله سنلبسه دشداشة أكثر شفافية من ثياب الإمبراطور". وراحوا بعد ذلك يتهيؤون للإجتماع اللاحق مع الشيخ.
تحدثوا طويلا حول قناة الجزيرة، وضحكوا كثيرا على تصور الشيخ بأن فيصل القاسم يستطيع القضاء على العرب تايمز بالضربة القاضية، وقال أحدهم "فيصل القاسم يتلقى الإهانة تلو الإهانة من العرب تايمز ولا يتجرأ على الرد، فمرة هو حرامي مقالات، ومرة أخرى تعرض له على الموقع صور مع تعليقات ..، وهو يبلع ويسكت. وهذا الأهبل يريد الآن أن يضعه في فوهة المدفع"، وقال الآخر "هذا الشيخ محاط بمجموعات من الظرفاء مثلنا، يلبسونه ثياب الإمبراطور العاري كل يوم، وهو لا يدري."
وبعد مداولات طويلة قال أحدهم "طيب. نحن الآن لدينا ما نقوله عن كل واحد في قناة الجزيرة، ولكن من المروءة أن نكون معتدلين في تقديم تقييماتنا بحيث لا يؤدي ما نقوله، بناء على دراساتنا، إلى غضب الشيخ على أحد، ومن ثم طرده من عمله. يجب أن نكون دبلوماسيين في تعابيرنا، فكما يقول المثل "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، ثم أخذوا العاملين فردا فردا:
فيصل القاسم، لا نقول عنه إنه أصبح تدريجيا مهرجا، وفقد أعصابه، فصار يقف على قدميه من العصبية ويصرخ "يا أخي وقّف البرنامج"، كلما أراد إسكات أحد ضيفيه، وهو الآن لا ينقصه إلا مناطحة العرب تايمز. نقول عنه الآتي "توصلت دراساتنا إلى أن فيصل القاسم متخصص في الإعلامي الغوبلزي الهجومي، ووجوده في برنامجه الحالي يخدم الربيع العربي ومهندسه وبطله أكثر مما يمكن أن يخدمه إذا تحول إلى دور الإعلام الدفاعي تجاه العرب تايمز."
عزمي بشارة، لا نقول عنه إنه بيّاع أفكار كاسدة وفاسدة في سوق الربيع العربي، بل نقول "دراساتنا تشير إلى أنه حصان فلسفي لا يشق له غبار، لكن، كما يقول المثل، لكل حصان كبوة، وقد كانت كبوة هذا الحصان خطيرة بسبب خطأ تقني أظهره وهو يتلقى التعليمات من جؤذر سعودي. ولذلك فإن قدره أصبح أن يستمر في عمله ليحمل أثقال الربيع العربي بصبر."
جميل عازر وجمال ريان، نعفيهما أصلا من الحرج ونقول "دراساتنا تؤكد أنهما قارئا أخبار ممتازان، ولا يصلحان لخوض صراعات إعلامية". وهكذا.
وفي الختام قرروا التضحية بواحد فقط من كادر الجزيرة، يعتبرونه منافقا جديدا على الساحة، وهو التونسي محمد كريشان.
قرروا اقتراح إسمه على الشيخ الأهبل كمرشح للتصدي للعرب تايمز، وكذلك إقتراح إدخاله في دورة إعلامية مكثفة حول أساليب الدفاع عن الربيع العربي، والتأكيد على أن كونه من مواطني الغنوشي والمرزوقي سيعطيه زخما قويا على الساحة الإعلامية، ليس كقارئ أخبار أو بطل مقابلات مع أشخاص مثل هيكل، بل ككاتب ذاق حلاوة وطلاوة الربيع العربي في تونس برخوه وصلبه.
وقرروا أن هذا الجزء من الخطة سيستمر لبضعة أسابيع، وهم يعرفون أن دماغ كريشان أكثر يباسا أو يبوسا من الحجارة، وسيصبح مضحكة مثل الشيخ، ثم إن مسار فشله مرسوم ومعروف سلفا ذلك أن محمد كريشان لن يستطيع الإقتراب من العرب تايمز، وذلك لأن العرب تايمز، حسبما سمعوا، لديه سياسة تقضي بعدم النشر لكتاب يرتزقون من بلدان النفط. ولو أنه نشر مقالاته على الجزيرة نفسها، فلن تكون لها قيمة أكثر من مقالات مهنا الحبيل.
ثم إنهم سيوجهونه بشكل غير مباشر لينشر مقالاته على موقع "القدس العربي"، فيكون ذلك أكبر نقد يوجهونه إليه عند ثبوت الفشل بإعتبار أنه لم يكن ذكيا في إختيار موقع النشر، فالموقع المذكور، رغم أن الكثير من الكتاب الكبار يكتبون فيه، إلا أن رئيس تحريره، عبدالباري عطوان، أصبح في الآونة الأخيرة شخصا غامضا، فهو تارة مع الربيع العربي وتارة ينتقد خصومه التقليديين في الخليج.
إنه مشوّش، ويبدو أن حذلقته في الكلام لا ترقى إلى حد جعله يجيد اللعب على الحبلين، وهذا أثّر على صدى مقالات كريشان. ثم إن كريشان، لم يستفد من الدورة الإعلامية فكتب مقالات كأنها لا تصدر من رأس يفكر، بل من أمعاء مصابة بالإمساك، وكلامه ليس أكثر من حكايات عن السلاطين، فضاع بين كتاب لهم صيتهم، حتى أن بعض العراقيين قالوا عن مقالاته ما يقول المثل العراقي إنها أشبه ما تكون بـ"تصويت من تحت في سوق الصفّارين".
وبينما محمد كريشان يتخبط في ورطته، ويضرب أخماسا في أسداس، ويوجه الأسئلة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، متوهما أن صوته أو تصويته يعلو على مطارق الصفارين، كانت مجموعة الظرفاء تحضر الجزء التالي من الخطة.
أطلق على هذا الجزء من الخطة إسم ستراتيجي مهيب "إختراق العرب تايمز وتفجيره من الداخل".
وأدعت المجموعة في البداية أنها وجهت كتيبة من كبار الكتّاب المتخصصين في السباب والشتائم والمعادين لبشار الأسد نحو الموقع لإغراقه بالمقالات التافهة التي تثير النعرات الطائفية، وتتجاوز على الأشخاص بحيث يحولون الموقع إلى ساحة صراعات شخصية بين الكتّاب والقراء، فيفقد الموقع فاعليته. ثم إن المجموعة بصدد تكوين جيش من المعلقين على المقالات المناصرة لسوريا يتبعون نفس الوسائل الممجوجة في السباب والشتيمة. وتأسفت المجموعة فيما بينها لأن بعض الكتاب المعادين لسوريا لا يعرفون أن جهودهم تتحول إلى دولارات تصب في جيوب كل من يريد أن يُلبس شيخ قطر دشداشة شفافة كالهواء.
وبعد فترة، ونتيجة دراسة مستفيضة لطبيعة، وأصناف، وعدد الكتاب على العرب تايمز، وطبيعة التعليقات على المقالات، تم تعديل الخطة الستراتيجية قليلا، إذ جرى أولا إستبدال كلمة "كتيبة" بكلمة "فصيل" تجنبا للمبالغة المفرطة، وذلك تحسبا لإحتمال أن يكون الشيخ يعرف الفرق بين كتيبة وفصيل بإعتبار أنه درس في أكاديمية ساندهيرست العسكرية. ثم ولأسباب تتعلق بصعوبة حساب دفع المكافآت للمعلقين، رأت المجموعة أن يتحول فصيل كتّاب السوء أنفسهم إلى معلقين فيعلق كل منهم بعدة أسماء وهمية، فتكتمل عناصر الهجوم الستراتيجية والتكتيكية، وينفجر العرب تايمز من الداخل.
وانفجروا هم من الضحك وهم يبحثون عن حجة لتبرير فشل هذه الخطة أيضا عما قريب. لكنهم أخذوا الأمر ببساطة، إذ سيقولون بكل بساطة إن وجود كتّاب السوء هؤلاء عزز السمعة الديمقراطية للموقع، فالعرب تايمز ليس مثل قناة الجزيرة فيه مجال لإتجاه واحد فقط رغما عن أنف فيصل القاسم، بل إنه يحرص أن يكون فيه إتجاه وإتجاه آخر معاكس، وكشف عن أن الموقع مفتوح حتى للـ "مخربطين"، ثم إن كتّاب السوء أسرفوا في سوئهم حتى اكتشف القراء الجادون أن المعلقين البذيئين هم الكتاب البذيئون أنفسهم ينزلون إلى الساحة بأسماء وهمية.
ويُروى أيضا أن أفراد المجموعة الظريفة عرفوا أن خططهم المرقمة "أ"، و"ب"، و"ج"، إلخ، لن تكون لا نهائية، فلا بد أن يتنبه المسؤولون الماليون للشيخ الأهبل إلى عدم تناسب نتائج هذه المحاولات لتخريب العرب تايمز مع حجم ما يصرف عليها. فوضعوا اللمسات الأخيرة على آخر جزء من الخطة، ألا وهو الإقتراح على شيخ قطر بأن يصدر أمرا إلى العجوز الشبق يوسف القرضاوي بإصدار فتوى بتحريم زيارة موقع العرب تايمز أو الكتابة فيه، فتصبح الخطة بذلك ليس فقط خطة إلباس شيخ قطر دشداشة من الهواء، بل وخازوقا مرتبا يخترق الربيع العربي من شيخه حتى معارضته السورية.
ويُروى أن المسؤولين الماليين حول الشيخ الأهبل قد تنبهوا فعلا إلى وجود عملية ضحك على الذقون يجري تمريرها على بطل الربيع العربي الأجوف. وتلقت المجموعة على إثر ذلك برقية من الشيخ يستدعيهم فيها إلى الدوحة أولا للمشاركة في مؤتمر المعارضة السورية، وثانيا للتباحث المستفيض في خطة تدمير العرب تايمز، فضحك أفراد المجموعة ملء أشداقهم.
ولما لم يستجيبوا لبرقية الإستدعاء من الشيخ حاول حاشية الشيخ الإتصال بهم تلفونيا، فوجدوا أن جميع أرقام تلفونات المجموعة لم تعد في الخدمة. وعند الرجوع إلى موقعهم على الإنترنيت وجدوا أن إسم الموقع قد تغيّر من "مركز الربيع العربي الدولي للدراسات الميدانية في الإعلام الفضائي" إلى "المركز العربي الدولي لأبحاث التخلف العقلي"، وكانت صورة للشيخ الأهبل، وهو مكشر الأنياب مثل الضبع، ما تزال تعكر الزاوية اليمنى على الموقع بينما احتلت صورة قرد بنغالي مستبشر الوجه الزاوية اليسرى في الموقع. وبعد أيام اختفى الموقع كليا.
هذه مجرد رواية والعُهدة على الراوي.
http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=29297
كاتب واستاذ جامعي
جريدة عرب تايمز
http://www.arabtimes.com/portal/authors/omardahir%20116x1601.jpg
22 October 2011
يُروى، والعهدة على الراوي، أن مجموعة من ظرفاء العرب كانوا بحاجة إلى بعض المال، ففكروا بطريقة لكسبه تتلاءم مع كونهم ظرفاء، أي أن تكون طريقة نظيفة ولكن لا تخلو من الظرافة. ويُروى أنهم بعد ليال من سمر الندامى، وجولات من شحذ الذهن، اهتدوا إلى فكرة لطيفة، إنما يحتاج تنفيذها إلى خطة محكمة لأنها لا تخلو من بعض الخطورة إن تركوا فيها ثغرات، ولو بسيطة.
وهذه الفكرة تفتق عنها ذهن أحدهم، وكان في سالف الأيام قد قرأ قصة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن عن إمبراطور مغرور أراد ذات مرة أن يلبس ثيابا جديدة لم يلبس أحد مثلها في البلاد. وقد قيض الله له مجموعة من الظرفاء تعهدوا بأن يخيطوا له الثياب التي يحلم بها. وملخص ما فعله أولئك الظرفاء هو أنهم أوهموا الإمبراطور بأنهم يخيطون له ثيابا من قماش سحري لا يُرى ولا يُلمس. وظلوا هم مع عدتهم مشغولين بمشروع الثياب العجيبة لزمن طويل. وحين جهزوا الثياب الوهمية ألبسوها إياه، وأخرجوه من قصره، شبه عار، يتبختر بثيابه التي لا تُرى، ليستعرض جماهير شعبه المتشوق إلى رؤية تلك الثياب التاريخية.
وقد استوحى هذا فكرته من القصة بينما هم يتحدثون عن المآسي التي يتعرض لها إخوتهم في سورية، ويضعون اللوم على "الإخوة" العرب الذين يسترخصون الدم السوري، وعلى بعض السوريين الذين يتاجرون بدم أبناء بلدهم. قال أحدهم إن أقذر دور يلعبه في هذه المؤامرة الخبيثة على سورية هو هذا الشيخ المتخلف عقليا في قطر. وعند ذاك صاح صاحب الفكرة "وجدتها .. وجدتها".
ثم عرض الفكرة على الآخرين، قائلا "هذا الشيخ هو أضحوكة، فلا بأس من الضحك عليه. وهناك موقع العرب تايمز الذي من جهة لا يترك فرصة إلا ويستهزء فيها بالشيخ وموزته، ومن جهة أخرى يقف إلى جانب الشعب السوري في محنته. إذاً لا بد من خطة تربط بين العرب تايمز، والربيع العربي، وشيخ قطر، نخيط بها ثوبا (دشداشة) للشيخ المغرور المعتوه بنفس مواصفات ثياب الإمبراطور في القصة المذكورة".
استمع الآخرون إلى الفكرة، واستحسنوها، وقال أحدهم "والله أحسن فكرة. يعني هل برهان غليون أذكى منا؟ أم سيدا يساوي الفلوس التي يسحبها من هذا الشيخ الأبله؟ على الأقل نحن سنفعل ذلك دون أن تتلطخ أيدينا بدماء الأبرياء". وصاروا يخططون. وبعد بضعة أيام انتهوا من الخطة، وكانت أولى الخطوات فتح مكتب وهمي على الإنترنيت بإسم "مركز الربيع العربي الدولي للدراسات الميدانية في الإعلام الفضائي"، ووضعوا على الزاوية اليمنى من موقعهم صورة للشيخ المعتوه، وبضع مقالات قصيرة تشيد بدوره في قيادة النهضة الديمقراطية في العالم العربي، وتصفه بأنه مهندس الربيع العربي والعقل المدبّر وراء كل ثوراته. ثم قاموا بجهد كبير لجذب إنتباه السفارات القطرية في أوروبا إلى الموقع حتى نجحوا في الحصول على مقابلة مع الشيخ الذي يعاني من التوحد.
ويقول الراوي إنهم في لقائهم بالشيخ المعتوه، وبعد أن أثنوا (وهم يضحكون في دواخلهم) على جهوده في الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، وبإدخال الديمقراطية إلى ليبيا، وحرصه على أن يحصل السوريون على نفس الديمقراطية التي يهنأ بها الليبيون، عرّجوا على التحديات التي تواجه الربيع العربي، فذكروا أولا ما يعرفه الشيخ المتخلف عقليا: موقف الروس والصينيين في مجلس الأمن، والدعم الإيراني، وحزب الله، وبسالة (استخدموا عبارة شراسة) الجيش السوري، وأضافوا بحذر تحديا آخر أثار حفيظة الشيخ، فقد ذكروا موقع العرب تايمز كعامل خطير في تعثر "الثورة" السورية.
وتماما كما كانوا يتوقعون أصيب الشيخ بنوبة من الضيق لأنه لم يكن يطيق أصلا سماع إسم العرب تايمز، حتى قبل بدء الربيع العربي. وبعد أن أعطوه الفرصة لينفس عن تياسته، راحوا يوضحون له خطورة الدور الذي يلعبه موقع العرب تايمز في إفشال "الربيع الـ ..." وكاد أحدهم يقول "... البنغالي" بدلا من العربي. قالوا: "خطورة العرب تايمز تأتي أولا من أن رئيس تحريره ليس سوريا، فلا يمكن اتهامه بأنه من أبواق النظام السوري، بل إنه أصلا مغضوب عليه من قبل سورية من زمن بعيد.
وهذا يعطي الموقع مصداقية كبيرة. ثم إن مما يزيد الطين بلة أن معظم الكتاب على الموقع، والذين يؤيدون بشار الأسد، ليسوا سوريين أيضا مما يعطي إنطباعا بأن معظم العرب يقفون إلى جانب النظام في سورية. ثم إن هذا الموقع يتابعه العرب على الكرة الأرضية كلها." وكاد أحدهم أن يضيف بأن رئيس تحرير الموقع عنده أيضا معلومات موسوعية عن حكام الخليج، وعن خبايا حياتهم الشخصية والعائلية. لكنه تذكر أنهم اتفقوا على أن لا يقولوا شيئا يثير حفيظة الشيخ أكثر من اللازم.
ويروى أن الشيخ أصابته مع ذلك نوبة هستيرية، فهدد بإرسال جهاديين وإنتحاريين إلى هنا وهناك للتخلص من هذا الموقع ورئيس تحريره، بل ومن الكتاب الذين يكتبون فيه. وتأكد لمجموعة الظرفاء أن الخطة تسير حسب المرسوم لها، فبادر أحدهم بقوله "لا يا جناب الشيخ. هذا الموضوع يجب التعامل معه بديمقراطية وبمراعاة لحقوق الإنسان، وأنتم معروفون في العالم بأنكم رمز لهذه القيم، وحتى الرئيس الأمريكي أوباما يعترف بذلك، ويعتبركم رائد الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي، مع أن أوباما يحب أن يكون ساخرا أحيانا وكأنه الكاتب الإنجيليزي برنارد شو.
ثم إنك أطحت بقادة مثل حسني مبارك والقذافي، فهل يصعب عليك أسامة فوزي؟ اترك الموضوع لنا. نحن سنتعامل مع العرب تايمز. نحن أصلا لو كانت عندنا إمكانيات مالية لمسحنا الموقع من الوجود بما لدينا من أفكار. نحن سنضع خطة متكاملة، بل قل مجموعة خطط تبدأ بالخطة ألف ولا تنتهي إلا بالخطة ياء".
ويُروى أن الشيخ كان في الثواني الأخيرة ساهما كأنه يفكر في شيء. وكان ذلك حقا، إذ إنه نهض من مكانه واعتذر لأنه مضطر للغياب لدقيقة واحدة. كان الشيخ المعتوه قد أطربته عبارات الثناء على دوره في الربيع العربي، لكن ذكر إسم برنارد شو جعله يتضايق، فخرج ليأمر حاشيته بأن يُحجب خبر هذا الموقع العظيم عن برنارد ليفي، وذلك حتى يتجنب أية شكاوى قانونية محتملة من جانب هذا الأخير إذا اعترض على سرقة الشيخ لجهوده وأتعابه واللقب الذي يستحقه هو كمهندس للربيع العربي والعقل المدبر لثوراته.
وحين عاد الشيخ الأهبل إلى الإجتماع تساءل فجأة عما إذا كانت قناة الجزيرة عاجزة عن مواجهة العرب تايمز، أو أن إعلاميا فطحلا مثل فيصل القاسم لا يستطيع إخراج العرب تايمز من الساحة الإعلامية بالضربة القاضية في برنامجه "الإتجاه المعاكس"، أو أن الفيلسوف اللامع عزمي بشارة لا يستطيع أن يلتفت إلى العرب تايمز ويتفرغ له، ويثبت للعالم كون هذا الموقع يقف في الصف المعادي للفكر الديمقراطي القطري، فأجابوه بأنه ليس من السهل الإجابة بنعم أو لا، ذلك لأن الأمر يحتاج إلى دراسات ميدانية فضائية عنكبوتبة حول فيصل القاسم وعزمي بشارة، بل وحول كل طاقم الجزيرة، لكن النتيجة ستكون خيرا بحول الله، وبوجود دعم مالي قطري. وهنا انبسطت أسارير الشيخ المعتوه، وقال لهم "توكلوا على الله. نحن نصرف كل هذه المليارات على نشر الديمقراطية، فهل نريد أن نوفر هنا؟"
نجحت الخطة. طلبوا من الشيخ الأهبل أن يمهلهم ثلاثة إلى أربعة أسابيع للقيام بالدراسات الميدانية الفضائية العنكبوتبة لوضع خطة لمواجهة العرب تايمز، ومحو تأثيره على الربيع العربي. ووعدوا بأن يبدأوا أولا بدراسة إمكانات طاقم الجزيرة. وكانت الدراسات تحتاج، طبعا، إلى جولات حول العالم، والإستعانة بخبراء، وفنيين، وستراتيجيين، والإتصال بكتّاب ومؤلفين ومحللين، ونقاد.
يُروى أن الشيخ أمر فورا بفتح حساب مصرفي بإسم أحد الظرفاء في مجموعة "مركز الربيع العربي الدولي للدراسات الميدانية في الإعلام الفضائي"، وأعطى أيضا توجيها بتسهيل إتصال المجموعة به.
وعلى ذمة الراوي فإن مجموعة الظرفاء وفور خروجهم من قصر الشيخ الأهبل انفجروا في موجة من الضحك حتى أدمعت عيونهم، ثم حين سكتوا قال أحدهم "يا رجل! إن الإنسان يتصور أنه يعرف أن هذا الشيخ غبي، لكن الواحد لن يعرف أن هذا الشيخ يلفه غباء كوني حتى يتكلم معه وجها لوجه. والله سنلبسه دشداشة أكثر شفافية من ثياب الإمبراطور". وراحوا بعد ذلك يتهيؤون للإجتماع اللاحق مع الشيخ.
تحدثوا طويلا حول قناة الجزيرة، وضحكوا كثيرا على تصور الشيخ بأن فيصل القاسم يستطيع القضاء على العرب تايمز بالضربة القاضية، وقال أحدهم "فيصل القاسم يتلقى الإهانة تلو الإهانة من العرب تايمز ولا يتجرأ على الرد، فمرة هو حرامي مقالات، ومرة أخرى تعرض له على الموقع صور مع تعليقات ..، وهو يبلع ويسكت. وهذا الأهبل يريد الآن أن يضعه في فوهة المدفع"، وقال الآخر "هذا الشيخ محاط بمجموعات من الظرفاء مثلنا، يلبسونه ثياب الإمبراطور العاري كل يوم، وهو لا يدري."
وبعد مداولات طويلة قال أحدهم "طيب. نحن الآن لدينا ما نقوله عن كل واحد في قناة الجزيرة، ولكن من المروءة أن نكون معتدلين في تقديم تقييماتنا بحيث لا يؤدي ما نقوله، بناء على دراساتنا، إلى غضب الشيخ على أحد، ومن ثم طرده من عمله. يجب أن نكون دبلوماسيين في تعابيرنا، فكما يقول المثل "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، ثم أخذوا العاملين فردا فردا:
فيصل القاسم، لا نقول عنه إنه أصبح تدريجيا مهرجا، وفقد أعصابه، فصار يقف على قدميه من العصبية ويصرخ "يا أخي وقّف البرنامج"، كلما أراد إسكات أحد ضيفيه، وهو الآن لا ينقصه إلا مناطحة العرب تايمز. نقول عنه الآتي "توصلت دراساتنا إلى أن فيصل القاسم متخصص في الإعلامي الغوبلزي الهجومي، ووجوده في برنامجه الحالي يخدم الربيع العربي ومهندسه وبطله أكثر مما يمكن أن يخدمه إذا تحول إلى دور الإعلام الدفاعي تجاه العرب تايمز."
عزمي بشارة، لا نقول عنه إنه بيّاع أفكار كاسدة وفاسدة في سوق الربيع العربي، بل نقول "دراساتنا تشير إلى أنه حصان فلسفي لا يشق له غبار، لكن، كما يقول المثل، لكل حصان كبوة، وقد كانت كبوة هذا الحصان خطيرة بسبب خطأ تقني أظهره وهو يتلقى التعليمات من جؤذر سعودي. ولذلك فإن قدره أصبح أن يستمر في عمله ليحمل أثقال الربيع العربي بصبر."
جميل عازر وجمال ريان، نعفيهما أصلا من الحرج ونقول "دراساتنا تؤكد أنهما قارئا أخبار ممتازان، ولا يصلحان لخوض صراعات إعلامية". وهكذا.
وفي الختام قرروا التضحية بواحد فقط من كادر الجزيرة، يعتبرونه منافقا جديدا على الساحة، وهو التونسي محمد كريشان.
قرروا اقتراح إسمه على الشيخ الأهبل كمرشح للتصدي للعرب تايمز، وكذلك إقتراح إدخاله في دورة إعلامية مكثفة حول أساليب الدفاع عن الربيع العربي، والتأكيد على أن كونه من مواطني الغنوشي والمرزوقي سيعطيه زخما قويا على الساحة الإعلامية، ليس كقارئ أخبار أو بطل مقابلات مع أشخاص مثل هيكل، بل ككاتب ذاق حلاوة وطلاوة الربيع العربي في تونس برخوه وصلبه.
وقرروا أن هذا الجزء من الخطة سيستمر لبضعة أسابيع، وهم يعرفون أن دماغ كريشان أكثر يباسا أو يبوسا من الحجارة، وسيصبح مضحكة مثل الشيخ، ثم إن مسار فشله مرسوم ومعروف سلفا ذلك أن محمد كريشان لن يستطيع الإقتراب من العرب تايمز، وذلك لأن العرب تايمز، حسبما سمعوا، لديه سياسة تقضي بعدم النشر لكتاب يرتزقون من بلدان النفط. ولو أنه نشر مقالاته على الجزيرة نفسها، فلن تكون لها قيمة أكثر من مقالات مهنا الحبيل.
ثم إنهم سيوجهونه بشكل غير مباشر لينشر مقالاته على موقع "القدس العربي"، فيكون ذلك أكبر نقد يوجهونه إليه عند ثبوت الفشل بإعتبار أنه لم يكن ذكيا في إختيار موقع النشر، فالموقع المذكور، رغم أن الكثير من الكتاب الكبار يكتبون فيه، إلا أن رئيس تحريره، عبدالباري عطوان، أصبح في الآونة الأخيرة شخصا غامضا، فهو تارة مع الربيع العربي وتارة ينتقد خصومه التقليديين في الخليج.
إنه مشوّش، ويبدو أن حذلقته في الكلام لا ترقى إلى حد جعله يجيد اللعب على الحبلين، وهذا أثّر على صدى مقالات كريشان. ثم إن كريشان، لم يستفد من الدورة الإعلامية فكتب مقالات كأنها لا تصدر من رأس يفكر، بل من أمعاء مصابة بالإمساك، وكلامه ليس أكثر من حكايات عن السلاطين، فضاع بين كتاب لهم صيتهم، حتى أن بعض العراقيين قالوا عن مقالاته ما يقول المثل العراقي إنها أشبه ما تكون بـ"تصويت من تحت في سوق الصفّارين".
وبينما محمد كريشان يتخبط في ورطته، ويضرب أخماسا في أسداس، ويوجه الأسئلة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، متوهما أن صوته أو تصويته يعلو على مطارق الصفارين، كانت مجموعة الظرفاء تحضر الجزء التالي من الخطة.
أطلق على هذا الجزء من الخطة إسم ستراتيجي مهيب "إختراق العرب تايمز وتفجيره من الداخل".
وأدعت المجموعة في البداية أنها وجهت كتيبة من كبار الكتّاب المتخصصين في السباب والشتائم والمعادين لبشار الأسد نحو الموقع لإغراقه بالمقالات التافهة التي تثير النعرات الطائفية، وتتجاوز على الأشخاص بحيث يحولون الموقع إلى ساحة صراعات شخصية بين الكتّاب والقراء، فيفقد الموقع فاعليته. ثم إن المجموعة بصدد تكوين جيش من المعلقين على المقالات المناصرة لسوريا يتبعون نفس الوسائل الممجوجة في السباب والشتيمة. وتأسفت المجموعة فيما بينها لأن بعض الكتاب المعادين لسوريا لا يعرفون أن جهودهم تتحول إلى دولارات تصب في جيوب كل من يريد أن يُلبس شيخ قطر دشداشة شفافة كالهواء.
وبعد فترة، ونتيجة دراسة مستفيضة لطبيعة، وأصناف، وعدد الكتاب على العرب تايمز، وطبيعة التعليقات على المقالات، تم تعديل الخطة الستراتيجية قليلا، إذ جرى أولا إستبدال كلمة "كتيبة" بكلمة "فصيل" تجنبا للمبالغة المفرطة، وذلك تحسبا لإحتمال أن يكون الشيخ يعرف الفرق بين كتيبة وفصيل بإعتبار أنه درس في أكاديمية ساندهيرست العسكرية. ثم ولأسباب تتعلق بصعوبة حساب دفع المكافآت للمعلقين، رأت المجموعة أن يتحول فصيل كتّاب السوء أنفسهم إلى معلقين فيعلق كل منهم بعدة أسماء وهمية، فتكتمل عناصر الهجوم الستراتيجية والتكتيكية، وينفجر العرب تايمز من الداخل.
وانفجروا هم من الضحك وهم يبحثون عن حجة لتبرير فشل هذه الخطة أيضا عما قريب. لكنهم أخذوا الأمر ببساطة، إذ سيقولون بكل بساطة إن وجود كتّاب السوء هؤلاء عزز السمعة الديمقراطية للموقع، فالعرب تايمز ليس مثل قناة الجزيرة فيه مجال لإتجاه واحد فقط رغما عن أنف فيصل القاسم، بل إنه يحرص أن يكون فيه إتجاه وإتجاه آخر معاكس، وكشف عن أن الموقع مفتوح حتى للـ "مخربطين"، ثم إن كتّاب السوء أسرفوا في سوئهم حتى اكتشف القراء الجادون أن المعلقين البذيئين هم الكتاب البذيئون أنفسهم ينزلون إلى الساحة بأسماء وهمية.
ويُروى أيضا أن أفراد المجموعة الظريفة عرفوا أن خططهم المرقمة "أ"، و"ب"، و"ج"، إلخ، لن تكون لا نهائية، فلا بد أن يتنبه المسؤولون الماليون للشيخ الأهبل إلى عدم تناسب نتائج هذه المحاولات لتخريب العرب تايمز مع حجم ما يصرف عليها. فوضعوا اللمسات الأخيرة على آخر جزء من الخطة، ألا وهو الإقتراح على شيخ قطر بأن يصدر أمرا إلى العجوز الشبق يوسف القرضاوي بإصدار فتوى بتحريم زيارة موقع العرب تايمز أو الكتابة فيه، فتصبح الخطة بذلك ليس فقط خطة إلباس شيخ قطر دشداشة من الهواء، بل وخازوقا مرتبا يخترق الربيع العربي من شيخه حتى معارضته السورية.
ويُروى أن المسؤولين الماليين حول الشيخ الأهبل قد تنبهوا فعلا إلى وجود عملية ضحك على الذقون يجري تمريرها على بطل الربيع العربي الأجوف. وتلقت المجموعة على إثر ذلك برقية من الشيخ يستدعيهم فيها إلى الدوحة أولا للمشاركة في مؤتمر المعارضة السورية، وثانيا للتباحث المستفيض في خطة تدمير العرب تايمز، فضحك أفراد المجموعة ملء أشداقهم.
ولما لم يستجيبوا لبرقية الإستدعاء من الشيخ حاول حاشية الشيخ الإتصال بهم تلفونيا، فوجدوا أن جميع أرقام تلفونات المجموعة لم تعد في الخدمة. وعند الرجوع إلى موقعهم على الإنترنيت وجدوا أن إسم الموقع قد تغيّر من "مركز الربيع العربي الدولي للدراسات الميدانية في الإعلام الفضائي" إلى "المركز العربي الدولي لأبحاث التخلف العقلي"، وكانت صورة للشيخ الأهبل، وهو مكشر الأنياب مثل الضبع، ما تزال تعكر الزاوية اليمنى على الموقع بينما احتلت صورة قرد بنغالي مستبشر الوجه الزاوية اليسرى في الموقع. وبعد أيام اختفى الموقع كليا.
هذه مجرد رواية والعُهدة على الراوي.
http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=29297