د. حامد العطية
11-04-2012, 10:01 PM
لم لا يكترث آل سعود لاحتراق أخضر ويابس العرب والمسلمين؟
د. حامد العطية
حذر الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية من مخاطر انتشار النزاع المسلح في سورية إلى خارج حدودها واحراقه الأخضر واليابس، وتشاطر كافة الأطراف المعنية، الدولية والإقليمية، الإبراهيمي مخاوفه إلا السعودية التي انبرى وزير داخليتها بالأمس ليصف تصريح الإبراهيمي بالمبالغ فيه وغير الواقعي، فكيف يفسر هذا الموقف السعودي الشاذ على الاجماع السوري والإقليمي والدولي؟
منذ سقوط الدولة العثمانية والسعودية تسعى لبسط سيطرتها على سورية، لجأت في البدأ للغزوات المسلحة، وبعد استقلال سورية نافست العراق الملكي على النفوذ عليها ، ثم تصدت للتيار الناصري الوحدوي في الستينات، وليس هنالك ما يغضبها اليوم أكثر من اصطفاف النظام السوري مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة، لذلك هي تعاقب السوريين وتعمل على اسقاط النظام السوري لتكون لها ولحلفائها الكلمة الأخيرة في تحديد مستقبل سورية، والسعودية اليوم طرف أساسي في النزاع، وما يسمى بالجيش الحر قوات سعودية، إذ يقبض أفراده رواتبهم من السعودية التي تزودهم بالسلاح والعتاد أيضاً عبر الحدود اللبنانية والتركية، كما تبين حرصها على ديمومة الصراع من خلال رفضها لفكرة تكوين فريق وساطة مصغر حتى من دون مشاركة إيران.
حصيلة الصراع السوري حتى اليوم مفجعة، فالضحايا البشرية تقدر بعشرات الألاف، واللاجئين بمئات الألوف، والخسائر المادية بمليارات الدولارات، لذا يمكن القول بأن الأزمة قد أتت على الكثير من أخضر ويابس سورية.
في لبنان أزمة سياسية بين أطراف الأكثرية الحاكمة التي تدعو إلى النأي بالنفس عن الوضع السوري وبين المعارضة المرتبطة بالسعودية وتجاهر بتأييدها للفصائل السورية المسلحة وتقدم لها المال والسلاح، وقبل أيام أغتيل ضابط أمن في لبنان، معروف بانحيازه لتيار المستقبل، فوجه قادة هذا التيار أصابع الاتهام إلى سورية، وكادت محاولة المعارضة احتلال مقر رئاسة الحكومة بالقوة ومن بعدها استفزازات أنصار تيارالمستقبل المسلحين للأحياء الشيعية أن تؤدي إلى اشعال شرارة مواجهة كبرى، تخوف الكثيرون من أن تكون بداية حرب أهلية، والسعوديون يعرفون جيداً بأن الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة التي دامت خمس عشرة سنة لم تبقي إلا القليل من أخضر ويابس لبنان.
يتوجس الإردنيون خيفة من انعكاسات الصراع في سورية على أوضاعهم الداخلية ومستقبل بلادهم، وبالأمس القريب أعلنوا عن مقتل جندي إردني بنيران إرهابيين سلفيين متسللين من سورية، ولم تكن تلك أول محاولة تسلل، وحالة الاستقطاب الموجودة داخل الإردن لا تختلف جذرياً عن الوضع السوري، ولا يستبعد بلوغ التوتر القائم بين النظام الملكي وأنصاره من جهة والمعارضة نقطة حرجة تتحول عندها المواجهة إلى صراع دموي.
العراق أيضاً يخشى من تكرار السيناريو السوري على أرضه، وهو قد جرب وما زال اتون الصراع الطائفي، واتهم السعودية بالوقوف وراء الفتنة المذهبية بالفتاوى التكفيرية والرجال والسلاح والمال. وحتى تركيا ليست بمنأى عن تمدد الصراع السوري، إذ تتشابه التركيبة المذهبية والإثنية في البلدين، وعلى وقع الصراع السوري تعاظم النشاط العسكري لحزب العمال الكردي وازداد التململ الطائفي بين العلويين الذين يشكلون خمس سكان تركيا.
يتناقض تصريح وزير داخلية آل سعود مع كل المعطيات من حقائق ووقائع وتوقعات، لأن حكام السعودية لا يكترثون لانتشار الصراع في سورية إلى جيرانها، بل هم يتمنون ذلك، إذ هم يصنفون حكومات الدول العربية والاسلامية إلى صنفين: حليفة أو عدوة، ولا وسط بينهما، وهو انعكاس لنظرتهم الوهابية الضيقة والمشوهة للبشر والتي لا تعترف إلا بنوعين: مسلم صحيح العقيدة أو كافر، وصنف الكفار لا يشمل فقط غير المسلمين بل حتى المسلمين الذين لا يتفقون معهم تماماً ويأبون الخضوع لسلطتهم الدينية، وموقف السعودية من الحرب العراقية الإيرانية هو خير مثال على سياسة السعودية تجاه الدول العربية والاسلامية المجاورة لها، فقد وجدت السعودية في الحرب التي شنها الطاغية البعثي في العراق فرصة لاضعاف الدولتين، ولذلك شجعت وساعدت النظام العراقي على الاستمرار في عدوانه واشترت له الأسلحة والمعدات من كل دول العالم حتى استنزفت معظم احتياطيها واضطرت للاستدانة من البنوك المحلية، وبعد انتهاء الحرب تآمرت مع حكومة أمريكا على توريط النظام العراقي باحتلال الكويت لتدمير ما تبقى لديه من أسلحة غير تقليدية، وما زالت تعمل بدون كلل أو ملل على ابقاء العراق ضعيفاً ومعزولاً، ولا يوجد بين دول المنطقة أكثر تحريضاً لأمريكا على قتال الجمهورية الإسلامية من السعودية سوى الكيان الصهيوني.
كان الملك السعودي السابق فهد يكرر النصح لمواطنيه: احمدوا نعمة الأمن والأمان، والكل يعرفون بأنه أبعد ما يكون عن التدين والحرص على حمد النعم الربانية، لكنها رسالة مكررة من آل سعود إلى شعبهم بأنهم أي آل سعود تجسيد لهذه النعمة ومن دونهم يضطرب الأمن ويفقد الأمان، لذا آل سعود لا يكترثون لاحتراق كل ما حولهم من دول عربية وإسلامية بل هم مشعلوا كل حريق في المنطقة لكي يقنعوا مواطنيهم بالاحجام حتى عن التفكير بتغيير النظام السعودي ولبسط سيطرتهم ونشر مذهبهم المتطرف بقوة السلاح والمال.
4 تشرين الثاني 2012م
د. حامد العطية
حذر الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية من مخاطر انتشار النزاع المسلح في سورية إلى خارج حدودها واحراقه الأخضر واليابس، وتشاطر كافة الأطراف المعنية، الدولية والإقليمية، الإبراهيمي مخاوفه إلا السعودية التي انبرى وزير داخليتها بالأمس ليصف تصريح الإبراهيمي بالمبالغ فيه وغير الواقعي، فكيف يفسر هذا الموقف السعودي الشاذ على الاجماع السوري والإقليمي والدولي؟
منذ سقوط الدولة العثمانية والسعودية تسعى لبسط سيطرتها على سورية، لجأت في البدأ للغزوات المسلحة، وبعد استقلال سورية نافست العراق الملكي على النفوذ عليها ، ثم تصدت للتيار الناصري الوحدوي في الستينات، وليس هنالك ما يغضبها اليوم أكثر من اصطفاف النظام السوري مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة، لذلك هي تعاقب السوريين وتعمل على اسقاط النظام السوري لتكون لها ولحلفائها الكلمة الأخيرة في تحديد مستقبل سورية، والسعودية اليوم طرف أساسي في النزاع، وما يسمى بالجيش الحر قوات سعودية، إذ يقبض أفراده رواتبهم من السعودية التي تزودهم بالسلاح والعتاد أيضاً عبر الحدود اللبنانية والتركية، كما تبين حرصها على ديمومة الصراع من خلال رفضها لفكرة تكوين فريق وساطة مصغر حتى من دون مشاركة إيران.
حصيلة الصراع السوري حتى اليوم مفجعة، فالضحايا البشرية تقدر بعشرات الألاف، واللاجئين بمئات الألوف، والخسائر المادية بمليارات الدولارات، لذا يمكن القول بأن الأزمة قد أتت على الكثير من أخضر ويابس سورية.
في لبنان أزمة سياسية بين أطراف الأكثرية الحاكمة التي تدعو إلى النأي بالنفس عن الوضع السوري وبين المعارضة المرتبطة بالسعودية وتجاهر بتأييدها للفصائل السورية المسلحة وتقدم لها المال والسلاح، وقبل أيام أغتيل ضابط أمن في لبنان، معروف بانحيازه لتيار المستقبل، فوجه قادة هذا التيار أصابع الاتهام إلى سورية، وكادت محاولة المعارضة احتلال مقر رئاسة الحكومة بالقوة ومن بعدها استفزازات أنصار تيارالمستقبل المسلحين للأحياء الشيعية أن تؤدي إلى اشعال شرارة مواجهة كبرى، تخوف الكثيرون من أن تكون بداية حرب أهلية، والسعوديون يعرفون جيداً بأن الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة التي دامت خمس عشرة سنة لم تبقي إلا القليل من أخضر ويابس لبنان.
يتوجس الإردنيون خيفة من انعكاسات الصراع في سورية على أوضاعهم الداخلية ومستقبل بلادهم، وبالأمس القريب أعلنوا عن مقتل جندي إردني بنيران إرهابيين سلفيين متسللين من سورية، ولم تكن تلك أول محاولة تسلل، وحالة الاستقطاب الموجودة داخل الإردن لا تختلف جذرياً عن الوضع السوري، ولا يستبعد بلوغ التوتر القائم بين النظام الملكي وأنصاره من جهة والمعارضة نقطة حرجة تتحول عندها المواجهة إلى صراع دموي.
العراق أيضاً يخشى من تكرار السيناريو السوري على أرضه، وهو قد جرب وما زال اتون الصراع الطائفي، واتهم السعودية بالوقوف وراء الفتنة المذهبية بالفتاوى التكفيرية والرجال والسلاح والمال. وحتى تركيا ليست بمنأى عن تمدد الصراع السوري، إذ تتشابه التركيبة المذهبية والإثنية في البلدين، وعلى وقع الصراع السوري تعاظم النشاط العسكري لحزب العمال الكردي وازداد التململ الطائفي بين العلويين الذين يشكلون خمس سكان تركيا.
يتناقض تصريح وزير داخلية آل سعود مع كل المعطيات من حقائق ووقائع وتوقعات، لأن حكام السعودية لا يكترثون لانتشار الصراع في سورية إلى جيرانها، بل هم يتمنون ذلك، إذ هم يصنفون حكومات الدول العربية والاسلامية إلى صنفين: حليفة أو عدوة، ولا وسط بينهما، وهو انعكاس لنظرتهم الوهابية الضيقة والمشوهة للبشر والتي لا تعترف إلا بنوعين: مسلم صحيح العقيدة أو كافر، وصنف الكفار لا يشمل فقط غير المسلمين بل حتى المسلمين الذين لا يتفقون معهم تماماً ويأبون الخضوع لسلطتهم الدينية، وموقف السعودية من الحرب العراقية الإيرانية هو خير مثال على سياسة السعودية تجاه الدول العربية والاسلامية المجاورة لها، فقد وجدت السعودية في الحرب التي شنها الطاغية البعثي في العراق فرصة لاضعاف الدولتين، ولذلك شجعت وساعدت النظام العراقي على الاستمرار في عدوانه واشترت له الأسلحة والمعدات من كل دول العالم حتى استنزفت معظم احتياطيها واضطرت للاستدانة من البنوك المحلية، وبعد انتهاء الحرب تآمرت مع حكومة أمريكا على توريط النظام العراقي باحتلال الكويت لتدمير ما تبقى لديه من أسلحة غير تقليدية، وما زالت تعمل بدون كلل أو ملل على ابقاء العراق ضعيفاً ومعزولاً، ولا يوجد بين دول المنطقة أكثر تحريضاً لأمريكا على قتال الجمهورية الإسلامية من السعودية سوى الكيان الصهيوني.
كان الملك السعودي السابق فهد يكرر النصح لمواطنيه: احمدوا نعمة الأمن والأمان، والكل يعرفون بأنه أبعد ما يكون عن التدين والحرص على حمد النعم الربانية، لكنها رسالة مكررة من آل سعود إلى شعبهم بأنهم أي آل سعود تجسيد لهذه النعمة ومن دونهم يضطرب الأمن ويفقد الأمان، لذا آل سعود لا يكترثون لاحتراق كل ما حولهم من دول عربية وإسلامية بل هم مشعلوا كل حريق في المنطقة لكي يقنعوا مواطنيهم بالاحجام حتى عن التفكير بتغيير النظام السعودي ولبسط سيطرتهم ونشر مذهبهم المتطرف بقوة السلاح والمال.
4 تشرين الثاني 2012م