المهدى
01-13-2005, 04:12 PM
د.جيمس زغبي
(رئيس المعهد العربي ـ الأميركي في واشنطن)
برزت صورتان شديدتا الاختلاف للولايات المتحدة الاميركية هذا الاسبوع. لكنهما صورتان حقيقيتان ويجب الاعتراف بهما على انهما كذلك من اجل فهم هذه البلاد.
فمن جهة، ظهر البيرتو غونزاليس مرشح الرئيس بوش لمنصب وزير العدل، امام اللجنة القانونية في الكونغرس، واجاب عن التساؤلات حول دوره في سلسلة الاحداث التي قادت الى عمليات التعذيب في غوانتانامو وابو غريب.
وفي الوقت ذاته، شهدت البلاد موجة عارمة من التبرعات السخية اسفرت عن جمع مئات الملايين من الدولارات لضحايا زلزال تسونامي الذي ادى الى مقتل الآلاف والحاق اضرار فادحة بدول جنوب شرق آسيا.
وقد وصل السخاء في العطاء والتعاطف الى مدى كبير.. وهذه هي الصورة الحقيقية للولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة تستخدم قوتها بصورة متغطرسة ولا تعبأ بآلام الاخرين، وهذه صورة اخرى.
اولا، في ما يتعلق بغونزاليس، طالب احد كتاب الاعمدة في صحيفة واشنطن بوست اعضاء الكونغرس، بتذكر المشاعر التي انتابتهم لدى الاعلان عن فضيحة ابو غريب، قبل المصادقة على تعيينه. وحذر احد الكتاب في صحيفة نيويورك تايمز من انه اذا تمت المصادقة على تعيين غونزاليس فان ذلك لن يؤدي الى اعاقة العدالة فحسب، بل ان ذلك يشكل خطرا على الولايات المتحدة بأسرها، واضاف، اننا جميعا سنكون مسؤولين عن التعذيب في هذه الحالة.
وكما علمنا من الوثائق المنشورة خلال العام الماضي (على الرغم من تحفظ البيت الابيض على وثائق اخرى)، فان التعديب لم يكن عفويا او تصرفا فرديا، بل ان استخدام العنف كان اوسع انتشارا وشمل مدى واسعا من الممارسات الخارجة على القانون، وكان هناك علم به في اعلى مستويات ادارة بوش.
وبالتالي، فان ما هو اكثر اثارة للقلق في كل هذا الموضوع، هو انه على الرغم من الرعب الذي شعر به الاميركيون حين علموا بالتعذيب في سجن ابو غريب للمرة الاولى، وبالرغم من الضرر الكبير الذي الحقه بصورة الولايات المتحدة في العالم، وبالرغم من التعهدات بتقديم المسؤولين عن التعديب الى العدالة، فان الرجل المسؤول عن مذكرة البيت الابيض التي اعفت الجيش من الالتزام بالمواثيق الدولية التي تحظر التعديب، اصبح الان المسؤول الاكبر عن تطبيق القانون في الولايات المتحدة.
فلماذا هذه الغطرسة وغياب المساءلة اذاً؟
لان هذه هي الطريقة التي نعمل بها احيانا. فبينما كانت تتكشف خيوط فضيحة التعذب في واشنطن، خرج المواطنون الاميركيون بشكل تلقائي بالملايين الى الشوارع لتقديم التبرعات للمحتاجين من ضحايا زلزال جنوب شرق آسيا.
خطايا
ويعلم العالم بالتزام الرئيس بوش تقديم 350 مليون دولار كمساعدات اغاثة للدول المنكوبة مع وعد بتقديم المزيد ان لزم الامر، كما رأوا فرق المساعدة والطائرات الاميركية وهي تنقل مواد الاغاثة والمساعدات اللوجستية الضرورية لايصال مثل هذه المواد. كما سمعوا عن قرار بوش الحكيم للاستعانة بوالده الرئيس الاسبق جورج بوش والرئيس السابق بيل كلينتون لجمع التبرعات من القطاع الخاص.
لقد كان الرئيس بوش محقا حين قال: «اننا نظهر تعاطف شعبنا بالاستجابة السريعة لحاجات الدول المتضررة. ولكن المصدر الاكبر لسخاء الولايات المتحدة ليس الحكومة، بل القلوب الطيبة لافراد الشعب الاميركي».
فهذه النقطة الاخيرة هي التي ربما لا يعرفها الكثيرون في العالم. ان القاء نظرة على التقارير الصحفية من مختلف ارجاء البلاد يكشف عن سخاء لا نظير له في تقديم المواطنين الاميركيين للمساعدة للدول المتضررة.
لقد قدم مشاهير هوليوود مساعدات بملايين الدولارات، كما قدمت شركات اميركية كبرى عشرات الملايين من الدولارات، اضافة الى الملايين التي يتم جمعها يوميا من متبرعين صغار من مختلف انحاء الولايات المتحدة.
لقد شهدت البلاد حشدا يثير الاعجاب، لجمع التبرعات من قبل المؤسسات الصغيرة والكبيرة على حد سواء. واشارت جمعية خدمات الاغاثة الكاثوليكية الى انها بينما كانت تجمع تبرعات عبر موقعها على الانترنت تصل الى 40 الف دولار شهريا، الا انها جمعت مؤخرا 100 الف دولار في الساعة لمساعدة منكوبي آسيا. واوردت الكنائس والمساجد جهودا كبيرة بهذا الاتجاه، فضلا عن المدارس. وبلغت التقديرات لحجم التبرعات عن القطاع الخاص اكثر من نصف مليار دولار.
لقد شعر الناس بالحزن العميق وهم يشاهدون التقارير التلفزيونية عن المأساة، وافاد استطلاع للرأي ان اكثر من نصف العائلات الاميركية قدمت تبرعات لمساعدة الضحايا.
فلماذا كل هذا التعاطف والسخاء؟ لان الاميركيين هم كذلك. وبالطبع، لسنا متفردين في ذلك، فمعظم الدول ابدت مشاعر مشابهة وتحركت للمساعدة. ولكن في ذلك درسا يجب تعلمه. فهذان الجانبان في شخصيتنا الوطنية يجب الاقرار بهما وعدم نسيانهما. لقد ظلتا جزءا من كينونتنا.
فمنذ البداية، ولدت ديموقراطيتنا الملهمة مع خطايا العبودية والتطهير العرقي لسكان البلاد الاصليين. ونحن لدينا تمثال الحرية كرمز للحرية، كما لدينا «غارات بالمر» ضد الهنود الحمر ومعسكرات اعتقال اليابانيين اثناء الحرب العالمية الثانية، كجزء من تاريخنا. ونحن في بلاد انتجت قبائل كوكلوكس العنصرية المتعصبة للعرق الابيض وانجبت مارتن لوثركنغ.
ولأن هذين التيارين من الاميركيين يعيشان معنا دائما، علينا الاعتراف بهما والتعامل معهما. فاذا ادعينا ان ما لدينا هو الجانب «المشرق» فقط، فاننا نعطي الجانب الآخر السطوة الكاملة. وكذلك، اذا ركزنا على الجانب المتغطرس واللامتسامح من اميركا، فاننا نظلم الملايين من الأميركيين الطيبين ونضعف قدرتهم على الاصلاح والتغيير.
(رئيس المعهد العربي ـ الأميركي في واشنطن)
برزت صورتان شديدتا الاختلاف للولايات المتحدة الاميركية هذا الاسبوع. لكنهما صورتان حقيقيتان ويجب الاعتراف بهما على انهما كذلك من اجل فهم هذه البلاد.
فمن جهة، ظهر البيرتو غونزاليس مرشح الرئيس بوش لمنصب وزير العدل، امام اللجنة القانونية في الكونغرس، واجاب عن التساؤلات حول دوره في سلسلة الاحداث التي قادت الى عمليات التعذيب في غوانتانامو وابو غريب.
وفي الوقت ذاته، شهدت البلاد موجة عارمة من التبرعات السخية اسفرت عن جمع مئات الملايين من الدولارات لضحايا زلزال تسونامي الذي ادى الى مقتل الآلاف والحاق اضرار فادحة بدول جنوب شرق آسيا.
وقد وصل السخاء في العطاء والتعاطف الى مدى كبير.. وهذه هي الصورة الحقيقية للولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة تستخدم قوتها بصورة متغطرسة ولا تعبأ بآلام الاخرين، وهذه صورة اخرى.
اولا، في ما يتعلق بغونزاليس، طالب احد كتاب الاعمدة في صحيفة واشنطن بوست اعضاء الكونغرس، بتذكر المشاعر التي انتابتهم لدى الاعلان عن فضيحة ابو غريب، قبل المصادقة على تعيينه. وحذر احد الكتاب في صحيفة نيويورك تايمز من انه اذا تمت المصادقة على تعيين غونزاليس فان ذلك لن يؤدي الى اعاقة العدالة فحسب، بل ان ذلك يشكل خطرا على الولايات المتحدة بأسرها، واضاف، اننا جميعا سنكون مسؤولين عن التعذيب في هذه الحالة.
وكما علمنا من الوثائق المنشورة خلال العام الماضي (على الرغم من تحفظ البيت الابيض على وثائق اخرى)، فان التعديب لم يكن عفويا او تصرفا فرديا، بل ان استخدام العنف كان اوسع انتشارا وشمل مدى واسعا من الممارسات الخارجة على القانون، وكان هناك علم به في اعلى مستويات ادارة بوش.
وبالتالي، فان ما هو اكثر اثارة للقلق في كل هذا الموضوع، هو انه على الرغم من الرعب الذي شعر به الاميركيون حين علموا بالتعذيب في سجن ابو غريب للمرة الاولى، وبالرغم من الضرر الكبير الذي الحقه بصورة الولايات المتحدة في العالم، وبالرغم من التعهدات بتقديم المسؤولين عن التعديب الى العدالة، فان الرجل المسؤول عن مذكرة البيت الابيض التي اعفت الجيش من الالتزام بالمواثيق الدولية التي تحظر التعديب، اصبح الان المسؤول الاكبر عن تطبيق القانون في الولايات المتحدة.
فلماذا هذه الغطرسة وغياب المساءلة اذاً؟
لان هذه هي الطريقة التي نعمل بها احيانا. فبينما كانت تتكشف خيوط فضيحة التعذب في واشنطن، خرج المواطنون الاميركيون بشكل تلقائي بالملايين الى الشوارع لتقديم التبرعات للمحتاجين من ضحايا زلزال جنوب شرق آسيا.
خطايا
ويعلم العالم بالتزام الرئيس بوش تقديم 350 مليون دولار كمساعدات اغاثة للدول المنكوبة مع وعد بتقديم المزيد ان لزم الامر، كما رأوا فرق المساعدة والطائرات الاميركية وهي تنقل مواد الاغاثة والمساعدات اللوجستية الضرورية لايصال مثل هذه المواد. كما سمعوا عن قرار بوش الحكيم للاستعانة بوالده الرئيس الاسبق جورج بوش والرئيس السابق بيل كلينتون لجمع التبرعات من القطاع الخاص.
لقد كان الرئيس بوش محقا حين قال: «اننا نظهر تعاطف شعبنا بالاستجابة السريعة لحاجات الدول المتضررة. ولكن المصدر الاكبر لسخاء الولايات المتحدة ليس الحكومة، بل القلوب الطيبة لافراد الشعب الاميركي».
فهذه النقطة الاخيرة هي التي ربما لا يعرفها الكثيرون في العالم. ان القاء نظرة على التقارير الصحفية من مختلف ارجاء البلاد يكشف عن سخاء لا نظير له في تقديم المواطنين الاميركيين للمساعدة للدول المتضررة.
لقد قدم مشاهير هوليوود مساعدات بملايين الدولارات، كما قدمت شركات اميركية كبرى عشرات الملايين من الدولارات، اضافة الى الملايين التي يتم جمعها يوميا من متبرعين صغار من مختلف انحاء الولايات المتحدة.
لقد شهدت البلاد حشدا يثير الاعجاب، لجمع التبرعات من قبل المؤسسات الصغيرة والكبيرة على حد سواء. واشارت جمعية خدمات الاغاثة الكاثوليكية الى انها بينما كانت تجمع تبرعات عبر موقعها على الانترنت تصل الى 40 الف دولار شهريا، الا انها جمعت مؤخرا 100 الف دولار في الساعة لمساعدة منكوبي آسيا. واوردت الكنائس والمساجد جهودا كبيرة بهذا الاتجاه، فضلا عن المدارس. وبلغت التقديرات لحجم التبرعات عن القطاع الخاص اكثر من نصف مليار دولار.
لقد شعر الناس بالحزن العميق وهم يشاهدون التقارير التلفزيونية عن المأساة، وافاد استطلاع للرأي ان اكثر من نصف العائلات الاميركية قدمت تبرعات لمساعدة الضحايا.
فلماذا كل هذا التعاطف والسخاء؟ لان الاميركيين هم كذلك. وبالطبع، لسنا متفردين في ذلك، فمعظم الدول ابدت مشاعر مشابهة وتحركت للمساعدة. ولكن في ذلك درسا يجب تعلمه. فهذان الجانبان في شخصيتنا الوطنية يجب الاقرار بهما وعدم نسيانهما. لقد ظلتا جزءا من كينونتنا.
فمنذ البداية، ولدت ديموقراطيتنا الملهمة مع خطايا العبودية والتطهير العرقي لسكان البلاد الاصليين. ونحن لدينا تمثال الحرية كرمز للحرية، كما لدينا «غارات بالمر» ضد الهنود الحمر ومعسكرات اعتقال اليابانيين اثناء الحرب العالمية الثانية، كجزء من تاريخنا. ونحن في بلاد انتجت قبائل كوكلوكس العنصرية المتعصبة للعرق الابيض وانجبت مارتن لوثركنغ.
ولأن هذين التيارين من الاميركيين يعيشان معنا دائما، علينا الاعتراف بهما والتعامل معهما. فاذا ادعينا ان ما لدينا هو الجانب «المشرق» فقط، فاننا نعطي الجانب الآخر السطوة الكاملة. وكذلك، اذا ركزنا على الجانب المتغطرس واللامتسامح من اميركا، فاننا نظلم الملايين من الأميركيين الطيبين ونضعف قدرتهم على الاصلاح والتغيير.