فاتن
10-14-2012, 05:03 PM
سعدالدين منصوري
حصلت (الحجاز) على مراسلات خاصة وسريّة بخصوص قضية اعتقال الدبلوماسي في السفارة السعودية بهولندا، مشعل بن ذعار المطيري، فما هي خلفيات اعتقاله؟ ولماذا لجأ الى قطر؟ ولماذا أفرجت السلطات القطرية عنه بعد اعتقاله بفترة وجيزة؟
http://www.alhejazi.net/images/119_36_210.jpg
مشعل المطيري
تساؤلات كثيرة تثيرها قضية المطيري، وكان يمكن أن تكون طي الكتمان لولا قيام السلطات القطرية باعتقاله وكانت تنوي تسليمه الى السلطات السعودية لولا تدخّل أطراف أوروبية.
تقول رسالة سريّة (المطيري هو دبلوماسي سابق في السفارة السعودية في هولندا، وقد اختلف مع النظام بسبب كشفه لصفقات فاسدة تمرر عبر السفارة هناك وبتورّط السفير نفسه، ولما حاول كشف تلك العمليات وراسل وزير الخارجية سعود الفيصل شخصياً، جاء أمر من الخارجية السعودية بايقافه عن العمل وعودته فوراً إلى السعودية). وتضيف الرسالة (وهو الأمر الذي شكل لديه صدمة، فقرر حينها الانشقاق عن النظام وطلب اللجوء في هولندا). وتستدرك الرسالة (لكن النظام السعودي حاول بدهاء أن يجرّه ومحاولة ترضيته بحجة أنه لو عاد إلى السعودية سوف تحل المشكلة، وأرسلوا إليه شقيقه وهو ضابط أمن يعمل رئيساً لأحد أقسام المباحث في الرياض وتمّ اقناعه بعد أن تم تأميله بحل القضية بشفافية وعدالة، وحين عودته تم حجزه ثم منعه من السفر وجعله في الاقامة الجبرية).
تعود قصة المطيري مع قضايا الفساد الى مرحلة مبكرة حين كان يعمل في السفارة السعودية في باريس في بداية الثمانينات، وكان رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق يجول أوروبا لعقد صفقات السلاح نيابة عن النظام السعودي مع دول اوروبا.. فكان المطيري يستقبل الحريري في السفارة ويتساءل عن سر الصفقات العسكرية وحجم العمولات المقتطعة من أثمان الصفقات..كان يقال له: الحريري خط أحمر وعليك أن تصمت. فتعلّم مشعل أن ينفذ الأوامر ولا يُناقش واستمر يخدم بلده ويُطبّق سياسة (لا أرى لا أسمع لا أتكلم).
و خلال عمله الاخير في بداية سنة 2000 في السفارة السعودية في هولندا، وقعت عينه على أسرار الفساد المالي والاداري في السفارة واطلع على فضائح العمولات، وكان السفير السعودي في لاهاي يسرح ويمرح ويتقلب في البزنس يميناً وشمالاً ويعقد الصفقات التجارية وكانت لديه بطانة من السماسرة العرب الذين يحملون الجنسية الهولندية تقتصر مهمتهم على عقد صفقات لحوم غير خاضعة لشروط الشريعة الإسلامية ثم يتم تصديرها للسعودية، وهنالك موظفون
وموظفات عربيات هنّ من يتحكمن بإدارة وسير السفارة، وكان مشعل يشاهد كل تلك الفضائح والتجاوزات حتى طفح به الكيل، فقرّر أن يفتح فمه ويصرخ لكي يفضح ما يجري في السفارة، فقام بمُراسلة وزير الخارجية سعود فيصل شخصياً ليطلعه على ما يجري وما يدور من فساد وتلاعب داخل السفارة، ظاناً أن سعود فيصل حريص على سمعة السفارات، ناسياً أن سعود قد سلّم الخيط والمخيط في إدارة الخارجية لأبناء أخته وهم من يدير أمور السفارات ولا يُستبعد أنهم كانوا شركاء في تلك الصفقات مع السفير السعودي في لاهاي.
وبدلاً من فتح تحقيق عاجل لمُتابعة ما يجري داخل السفارة في لاهاي، تم إيقاف مشعل المطيري عن العمل، ومن ثم مطالبته بالعودة فوراً الى البلاد. هنا صعق مشعل المطيري وأصيب بإحباط وانكسار لأنه أراد خدمة وطنه فاتضح أن الوطن مُختطف وأن البلد هو عبارة عن مزرعة خاصة لآل سعود وكلابهم، وكل من يُحاول تصحيح مسار العربة سيكون مصيره الدهس أو الطرد والتقريع!
فقرر مشعل المطيري أن يُعلن انشقاقه عن النظام ويطلب حق اللجوء السياسي في هولندا، وبالرغم من مُحاباة الحكومة الهولندية للنظام السعودي، إلا أن دائرة الهجرة الهولندية منحت المطيري حق اللجوء السياسي وبقي في هولندا يعيش حياته كمعارض وناشط سياسي، فتحرّكت آلة التشويه والفبركة السعودية ضد مشعل المطيري للتهوين من شأنه والتقليل من خبر انشقاقه على النظام ومن ثم لجوئه إلى هولندا، وبدأت وسائل الإعلام السعودية المأجورة تتخبط في معلوماتها المُضحكة، فقالوا عنه أنهُ مجرد حارس أمن يعمل في البوابة، ومهمته تفتيش زوّار السفارة! ثم عادوا واتهموه بأنه متهم باختلاس أموال من صندوق السفارة التي كانت تحت عهدته! فكيف يكون مُجرد حارس وبنفس الوقت هو مسؤول عن صندوق السفارة؟!
http://www.alhejazi.net/images/119_37_400.jpg
علماً أن مشعل المطيري هو دبلوماسي وإداري قديم وليس حارس أمن كما يزعم أزلام آل سعود، وإلا فإن مشعل تدرّج في السلك الدبلوماسي وعمل في السلك الإداري في السفارة السعودية في فرنسا في بادية الثمانينيات من القرن الماضي، ثم عمل لاحقاً في السفارة السعودية في العراق قبيل أزمة احتلال الكويت، ولو كان حارساً كما يزعم هؤلاء لأصبح الآن برتبة مسؤول الأمن العام عن مُتابعة كل السفارات السعودية بحكم خدمته الطويلة وخبرته الكبيرة.
وبعد مرور عدّة أشهر على لجوء مشعل المطيري في هولندا، وبعد موجة وهجمة عارمة من التخوين والتشويه موجهة ضده من قبل أجهزة الأمن ووسائل الإعلام المحلية، بدأت السلطات السعودية تتواصل معه وتفاوضه من أجل عودته إلى الديار واعدين إياه بحل تلك المشكلة وفق ما يرضيه، وذلك من خلال فتح تحقيق على أعلى المستويات حول ملف الفساد الإداري والمالي في السفارة، وزيادة في الاطمئنان أرسلوا له شقيقه لكي يقنعه بالعودة، وقد اقتنع مشعل بتلك الوساطة وبلع الطعم، فقرر العودة دون أن يُبلغ السلطات الهولندية عن قراره كونه لاجئاً سياسياً وهو
معرّض للاغتيال أو الخطف أو الوقوع في مشاكل أخرى، بحيث أن السلطات السعودية خطّطت لتلك العملية بسرية وعناية ونفّذت عن طريق شقيقه الذي التقاه لاحقاً في بلجيكا، حيث طلبوا منه أن يذهب مع أسرته إلى بلجيكا ومن هناك سيجد حجز طيران جاهزاً وسيغادر إلى مطار الرياض.
صدقهم مشعل المطيري وعاد للسعودية برجليه متأمّلاً بالوعود والعهود التي أعطيت له، كما عاد من قبله عبد العزيز الشنبري وكما عاد لاحقاً وجدي غزاوي، وكان الخازوق السعودي جاهزاً!
فتعرض مشعل لتحقيق أمني مشبع باللوم والتقريع والسخرية، ثم تمّ حجزه مؤقتاً وأطلق سراحه مع خضوعه للمراقبة ومنع من السفر، حينها أدرك مشعل أنه خُدع وأنه قد تم استدراجه بمكر من هولندا، وهو عن حسن نية بلع الطعم ووقع في الفخ، فقرر أن يغادر السعودية بأي ثمن كان، فلم يترك وسيلة إلا وجرّبها. راجع السفارة الهولندية في الرياض وطلب منهم إخلائه لهولندا كون أطفاله ولدوا في هولندا ويحملون جنسية البلد، فأخبروه أنهم مستعدون لنقل الأطفال فقط لأنهم يحملون الجنسية الهولندية، أما هو فلا شأن لهم به!
فأخبرهم أنه لاجئ سياسي في هولندا ولديه أوراق وهويات تثبت ذلك، فأبلغوه أن لجوئه قد انتهى مفعوله منذ أن غادر هولندا بإرادته ثم جاء برجليه إلى السعودية. فأدرك مشعل المأزق الذي وضع نفسه فيه وعرف بالمكيدة التي انطلت عليه، كما أدركها لاحقاً وجدي غزاوي حينما علم بالخطة ـ الخديعة المُحكمة التي كانت تنتظره بعد عودته.
وبطريقة ما ومن خلال بعض المعارف إستطاع مشعل المطيري أن يمر عن طريق المعبر البري السعودي لدولة قطر، فتنفس الصعداء، وظن أنهُ لن يظلم أو يُضام في ديرة ابن ثاني وكان مخطئاً.
لكنه، حسب الرسالة، حين خرج مع أسرته الى قطر ظنّ أنه وصل الى بر الأمان، ولم يعتقد للحظة بأن دولة قطر باتت في مقلب آخر، ولم تعد كما ظنّ بأنها ملاذ آمن، خصوصاً أن أغلب السعوديين يظنون خطئاً أن أمير قطر رجل نبيل وسوف يوفر لهم الملاذ الآمن.
تذكر الرسالة بأن المطيري قدّم دعوى قضائية ضد النظام السعودي في إحدى المحاكم البلجيكية عن طريق توكيل محام بلجيكي من أصول تونسية، ويبدو أن المحامي باعه للسفارة السعودية، وكل ذلك بحسب الرسالة.
سلطات الأمن القطرية ألقت القبض على مشعل المطيري بعد دخوله الى أراضيها، وربما كان من باب إثبات حسن النوايا إزاء الصديق اللدود خلف الحدود، أي النظام السعودي، بالغت في إظهار الحزم في قضية المطيري الذي اعتقلته وكانت تنوي تسليمه للسلطات السعودية. فقامت في يوم السبت الموافق 1/9/2012 باعتقال المطيري بطريقة وحشية وصادرت كل مقتنياته الشخصية المحفظة والهاتف النقّال، وأودع سجن أمن العاصمة شرق الدوحة فيما يُسمى بـ عنبر الخليجيين، فيما سرت شائعات بأن سيتم تسلميه إلى النظام السعودي في مرحلة قريبة مقبلة، إذا لم تتدخل منظمات حقوق الانسان الدولية لتخليصه من قبضة السلطات القطرية المتواطئة أصلاً مع النظام السعودي، ويعود سبب اعتقال مشعل المطيري إلى كونه قام بتسجيل قضية جنائية (إرهاب دولي) ضد الحكومة السعودية في احدى المحاكم البلجيكية.
وفيما يرتبط بالمحامي البلجيكي من أصول تونسية، فهناك اعتقاد على نطاق واسع بأن النظام السعودي قام بشراء ذمته، وكان موكلاً بالمرافعة في القضية التي تحمل رقم / COR / 9247 < BP / 1100792 بسبب تخاذل الأخير ومحاولته التهرب والتنصل عن موكله، وهو ما سيدفع أسرته لمقاضاة المحامي البلجيكي المتواطئ مع السلطات السعودية. وقد خضعت أسرة المطيري لتدابير أمنية صارمة ومعاملة قاسية من قبل السلطات القطرية التي حاصرت مكان إقامة عائلة المطيري في إحدى الشقق في العاصمة القطرية، وليس لهم أقارب في قطر وبقي أبناؤه محرومين من الدراسة منذ تواجدهم داخل اراضي المملكة، وكذالك داخل الأراضي القطرية، بينما الشيخة موزة زوجة أمير قطر تتبجح أمام الوفود الأجنبية بمجانية وإلزامية التعليم في دولة قطر!
وفي 11 سبتمبر الجاري أفرجت السلطات القطرية عن المطيري، حيث تم إطلاق سراحه الساعة الـ 6 صباحاً دون أن توجّه له أي اتهام، وكانت ردة فعل السلطات القطرية سريعة ومتجاوبة مع المُناشدات حيث باشرت بإطلاق سراحه دون أن تشترط عليه أي شروط أو تعرقل عملية إخلاء السبيل.
ويبدو أن هنالك جهات أمنية قطرية ذات رتب صغيرة أرادت التخلص من المعارض المطيري من خلال ترتيب سيناريو غير محكم لغرض إبعاده من قطر إلى المملكة، ودون معرفة الجهات العليا بالأمر، وذلك إرضاءً لأطراف سعودية متنفذة سبق وأن توسطت لدى مسؤول أمني كبير في قطر، حيث زار وفد عشائري سعودي يتكون من شخصيات أمنية سعودية مُتقاعدة من قبيلة مطير من فخذ ميمون الذي ينتمي إليه مشعل بن ذعار في السعودية، وكان على رأس ذلك الوفد فريق أمني
مُتقاعد يُدعى م. هـ. المطيري وهو بالمناسبة ابن عم ونسيب لمشعل المطيري، وقام ذلك الوفد المذكور بمقابلة شخصية أمنية قطرية رفيعة المستوى، وتوسلوه بأن يعيد مشعل المطيري إلى السعودية لأنه سبب لهم حرجاً بالغاً مع آل سعود، وعلى طريقة البدو في طلب الفزعة من المُضيف، قام أعضاء الوفد السعودي برمي عقلهم في حضن المسؤول الأمني القطري، راجين ومناشدين المسؤول القطري أن يسلم مشعل إلى السعودية!
إلا أن المسؤول الأمني القطري الرفيع اعتذر منهم بلطف لأن الأمر يتجاوز صلاحيته، ولأن مشعل المطيري لديه قضية مُسجّلة في أحد المحاكم البلجيكية مرفوعة ضد النظام السعودي واسمه أيضاً مُسجل في جمعيات حقوق الإنسان، ومن الصعوبة إبعاده بدون سبب أو مبرر، ويبدو أن الوفد السعودي وجد بعض الضباط من صغار الرتب الذين قبلوا أن يقوموا بذلك الدور القذر للتخلص من إبن عمهم مشعل المطيري، فتم القاء القبض عليه لغرض تسفيره إلى السعودية.
وحينما علمت السلطات القطرية العليا بحقيقة ما جرى من تلاعب ومؤامرة خبيثة، أمرت فوراً بإطلاق سراح مشعل المطيري، ومحاسبة المُتسبب في تلك القضية المُحرجة.
وقد ناشد ناشطون سياسيون وكذلك جمعيات حقوق الإنسان العربية الأمم المتحدة بالتدخل العاجل لإخلاء المُعارض مشعل المطيري وأسرته من دولة قطر ونقله إلى هولندا أو أي بلد أوربي آخر، علماً أن مشعل المطيري كان دبلوماسياً سابقاً في لاهاي حيث طلب حق اللجوء السياسي في هولندا قبل أن يتم استدرجه للسعودية.
ولا يُستبعد أن تقوم السلطات الأمنية السعودية بعد فشلها بمحاولات أخرى لتسليم المطيري، أو ربما ترسل بعض المُرتزقة لإيذائه خصوصاً أنهُ لا يحظى بأي لجوء سياسي داخل قطر. وقد حاول المسؤولون القطريون مساومة المطيري من أجل إعادته بهدوء الى المملكة، وأخبروه بأن يحل مشاكله مع النظام السعودي بسرعة وإلا فإنهم سوف يضطروا الى تسليمه. وتعلق مصادر المعارضة على هذه المساومة بالقول بأن النظام القطري أراد أن يبعث برسالة واضحة للواهمين بشرعية الاحتماء بنظام آل ثاني أن لا ملاذ آمن لديكم في الدوحة! ويلفت مصدر في المعارضة الى تغافل
قناة (الجزيرة) أغفلت قضية المطيري وهي التي تتبجح بشعار (الرأي والرأي الآخر)، فقد نأت بنفسها تماماً عن حتى مجرد ذكر قضية المطيري، تماماً كما تجاهلت قضية الشاعر النبطي القطري محمد بن الذيب، وكذلك الحال بالنسبة للشأن القطري.
تعلّق مصادر المعارضة للنظام السعودي على قصة اعتقال السلطات القطرية لمشعل المطيري، بأنه ربما كان خطأ مشعل المطيري وغيره من اليائسين والواهمين بالحصول على ملاذ آمن في دولة قطر، أنهم جاؤوا ضيوفاً على دولة (أبو مشعل).. لكنهم لم يُدركوا الحقيقة المرّة..(حيث فوجئوا أن دولة قطر قبل المصالحة مع آل سعود هي ليست قطر ما بعد المصالحة).
ويعني ذلك: أرادت دولة قطر من خلال اعتقال مشعل المطيري أن تبعث برسالة واضحة للكثير من السعوديين المُتأملين أو الحالمين بالعيش في رخاء أو أمان الدوحة، أن توقفوا عندكم فلا مكان لكم بين ظهرانينا لأنكم ستسببون لنا الحرج الكبير مع النظام السعودي، وأننا لن نستقبلكم ونتحمل تبعات مواقفكم الحُرة بعد أن تصالحنا مع آل سعود.
وفي ضوء ما سبق، فإن وجود مشعل المطيري أوغيره من المعارضين في قطر ليس مرحباً به، هذا ما تحمله رسالة اعتقال المطيري ونيّة تسليمه، بل إن الكلام بأن عليك حل مشكلتك مع السلطات السعودية وإلا ستتحمل النتائج، كافية لحسم أي تردد من قبل من يأمل في اللجوء الى قطر جارة الشقيقة الكبرى.
حصلت (الحجاز) على مراسلات خاصة وسريّة بخصوص قضية اعتقال الدبلوماسي في السفارة السعودية بهولندا، مشعل بن ذعار المطيري، فما هي خلفيات اعتقاله؟ ولماذا لجأ الى قطر؟ ولماذا أفرجت السلطات القطرية عنه بعد اعتقاله بفترة وجيزة؟
http://www.alhejazi.net/images/119_36_210.jpg
مشعل المطيري
تساؤلات كثيرة تثيرها قضية المطيري، وكان يمكن أن تكون طي الكتمان لولا قيام السلطات القطرية باعتقاله وكانت تنوي تسليمه الى السلطات السعودية لولا تدخّل أطراف أوروبية.
تقول رسالة سريّة (المطيري هو دبلوماسي سابق في السفارة السعودية في هولندا، وقد اختلف مع النظام بسبب كشفه لصفقات فاسدة تمرر عبر السفارة هناك وبتورّط السفير نفسه، ولما حاول كشف تلك العمليات وراسل وزير الخارجية سعود الفيصل شخصياً، جاء أمر من الخارجية السعودية بايقافه عن العمل وعودته فوراً إلى السعودية). وتضيف الرسالة (وهو الأمر الذي شكل لديه صدمة، فقرر حينها الانشقاق عن النظام وطلب اللجوء في هولندا). وتستدرك الرسالة (لكن النظام السعودي حاول بدهاء أن يجرّه ومحاولة ترضيته بحجة أنه لو عاد إلى السعودية سوف تحل المشكلة، وأرسلوا إليه شقيقه وهو ضابط أمن يعمل رئيساً لأحد أقسام المباحث في الرياض وتمّ اقناعه بعد أن تم تأميله بحل القضية بشفافية وعدالة، وحين عودته تم حجزه ثم منعه من السفر وجعله في الاقامة الجبرية).
تعود قصة المطيري مع قضايا الفساد الى مرحلة مبكرة حين كان يعمل في السفارة السعودية في باريس في بداية الثمانينات، وكان رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق يجول أوروبا لعقد صفقات السلاح نيابة عن النظام السعودي مع دول اوروبا.. فكان المطيري يستقبل الحريري في السفارة ويتساءل عن سر الصفقات العسكرية وحجم العمولات المقتطعة من أثمان الصفقات..كان يقال له: الحريري خط أحمر وعليك أن تصمت. فتعلّم مشعل أن ينفذ الأوامر ولا يُناقش واستمر يخدم بلده ويُطبّق سياسة (لا أرى لا أسمع لا أتكلم).
و خلال عمله الاخير في بداية سنة 2000 في السفارة السعودية في هولندا، وقعت عينه على أسرار الفساد المالي والاداري في السفارة واطلع على فضائح العمولات، وكان السفير السعودي في لاهاي يسرح ويمرح ويتقلب في البزنس يميناً وشمالاً ويعقد الصفقات التجارية وكانت لديه بطانة من السماسرة العرب الذين يحملون الجنسية الهولندية تقتصر مهمتهم على عقد صفقات لحوم غير خاضعة لشروط الشريعة الإسلامية ثم يتم تصديرها للسعودية، وهنالك موظفون
وموظفات عربيات هنّ من يتحكمن بإدارة وسير السفارة، وكان مشعل يشاهد كل تلك الفضائح والتجاوزات حتى طفح به الكيل، فقرّر أن يفتح فمه ويصرخ لكي يفضح ما يجري في السفارة، فقام بمُراسلة وزير الخارجية سعود فيصل شخصياً ليطلعه على ما يجري وما يدور من فساد وتلاعب داخل السفارة، ظاناً أن سعود فيصل حريص على سمعة السفارات، ناسياً أن سعود قد سلّم الخيط والمخيط في إدارة الخارجية لأبناء أخته وهم من يدير أمور السفارات ولا يُستبعد أنهم كانوا شركاء في تلك الصفقات مع السفير السعودي في لاهاي.
وبدلاً من فتح تحقيق عاجل لمُتابعة ما يجري داخل السفارة في لاهاي، تم إيقاف مشعل المطيري عن العمل، ومن ثم مطالبته بالعودة فوراً الى البلاد. هنا صعق مشعل المطيري وأصيب بإحباط وانكسار لأنه أراد خدمة وطنه فاتضح أن الوطن مُختطف وأن البلد هو عبارة عن مزرعة خاصة لآل سعود وكلابهم، وكل من يُحاول تصحيح مسار العربة سيكون مصيره الدهس أو الطرد والتقريع!
فقرر مشعل المطيري أن يُعلن انشقاقه عن النظام ويطلب حق اللجوء السياسي في هولندا، وبالرغم من مُحاباة الحكومة الهولندية للنظام السعودي، إلا أن دائرة الهجرة الهولندية منحت المطيري حق اللجوء السياسي وبقي في هولندا يعيش حياته كمعارض وناشط سياسي، فتحرّكت آلة التشويه والفبركة السعودية ضد مشعل المطيري للتهوين من شأنه والتقليل من خبر انشقاقه على النظام ومن ثم لجوئه إلى هولندا، وبدأت وسائل الإعلام السعودية المأجورة تتخبط في معلوماتها المُضحكة، فقالوا عنه أنهُ مجرد حارس أمن يعمل في البوابة، ومهمته تفتيش زوّار السفارة! ثم عادوا واتهموه بأنه متهم باختلاس أموال من صندوق السفارة التي كانت تحت عهدته! فكيف يكون مُجرد حارس وبنفس الوقت هو مسؤول عن صندوق السفارة؟!
http://www.alhejazi.net/images/119_37_400.jpg
علماً أن مشعل المطيري هو دبلوماسي وإداري قديم وليس حارس أمن كما يزعم أزلام آل سعود، وإلا فإن مشعل تدرّج في السلك الدبلوماسي وعمل في السلك الإداري في السفارة السعودية في فرنسا في بادية الثمانينيات من القرن الماضي، ثم عمل لاحقاً في السفارة السعودية في العراق قبيل أزمة احتلال الكويت، ولو كان حارساً كما يزعم هؤلاء لأصبح الآن برتبة مسؤول الأمن العام عن مُتابعة كل السفارات السعودية بحكم خدمته الطويلة وخبرته الكبيرة.
وبعد مرور عدّة أشهر على لجوء مشعل المطيري في هولندا، وبعد موجة وهجمة عارمة من التخوين والتشويه موجهة ضده من قبل أجهزة الأمن ووسائل الإعلام المحلية، بدأت السلطات السعودية تتواصل معه وتفاوضه من أجل عودته إلى الديار واعدين إياه بحل تلك المشكلة وفق ما يرضيه، وذلك من خلال فتح تحقيق على أعلى المستويات حول ملف الفساد الإداري والمالي في السفارة، وزيادة في الاطمئنان أرسلوا له شقيقه لكي يقنعه بالعودة، وقد اقتنع مشعل بتلك الوساطة وبلع الطعم، فقرر العودة دون أن يُبلغ السلطات الهولندية عن قراره كونه لاجئاً سياسياً وهو
معرّض للاغتيال أو الخطف أو الوقوع في مشاكل أخرى، بحيث أن السلطات السعودية خطّطت لتلك العملية بسرية وعناية ونفّذت عن طريق شقيقه الذي التقاه لاحقاً في بلجيكا، حيث طلبوا منه أن يذهب مع أسرته إلى بلجيكا ومن هناك سيجد حجز طيران جاهزاً وسيغادر إلى مطار الرياض.
صدقهم مشعل المطيري وعاد للسعودية برجليه متأمّلاً بالوعود والعهود التي أعطيت له، كما عاد من قبله عبد العزيز الشنبري وكما عاد لاحقاً وجدي غزاوي، وكان الخازوق السعودي جاهزاً!
فتعرض مشعل لتحقيق أمني مشبع باللوم والتقريع والسخرية، ثم تمّ حجزه مؤقتاً وأطلق سراحه مع خضوعه للمراقبة ومنع من السفر، حينها أدرك مشعل أنه خُدع وأنه قد تم استدراجه بمكر من هولندا، وهو عن حسن نية بلع الطعم ووقع في الفخ، فقرر أن يغادر السعودية بأي ثمن كان، فلم يترك وسيلة إلا وجرّبها. راجع السفارة الهولندية في الرياض وطلب منهم إخلائه لهولندا كون أطفاله ولدوا في هولندا ويحملون جنسية البلد، فأخبروه أنهم مستعدون لنقل الأطفال فقط لأنهم يحملون الجنسية الهولندية، أما هو فلا شأن لهم به!
فأخبرهم أنه لاجئ سياسي في هولندا ولديه أوراق وهويات تثبت ذلك، فأبلغوه أن لجوئه قد انتهى مفعوله منذ أن غادر هولندا بإرادته ثم جاء برجليه إلى السعودية. فأدرك مشعل المأزق الذي وضع نفسه فيه وعرف بالمكيدة التي انطلت عليه، كما أدركها لاحقاً وجدي غزاوي حينما علم بالخطة ـ الخديعة المُحكمة التي كانت تنتظره بعد عودته.
وبطريقة ما ومن خلال بعض المعارف إستطاع مشعل المطيري أن يمر عن طريق المعبر البري السعودي لدولة قطر، فتنفس الصعداء، وظن أنهُ لن يظلم أو يُضام في ديرة ابن ثاني وكان مخطئاً.
لكنه، حسب الرسالة، حين خرج مع أسرته الى قطر ظنّ أنه وصل الى بر الأمان، ولم يعتقد للحظة بأن دولة قطر باتت في مقلب آخر، ولم تعد كما ظنّ بأنها ملاذ آمن، خصوصاً أن أغلب السعوديين يظنون خطئاً أن أمير قطر رجل نبيل وسوف يوفر لهم الملاذ الآمن.
تذكر الرسالة بأن المطيري قدّم دعوى قضائية ضد النظام السعودي في إحدى المحاكم البلجيكية عن طريق توكيل محام بلجيكي من أصول تونسية، ويبدو أن المحامي باعه للسفارة السعودية، وكل ذلك بحسب الرسالة.
سلطات الأمن القطرية ألقت القبض على مشعل المطيري بعد دخوله الى أراضيها، وربما كان من باب إثبات حسن النوايا إزاء الصديق اللدود خلف الحدود، أي النظام السعودي، بالغت في إظهار الحزم في قضية المطيري الذي اعتقلته وكانت تنوي تسليمه للسلطات السعودية. فقامت في يوم السبت الموافق 1/9/2012 باعتقال المطيري بطريقة وحشية وصادرت كل مقتنياته الشخصية المحفظة والهاتف النقّال، وأودع سجن أمن العاصمة شرق الدوحة فيما يُسمى بـ عنبر الخليجيين، فيما سرت شائعات بأن سيتم تسلميه إلى النظام السعودي في مرحلة قريبة مقبلة، إذا لم تتدخل منظمات حقوق الانسان الدولية لتخليصه من قبضة السلطات القطرية المتواطئة أصلاً مع النظام السعودي، ويعود سبب اعتقال مشعل المطيري إلى كونه قام بتسجيل قضية جنائية (إرهاب دولي) ضد الحكومة السعودية في احدى المحاكم البلجيكية.
وفيما يرتبط بالمحامي البلجيكي من أصول تونسية، فهناك اعتقاد على نطاق واسع بأن النظام السعودي قام بشراء ذمته، وكان موكلاً بالمرافعة في القضية التي تحمل رقم / COR / 9247 < BP / 1100792 بسبب تخاذل الأخير ومحاولته التهرب والتنصل عن موكله، وهو ما سيدفع أسرته لمقاضاة المحامي البلجيكي المتواطئ مع السلطات السعودية. وقد خضعت أسرة المطيري لتدابير أمنية صارمة ومعاملة قاسية من قبل السلطات القطرية التي حاصرت مكان إقامة عائلة المطيري في إحدى الشقق في العاصمة القطرية، وليس لهم أقارب في قطر وبقي أبناؤه محرومين من الدراسة منذ تواجدهم داخل اراضي المملكة، وكذالك داخل الأراضي القطرية، بينما الشيخة موزة زوجة أمير قطر تتبجح أمام الوفود الأجنبية بمجانية وإلزامية التعليم في دولة قطر!
وفي 11 سبتمبر الجاري أفرجت السلطات القطرية عن المطيري، حيث تم إطلاق سراحه الساعة الـ 6 صباحاً دون أن توجّه له أي اتهام، وكانت ردة فعل السلطات القطرية سريعة ومتجاوبة مع المُناشدات حيث باشرت بإطلاق سراحه دون أن تشترط عليه أي شروط أو تعرقل عملية إخلاء السبيل.
ويبدو أن هنالك جهات أمنية قطرية ذات رتب صغيرة أرادت التخلص من المعارض المطيري من خلال ترتيب سيناريو غير محكم لغرض إبعاده من قطر إلى المملكة، ودون معرفة الجهات العليا بالأمر، وذلك إرضاءً لأطراف سعودية متنفذة سبق وأن توسطت لدى مسؤول أمني كبير في قطر، حيث زار وفد عشائري سعودي يتكون من شخصيات أمنية سعودية مُتقاعدة من قبيلة مطير من فخذ ميمون الذي ينتمي إليه مشعل بن ذعار في السعودية، وكان على رأس ذلك الوفد فريق أمني
مُتقاعد يُدعى م. هـ. المطيري وهو بالمناسبة ابن عم ونسيب لمشعل المطيري، وقام ذلك الوفد المذكور بمقابلة شخصية أمنية قطرية رفيعة المستوى، وتوسلوه بأن يعيد مشعل المطيري إلى السعودية لأنه سبب لهم حرجاً بالغاً مع آل سعود، وعلى طريقة البدو في طلب الفزعة من المُضيف، قام أعضاء الوفد السعودي برمي عقلهم في حضن المسؤول الأمني القطري، راجين ومناشدين المسؤول القطري أن يسلم مشعل إلى السعودية!
إلا أن المسؤول الأمني القطري الرفيع اعتذر منهم بلطف لأن الأمر يتجاوز صلاحيته، ولأن مشعل المطيري لديه قضية مُسجّلة في أحد المحاكم البلجيكية مرفوعة ضد النظام السعودي واسمه أيضاً مُسجل في جمعيات حقوق الإنسان، ومن الصعوبة إبعاده بدون سبب أو مبرر، ويبدو أن الوفد السعودي وجد بعض الضباط من صغار الرتب الذين قبلوا أن يقوموا بذلك الدور القذر للتخلص من إبن عمهم مشعل المطيري، فتم القاء القبض عليه لغرض تسفيره إلى السعودية.
وحينما علمت السلطات القطرية العليا بحقيقة ما جرى من تلاعب ومؤامرة خبيثة، أمرت فوراً بإطلاق سراح مشعل المطيري، ومحاسبة المُتسبب في تلك القضية المُحرجة.
وقد ناشد ناشطون سياسيون وكذلك جمعيات حقوق الإنسان العربية الأمم المتحدة بالتدخل العاجل لإخلاء المُعارض مشعل المطيري وأسرته من دولة قطر ونقله إلى هولندا أو أي بلد أوربي آخر، علماً أن مشعل المطيري كان دبلوماسياً سابقاً في لاهاي حيث طلب حق اللجوء السياسي في هولندا قبل أن يتم استدرجه للسعودية.
ولا يُستبعد أن تقوم السلطات الأمنية السعودية بعد فشلها بمحاولات أخرى لتسليم المطيري، أو ربما ترسل بعض المُرتزقة لإيذائه خصوصاً أنهُ لا يحظى بأي لجوء سياسي داخل قطر. وقد حاول المسؤولون القطريون مساومة المطيري من أجل إعادته بهدوء الى المملكة، وأخبروه بأن يحل مشاكله مع النظام السعودي بسرعة وإلا فإنهم سوف يضطروا الى تسليمه. وتعلق مصادر المعارضة على هذه المساومة بالقول بأن النظام القطري أراد أن يبعث برسالة واضحة للواهمين بشرعية الاحتماء بنظام آل ثاني أن لا ملاذ آمن لديكم في الدوحة! ويلفت مصدر في المعارضة الى تغافل
قناة (الجزيرة) أغفلت قضية المطيري وهي التي تتبجح بشعار (الرأي والرأي الآخر)، فقد نأت بنفسها تماماً عن حتى مجرد ذكر قضية المطيري، تماماً كما تجاهلت قضية الشاعر النبطي القطري محمد بن الذيب، وكذلك الحال بالنسبة للشأن القطري.
تعلّق مصادر المعارضة للنظام السعودي على قصة اعتقال السلطات القطرية لمشعل المطيري، بأنه ربما كان خطأ مشعل المطيري وغيره من اليائسين والواهمين بالحصول على ملاذ آمن في دولة قطر، أنهم جاؤوا ضيوفاً على دولة (أبو مشعل).. لكنهم لم يُدركوا الحقيقة المرّة..(حيث فوجئوا أن دولة قطر قبل المصالحة مع آل سعود هي ليست قطر ما بعد المصالحة).
ويعني ذلك: أرادت دولة قطر من خلال اعتقال مشعل المطيري أن تبعث برسالة واضحة للكثير من السعوديين المُتأملين أو الحالمين بالعيش في رخاء أو أمان الدوحة، أن توقفوا عندكم فلا مكان لكم بين ظهرانينا لأنكم ستسببون لنا الحرج الكبير مع النظام السعودي، وأننا لن نستقبلكم ونتحمل تبعات مواقفكم الحُرة بعد أن تصالحنا مع آل سعود.
وفي ضوء ما سبق، فإن وجود مشعل المطيري أوغيره من المعارضين في قطر ليس مرحباً به، هذا ما تحمله رسالة اعتقال المطيري ونيّة تسليمه، بل إن الكلام بأن عليك حل مشكلتك مع السلطات السعودية وإلا ستتحمل النتائج، كافية لحسم أي تردد من قبل من يأمل في اللجوء الى قطر جارة الشقيقة الكبرى.