جمال
01-11-2005, 03:05 PM
الفوضى والجرائم والقتال والعنف قتلت ما تبقى من شارع الرشيد
زال سحر بغداد القديمة. تردى حال شارع الرشيد الذي كان ذات يوم قلب بغداد النابض بالحياة من سيئ لأسوأ منذ عقود، فالقمع خنق الحياة الثقافية التي كان الشارع مفعما بها وتضررت مقاهيه ومتاجره بسبب الحروب والعقوبات. لكن الفوضى والجرائم والقتال، والعنف الذي اندلع بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بالرئيس صدام حسين، قتلت ما تبقى من شارع الرشيد ذي الطراز المعماري المتميز بأعمدته الاسمنتية . ولم يعد سكانه حتى يحلمون بأن يستعيد شارعهم مجده البائد.
وفي السنوات الاخيرة من حكم صدام كان يمكن أن تجد في مقاهي شارع الرشيد مثقفا غريب الاطوار نجا من محاكمة. كان النقاش متوقفا لكن الحالة العامة كانت تظهر في الهمسات والاسلوب الذي يتحدث به الناس. وتردى حي وسط المدينة وتهالكت مبانيه. وفي حين امتدت يد عمران الى الاحياء الحديثة في أماكن أخرى من المدينة زحف الاهمال على المدينة القديمة.
وكان شارع الرشيد الذي تزينه البواكي المبنية بالحجر الايطالي جيد الاضاءة ونظيفا. وكان اشارات المرور تعمل والمتاجر تفتح وتغلق في مواعيدها. وفي مقهى أم كلثوم كانت الكآبة تخيم على الجلوس لكنهم كانوا يبقون حتى منتصف الليل يحتسون الحامض وهو مشروب ساخن من الليمون المجفف المغلي ويستمعون لأغان من تسجيلات الستينات للمطربة المصرية الشهيرة التي يحمل المقهى اسمها.
وبعد سقوط حكم صدام كان زيد عباس، صاحب المقهى، يعتزم التوسع بفتح مقهى اخر يحمل اسم الموسيقار والمطرب الشهير محمد عبد الوهاب أحد أعمدة الغناء العربي في القرن العشرين. لكن هذه الخطط جمدت اذ استبدل الخوف من الدولة بالخوف من الفوضى. فسكان شارع الرشيد يتوقون للاستقرار الذي يفتقدونه منذ عقود. وقال عباس «اذا كان للوضع أن يتحسن سافتح مقهى باسم الملك فيصل»، مشيرا الى الملك الذي أطيح به عام 1958.
وأضاف «على الاقل كانت الاحوال مستقرة في ذلك الوقت». وتابع عباس وهو يجلس وسط زبائنه الذين يلعبون الشطرنج «بدأت الكوارث عام 1958. لا يمكن القول ما اذا كان الحال الان أفضل أم في عهد صدام. الدخول ارتفعت لكن ليس هناك أمن. لم يعد هناك تسامح كذلك. اذا وجدت أي جماعة أن وجهات نظري هجومية ستقصف تجارتي». قبل عامين أو ثلاثة أعوام كان السياح يأتون الى شارع الرشيد والطلاب العرب يزورون مدرسة المستنصرية التي يرجع تاريخها للقرن الثالث عشر والتي تضم ما يقدر بنحو 80 ألف كتاب.
وكانت المتاجر تعرض السجاد الفارسي الذي اضطرت الاسر العراقية الغنية لبيعه عندما أدت حروب صدام الى افلاس البلاد. وفي شارع المتنبي القريب بدت الكتب المعروضة اكثر جرأة مما كان يتحمله حزب البعث فكتاب مثل «الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق» للكاتب حنا بطاطو يمكن العثور عليه اذا وثق البائع في تكتم المشتري. ومازال حشد يجتمع في ليالي الجمعة في متحف بغداد الذي نُهب بعد الحرب وهو مغلق الان للاستماع للمقامات وهي الاسهام العراقي في الموسيقى العربية. ولكن الان فقد تبدد تقريبا الزهو الذي اختالت به المدينة القديمة وظل صامدا في وجه عنف صدام وكذلك التفاؤل الذي ساد لفترة وجيزة بعد الحرب. فقد تحول شارع حيفا على الجانب الاخر من النهر الى ساحة لحرب المدن. وتسد مياه الصرف والقمامة المدخل الجنوبي لشارع الرشيد بالقرب من وزارة الاشغال العامة. أما الطرف الشمالي الذي يؤدي الى البنك المركزي العراقي فهو مغلق بالاسلاك الشائكة. والمتاجر تغلق عند الظهر وبعد ذلك بقليل تجوب العصابات المسلحة المنطقة.
وليس هناك شرطي واحد على مرمى البصر. وفي بعض الاحيان تلقى الجثث في الحي في اطار حرب التصفية الدائرة على نطاق محدود بين الميليشيات الاسلامية وأعضاء الجهاز الامني السابق.
وقال أبو سامح الذي كان يبيع البطاقات البريدية في الشارع منذ عقود «اننا ندفع ثمن حريتنا. لا شيء بأيدينا سوى انتظار يوم ننصف فيه». والمبنى المقابل له احترق منذ بضعة أشهر عندما أصابته قذيفة طائشة مما يطلق في سماء بغداد كل يوم.
وفي شارع المتنبي تحولت بعض المكتبات الى بيع مولدات الكهرباء، فهناك أزمة كهرباء في البلد. والكتب الاسلامية تهيمن على المعروض في مدينة كانت من أكثر مدن الشرق الاوسط علمانية. وتستفيد اسرة عباس صاحب المقهى من الانفاق الاميركي. فسعدت شقيقته المدرسة بعد الحرب بزيادة راتبها وبجهاز التلفزيون والبراد (الثلاجة). لكنها لم تعمل منذ أن أصابتها رصاصة من ستة أشهر وهي واقفة على باب منزلها. وقال عباس «اخترقت أعلى جنبها الايسر. الاطباء ذهلوا. العراقيون اعتادوا الرصاص».
زال سحر بغداد القديمة. تردى حال شارع الرشيد الذي كان ذات يوم قلب بغداد النابض بالحياة من سيئ لأسوأ منذ عقود، فالقمع خنق الحياة الثقافية التي كان الشارع مفعما بها وتضررت مقاهيه ومتاجره بسبب الحروب والعقوبات. لكن الفوضى والجرائم والقتال، والعنف الذي اندلع بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بالرئيس صدام حسين، قتلت ما تبقى من شارع الرشيد ذي الطراز المعماري المتميز بأعمدته الاسمنتية . ولم يعد سكانه حتى يحلمون بأن يستعيد شارعهم مجده البائد.
وفي السنوات الاخيرة من حكم صدام كان يمكن أن تجد في مقاهي شارع الرشيد مثقفا غريب الاطوار نجا من محاكمة. كان النقاش متوقفا لكن الحالة العامة كانت تظهر في الهمسات والاسلوب الذي يتحدث به الناس. وتردى حي وسط المدينة وتهالكت مبانيه. وفي حين امتدت يد عمران الى الاحياء الحديثة في أماكن أخرى من المدينة زحف الاهمال على المدينة القديمة.
وكان شارع الرشيد الذي تزينه البواكي المبنية بالحجر الايطالي جيد الاضاءة ونظيفا. وكان اشارات المرور تعمل والمتاجر تفتح وتغلق في مواعيدها. وفي مقهى أم كلثوم كانت الكآبة تخيم على الجلوس لكنهم كانوا يبقون حتى منتصف الليل يحتسون الحامض وهو مشروب ساخن من الليمون المجفف المغلي ويستمعون لأغان من تسجيلات الستينات للمطربة المصرية الشهيرة التي يحمل المقهى اسمها.
وبعد سقوط حكم صدام كان زيد عباس، صاحب المقهى، يعتزم التوسع بفتح مقهى اخر يحمل اسم الموسيقار والمطرب الشهير محمد عبد الوهاب أحد أعمدة الغناء العربي في القرن العشرين. لكن هذه الخطط جمدت اذ استبدل الخوف من الدولة بالخوف من الفوضى. فسكان شارع الرشيد يتوقون للاستقرار الذي يفتقدونه منذ عقود. وقال عباس «اذا كان للوضع أن يتحسن سافتح مقهى باسم الملك فيصل»، مشيرا الى الملك الذي أطيح به عام 1958.
وأضاف «على الاقل كانت الاحوال مستقرة في ذلك الوقت». وتابع عباس وهو يجلس وسط زبائنه الذين يلعبون الشطرنج «بدأت الكوارث عام 1958. لا يمكن القول ما اذا كان الحال الان أفضل أم في عهد صدام. الدخول ارتفعت لكن ليس هناك أمن. لم يعد هناك تسامح كذلك. اذا وجدت أي جماعة أن وجهات نظري هجومية ستقصف تجارتي». قبل عامين أو ثلاثة أعوام كان السياح يأتون الى شارع الرشيد والطلاب العرب يزورون مدرسة المستنصرية التي يرجع تاريخها للقرن الثالث عشر والتي تضم ما يقدر بنحو 80 ألف كتاب.
وكانت المتاجر تعرض السجاد الفارسي الذي اضطرت الاسر العراقية الغنية لبيعه عندما أدت حروب صدام الى افلاس البلاد. وفي شارع المتنبي القريب بدت الكتب المعروضة اكثر جرأة مما كان يتحمله حزب البعث فكتاب مثل «الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق» للكاتب حنا بطاطو يمكن العثور عليه اذا وثق البائع في تكتم المشتري. ومازال حشد يجتمع في ليالي الجمعة في متحف بغداد الذي نُهب بعد الحرب وهو مغلق الان للاستماع للمقامات وهي الاسهام العراقي في الموسيقى العربية. ولكن الان فقد تبدد تقريبا الزهو الذي اختالت به المدينة القديمة وظل صامدا في وجه عنف صدام وكذلك التفاؤل الذي ساد لفترة وجيزة بعد الحرب. فقد تحول شارع حيفا على الجانب الاخر من النهر الى ساحة لحرب المدن. وتسد مياه الصرف والقمامة المدخل الجنوبي لشارع الرشيد بالقرب من وزارة الاشغال العامة. أما الطرف الشمالي الذي يؤدي الى البنك المركزي العراقي فهو مغلق بالاسلاك الشائكة. والمتاجر تغلق عند الظهر وبعد ذلك بقليل تجوب العصابات المسلحة المنطقة.
وليس هناك شرطي واحد على مرمى البصر. وفي بعض الاحيان تلقى الجثث في الحي في اطار حرب التصفية الدائرة على نطاق محدود بين الميليشيات الاسلامية وأعضاء الجهاز الامني السابق.
وقال أبو سامح الذي كان يبيع البطاقات البريدية في الشارع منذ عقود «اننا ندفع ثمن حريتنا. لا شيء بأيدينا سوى انتظار يوم ننصف فيه». والمبنى المقابل له احترق منذ بضعة أشهر عندما أصابته قذيفة طائشة مما يطلق في سماء بغداد كل يوم.
وفي شارع المتنبي تحولت بعض المكتبات الى بيع مولدات الكهرباء، فهناك أزمة كهرباء في البلد. والكتب الاسلامية تهيمن على المعروض في مدينة كانت من أكثر مدن الشرق الاوسط علمانية. وتستفيد اسرة عباس صاحب المقهى من الانفاق الاميركي. فسعدت شقيقته المدرسة بعد الحرب بزيادة راتبها وبجهاز التلفزيون والبراد (الثلاجة). لكنها لم تعمل منذ أن أصابتها رصاصة من ستة أشهر وهي واقفة على باب منزلها. وقال عباس «اخترقت أعلى جنبها الايسر. الاطباء ذهلوا. العراقيون اعتادوا الرصاص».