سيد مرحوم
01-08-2005, 02:18 PM
اعطوني حلاً ... الى كل من يريد تأجيل الانتخابات أو مقاطعتها
أرض السواد - طاهر الخزاعي
اسابيع قليلة , هي أقل الجمع تفصلنا عن الانتخابات في العراق لتشكيل جمعية منتخبة لأقل من سنة من مهامها الرئيسة سن الدستور العراقي وتشكيل حكومة انتقالية أخيرا تعمل على التمهيد للانتخابات العامة .. استطيع القول بأن هذه الانتخابات أخذت حيزا فوق التصورات بل أكبر مما يوصف ! ولا أبالغ اذا قلت ان الاهتمام بهذه الانتخابات - من كل الرؤى الموافقة والمخالفة والمحايدة , من العرب والعجم ومن كل الملل والنحل - الاهتمام بها فاق الاهتمام بحرب احتلال العراق ذاتها .. ومن المؤكد أن للجميع أسبابهم , وهنا أستطيع الجزم أيضا بأن الاسباب كلها - نعم كلها على نحو الاستيعاب والشمول - هي اسباب ذاتية أنانية فئوية .. تعالوا لنناقش بصراحة تامة هذه الطروحات :
أولاً : القول بالمقاطعة لأن الانتخابات تحت ظل المحتل الأمريكي , ولا انتخابات مع وجود الاحتلال .
هذه الدعوى الصريحة والواضحة أكثر من رائعة لا بل هي الحق بعينه , نعم انها كلمة حق يُراد باطل بل ألف باطل ! .. كان يمكن أن تكون كلمة حق يُراد بها حق لو أمكن تصور خروج الاحتلال من العراق وبغض النظر عن الطريقة لكن بشرط أن يضمن لي واحداً من دعاة هذا القول عدم عودة البعثيين كالسابق بل وبمعية الوهابية والسلفية التي وفدت للعراق بفضل أمريكا وصدام ؟! .. أو عدم الخوض في اتون الحرب الاهلية ومن ثم التقسيم ! .
نعم لو افترضنا هدوء واستقرار الوضع العراقي ولا يوجد هناك من يستهدف الشعب العراقي , لكنا جميعا ضد الانتخابات مع وجود الاحتلال .. ولو افترضنا ايضا وجود مقاومة وطنية نزيهة شريفة الاهداف والنوايا عراقية أصيلة , لكنا جميعا ضد الانتخابات مع وجود المحتل .. بشفافية تامة , من يدعي مقاطعة الانتخابات لأن العراق تحت الاحتلال هم البعثيون والمتحالفون معهم , وليس أقوى من بياناتهم وفعلهم على أرض الواقع العراقي من دليل على ذلك .. من هنا تكون هذه الدعوى باطلة لبطلان أهداف أصحابها , وأصحابها يعلنون عن أنفسهم , فهم بين انصار السنة - جناج بعثي - والجهاد والتوحيد - جناح زرقاوي - والجيش الاسلامي - جناح للقاعدة - ومسميات هنا وهناك لم نجد بينها مسمى واحدا واضحا يمكن أن يخلو من شوائب البعثيين والظلاميين .
رُبَّ قائل : هذا لا يُبرر اجراء الانتخابات تحت نير المحتل .
والجواب : بل يُبرر ويعطي التبرير قوة , اذ أننا أمام عدوين لا فرق بينهما , المحتل من جانب والبعثيون والارهابيون - معا - من جانب آخر .. سيما وأن بنادق الارهاب ودعاة المقاومة "المساومة" موجهة الى صدور العراقيين شرطة وحرس وكيانات ادارية وسياسية ودينية أكثر مما هي موجهة ضد المحتل , وبالتالي فهؤلاء إن لم يساووا الاحتلال في جرمه فهم أشد وطأة منه وهؤلاء لا يعملون لاخراج المحتل وتحرير العراق بقدر ما يعملون على استرداد مجد توهموا انه ضاع ! .
الاحتلال الى زوال طالت السنون أم قصرت , بل وسيكون الاحتلال عامل وحدة عراقية - من منطق المحنة المشتركة - اذا ما عرفنا كيف نتصرف لاحقا , أما هؤلاء فهم عامل فتنة وقتل وتدمير وذبح . وفوق هذا كله نجد رؤوس هذه الدعوى هم أزلام البعث وجيوش تقمصت اسم الاسلام ظلما وبهتاناً . لم نجد فصيلا عراقيا واحدا يقاطع الانتخابات على هذا الاساس ذلك لأن الجميع يدرك حجم الكارثة المقصودة من هذه الدعوى في ظل التداعيات التي نجمت من سوء تصرف قوات الاحتلال والحكومات المؤقتة العراقية وأدت الى وضع مأساوي لا يمكن معه تصور صحة الدعوى أعلاه .
نعم هناك بعض اشخاص وبعض مسميات حركات أغبلها قومية تلوك هذه الدعوى وتقول لا يمكن اجراء انتخابات في ظل الاحتلال , وكثير من هؤلاء يناغم البعث في توجهه فضلاً من الوفاق الأدلجي بينهما , وآخر يناغم الموقف العربي الحاكم , وأفضل من فيهم أخذته العزة بالإثم , بحيث الاصرار على الموقف الرافض للاحتلال وكل شيء في العراق مع وجود المحتل بغض النظر عن النتائج وإن احترق العراق بأهله أو حدث ما حدث على طريقة - عنز وإن طارت - , لا يهم ذلك في سياستهم , فالمهم أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة , ولكنها معركة يقودها الزرقاوي وسبعاوي ويحز الرؤوس فيها فدائيو صدام !!! .
ثم ما هذه الملازمة المحشورة حشراً بين الانتخابات والاحتلال ؟ ..
ألسنا نصلي ونصوم ونمارس شعائرنا تحت ظل الاحتلال , ألسنا نحتفل ونسافر من والى العراق بوجود الاحتلال ؟ ألم نمارس كل فعاليات الحياة بما في ذلك الفعاليات السياسية - والكلام للذين لم ينضووا في الحكومة المؤقتة - ونمارس العمل الحزبي والسياسي والصحفي تحت ظلال الاحتلال ؟! ماهو الفارق مع الانتخابات ؟ هذا هو السؤال ؟
نعم الجديد حسب الدعوى - اذا أحسنا الظن - أن الحكومة المنتخبة ربما تعقد الصفقات وتوقع المعاهدات مع أمريكا .. وهنا أمر مهم حقاً .. ولكن هذا لا يُبرر أيضا مقاطعة الانتخابات بل يمكن فهمه من الجانب المعاكس ويمكن القول أن يتم التحشيد والتعبئة كي ينتخب الشعب ممثليه ويكون الشعب حاضرا في الميدان وتطلب الحكومة المنتخبة خروج المحتل من العراق وبالتالي تكون الانتخابات هي الحل الوحيد الذي يمكن أن يكون عاملاً هاما لاخراج المحتل وليس العكس .. اضافة الى أن الحكومة القادمة بهذه الانتخابات هي حكومة انتقالية لأقل من سنة , كل ما يميزها الشرعية المكتسبة من الانتخاب .. ولا يُفترض لحكومة مدتها أقل من سنة أن تُلزم العراق باتفاقيات ومعاهدات لعشرات السنين قادمة بحيث تأتي الحكومات الدائمة اللاحقة تُنفذ ما وقعته الحكومة الانتقالية .
ثمة أمر آخر , فقد يُقال ان الانتخابات مع وجود المحتل لم تكن نزيهة وسيعمل المحتل على تزويرها وتسييرها بالوجهة التي يريد وفقاً لمآربه وأشخاصه .. وهذا أمر ممكن . وممكن ايضا تزوير الانتخابات في أي دولة مستقلة وقد حصل وكثيرا - وخاصة في عالمنا الشرقي - ما تكون نتائج الانتخابات لصالح الفئة الحاكمة .. إلا أن الانتخابات القريبة في العراق فيها من الضمانات ما يؤدي بشكل عقلائي الى تقليل احتمالية التزوير , فهناك المفوضية المستقلة للانتخابات , واشراف الامم المتحدة ومراقبين دوليين .. وهنا ومع اشراف الامم المتحدة على الانتخابات العراقية تنتفي شبهة - بقدر لا بأس به - (الانتخابات في ظل الاحتلال) , لأننا حتى هذه اللحظة لم نجد تدخلا يُذكر من المحتل في التحضير والاعداد للانتخابات , قد يحصل ومع حصوله على الجميع الوقوف ضد التلاعب .
هذا كل ما يمكن أن يُقال عن هذه الدعوى , وليس لدى هؤلاء من حل معقول منطقي , وهذه دعوة لمن لديه الحل أن يمن به علينا لنتبعه إن كان الأفضل .
ثانيا : مقاطعة الانتخابات بدعوى الوضع الأمني المنهار خاصة في المناطق السنية , مطالبات بالتأجيل .
هؤلاء لا علاقة لهم بالدعوى الأولى وشرط خروج المحتل من العراق , حتى لا تُباع الوطنيات هكذا بالمجان لكل من هب ودب من أروقة جامعات ومساجد صدام التي وهبها لمن شاء أو من أروقة أبو ضبي وغيرها .. وبنظرة أولية نجد الحق معهم لأن الاصوات التي يأملون الحصول عليها في مناطق غير آمنة , وبالتالي لا يحصلون عليها اذا بقي الوضع الأمني على ماهو عليه في مناطقهم .. من هنا لا يناقشون في أصل شرعية الانتخابات بل بنتائجها المتوقعة مع عدم مشاركة مناطقهم . لكن بنظرة دقيقة متفحصة تصب هذه الدعوى الثانية في صالح الدعوى الأولى عن غير قصد . وذلك لأن تأجيل الانتخابات يُعد أولاً وبالذات لصالح البعثيين ومن معهم وسيعطيهم التأجيل زخما للمواصلة والاستمرار في العبث بأمن وأرواح الناس الابرياء من العراقيين . ولو غضضنا الطرف عن هذه أيضا , علينا الاجابة على السؤال : هل التأجيل لستة أشهر أخرى يُفضي بشكل حتمي الى توفير وضع آمن في كل مناطق العراق بحيث يكون الجو مناسبا ليدلي الناخب بصوته ؟
إن كان الجواب بنعم مؤكدة , فكلنا مع هذه الدعوى وستة أشهر في عمر الشعوب رقم لا يُعتد به .. لكن أصحاب هذه الدعوى أنفسهم لا يحتملون ذلك ولا يؤكدونه .. مع أن المراقب المحايد للوضع العراقي يتوصل الى حقيقة مفادها أن الوضع الأمني لم ولن يتحسن في ظل هذه التداعيات لا لستة أشهر ولا لسنة كاملة , إن لم نقل انه سيزداد سوءً مع التأجيل لانبعاث الأمل في نفوس القتلة البعثيين من مواصلة طريقهم الاجرامي التخريبي ومواصلة الدعم لهم من جهات وأطراف عديدة . بينما اجراء الانتخابات في وقتها قطع هذا الأمل في النفوس وإن لم توقف الاعمال الاجرامية فوراً .. فالانتخابات ليس حلا سحريا , بل خطوة أولى لا أكثر .
اذا ما تناولنا هذه الدعوى بشفافية , نجد أنها مشكلة يعيشها الواقع السني العراقي , فالحزب الاسلامي أكبر الاحزاب السنية في العراق قدم قائمته لمفوضية الانتخابات وسرعان ما انسحب , مع أن الوضع الأمني هو هو في يوم تقديم القائمة وفي يوم اعلان الانسحاب !! الذي تغير ثمة تهديدات واقعية تلقاها الحزب الاسلامي من البعثيين والمتحالفين معهم فأدى ذلك الى الانسحاب خوفا ورضوخا لمطالب القتلة .. وهذا واقع تعيشه المنطقة السنية في العراق فهي قد ابتليت ببلاء المجرمين البعثيين من العيار الثقيل ممن اتخذهم صدام عكازة نظامه , كما ابتليت أيضا بشكل أكبر بتجمع الخلايا الوهابية والوافدة من خارج العراق لتجد لها مأوى ومرتع في مناطقهم , وهذا المأوى والمرتع وفره المجرمون البعثيون هناك .. وهذا معناه أن التأجيل ليس حلاً البتة .. هذا أحد وجوه هذه الدعوى .
أما الوجه الثاني وهو خوف التهميش وهذا أمر أعلنوه أمس في البيان المنبثق من مؤتمر أهل السنة في العراق حيث الدعوة الى عدم تهميش السنة ! .. وهنا مربط الفرس وهنا أس وأساس هذه الدعوى التي تعود الى ما يُقارب سنة مضت , عندما كانت هناك أصوات تتعالى من المرجعية بالانتخابات وقتها , عندها كانت كل المناطق السنية آمنة بالكامل ولكن الأطراف ذاتها التي رفضت سابقا هي اليوم ترفض مع اختلاف ادعاء السبب .. "الخوف من التهميش" هذا هو العنوان الحقيقي لدعاوى التأجيل وحتى المقاطعة في حيز كبير منها .. مع أن هؤلاء جميعاً يعلمون أن الانتخابات بطريقة التمثيل النسبي , والمناطق السنية غير الآمنة إن لم تصوت تؤثر - بالنسبة - على كل القوائم وكل المرشحين , وبالتالي وبعملية حسابية بسيطة سوف لن يشغل مقاعد السنة أحد غيرهم .. فلو فرضنا أن 25% من نسبة العراقيين هم من أهل السنة ولن يصوتوا للاسباب الامنية , فهذا معناه - وفقا لآلية التمثيل النسبي - ستبقى هذه النسبة شاغرة في البرلمان المنتخب ولا يمكن بحسب هذه الآلية أن يشغلها آخرون .. فلماذا اذاَ هذا الخوف وأين هو التهميش ؟؟!!
لم أجد جواباً مقنعا سوى الخوف من ظهور الحجم الحقيقي من خلال الانتخابات .. ومن هنا تكون المطالبة بعدم التهميش حاملة معها مفهومها الذي يقول : اعطونا المقاعد التي ستكون شاغرة بعد الانتخابات , وهذه عملية حسابية تعطيهم ضعف مالو كانت هناك انتخابات في مناطقهم , لأن هذا معناه أن كل عراقي لا يشارك في الانتخابات يُحسب صوته للمقاعد الشاغرة !! وهم يستفيدوا من ذلك وفقا لهذه الحسابات , بحيث كل عراقي لم ينتخب يُحسب لهم !! .
كثيرا ما بحثت عن حل مقنع لهذه الأزمة التي تحيط بالعراق فلم أجده ووجدت نفسي منصاعا الى القناعة بأن الانتخابات في وقتها نهاية هذا الشهر بكل نواقصها وما يكتنفها من غموض هي خطوة وإن كانت خجولة في الطريق الذي يبدو طويلا .. والعامل العاقل عليه أن يخطو الخطوة الأولى شريطة أن يكون على بصيرة من أمره ويحسب كل البدائل الممكنة لاحقا للمتغيرات المحتملة .. ومن لم يجد غير هذا فليعطني حلاً . فأنا لا أرى في الأفق انسحاباً للاحتلال مع هذا التداخل والتدخل الرهيب الذي يجري في العراق .. ولا أرى ما يجري في العراق مقاومة يمكن بحال من الأحوال أن تهزم المحتل لأنه وببساطة شديدة لم يكن همها الأول اخراج المحتل ولا حتى همها الثاني أوالثالث !! .. وليس في الأفق مجالاً مع هذا الوضع أن تولد مقاومة وطنية عراقية نزيهة مع وجود هؤلاء الملتحفين ثوب المقاومة وقد أساءوا لها .
فلم يبق سوى المضي في الخطوة الأولى والمشاركة في الانتخابات لمحاولة الخروج من هذه الدوامة الكارثية التي تدور رحاها في العراق اليوم .. وليس الأمر متعلق بالديمقراطية بقدر ماهو متعلق بالتشبث من أجل التحرك الى الامام .. لابد للعجلة أن تدور ولو ببطء ولابد لها أن تتحرك رغم وعورة الطريق ..
أما عدم المشاركة لأسباب أخرىدون الوقوف ضد ارادة اغلبية الشعب العراقي فهو حق مشروع وليس كل من لم يشارك في الانتخابات يقف بالضرورة ضد ارادة أغلبية الشعب العراقي .. فالمهم في عدم المشاركة أن لا تُلحق الأذى بالعراق وأهله .
وعن المنسحبين من الانتخابات لسبب معقول وهو الوضع الأمني المتدهور في المناطق السنية في العراق أجد حلا معقولا إن كانوا يبحثون عن الحل .. ذلك أن تجري الانتخابات في كل المناطق العراقية باستثناء المناطق غير الآمنة وتُفرز النتائج وفقا لتمثيل 230 ممثلا في البرلمان القادم من الشيعة والأكراد وكل القوميات والقوى السياسية المختلفة بحسب التصويت والتمثيل النسبي للقوائم .. على أن تكون مقاعد أهل السنة الـ 55 يتم اختيارها في مؤتمر يضم فصائلهم وأحزابهم وشخصياتهم يتوافقون هم على تسمية الـ 55 عضوا لتمثيلهم .. ذلك لأن الجميع يتفق على أن الانتخابات وسيلة وليس غاية أولاً , وإن لأهل السنة حقهم المتناسب وعددهم في العراق ثانيا , ولأنهم لا يصلون الى نسبة الربع في العراق (من غير الأكراد والتركمان من نفس المذهب) مما لا يؤثر على العملية الانتخابية من حيث التعيين اللاشرعي ثالثا , ولأن كل الأطياف العراقية وكل مكوناته يجب أن تكون مشاركة في الحكومة الانتقالية القادمة وفي صياغة الدستور الدائم رابعا .. كل هذا شريطة أن يكون الهم الأول والأخير للجميع هو العراق والانسان العراقي وليس الطائفة أو الحزب أو الشخص أو العرق .. فلا احتلال يزول مع التفكير الأناني الذاتي ولا العراق يُبنى ويستقل الا مع تغليب مصلحة الوطن على كل المصالح الضيقة الأخرى .[/SIZE][/COLOR]
kza_tahir@yahoo.com
أرض السواد - طاهر الخزاعي
اسابيع قليلة , هي أقل الجمع تفصلنا عن الانتخابات في العراق لتشكيل جمعية منتخبة لأقل من سنة من مهامها الرئيسة سن الدستور العراقي وتشكيل حكومة انتقالية أخيرا تعمل على التمهيد للانتخابات العامة .. استطيع القول بأن هذه الانتخابات أخذت حيزا فوق التصورات بل أكبر مما يوصف ! ولا أبالغ اذا قلت ان الاهتمام بهذه الانتخابات - من كل الرؤى الموافقة والمخالفة والمحايدة , من العرب والعجم ومن كل الملل والنحل - الاهتمام بها فاق الاهتمام بحرب احتلال العراق ذاتها .. ومن المؤكد أن للجميع أسبابهم , وهنا أستطيع الجزم أيضا بأن الاسباب كلها - نعم كلها على نحو الاستيعاب والشمول - هي اسباب ذاتية أنانية فئوية .. تعالوا لنناقش بصراحة تامة هذه الطروحات :
أولاً : القول بالمقاطعة لأن الانتخابات تحت ظل المحتل الأمريكي , ولا انتخابات مع وجود الاحتلال .
هذه الدعوى الصريحة والواضحة أكثر من رائعة لا بل هي الحق بعينه , نعم انها كلمة حق يُراد باطل بل ألف باطل ! .. كان يمكن أن تكون كلمة حق يُراد بها حق لو أمكن تصور خروج الاحتلال من العراق وبغض النظر عن الطريقة لكن بشرط أن يضمن لي واحداً من دعاة هذا القول عدم عودة البعثيين كالسابق بل وبمعية الوهابية والسلفية التي وفدت للعراق بفضل أمريكا وصدام ؟! .. أو عدم الخوض في اتون الحرب الاهلية ومن ثم التقسيم ! .
نعم لو افترضنا هدوء واستقرار الوضع العراقي ولا يوجد هناك من يستهدف الشعب العراقي , لكنا جميعا ضد الانتخابات مع وجود الاحتلال .. ولو افترضنا ايضا وجود مقاومة وطنية نزيهة شريفة الاهداف والنوايا عراقية أصيلة , لكنا جميعا ضد الانتخابات مع وجود المحتل .. بشفافية تامة , من يدعي مقاطعة الانتخابات لأن العراق تحت الاحتلال هم البعثيون والمتحالفون معهم , وليس أقوى من بياناتهم وفعلهم على أرض الواقع العراقي من دليل على ذلك .. من هنا تكون هذه الدعوى باطلة لبطلان أهداف أصحابها , وأصحابها يعلنون عن أنفسهم , فهم بين انصار السنة - جناج بعثي - والجهاد والتوحيد - جناح زرقاوي - والجيش الاسلامي - جناح للقاعدة - ومسميات هنا وهناك لم نجد بينها مسمى واحدا واضحا يمكن أن يخلو من شوائب البعثيين والظلاميين .
رُبَّ قائل : هذا لا يُبرر اجراء الانتخابات تحت نير المحتل .
والجواب : بل يُبرر ويعطي التبرير قوة , اذ أننا أمام عدوين لا فرق بينهما , المحتل من جانب والبعثيون والارهابيون - معا - من جانب آخر .. سيما وأن بنادق الارهاب ودعاة المقاومة "المساومة" موجهة الى صدور العراقيين شرطة وحرس وكيانات ادارية وسياسية ودينية أكثر مما هي موجهة ضد المحتل , وبالتالي فهؤلاء إن لم يساووا الاحتلال في جرمه فهم أشد وطأة منه وهؤلاء لا يعملون لاخراج المحتل وتحرير العراق بقدر ما يعملون على استرداد مجد توهموا انه ضاع ! .
الاحتلال الى زوال طالت السنون أم قصرت , بل وسيكون الاحتلال عامل وحدة عراقية - من منطق المحنة المشتركة - اذا ما عرفنا كيف نتصرف لاحقا , أما هؤلاء فهم عامل فتنة وقتل وتدمير وذبح . وفوق هذا كله نجد رؤوس هذه الدعوى هم أزلام البعث وجيوش تقمصت اسم الاسلام ظلما وبهتاناً . لم نجد فصيلا عراقيا واحدا يقاطع الانتخابات على هذا الاساس ذلك لأن الجميع يدرك حجم الكارثة المقصودة من هذه الدعوى في ظل التداعيات التي نجمت من سوء تصرف قوات الاحتلال والحكومات المؤقتة العراقية وأدت الى وضع مأساوي لا يمكن معه تصور صحة الدعوى أعلاه .
نعم هناك بعض اشخاص وبعض مسميات حركات أغبلها قومية تلوك هذه الدعوى وتقول لا يمكن اجراء انتخابات في ظل الاحتلال , وكثير من هؤلاء يناغم البعث في توجهه فضلاً من الوفاق الأدلجي بينهما , وآخر يناغم الموقف العربي الحاكم , وأفضل من فيهم أخذته العزة بالإثم , بحيث الاصرار على الموقف الرافض للاحتلال وكل شيء في العراق مع وجود المحتل بغض النظر عن النتائج وإن احترق العراق بأهله أو حدث ما حدث على طريقة - عنز وإن طارت - , لا يهم ذلك في سياستهم , فالمهم أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة , ولكنها معركة يقودها الزرقاوي وسبعاوي ويحز الرؤوس فيها فدائيو صدام !!! .
ثم ما هذه الملازمة المحشورة حشراً بين الانتخابات والاحتلال ؟ ..
ألسنا نصلي ونصوم ونمارس شعائرنا تحت ظل الاحتلال , ألسنا نحتفل ونسافر من والى العراق بوجود الاحتلال ؟ ألم نمارس كل فعاليات الحياة بما في ذلك الفعاليات السياسية - والكلام للذين لم ينضووا في الحكومة المؤقتة - ونمارس العمل الحزبي والسياسي والصحفي تحت ظلال الاحتلال ؟! ماهو الفارق مع الانتخابات ؟ هذا هو السؤال ؟
نعم الجديد حسب الدعوى - اذا أحسنا الظن - أن الحكومة المنتخبة ربما تعقد الصفقات وتوقع المعاهدات مع أمريكا .. وهنا أمر مهم حقاً .. ولكن هذا لا يُبرر أيضا مقاطعة الانتخابات بل يمكن فهمه من الجانب المعاكس ويمكن القول أن يتم التحشيد والتعبئة كي ينتخب الشعب ممثليه ويكون الشعب حاضرا في الميدان وتطلب الحكومة المنتخبة خروج المحتل من العراق وبالتالي تكون الانتخابات هي الحل الوحيد الذي يمكن أن يكون عاملاً هاما لاخراج المحتل وليس العكس .. اضافة الى أن الحكومة القادمة بهذه الانتخابات هي حكومة انتقالية لأقل من سنة , كل ما يميزها الشرعية المكتسبة من الانتخاب .. ولا يُفترض لحكومة مدتها أقل من سنة أن تُلزم العراق باتفاقيات ومعاهدات لعشرات السنين قادمة بحيث تأتي الحكومات الدائمة اللاحقة تُنفذ ما وقعته الحكومة الانتقالية .
ثمة أمر آخر , فقد يُقال ان الانتخابات مع وجود المحتل لم تكن نزيهة وسيعمل المحتل على تزويرها وتسييرها بالوجهة التي يريد وفقاً لمآربه وأشخاصه .. وهذا أمر ممكن . وممكن ايضا تزوير الانتخابات في أي دولة مستقلة وقد حصل وكثيرا - وخاصة في عالمنا الشرقي - ما تكون نتائج الانتخابات لصالح الفئة الحاكمة .. إلا أن الانتخابات القريبة في العراق فيها من الضمانات ما يؤدي بشكل عقلائي الى تقليل احتمالية التزوير , فهناك المفوضية المستقلة للانتخابات , واشراف الامم المتحدة ومراقبين دوليين .. وهنا ومع اشراف الامم المتحدة على الانتخابات العراقية تنتفي شبهة - بقدر لا بأس به - (الانتخابات في ظل الاحتلال) , لأننا حتى هذه اللحظة لم نجد تدخلا يُذكر من المحتل في التحضير والاعداد للانتخابات , قد يحصل ومع حصوله على الجميع الوقوف ضد التلاعب .
هذا كل ما يمكن أن يُقال عن هذه الدعوى , وليس لدى هؤلاء من حل معقول منطقي , وهذه دعوة لمن لديه الحل أن يمن به علينا لنتبعه إن كان الأفضل .
ثانيا : مقاطعة الانتخابات بدعوى الوضع الأمني المنهار خاصة في المناطق السنية , مطالبات بالتأجيل .
هؤلاء لا علاقة لهم بالدعوى الأولى وشرط خروج المحتل من العراق , حتى لا تُباع الوطنيات هكذا بالمجان لكل من هب ودب من أروقة جامعات ومساجد صدام التي وهبها لمن شاء أو من أروقة أبو ضبي وغيرها .. وبنظرة أولية نجد الحق معهم لأن الاصوات التي يأملون الحصول عليها في مناطق غير آمنة , وبالتالي لا يحصلون عليها اذا بقي الوضع الأمني على ماهو عليه في مناطقهم .. من هنا لا يناقشون في أصل شرعية الانتخابات بل بنتائجها المتوقعة مع عدم مشاركة مناطقهم . لكن بنظرة دقيقة متفحصة تصب هذه الدعوى الثانية في صالح الدعوى الأولى عن غير قصد . وذلك لأن تأجيل الانتخابات يُعد أولاً وبالذات لصالح البعثيين ومن معهم وسيعطيهم التأجيل زخما للمواصلة والاستمرار في العبث بأمن وأرواح الناس الابرياء من العراقيين . ولو غضضنا الطرف عن هذه أيضا , علينا الاجابة على السؤال : هل التأجيل لستة أشهر أخرى يُفضي بشكل حتمي الى توفير وضع آمن في كل مناطق العراق بحيث يكون الجو مناسبا ليدلي الناخب بصوته ؟
إن كان الجواب بنعم مؤكدة , فكلنا مع هذه الدعوى وستة أشهر في عمر الشعوب رقم لا يُعتد به .. لكن أصحاب هذه الدعوى أنفسهم لا يحتملون ذلك ولا يؤكدونه .. مع أن المراقب المحايد للوضع العراقي يتوصل الى حقيقة مفادها أن الوضع الأمني لم ولن يتحسن في ظل هذه التداعيات لا لستة أشهر ولا لسنة كاملة , إن لم نقل انه سيزداد سوءً مع التأجيل لانبعاث الأمل في نفوس القتلة البعثيين من مواصلة طريقهم الاجرامي التخريبي ومواصلة الدعم لهم من جهات وأطراف عديدة . بينما اجراء الانتخابات في وقتها قطع هذا الأمل في النفوس وإن لم توقف الاعمال الاجرامية فوراً .. فالانتخابات ليس حلا سحريا , بل خطوة أولى لا أكثر .
اذا ما تناولنا هذه الدعوى بشفافية , نجد أنها مشكلة يعيشها الواقع السني العراقي , فالحزب الاسلامي أكبر الاحزاب السنية في العراق قدم قائمته لمفوضية الانتخابات وسرعان ما انسحب , مع أن الوضع الأمني هو هو في يوم تقديم القائمة وفي يوم اعلان الانسحاب !! الذي تغير ثمة تهديدات واقعية تلقاها الحزب الاسلامي من البعثيين والمتحالفين معهم فأدى ذلك الى الانسحاب خوفا ورضوخا لمطالب القتلة .. وهذا واقع تعيشه المنطقة السنية في العراق فهي قد ابتليت ببلاء المجرمين البعثيين من العيار الثقيل ممن اتخذهم صدام عكازة نظامه , كما ابتليت أيضا بشكل أكبر بتجمع الخلايا الوهابية والوافدة من خارج العراق لتجد لها مأوى ومرتع في مناطقهم , وهذا المأوى والمرتع وفره المجرمون البعثيون هناك .. وهذا معناه أن التأجيل ليس حلاً البتة .. هذا أحد وجوه هذه الدعوى .
أما الوجه الثاني وهو خوف التهميش وهذا أمر أعلنوه أمس في البيان المنبثق من مؤتمر أهل السنة في العراق حيث الدعوة الى عدم تهميش السنة ! .. وهنا مربط الفرس وهنا أس وأساس هذه الدعوى التي تعود الى ما يُقارب سنة مضت , عندما كانت هناك أصوات تتعالى من المرجعية بالانتخابات وقتها , عندها كانت كل المناطق السنية آمنة بالكامل ولكن الأطراف ذاتها التي رفضت سابقا هي اليوم ترفض مع اختلاف ادعاء السبب .. "الخوف من التهميش" هذا هو العنوان الحقيقي لدعاوى التأجيل وحتى المقاطعة في حيز كبير منها .. مع أن هؤلاء جميعاً يعلمون أن الانتخابات بطريقة التمثيل النسبي , والمناطق السنية غير الآمنة إن لم تصوت تؤثر - بالنسبة - على كل القوائم وكل المرشحين , وبالتالي وبعملية حسابية بسيطة سوف لن يشغل مقاعد السنة أحد غيرهم .. فلو فرضنا أن 25% من نسبة العراقيين هم من أهل السنة ولن يصوتوا للاسباب الامنية , فهذا معناه - وفقا لآلية التمثيل النسبي - ستبقى هذه النسبة شاغرة في البرلمان المنتخب ولا يمكن بحسب هذه الآلية أن يشغلها آخرون .. فلماذا اذاَ هذا الخوف وأين هو التهميش ؟؟!!
لم أجد جواباً مقنعا سوى الخوف من ظهور الحجم الحقيقي من خلال الانتخابات .. ومن هنا تكون المطالبة بعدم التهميش حاملة معها مفهومها الذي يقول : اعطونا المقاعد التي ستكون شاغرة بعد الانتخابات , وهذه عملية حسابية تعطيهم ضعف مالو كانت هناك انتخابات في مناطقهم , لأن هذا معناه أن كل عراقي لا يشارك في الانتخابات يُحسب صوته للمقاعد الشاغرة !! وهم يستفيدوا من ذلك وفقا لهذه الحسابات , بحيث كل عراقي لم ينتخب يُحسب لهم !! .
كثيرا ما بحثت عن حل مقنع لهذه الأزمة التي تحيط بالعراق فلم أجده ووجدت نفسي منصاعا الى القناعة بأن الانتخابات في وقتها نهاية هذا الشهر بكل نواقصها وما يكتنفها من غموض هي خطوة وإن كانت خجولة في الطريق الذي يبدو طويلا .. والعامل العاقل عليه أن يخطو الخطوة الأولى شريطة أن يكون على بصيرة من أمره ويحسب كل البدائل الممكنة لاحقا للمتغيرات المحتملة .. ومن لم يجد غير هذا فليعطني حلاً . فأنا لا أرى في الأفق انسحاباً للاحتلال مع هذا التداخل والتدخل الرهيب الذي يجري في العراق .. ولا أرى ما يجري في العراق مقاومة يمكن بحال من الأحوال أن تهزم المحتل لأنه وببساطة شديدة لم يكن همها الأول اخراج المحتل ولا حتى همها الثاني أوالثالث !! .. وليس في الأفق مجالاً مع هذا الوضع أن تولد مقاومة وطنية عراقية نزيهة مع وجود هؤلاء الملتحفين ثوب المقاومة وقد أساءوا لها .
فلم يبق سوى المضي في الخطوة الأولى والمشاركة في الانتخابات لمحاولة الخروج من هذه الدوامة الكارثية التي تدور رحاها في العراق اليوم .. وليس الأمر متعلق بالديمقراطية بقدر ماهو متعلق بالتشبث من أجل التحرك الى الامام .. لابد للعجلة أن تدور ولو ببطء ولابد لها أن تتحرك رغم وعورة الطريق ..
أما عدم المشاركة لأسباب أخرىدون الوقوف ضد ارادة اغلبية الشعب العراقي فهو حق مشروع وليس كل من لم يشارك في الانتخابات يقف بالضرورة ضد ارادة أغلبية الشعب العراقي .. فالمهم في عدم المشاركة أن لا تُلحق الأذى بالعراق وأهله .
وعن المنسحبين من الانتخابات لسبب معقول وهو الوضع الأمني المتدهور في المناطق السنية في العراق أجد حلا معقولا إن كانوا يبحثون عن الحل .. ذلك أن تجري الانتخابات في كل المناطق العراقية باستثناء المناطق غير الآمنة وتُفرز النتائج وفقا لتمثيل 230 ممثلا في البرلمان القادم من الشيعة والأكراد وكل القوميات والقوى السياسية المختلفة بحسب التصويت والتمثيل النسبي للقوائم .. على أن تكون مقاعد أهل السنة الـ 55 يتم اختيارها في مؤتمر يضم فصائلهم وأحزابهم وشخصياتهم يتوافقون هم على تسمية الـ 55 عضوا لتمثيلهم .. ذلك لأن الجميع يتفق على أن الانتخابات وسيلة وليس غاية أولاً , وإن لأهل السنة حقهم المتناسب وعددهم في العراق ثانيا , ولأنهم لا يصلون الى نسبة الربع في العراق (من غير الأكراد والتركمان من نفس المذهب) مما لا يؤثر على العملية الانتخابية من حيث التعيين اللاشرعي ثالثا , ولأن كل الأطياف العراقية وكل مكوناته يجب أن تكون مشاركة في الحكومة الانتقالية القادمة وفي صياغة الدستور الدائم رابعا .. كل هذا شريطة أن يكون الهم الأول والأخير للجميع هو العراق والانسان العراقي وليس الطائفة أو الحزب أو الشخص أو العرق .. فلا احتلال يزول مع التفكير الأناني الذاتي ولا العراق يُبنى ويستقل الا مع تغليب مصلحة الوطن على كل المصالح الضيقة الأخرى .[/SIZE][/COLOR]
kza_tahir@yahoo.com